الأربعاء 7 رجب 1432

بين يدي شرح منهج السالكين

كتبه 
قيم الموضوع
(2 أصوات)

    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد: فإن من أهم العلوم التي ينبغي لطالب العلم الاعتناء بها علم الفقه الذي يتعلم فيه الأحكام الشرعية العملية المتعلقة بعباداته ومعاملاته، وهذا العلم أوسع العلوم الإسلامية على الإطلاق وأكثرها مسائل ودلائل، وقد ضعفت العناية به في كثير من الأقطار الإسلامية في العصور المتأخرة، وفي عصر النهضة العلمية لم يجد هذا العلم العناية التي وجدتها العلوم الشرعية الأخرى، ولذلك أسباب تتعدد وتختلف باختلاف الجهات والأقطار وأفكار الناس وتوجهاتهم، وليس هذا موضع تتبعها وتقصيها، ولكن حسبنا أن نشير إلى أن من أسباب ذلك عند الكثيرين هو النفور عن الكتب المذهبية الخالية عن الدليل والمعقدة الألفاظ، الذي صحبه قلة الكتب المصنفة على المنهجية المثلى التي تعتمد على الدليل مع التدرج في تلقين المسائل.

 

بين يدي شرح منهج السالكين

 

    وقد قضى الله تعالى بأن يبعث في هذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها، وذلك في جميع العلوم الشرعية، وفي هذا الزمان عرف رجال جددوا دعوة التوحيد وحاربوا الشرك ومظاهره، وآخرون جددوا علم الحديث ودعوا إلى العودة على السنة الصحيحة، وآخرون جددوا علم الفقه وأحيوه بعدما أماتته مناهج عصور الانحطاط، ومن هؤلاء الرجال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي العلامة الفقيه المفسر رحمه الله تعالى (1307-1376)، الذي علم وربى رجالا كان لهم الأثر العظيم في العلوم الإسلامية، كما ألف للأمة كتبا التي لا تستغني عنها المكتبة الإسلامية، فمن تلاميذ هذا الشيخ المجدد وآثاره الشيخ محمد بن صالح العثيمين وعبد العزيز بن محمد السلمان وعبد الله بن عبد الرحمن بن صالح البسام وعبد الله بن عبد العزيز العقيل، ومن أشهر مؤلفاته التي بلغت الأربعين مؤلفا: التفسير المعروف بتيسير الكريم الرحمن والقول السديد بشرح كتاب التوحيد وبهجة قلوب الأبرار في الحديث وإرشاد أولي البصائر والألباب لنيل الفقه بأقرب الطرق وأيسر الأسباب ومنها أيضا منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين.

   وهذا الكتاب الأخير مختصر فقهي سُدِّد فيه مؤلفه أيما تسديد، حيث أنه وضعه للمبتدئين الذين يريدون طلب الفقه دون انتساب إلى مذهب من المذاهب الفقهية، وصاغه بلغة عربية سهلة واقتصر فيه على أهم المسائل مقرونة بالدلائل، فجمع فيه جل السمات المطلوبة في الكتب التي تتماشى مع الأصول المنهجية لدعوة التجديد في ميدان الفقه، اللهم إلا ما يؤخذ عليه في بعض المواضع من إيراد بعض الواهي من الأحاديث أو الوهم في التخريج، وهي آفة لا تنقص من قدر هذا الكتاب العظيم الذي أُقدِّر أنه لا نظير له -إلى يومنا هنا- في تقريب مسائل الفقه للمبتدئين بطريقة محكمة من غير انتساب إلى مذهب من المذاهب الفقهية. 

   وليتيقن القارئ من عظمة هذا الكتاب ومؤلفه نطلعه على شيء من ثناء أقرانه عليه، فقد شهد له الأعلام بالفقه وتعظيم الدليل وخصال العالم الرباني، فقال الشيخ ابن باز رحمه الله :« كان رحمه الله كثير الفقه والعناية بمعرفة الراجح من المسائل الخلافية بالدليل، وكان عظيم العناية بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم ، وكان يرجح ما قام عليه الدليل، وكان قليل الكلام ، إلا فيما تترتب عليه فائدة ، جالسته غير مرة في مكة والرياض ، وكان كلامه قليلا إلا في مسائل العلم ، وكان متواضعا حسن الخلق ، ومن قرأ كتبه عرف فضله وعلمه وعنايته بالدليل فرحمه الله رحمه واسعة ». وقال محمد حامد الفقي رحمه الله :« لقد عرفت الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي من أكثر من عشرين سنة، فعرفت فيه العالم السلفي المدقق المحقق الذي يبحث عن الدليل الصادق ، وينقب عن البرهان الوثيق، فيمشي وراءه لا يلوي على شيء ». وقال الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله :« فإن من قرأ مصنفاته وتتبع مؤلفته وخالط وسبر حال أيام حياته ، عرف منه الدأب في خدمة العلم إطلاعا وتعليما ، ووقف منه على حسن السيرة وسماحة الخلق واستقامة الحال ، وإنصاف إخوانه وطلابه من نفسه ».

   وقال عنه تلميذه عبد الله البسام -عضو هيئة كبار العلماء-:« وما إن  تقدمت به الدراسة شوطا حتى تفتحت أمامه آفاق العلم فخرج عن مألوف بلده من الاهتمام بالفقه الحنبلي فقط إلى الإطلاع على كتب التفسير والحديث التوحيد وكتب  شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم التي فتقت ذهنه ووسعت مداركه ، فخرج عن طور التقليد إلى طور الاجتهاد المفيد ، فصار يرجح من الأقوال ما رجحه الدليل وصدقه التعليل ».

 

 

تم قراءة المقال 4996 مرة