الأحد 9 رجب 1442

علاج الدوغمائية (الحلقة :4) مميز

كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

علاج الدوغمائية (الحلقة :4)
   بعدما عالجنا مغالطة الدوغمائي الذي يحصر مستوى الإدراك في ثنائية اليقين والشك، ننتقل إلى معالجة دعوى اليقين أو هيستيريا اليقين التي يتوهمها كثيرون؛ ببيان طرق الوصول إلى اليقين المعتبر وأنواع هذه اليقينيات، وهذه اصطلاحات نقلت عن القدماء ونوقشت وهذبت وأصبحت تعلم للمبتدئين في أوائل الفنون الإسلامية؛ باعتبارها منظمة للفكر لا منشئة لفكر، وكثيرا ما تجد نفسك تحاور مدعيا متعاظما جاهلا بها أو متجاهلا لها فتحتاج إلى التذكير بها، فأقول :
وقد عُرّف العلم (القاطع) بأنه (اعتقاد جازم مطابق ثابت)
1-فقيد الاعتقاد بالجزم لأنه إذا كان غير جازم فهو الظن أو الظن الغالب الذي يحتمل الخطأ احتمالا مرجوحا.
2-وقيد الاعتقاد الجازم بكونه مطابقا لأنه إذا كان غير مطابق فهو الجهل المركب، إذ الجاهل الجهل المركب يجزم أنه على صواب وهو مخطئ في اعتقاده وجزمه والواقع يكذبه.
3-وقيد الاعتقاد الجازم المطابق بكونه ثابتا لأنه إذا كان غير ثابت فهو متقلب معرض للزوال نحو يقين المقلد إذا كان صوابا، فرغم مطابقته للواقع فإن صاحبه قد ينقلب إلى ضده لعروض أدنى الشبهة.
   وينقسم هذا العلم إلى قسمين: علم ضروري وعلم نظري.
أ-فأما العلم الضروري وهو ما يعلم ضرورة من غير نظر ولا بحث.
ب-وأما العلم النظري فهو العلم المكتسب الناتج عن البحث والنظر ويسمى أيضا علما مطلوبا لأنه لا يحصل إلا بجهد أو اجتهاد.
  ينقسم العلم الضروري إلى أنواع وهي:  
1-الأوليات أو البديهيات وهي ما يجزم به العقل بمجرد تصوره كعلمنا بوجودنا وأن الواحد نصف الاثنين وأن الكل أعظم من الجزء وأن النقيضان لا يجتمعان .
2-المشاهدات أو المحسوسات وهي ما يجزم به العقل بالحس كعلمنا أن الشمس مشرقة وأن النار محرقة.
3- الوجدانيات أو المشاهدات الباطنة وهي لا تفتقر إلى عقل ويكفي فيها حس باطن كالعلم بالجوع والألم
4-التجريبيات وهي ما يجزم به بالعادة والتكرار كعلمنا بأن الخمر مسكر وأن السنا مسهل.
5-المتواترات وهو ما يحصل بواسطة السمع حيث تتابع أخبار من يستحيل اجتماعهم على الخطأ؛ كعلم ساكن المغرب بوجود الهند وعلمه بظهور محمد صلى الله عليه وسلم بمكة
6-الحدسيات وهي ما يجزم به العقل لا بالتجربة ولكن لمصاحبة القرائن له، ومثلوا له بقولهم إن نور القمر مستفاد من الشمس.
7-القضايا التي قياساتها معها يجزم بها العقل لوسيط مصاحب لها كقولنا الأربعة زوج فهذا حكم ناتج عن علمنا بقبول الأربعة الانقسام الى متساويين .
والثلاثة الأخيرة مختلف فيها فقد قيل إنها تفيد العلم النظري لأن فيها إعمالا للبرهان .
   ومن ثمرات التفريق بين النوعين أن الضروري يشترك فيه الناس الذين سلمت عقولهم وحواسهم، وأما النظري فهو متوقف على الاجتهاد والاكتساب فلا يصل إليه إلا من سلك سبيله وأما من ادعاه من غير سلوك سبيل النظر فهو كاذب، ويقينه المدعى إن وجد هو يقين المقلد الذي لا يصح تسميته علما.
    ونعود هنا لمخاطبة ناقل جهود غيره التي يدعي فيها اليقين، كيف وصلت إلى هذا اليقين؟ أبالضرورة  أم النظر؟ وقد حددنا لك مسارات الضرورة وعرفناك طريق النظر.
    إن اليقين في العلوم العصرية ممكن؛ لكنه يبقى نظريا يبرهن عليه، وليعلم أن كل برهان تعددت وسائطه ومقدماته فإن مجال النظر فيه يتسع وإمكان الخطأ يزيد، وهذه صفة البرهان المفيد للظن الغالب لا القطع، ولا يرتقي لإفادة العلم النظري إلا بمؤازرة غيره.

تم قراءة المقال 615 مرة