الاثنين 2 ذو الحجة 1431

خصائص ومميزات حقوق الإنسان في الإسلام

كتبه 
قيم الموضوع
(9 أصوات)

    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد: فأول شيء نبدأ به بيان معاني عنوان هذه المحاضرة "خصائص ومميزات حقوق الإنسان في الإسلام"، فما سنتعرض له هو حقوق الإنسان في الإسلام لا عند المسلمين، حقوق الإنسان كما جاء بها القرآن والسنة لا كما هي الآن في بلاد المسلمين، لأن المسلمين اليوم وخاصة حكوماتهم قد ابتعدوا عن عقائد ومبادئ الإسلام ابتعادا كثيرا، وصارت تصدر منهم تصرفات كثيرة مخلة بحقوق الإنسان وحقوق المسلمين، وهم إنما استباحوا ذلك نظرا لتبنيهم نظريات غربية غير إسلامية.

    وهذه الخصائص والمميزات التي سنتحدث عنها مستخلصة من جزئيات كثيرة في الشريعة الإسلامية، وذلك بالمقارنة مع القوانين الوضعية لأنها هي الموجودة في العالم اليوم، ولا يمكننا أن نعقد مقارنة مع حقوق الإنسان في النصرانية لأنها غير موجودة ولأننا نعتقد أن الحقوق التي أثبتها الكتاب المقدس في العهدين القديم والجديد هي حقوق الإنسان اليهودي فحسب.

 

خصائص ومميزات حقوق الإنسان في الإسلام

 

   وأما معنى الحقوق فهي كما يقول بعض العلماء المعاصرين :"تلك الاختصاصات التي يقر بها الشرع للإنسان سلطةً أو تكليفاً"، وقال الجرجاني (ص120):" وفي اللغة هو الثابت الذي لا يسوغ إنكاره وفي اصطلاح أهل المعاني هو الحكم المطابق للواقع يطلق على الأقوال والعقائد والأديان والمذاهب باعتبار اشتمالها على ذلك ويقابله الباطل". فمعنى الحقوق في اللغة والشرع والاصطلاح -كما يلاحظ- أوسع من المعاني الضيقة التي تقف عندها القوانين الوضعية.

وفيما يأتي شرح لتلك الخصائص والمميزات:

1-حقوق الإنسان في الإسلام شريعة محكمة وليست 30 مادة قابلة للتأويل وللاستدراك.

   إن القرآن الكريم كله جاء لبيان الحقوق والواجبات وكذلك سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وما وضعه فقهاء الإسلام منذ العصور الأولى للإسلام من مؤلفات فقهية وغيرها يعتبر من أعظم الموسوعات الحقوقية في العالم وهذا بشهادة المستشرقين الغربيين، موسوعات قد يصل حجم المؤلف الواحد منها ثلاثين مجلدا وفي كل مجلد ما يتعدى الثلاثمائة صفحة، وليست ثلاثين مادة. قد حوت حقوق الله عز وجل وحقوق العباد المادية والمعنوية، والحقوق الفردية والجماعية، وحقوق الحاكم والمحكوم، وحقوق المسلم وغير المسلم في السلم والحرب، ولم تترك شيئا لم تتعرض له أو يمكن استداركه عليها.

ومن آثار ذلك أن هذا المفهوم "مفهوم حقوق الإنسان" لم يكن بارزا وظاهرا قبل منتصف القرن الماضي، فلما برز لم يحج فقهاء الإسلام صعوبة في الخوض في قضاياه من خلال ما تركه الفقهاء السابقون، فوجدوا مادة الموضوع جاهزة فلم يكن عليهم إلا الاجتهاد في تنظيمها على وقف الترتيب العصري والمصطلحات الجديدة.

2-حقوق الإنسان في الإسلام مبنية على العدالة وهي حقيقة لا مجرد شعارات

   حقوق الإنسان في المفاهيم العالمية تبنى على المساواة ، وفي الإسلام تبنى على مفهوم العدل والعدالة وهو أدق في تحقيق المراد وفي إيصال الحقوق إلى مستحقيها من معنى المساواة، لأن المساواة في بعض الأحيان يكون فيها إجحاف فلا تتحقق العدالة، فإذا كان عند الدولة مال تريد تقسيمه على المواطنين فإنها إذا قسمته بالتساوي لم تكن عادلة لأن الناس فيهم الفقير والمتوسط والغني، وقد يكون من مقتضى العدالة أن تعطي الفقير أكثر من المتوسط الحال وأن لا تعطي الغني شيئا.

