أحكام المحدث
1-ومن عليه حدثٌ أصغر لم يحل له: أن يصليَ،
2- ولا أن يطوفَ بالبيت،
3- ولا يمس المصحف.
4- ويزيد من عليه حدث أكبر: أنه لا يقرأ شيئًا من القرآن،
5- ولا يلبث في المسجد بلا وضوء.
6- وتزيد الحائض والنفساء: أنها لا تصوم،
7- ولا يحل وطؤها،
8- ولا طلاقها.
[أحكام المحدث]
الأمور الممنوعة على المحدث ثمانية على الحائض والنفساء، وخمسة على الجنب، وثلاثة على المحدث حدثا أصغر، وقد جمعها المصنف تحت عنوان أحكام المحدث ورتبها بطريقة تجنب فيها التكرار بذكر الممنوعات المشتركة قبل التي تنفرد بها الحائض والتي ينفرد بها الجنب والحائض على النحو .
1-ومن عليه حدثٌ أصغر لم يحلّ له : أن يصليَ.
منع المحدث –مهما كان حدثه -من الصلاة أمر متفق عليه بين العلماء، بل هو من الأمور المعلومة من الدين الضرورة ، قال صلى الله عليه وسلم: «لاَ تُقْبَلُ صَلاَةُ مَنْ أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ»متفق عليه، وقال الله تعالى : (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا) (المائدة:6) وقال صلى الله عليه وسلم:«إِنَّمَا ذَلِكِ عِرْقٌ وَلَيْسَ بِالحَيْضَةِ، فَإِذَا أَقْبَلَتِ الحَيْضَةُ فَاتْرُكِي الصَّلاَةَ، فَإِذَا ذَهَبَ قَدْرُهَا، فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي»متفق عليه.
واختلفوا في حكم صلاة فاقد الطهورين على أقوال هل يصلي ولا يعيد أم يصلي ويعيد أم لا يصلي ويعيد أم لا يصلي ولا يعيد، والصحيح الأول وهو أنه يصلي بلا طهارة ولا يعيد، وهو قول مالك وأحمد في رواية عنهما، ودليله قصة سبب نزول رخصة التيمم في آية المائدة فقد صلى الصحابة رضي الله عنهم بلا طهارة ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة ، والله أعلم.
وتتصور حالة فاقد الطهورين بعد تشريع التيمم في صورة المريض الذي لا يقدر على الحركة أو المصاب في يديه ووجهه وفي حالة عدم إمكان الوصول إلى الماء الصعيد إلا بعد خروج وقت الصلاة كالمسجون المقيد أو راكب الطائرة ونحوها مما لا يمكن إيقافه.
2-ولا أن يطوفَ بالبيت.
مذهب جمهور العلماء أن المحدث مهما كان حدثه ممنوع من الطواف، ومن أدلتهم بحديث:« الطَّوَافُ حَوْلَ الْبَيْتِ مِثْلُ الصَّلَاةِ إِلَّا أَنَّكُمْ تَتَكَلَّمُونَ فِيهِ فَمَنْ تَكَلَّمَ فِيهِ فَلَا يَتَكَلَّمَنَّ إِلَّا بِخَيْرٍ »رواه الترمذي، وحديث:« فَافْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي»متفق عليه، وعَنِ ابْنِ عُمَرَ ؛ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَقْضِي شَيْئًا مِنَ الْمَنَاسِكِ إِلاَّ وَهُوَ مُتَوَضِّئٌ رواه ابن أبي شيبة. وذهب ابن تيمية –وهو رواية عن أبي حنيفة –واختاره العثيمين إلى أن الطهارة للطواف سنة وليس واجبا ولا هو شرط في صحته لأن الأصل عدم الوجوب وفعل النبي صلى الله وسلم والصحابة يدل على الاستحباب وهذا القدر لا خلاف فيه، وأما الحديث الأول الصواب فيه الوقف وأنه قول ابن عباس، وهو محمول على اجتناب محظورات الصلاة في الطواف وليس إلحاق الطواف بالصلاة في جميع أحكمها، والحديث الثاني يحتمل الخصوصية بالحيض وهو قول داود، أو هو محمول على منعها من الدخول إلى المسجد وهذا توجيه ابن تيمية.
وتوسط الحنفية فقالوا إن الطهارة للطواف واجب لا شرط الأفضل لمن طاف من دونها إعادته فإن لم يعد فعليه دم لتركه واجبا من الواجبات.
