الخميس 20 ربيع الثاني 1443

(14) شرح منهج السالكين : باب ستر العورة

كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

[باب ستر العورة]


1- وَمِنْ شُرُوطِهَا: سَتْرُ اَلْعَوْرَةِ بِثَوْبٍ مُبَاحٍ، لَا يَصِفُ اَلْبَشْرَةَ.
2- وَالْعَوْرَةُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ:
- مغلَّظة: وهي: عورة المرأة الحرة البالغة، فَجَمِيعُ بَدَنِهَا عَوْرَةٌ فِي اَلصَّلَاةِ إِلَّا وَجْهَهَا.
- ومخففة: وهي عَوْرَةُ اِبْنِ سَبْعِ سِنِينَ إِلَى عَشْرٍ، وَهِيَ اَلْفَرْجَانِ.
- وَمُتَوَسِّطَةٌ: وَهِيَ عَوْرَةُ مِنْ عَدَاهُمْ، مِنْ السُّرَّة إلى الركبة.
3- قَالَ تَعَالَى: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) (اَلْأَعْرَافِ: 31) .

[باب ستر العورة]


1- وَمِنْ شُرُوطِهَا: سَتْرُ اَلْعَوْرَةِ بِثَوْبٍ مُبَاحٍ، لَا يَصِفُ اَلْبَشْرَةَ.
   بعد أن تعرض المصنف لشرطين من شروط الصلاة الطهارة ودخول الوقت انتقل إلى شرط ثالث وهو ستر العورة ، والقول بالشرطية مذهب الجمهور، وقال المالكية إن ستر العورة واجب مع العلم والقدرة أو سنة تبطل صلاة من تركها عمدا، والفرق بين المذهبين حكم من تركها جاهلا وناسيا أو عاجزا هل تبطل صلاته أم لا ، وأما من كان قادرا على الاستتار وصلى عريانا فقد نقل ابن عبد البر الإجماع على فساد صلاته.
 ومن أدلة وجوب ستر العورة قوله تعالى : (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) (الأعراف:31) وقوله صلى الله عليه وسلم:« فَإِنْ كَانَ وَاسِعًا فَالْتَحِفْ بِهِ وَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا فَاتَّزِرْ بِهِ » رواه البخاري، وقوله صلى الله عليه وسلم :« لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إِلَّا بِخِمَارٍ»-رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة-.
   ومع القول بشرطية ستر العورة فالظاهر أنه يعفى عمن غفل عن يسيرها، لحديث عَمْرِو بْنِ سَلِمَةَ قَالَ :«فَنَظَرُوا فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَكْثَرَ قُرْآنًا مِنِّي لِمَا كُنْتُ أَتَلَقَّى مِنْ الرُّكْبَانِ فَقَدَّمُونِي بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَأَنَا ابْنُ سِتٍّ أَوْ سَبْعِ سِنِينَ وَكَانَتْ عَلَيَّ بُرْدَةٌ كُنْتُ إِذَا سَجَدْتُ تَقَلَّصَتْ عَنِّي فَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْحَيِّ أَلَا تُغَطُّوا عَنَّا اسْتَ قَارِئِكُمْ فَاشْتَرَوْا فَقَطَعُوا لِي قَمِيصًا فَمَا فَرِحْتُ بِشَيْءٍ فَرَحِي بِذَلِكَ الْقَمِيصِ» رواه البخاري.
   وقوله :"بثوب مباح" بمعنى أنه لا يجوز أن يصلى المرء بثوب محرم على المصلي لبسه سواء كان مسروقا أو مصنوعا من حرير بالنسبة للرجال أو من جلود السباع ونحو ذلك ، والمسلم منهي عن استعمال الثوب المحرم في الصلاة وخارجها، ولكن في الصلاة يشتد النهي ، ويرى الحنابلة بطلان الصلاة لأن النهي يقتضي الفساد ، وعند الجمهور تصح الصلاة مع الإثم لأن النهي عن استعمال المحرم جاء عاما ولم يأت في خصوص الصلاة ، ولو ورد النهي عن الصلاة بثوب حرير أو ثوب مغصوب لكان مقتضى النهي الفساد لكنه لم يرد، فمات الصلاة صحيحة بثوب الحرير للرجل مثلما لو صلى بخاتم الذهب ولا فرق والعلم عند الله تعالى.  