   وفي الإسلام إذا أردنا تقسيم التركة بين الذكر والأنثى لا نطبق مفهوم المساواة بل مفهوم العدل، فنعطي للذكر مثل حظ الأنثيين كما قال عز وجل : (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) (النساء/11)

   ثم إن مبدأ المساواة الذي تبنى عليه حقوق الإنسان في الشرائع الوضعية ليس إلا مجرد شعارات رفعت في ظرف معين من أجل رفع الغبن والتمييز ضد طائفة معينة، أما في الإسلام فإن تساوي الناس أمام الشرع (القانون) في الإسلام حقيقة واقعة لا مجرد شعارات، وأول من رسخ ذلك نبينا صلى الله عليه وآله وسلم، حين شفع بعضهم في إقامة حد السرقة على امرأة شريفة فغضب ثن خطب في الناس خطبة قال فيها :"إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا"(متفق عليه). فليس في الإسلام حق الفيتو أو ما يشبهه.

   أما الشعار الثلاثي للإعلان العالمي حقوق الإنسان (الحرية والمساواة والإخاء) فهو مجرد شعار أثبت الواقع أن واضعه لم يقصد به كل البشر وإنما هم بعض البشر دون بعض، ويكفينا أن نقرأ في أول بروتوكول لخبثاء صهيون قولهم :"كنا أول من اخترع كلمات الحرية والمساواة والإخاء التي أخذ العميان يرددونها في كل مكان دون تفكير أو وعي ، وهي كلمات جوفاء لم تلحظ الشعوب الجاهلة مدى الاختلاف بل التناقض الذي يشيع في مدلولها، إن شعار الحرية والمساواة والإخاء الذي أطلقناه قد جلب لنا أعوانا من جميع أنحاء الدنيا".

3-حقوق الإنسان في الإسلام تنبثق من العقيدة الإسلامية

    حقوق الإنسان في الإسلام ليست مجرد حقوق وإنما هي فرائض إلهية وتكاليف وواجبات شرعية تفرض على كل من تتعلق به مراعاتها؛ فمن شهد لله تعالى بالوحدانية ولمحمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة، يكون قد أمضى بشهادته عقدا يلتزم فيه بأداء كل الحقوق والواجبات التي جاءت بها الشريعة دون استثناء، ومن رفض حقا واحدا أو واجبا من الواجبات يكون قد رفض الشهادة التي بها دخل إلى رحاب دين الإسلام.

4- حقوق الإنسان في الإسلام ربانية لا بشرية

   الحقوق في الإسلام مصدرها كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهي وحي إلهي منزه عن التحيز وعن الميل إلى جنس أو طائفة من البشر، وكذلك هي بمصدرها الإلهي منزهة عن الخطأ والجور، وأما حقوق الإنسان في القوانين الدولية ومواثيقها فهي تتأثر بميول واضعها وانتماءاتهم مهما حاولوا أن يكونوا موضوعيين وأن يتخلوا عن ذاتياتهم، والبشر من جهة أخرى معرضون للخطأ وسوء التقدير للمصالح لأن طبيعة البشر مهما كانوا أذكياء الضعف والقصور والعجز عن الإحاطة بكل الأمور والأشياء على وجهها.

5- حقوق الإنسان في الإسلام منح إلهية

    إن الحقوق في الإسلام منح إلهية نابعة من التكريم الإلهي لبني آدم، فهو الذي خلق الإنسان ويعلم ما يصلح له وما يصلحه، كما قال عز وجل : (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) (الإسراء/70)، وليست حقوقا يمنحها مخلوق لمخلوق مثله، يمنحها الأبيض للأسود أو المستعمِر للمستعمَر أو الرجل للمرأة، ثم يَمُنُّ بها عليه أو يسلبها منه إذا شاء، بل هي حقوق أثبتها الله لبني آدم لا مَنَّ فيها لأحد على أحد ولا يحق لأحد أن يمنعها لأحد.

6-حقوق الإنسان في الإسلام متصفة بالشمول

وذلك أن الشريعة الإسلامية شاملة لكل مناحي الحياة ونظمت كل ميادينها سواء السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية، وهي حقوق تعم كل الأفراد الخاضعين للنظام الإسلامي دون تمييز بينهم في تلك الحقوق بسبب اللون أو الجنس أو اللغة.