ولعل الحاجة العملية تظهر في هذه المسألة في صورتين: الأولى في حق من انتقض وضوؤه أثناء الطواف هل يكمل أم يجب عليه الخروج منه لأجل الوضوء، لأنه لا يقع الطواف من جنب، إذ الغالب أن يتوضأ المرء للطواف. والثانية : وهي الحائض إذا اضطرت لأجل للحاق برفقة لا يمكن تأخيرها، فالقائل بأن المنع للحدث يحرم عليها الطواف، ويبطل طوافها والقائل بأن المنع لأجل المسجد يجيز لها الطواف ويصحح طوافها.
3-ولا يمس المصحف.
مذهب جماهير العلماء منع المحدث حدثا أصغير فضلا عن غيره من مس المصحف استدلالا بقوله تعالى: (إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) (الواقعة/77-79) ووجهه أن وصف الملائكة الذي يمسون القرآن في اللوح المحفوظ بالمطهرين مشعر بالعلية، فلا يمس القرآن في المصحف من المكلفين إلا متطهر متشبه بهم، واستدلوا بحديث مَالِك عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ أَنَّ فِي الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَنْ لَا يَمَسَّ الْقُرْآنَ إِلَّا طَاهِرٌ» رواه مالك، قال أحمد :أرجوا أن يكون صحيحا.
كما أنه مذهب الصحابة رضي الله عنهم ولا مخالف لهم ، ومن ذلك ما صح عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ قَالَ كُنْتُ أُمْسِكُ الْمُصْحَفَ عَلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فَاحْتَكَكْتُ فَقَالَ سَعْدٌ لَعَلَّكَ مَسِسْتَ ذَكَرَكَ قَالَ فَقُلْتُ نَعَمْ فَقَالَ قُمْ فَتَوَضَّأْ فَقُمْتُ فَتَوَضَّأْتُ ثُمَّ رَجَعْتُ» رواه مالك.
-وثبت عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، أَنَّهُ كَانَ لاَ يَمَسُّ الْمُصْحَفَ إِلاَّ وَهُوَ طَاهِرٌ رواه ابن أبي شيبة.
-وعن عبد الرحمن بن يزيد عن سلمان قال : كنا معه في سفر فانطلق فقضى حاجته ثم جاء فقلت أي أبا عبد الله توضأ لعلنا نسألك عن آي من القرآن فقال سلوني فإني لا أمسه إنه لا يمسه إلا المطهرون فسألناه فقرأ علينا قبل أن يتوضأ رواه الدارقطني.
وقال إسحاق:« وكذلك فعل أصحاب النبي عليه السلام والتابعون»، لكن الخلاف ثابت عن التابعين، فأجاز مسه بغير وضوء الحسن والشعبي، وقال داود بالجواز للمحدث والجنب.
والصحيح مذهب الجماهير المذكور أولا .
ومما يجدر التنبيه عليه أن كتب العلم ولو كانت كتب التفسير لا تدخل في المنع وعليها تقاس الهواتف المحمولة
4-ويزيد من عليه حدث أكبر: أنه لا يقرأ شيئا من القرآن.
مذهب الشافعي وأحمد أن المحدث حدثا أكبر لا يقرأ شيئا من القرآن الكريم، وقول المصنف (لا يقرأ شيئا) يقصد أنه لا يقرأ لا بعض آية ولا الآية والآيتين ، وقد رخص أبو حنيفة للجنب والحائض قراءة بعض آية، بناء على بعض الآية لا يعد قرآنا ، كما رخص مالك للجنب في الآية والآيتين على سبيل التعوذ ، وأجاز للحائض القراءة مطلقا في المشهور عنه.
ورجح هذا القول الأخير ابن تيمية والعثيمين ويؤيد التفريق أن الجنب مفرط بخلاف الحائض فهي لا تمتلك أن تتطهر حتى يزول حيضها، وهي تحتاج أن تراجع القرآن أو تعلمه لغيرها.
وقد استدل للمنع بأحاديث لا تصح منها حديث ابن عمر:« لَا يَقْرَأُ الْجُنُبُ وَالْحَائِضُ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ» رواه الترمذي وابن ماجة، وهو حديث ضعيف متفق على ضعفه، وحديث عَلِيٍّ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُقْرِئُنَا الْقُرْآنَ عَلَى كُلِّ حَالٍ مَا لَمْ يَكُنْ جُنُبًا رواه أهل السنن، وهو ضعيف أيضا ضعفه البخاري وأحمد.