  وقوله :" لا يصف البشرة" بيان لشرط مهم في اللباس، فاللباس لابد أن يكون كثيفا لا يشف، والشفاف الذي يصف لون البشرة لا يصح أنه يقال إنه ستر العورة ، والصلاة به باطلة ، وكذلك لابد أن يكون صفيقا لا يصف ولا يحدد العورة ، وهذا فيه اختلاف فقيل بالبطلان أو الاعادة في الوقت وقيل بالصحة مع الكراهة وعلل برفع الحرج، ولعل بعض اللباس يخرج من محل الخلاف ملتحق بما يصف البشرة لأنه كمن ستر عورته بحناء أو صبغ.
ولم يذكر المصنف شرطا ثالثا وهو طهارة الثوب ولعله رآه داخلا في معنى شرط الإباحة أو اكتفى بما بالإشارات السابقة إليه في المتن حين قال : (فَإِذَا شَكَّ اَلْمُسْلِمُ فِي نَجَاسَةِ مَاءٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ بُقْعَةٍ، أَوْ غَيْرِهَا: فَهُوَ طَاهِرٌ) وحين قال : (وَيَكْفِي فِي غَسْلِ جَمِيعِ اَلنَّجَاسَاتِ عَلَى اَلْبَدَنِ، أَوْ اَلثَّوْبِ، أَوْ اَلْبُقْعَةِ أَوْ غَيْرِهِا، أَنْ تَزُولَ عَيْنُهَا).
2- وَالْعَوْرَةُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ:
قسم المالكية والحنفية العورة إلى قسمين عورة مغلطة وعورة مخففة وهي في حق الرجل السوءتان وفي حق المرأة ما بين السرة والركبة، وثمرة التفريق عند المالكية جعل سترة المغلطة شرطا وستر المخففة واجبا .
وثمرتها عند بعض الحنفية تحديد القدر المعفو عنه والمغلظة عندهم هي السوءتان .
والذي جرى عليه المصنف جعل القسمة الثلاثية لكنه لم يبين لنا ثمرة التقسيم ، والذي ظهر لي أن هذا مجرد تقسيم لأنواع العورات –كما هو عند الحنابلة- لا يتعلق بالغلظ أو التخفيف أحكام والله أعلم.
- مغلَّظة: وهي: عورة المرأة الحرة البالغة، فَجَمِيعُ بَدَنِهَا عَوْرَةٌ فِي اَلصَّلَاةِ إِلَّا وَجْهَهَا.
النوع الأول : هو جميع البدن إلا الوجه كما قول أحمد في رواية وإلا الوجه والكفين عند الجمهور وهو الصحيح.
والدليل قوله صلى الله عليه وسلم «المَرْأَةُ عَوْرَةٌ، فَإِذَا خَرَجَتْ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ»-رواه الترمذي وصححه-، ودليل الاستثناء أن النبي  نهى المحرمة عن لبس النقاب والقفازين، ولأن ابن عباس قال في تفسير قوله تعالى (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها): وجهها وكفاها، ونحوه عن ابن عمر.
   قوله :"فجميع بدنها عورة في الصلاة إلا وجهها" أما في غير الصلاة فهي كلها عورة في مذهب أحمد وعند المصنف.
   واستثنى أبو حنيفة القدمين، ووافقه ابن تيمية والعثيمين، واحتج ابن تيمية بأن النساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كن يصلين في القمص والقمص لا ترخى حتى تستر القدم وأسفله وإنما تستر ساقها فقط (مجموع الفتاوى (22/118) الشرح الممتع (2/ 161)).
 ومن أدلتهم حديث عائشة: (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) قالت : "الفتخ حلق من فضة يكون في أصابع الرجلين"، وفي الإسناد ضعيف وامرأة لا تعرف-انظر تفسير ابن أبي حاتم (8/2575).
- ومخففة: وهي عَوْرَةُ اِبْنِ سَبْعِ سِنِينَ إِلَى عَشْرٍ، وَهِيَ اَلْفَرْجَانِ.
   النوع الثاني من العورة عند الحنابلة في الصلاة وغيرها الفرجان فقط وهو خاص بالولد الذكر إذا كان عمره ما بين سبع سنين إلى عشر سنين.
