الجمعة 28 صفر 1447

111-من مشكلات خطبة الزواج

كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

من مشكلات خطبة الزواج
نظرة في حديث إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه.
كثير من الأسئلة التي تطرح على المفتين ويلتمس فيها النصح والتوجيه في مجال خطبة الزواج؛ يكمن وراءها تصور فاسد وفهم غلط لقضية مهمة في هذا الباب،  إذ كثير من السائلين من الخاطبين أو المخطوبات يظنون أن المعيار الأساسي والوحيد لقبول الولي أو المخطوبة للخاطب هو الدين والخلق، وبعضهم يبنى هذا التصور على حديث مشهور بين الناس لفظه:" إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه ، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد عريض" فيزيد الطين بلة حيث سيعتقد أن رد خطبة ذي الدين والخلق أمر محرم ، وربما يجعله كبيرة باعتبار هذا اللفظ .
   وأول حل لهذه العقدة وما يتفرع عنها من مشكلات أن نعلم أن هذا الحديث ضعيف قد ضعفه البخاري وغيره، فلابد من حذفه من خلفية الناس التي تطرح مشكلاتها.
وعلى فرض صحته فهذا الحديث ليس هو الحديث الوحيد الذي يحكم قضايا الزواج ، فلا يجوز للمرء ان يلغي أحكاما ثابتة بالقواطع أو متفقا عليها بحديث فرد معناه مصادم لها، لذلك نقول إن هذا الحديث لو صح لكان دالا على ترجيح الدين والخلق على المال والجاه والنسب لا أكثر ، فكما أن الرجل رغب بالظفر بذات الدين وترجيحها على ذات المال والنسب والجاه فكذلك المرأة ترغب في ذلك. 
   وبعد تصحيح الحكم الذي هو الترجيح بين صفات الخطاب لا أكثر، يقال ان الفتنة والفساد المذكورين إنما ينتجان عند كثرة رد الخطاب وشيوع العنوسة التي تفتح باب الزنا، أو عند ترجيح الفاسق لأجل ماله وجاهه مما يؤدي الى الشقاق والطلاق. وليس المراد أن الفتنة والفساد في رد خاطب متدين لسبب من الأسباب الآتي ذكرها مع قبول غيره ممن هو أفضل منه أو مثله.
   وبعد بيان موضع الفتنة والفساد ننتقل إلى الأمور الأخرى المعتبرة قطعا في الخاطب ، فالقدرة المالية او المادية مثلا وهي الباءة التي علق بها النبي صلى الله عليه وسلم الأمر بالزواج، لا يختلف في اعتبارها، فلابد للخاطب أن يكون له مال أو قدرة على اكتسابه؛ بحيث يضمن للزوجة نفقتها الواجبة حسب العرف السائد، وهي تشمل في حياة المدينة المعاصرة المسكن والعلاج فضلا عن الطعام والكسوة، ففاقد الباءة أمره النبي صلى الله عليه وسلم الصوم، ولم يأمره بأن يتقدم للخطبة ليزيد من توقد شهوته، وليعلق بنات المسلمين لسنين عديدة ، ثم لعله يتركها إلى غيرها، فلا يتقدم للخطبة إلا من استطاع الباءة، وولي المرأة السوي الراشد لا يقبل إلا خطبة من استطاعها؛ ولو كان الخاطب في قمة التدين والتقوى والورع، وقد قال النبي صلى الله علين وسلم في صحابي جليل إنه صعلوك لا مال له ليرجح عليه غيره.
   وبعد القدرة المادية لابد من النظر في العيوب المانعة من الزواج، والمقصود بالدرجة الأولى العيوب الموجبة للفسخ من جنون وعته، أو مرض خطير ومعد، أو عنة ونحو ذلك، فالدين والخلق لا يلغي اعتبار السلامة من هذه العيوب، بل ومن بقية العيوب الأخرى من أمراض مزمنة أو بتر أعضاء أو دمامة شكل، وقد روى البخاري أن الصحابية امرأة ثابت بنت قيس اختلعت منه مع انها قالت لا اعتب عليه في خلق ولا دين ، ولكنها أبغضته ، وفي بعض الروايات أن ذلك لدمامته،  وفي بعضها أنه كان قصيرا أيضا، وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم خلعها مع أن زوجها كان ذا خلق ودين وباعترافها كما ذكرنا.
   وبعد اعتبار العيوب يأتي النظر في معاني الكفاءة التي ذكر الفقهاء، وهي أمور غير توقيفية وإنما عرفية تختلف باختلاف الزمان والمكان، والمقصود بالكفاءة أن يكون الرجل مكافئا للمرة أو أعلى منها حتى لا تنخرم قوامته، فالغني للغنية كفء والحر للحرة كفء، والشريف نسبا للشريفة كفء، والعربي للعربية، والحضري للحضرية، وهذا الموضوع العرفي الاجتماعي؛ إنما راعاه الفقهاء لأنه أضمن لاستقرار الزواج ونجاحه وعدم فشله وانحلاله، وليس المعنى عندهم بطلانه أو عدم صحته، إلا في أحوال كقول الحنفية إن للمرأة أن تزوج نفسها لكن يحق لوليها فسخ الزواج إذا كان الزوج غير كفء .
   ونصل في نهاية هذا المقال إلى أن الفقهاء بنوا فقههم في مسائل الخطبة بعيدا عن هذا الحديث فكأنه غير موجود ، ومن صححه خصه بالمعنى المذكور اولا وهو معنى الترجيح والأفضلية لا وجوب قبول الخاطب إذا كان ذا دين وخلق وإلغاء كل الاعتبارات الأخرى،  التي دلت النصوص على اعتبارها أو الأعراف التي لا حصر لأحوالها وجزئياتها.
   وننبه أن مراعاة العرف هنا إنما في مقام تنزيلي على سبيل النصح والافضلية ، وليس على سبيل التشريع والالزام،  حتى لا يعترض معترض بأن النص مقدم على العرف وهذا في قضية الكفاءة وكذا في العيوب أيضا ، والله أعلم.

تم قراءة المقال 22 مرة
المزيد في هذه الفئة : « وقت وجوب الإمساك