الأحد 9 رجب 1442

الدوغمائية (الحلقة :2) مميز

كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

الدوغمائية (الحلقة :2)
ليس للتعصب والتحجر الفكري (أو الدوغمائية) جنسية ؛ فإننا نجد المعتزلة أرباب المعقول أنفسهم متعصبون.. فليس ذلك شأن العوام فقط بل هو شأن المنتسبين إلى العلوم أيضا..هذا ما قرره الإمام أبو حامد الغزالي (ت:505 هـ) رحمه الله تعالى إذ يقول :"...وإن أردت أن تجرب هذا في الاعتقادات فأورد على فهم العامي المعتزلي مسألة معقولة جلية فيسارع إلى قبولها، فلو قلت له إنه مذهب الأشعري رضي الله عنه لنفر وامتنع عن القبول وانقلب مكذباً بعين ما صدق به لأنه كان سيء الظن بالأشعري، إذ كان قبح ذلك في نفسه منذ الصبا. وكذلك تقرر أمراً معقولاً عند العامي الأشعري ثم تقول له إن هذا قول المعتزلي فينفر عن قبوله بعد التصديق ويعود إلى التكذيب.
ولست أقول هذا طبع العوام بل طبع أكثر من رأيته من المتوسمين باسم العلم؛ فإنهم لم يفارقوا العوام في أصل التقليد، بل أضافوا إلى تقليد المذهب تقليد الدليل فهم في نظرهم لا يطلبون الحق بل يطلبون طريق الحيلة في نصرة ما اعتقدوه حقاً بالسماع والتقليد، فإن صادفوا في نظرهم ما يؤكد عقائدهم قالوا قد ظفرنا بالدليل، وإن ظهر لهم ما يضعف مذهبهم قالوا قد عرضت لنا شبهة، فيضعون الاعتقاد المتلقف بالتقليد أصلاً وينبزون بالشبهة كل ما يخالفه، وبالدليل كل ما يوافقه، وإنما الحق ضده؛ وهو أن لا يعتقد شيئاً أصلاً وينظر إلى الدليل ويسمي مقتضاه حقاً ونقيضه باطلاً.
وكل ذلك منشؤه الاستحسان والاستقباح بتقديم الإلف والتخلق بأخلاق منذ الصبا. فإذا وقفت على هذه المثارات سهل عليك دفع الاشكالات".
الاقتصاد في الاعتقاد (ص: 93)
وهو حال مدعي الحداثة متزعم التحرر ومحارب التعصب والدوغمائية في عصرنا.

تم قراءة المقال 535 مرة