وإننا نجد فيها حقوق الوالدين والأزواج والأولاد والجار والأقارب والضيف، وابن السبيل والعلماء والحكام، وربما في النص الواحد نجد جملة من الحقوق كقوله تعالى : (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا) (النساء/36) فهذه آية واحدة من كتاب الله تعالى تضمنت حق الله تعالى وحق الوالدين وحق الأقارب وحق اليتامى وحق الفقراء والمساكين وحق الجيران من الأقارب وغيرهم وحق الأصحاب وحق ابن السبيل الغريب عن وطنه.

ومع شمولية الحقوق لجميع الفئات نجد شموليتها لكل المعاني التي تندرج تحت الحق الواحد، ولعلنا نوضح هذه الشمولية من خلال شرح حق الكرامة للإنسان لأنه قد تضمن أحكاما تفصيلية لا نظن أنها موجدة مجتمعة في أي تشريع أرضي.

فمن أجل الحفاظ على كرامة الإنسان جاء:

-النهي عن سب المسلم والتنابز بالألقاب، قال تعالى: (وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ) (الحجرات:11) وقال صلى الله عليه وسلم:"سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ" (متفق عليه).

-تحريم الغيبة، قال تعالى: (وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا) (الحجرات:12).

-تحريم السخرية من الإنسان، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ) (الحجرات:11).

-تحريم سوء الظن يالمسلمين والتجسس عليهم وكشف عوراتهم، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا) (الحجرات:12). قال صلى الله عليه وسلم:" إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ وَلَا تَحَسَّسُوا وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا" (متفق عليه).

 

-حفظ كرامة المسلم حتى بعد موته: قال صلى الله عليه وسلم:" كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِهِ حَيًّا" (رواه أبو داود وابن ماجة). وقال:" لَا تَسُبُّوا الْأَمْوَاتَ فَإِنَّهُمْ قَدْ أَفْضَوْا إِلَى مَا قَدَّمُوا "(رواه البخاري

-تجهيز الميت ودفنه: سواء كان مسلما أو كان كافرا .

7-حقوق الإنسان في الإسلام متصفة بالعمق

    ومعنى عمقها أنها لا تقف عند حد وضع المحاور الكبرى أو العناوين الإجمالية للحقوق، بل تتدخل الشريعة في آليات التطبيق والتنفيذ وتنظم طرق الوصول إليه ، وتشرع ما يحفظه وتحرم الأسباب التي تؤدي إلى ضياعه، حتى أنك تجد نفسك في دراسة هذا الحق محاطا بنظام تشرعي محكم وبنظرية متكاملة لم تترك مجالا يتصل بهذا الحق إلا طرقته.

   فإذا تعرضنا مثلا لحق الحياة فإننا نجد فيه بيان حرمة هذه الحياة وعظم إثم من اعتدى عليه وعقوبته في الدنيا وكذا نجد سد الذرائع التي تؤدي إلى الاعتداء على هذا الحق وكذلك جملة من الشرائع التي تصب في معنى حق الحياة للإنسان سواء كان مسلما أو غير مسلم.

   وهذا تفصيل لبعض تلك المعاني

-تحريم قتل الإنسان، قال تعالى: (وَلاَ تَقْتُلُواْ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِى حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقّ) (الأنعام:151). قال ابن سعدي: "وهذا شامل لكل نفس حرم الله قتلها من صغير وكبير وذكر وأنثى وحر وعبد ومسلم وكافر له عهد".

-تحريم قتل المعاهد، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :"مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا" (رواه البخاري).

-سد الذرائع المؤدية للقتل، فحرم حمل السلاح على المسلمين، قال صلى الله عليه وسلم:"من حمل علينا السلاح فليس منا"، وحرم مقاتلة المسلمين، قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ" (متفق عليه). قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :"مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَلْعَنُهُ حَتَّى يَدَعَهُ وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ"(رواه مسلم).

-تشريع الكفارة والدية في القتل الخطأ، قال تعالى : (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) (النساء/92)

-تشريع القصاص في القتل العمد العدوان: قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (178) وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة/178، 179]. قال قتادة: "جعل الله هذا القصاص حياة ونكالاً وعظة لأهل السفه والجهل من الناس، وكم من رجل قد همّ بداهية لولا مخافة القصاص لوقع بها، ولكن الله حجز بالقصاص بعضهم عن بعض".

-ومع تشريع القصاص الزاجر جعل لأهل الميت حق العفو والرضا بالدية قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إِمَّا أَنْ يَعْفُوَ وَإِمَّا أَنْ يَقْتُلَ" (متفق عليه واللفظ للترمذي)

-تحريم الانتحار، فبين أن حق الحياة لا يجوز التنازل عنه ، قال تعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) (النساء/29) قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا وَمَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَجَأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا" (متفق عليه).