وكما استدل له بآثار عن الصحابة كقول علي :« اقرؤوا القرآن ما لم يصب أحدكم جنابة فإن أصابته جنابة فلا ولا حرفا واحدا» رواه الدارقطني وصححه، وما روي عن عبيدة السلماني قال كان عمر بن الخطاب يكره أن يقرأ القرآن وهو جنب رواه عبد الرزاق. لكن ثبت الخلاف عن ابن عباس أنه كان يقرأ ورده وهو جنب رواه ابن المنذر وصححه ابن حجر في التغليق. ولا حجة في قول الصحابة مع وجود المخالف.
وقد قال مالك كما في النوادر 1/124: "ولقد حرَصْتُ أنْ أجِدَ في قراءة الجُنُبِ القرآن رُخْصَةً فما وَجَدْتُها". وقد وجدنا الرخصة في أثر ابن عباس رضي الله عنهما ، وعدم المنع للجنب والحائض هو مذهب ابن المسيب وعكرمة وربيعة وابن المنذر وداود واختاره ابن حزم، اعتبارا للبراءة الأصلية والتي يؤيدها قول عائشة كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه»، وحديث: «افعلي ما يفعله الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت » .
وهذا الجواز لا ينافي الكراهة لا سيما للجنب الذي لا عذر له في تأخير الغسل وينبه هنا أن المعذور الذي يجوز له التيمم للصلاة يباح له التيمم لقراءة القرآن عند المانع فيخرج من محل النزاع.
5-ولا يلبث في المسجد بلا وضوء.
مما يمنع منه الجنب ومثله الحائض المكوث في المسجد لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا) (النساء:43)، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم النساء باعتزال المصلى وهذا مالك والشافعي وأحمد هو الصحيح لظاهر الآية الكريمة، لأن تأويلها لا تقربوا مواضع الصلاة.
ومنعهما أبو حنيفة من المكوث والعبور، وذهب داود وابن المنذر إلى جواز المكوث والعبور معا، وروي عن أحمد الترخيص للجنب إذا توضأ أن يلبث في المسجد لما روى هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار قال رأيت رجالا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلسون في المسجد وهم مجنبون إذا توضؤا وضوء الصلاة رواه سعيد بن منصور، ولا يقبل مثل هذا من هشام بن سعد وفيه ضعف، ويعارضه ما صح عن عَنْ جَابِرٍ، قَالَ : كَانَ الْجُنُبُ يَمُرُّ فِي الْمَسْجِدِ مُجْتَازًا رواه ابن أبي شيبة.وقد روى ابن ابي شيبة الأثر عن هشام من غير ذكر الوضوء وحمله على المرور دون المكوث.
والمرور في المسجد لا يكون إلا لحاجة فيه أو لمن لم يجد طريقا غيره وقد تكون الحاجة أن يدخل فيحدث من فيه حديثا ولا يلبث.
6-وتزيد الحائض والنفساء: أنها لا تصوم.
وتمنع الحائض والنفساء من الصوم وهذا باتفاق العلماء وهو معلوم من الدين بالصرورة ومما يدل عليه حديث مُعَاذَةَ قَالَتْ سَأَلْتُ عَائِشَةَ فَقُلْتُ مَا بَالُ الْحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ فَقَالَتْ أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ قُلْتُ لَسْتُ بِحَرُورِيَّةٍ وَلَكِنِّي أَسْأَلُ قَالَتْ كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ رواه مسلم.
7-ولا يحل وطؤها.
وكذلك لا يجوز وطء الحائض وهذا باتفاق العلماء أيضا، لقوله تعالى : ( وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) (البقرة:222) .
وأما الاستمتاع فيما دون الفرج فجائز وهو قول أحمد وداود لقول النبي صلى الله عليه وسلم في تفسير الآية :« اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا النِّكَاحَ»رواه مسلم.
8-ولا طلاقها.
ولا يحل للرجل أن يطلق زوجته وهي حائض لحديث ابن عمر أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدُ وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ تُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ» متفق عليه. وهذا الطلاق مع كونه لغير السنة إلا أنه إن وقع احتسب .