    ومفهوم كلامهم أن من كان دون سبع سنين فلا عورة له وهو نفسه مذهب الشافعية، ومذهب المالكية أنه لا عورة له إلى ثمان سنين وعورته الفرجان إلى البلوغ، وهذا فيه نظر، وكأنهم ربطوا حكم العورة المغلظة بسن تمييزه هو، والأولى اعتبارها باشتهاء غيره له لأنه يسترها عن غيره من الرجال والنساء.
    وأقرب من هذا قول بعض الحنفية إنه لا عورة للصبي والصبية حتى يبلغا أربع سنين فعورتهما الفرجان ما داما لم يشتهيا، فإذا بلغ سبع سنين فتصبح عورته كعورة الكبير للأمر بالصلاة، ومنهم من قال إنما تتغلظ بدءا من السابعة إلى عشر سنين ثم يكون كعورة البالغين لأن ذلك زمان يمكن بلوغ المرأة فيه.
   ينبغي التنبيه أن من دون الثمان عند المالكية إذا صلى وجب عليه أن يستر عورته المغلظة، ولذلك قالوا يعيد في الوقت.
- وَمُتَوَسِّطَةٌ: وَهِيَ عَوْرَةُ مِنْ عَدَاهُمْ، مِنْ السُّرَّة إلى الركبة.
  النوع الثالث من العورات من السرة إلى الركبة ، وقوله :«من السرة إلى الركبة» الصحيح فيه أن السرة والركبة لا يدخلان في العورة.
   وقوله :«من عداهم »يشمل الأصناف الآتية:
1-من تجاوز عشر سنين من الذكور، فأما البالغ فعورته عند الجمهور ما بين السرة والركبة، وغير البالغ مثله عند الحنابلة والشافعية وبعض الحنفية ، وسبق أن المالكية حدوا وجوب سترها بالبلوغ وأن بعض الحنفية حدوها بسبع سنين.
2-عورة غير البالغة من الإناث التي تجاوزت سبع سنين، وهذا عند الحنابلة في الصلاة ومع محارمها أما مع الأجانب فجميع بدنها إلا الوجه والرقبة والرأس واليدين إلى المرفقين والساق والقدم.
وعند الحنفية أن عورتها عورة البالغة إذا صارت يشتهى مثلها.
وعند الشافعية عورتها من السابعة إلى التاسعة فرجها فإذا بلغت التاسعة صارت في حكم البالغات.
3-وعورة الأمة في الصلاة وغيرها وهو قول الجمهور، وقيل ما عدا الرأس واليدين إلى المرفقين والرجلين إلى الركبة وهو رواية عن أحمد. وقيل كلها عورة ما عدا الرأس حكي عن مالك، وهو قول ابن حزم وابن تيمية وأقصى حالهن أنهن كالقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا.
4-قال تعالى : (  يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ) (الأعراف:31) .
    أورد المصنف هذه الآية للدلالة على وجوب سترة العورة في الصلاة ، وفي تفسير الآية أقوال عدة:
فقيل إنها واردة في ستر العورة في الطواف.
وقيل إنها في ستر العورة في الصلاة.
وقيل المراد بها التجمل للجمع والأعياد.
    والأول صح عن ابن عباس كما في مسلم وغيره، ولكن أمر الصلاة أوكد من الطواف، وعليه تكون الآية شاملة للأقوال جميعها، على أن الآية نصت على الأمر بالزينة وإنما دلت على الأمر بستر العورة بدلالة التضمن أو الأولى، قال ابن تيمية في الفتاوى الكبرى (5/326):« أمر الله بقدر زائد على ستر العورة في الصلاة وهو أخذ الزينة فقال تعالى : (خذوا زينتكم عند كل مسجد) (الأعراف:31) فعلق الأمر بأخذ الزينة لا بستر العورة إيذانا بأن العبد ينبغي له أن يلبس أزين ثيابه وأجملها في الصلاة».
     وفي سياق معنى الزينة المأمور بها في الآية أمرنا  بستر أعلى الجسد زيادة على ستر العورة، فقال :« لَا يُصَلِّي أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ » متفق عليه.



تم قراءة المقال 567 مرة