-إباحة المحظورات للضرورة: قال تعالى: (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (البقرة:174).

-تحريم قتل الجنين، وتشريع الدية والكفارة في حق من صنع ذلك، قال تعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا) (الإسراء:31).

8-حقوق الإنسان في الإسلام حقوق ثابتة ولا تقبل الإلغاء أو التبديل أو التعطيل

   حقوق الإنسان في الإسلام كاملة ثابتة أبدية لا تقبل حذفاً ولا تعديلاً ولا تعطيلاً؛ لأنها شريعة ربانية منزلة مصلحة لكل العباد ولكل الأزمنة والبلاد، قال تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) (الروم/30) بخلاف ما يضعه البشر فهو قابل للتعديل زيادة ونقصا مهما اجتهد في تكميلها، لأنها إنتاج بشري ولأنها في الغالب وليدة ظروف معينة جاءت لمعالجة آفات محددة، ولذلك نجد أن الميثاق العالمي لحقوق الإنسان الذي وضع سنة 1948م لم يعد وافيا بالحقوق المطلوبة ولذلك لا تزال تنعقد الاتفاقيات بعد الاتفاقيات لتدارك النقص الذي فيه.

9- حقوق الإنسان في الإسلام حقوق مقيدة لا مطلقة

   إن الإسلام قد ضبط الحقوق وقيدها حتى لا تضر بمصالح الجماعة التي يعتبر الإنسان فرداً من أفرادها، إذ الظلم في باب الحقوق نوعان الحرمان من الحق والتعسف في استعمال الحق، والشرع جاء بالميزان والعدل الذي لا يتأثر بأسباب التحيز والجور؛ لأن واضع هذه الحقوق والواجبات هو رب العزة جل جلاله، ولذلك توصف أحكام الشريعة بأنها ربانية وذلك يتضمن الإلزام والعدالة والدوام. من أعظم قواعد الشريعة في هذا الباب قاعدة "لا ضرر ولا ضرار".

10- حقوق الإنسان في الإسلام ملزمة

   إن"حقوق الإنسان" في الإسلام ، ملزمة وواجبة شرعاً، لأنها جزء من دين المسلم، لا يمكنه ولا يحق له أن يتنازل عنها أو يفرط فيها، وإلا لحقه الإثم، وتعرض للجزاء والعقاب، وللسلطة العامة حق الإجبار على أداء هذه "الحقوق" باعتبارها فريضة من الله تعالى،  ومن نجا من عقاب الدنيا، فإن عقاب الآخرة لا ينجوا منه أحد.

   بينما نجد تلك الحقوق في القوانين الدولية مجرد توصيات وأحكام أدبية، يُنادَى بها ويُعلن عنها ويُحث عليها، وإذا ما خولفت لا نجد إلا التنديد أو الاستنكار في عبارات أخرى لا تسمن ولا تغني من جوع، وكذلك هي تعتبر هذه الحقوق أمرا شخصياً لا يجبر عليه صاحبه إذا تنازل عنه وليس الأمر كذلك في الشريعة الإسلامية.

11-تشريع الدفاع عن حقوق الإنسان

   إن القوانين الوضعية لم توجد للحقوق الضمانات اللازمة لحمايتها من الانتهاك، ولا شرعت آليات الدفاع عنها، لذلك أصبحت في أكثر الأحيان حبرا على ورق، أما في الإسلام فقد شرعت الحدود التي تتولها الدولة للمحافظة على حقوق الأفراد، وشرع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتعدي على الحقوق من أعظم المنكر، قال عز وجل: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (آل عمران/104) فعلق الفلاح بهذه الصفات وجعل الإيمان لا يكمل إلا بتغيير المنكر حسب الاستطاعة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم :" مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ " (رواه مسلم).

   هذه جملة من المزايا التي تجعل المسلم يتحدث عن حقوق الإنسان في هذا الزمان بكل فخر وعزة، ودون عقدة أو مركب نقص كما يقولون، لأن هذه الخصائص والمزايا تبين أنه لا وجود لحقوق الإنسان إلا في الشريعة الإسلامية التي هي وحي إلهي منزه عن النقائص، نسأل الله تعالى أن ينفعنا بما علمنا وأن يعلمنا ما جهلنا، وأن يهدينا وأن يهدي بنا وأن يجعلنا هداة مهتدين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

تم قراءة المقال 26458 مرة