الاثنين 30 ذو الحجة 1431

47-نصيحة لمن قال: لم لا يأتيني رزقي؟

كتبه 
قيم الموضوع
(2 أصوات)

السؤال :

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: أما بعد فأنا شاب متزوج ولي أولاد أسعى وراء رزقي، وأتحرى الحلال، ولكن من غير جدوى، وقد مرت علي ثلاث سنين وأنا في إعسار كبير وتراكمت الديون علي، وقد اضطربت نفسي حتى صارت تراودني أسئلة تتعبني أين رزقي؟ ولماذا لا يأتيني؟ نرجو الإجابة والنصيحة بارك الله فيكم.

 

47-نصيحة لمن قال: لم لا يأتيني رزقي؟

 

الجواب:

   الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد : فجواب هذا السؤال التي عدلنا صياغته لما تضمنه من عبارات غير لائقة في حق رب العزة يكون في النقط الآتية:

أولا: الواجب على المؤمن إذا أصابه بلاء أو مصيبة أو ضاقت عليه الأمور أن يتهم نفسه وأن يراجعها، لأن ما يصيب العبد قد يكون بسبب ذنوبها وتقصيره في حق ربه، إذ كما أن تقوى الله تعالى من أسباب الرزق فإن معصيته من أسباب الحرمان منه ومحق بركته، قال ابن عباس إن للحسنة ضياء في الوجه ونورا في القلب وسعة في الرزق وقوة في البدن ومحبة في قلوب الخلق وإن للسيئة سوادا في الوجه وظلمة في القبر والقلب ووهنا في البدن ونقصا في الرزق وبغضة في قلوب الخلق.

ثانيا: والواجب على من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا، أن يتيقن أن الله تعالى لا يظلم عباده (ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) (آل عمران/182) والله تعالى قد يبتلي العباد، وهم من أحب الناس إليه محوا لسيئاتهم ورفعا لدرجاتهم، وربما يبتليهم لامتحانهم وتمحيصهم، قال صلى الله عليه وسلم :« إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ» رواه الترمذي، فالحذر الحذر من هذه الوساوس والتساؤلات التي تدخل صاحبها في السخط.

ثالثا : والعبد المؤمن بأن الله تعالى هو الرزاق وأن الرزق مقدر كما يطلبه بالاجتهاد في أسبابه المادية عليه أن لا يغفل عن أسباب الرزق المعنوية من ذكر لله عز وجل وحسن ظن به وتوكل عليه وحفاظ على الصلاة في وقتها وبكور في الطلب وصدق في التعامل مع الناس، في أسباب كثيرة أنصحك بمراجعتها في مطوية مفاتيح الرزق وهي برقم 54 في هذا الموقع.

رابعا : وبالنسبة لديونك التي أثقلت كاهلك فأذكرك بحديثين فيهما الفرج بإذن الله تعالى ، قَالَ صلى الله عليه وسلم :« مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلَافَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ » (رواه البخاري) وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الْعَدُوِّ وَشَمَاتَةِ الْأَعْدَاءِ رواه النسائي وصححه الألباني.

خامسا : عليك أن تطرد اضطراب نفسك بالإكثار من ذكر الله تعالى، قال عز وجل : (الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد/28) ومن ذلك أدعية الهم والحزن، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:« مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلَا حَزَنٌ فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ نَاصِيَتِي بِيَدِكَ مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي وَنُورَ صَدْرِي وَجِلَاءَ حُزْنِي وَذَهَابَ هَمِّي إِلَّا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجًا » أخرجه أحمد وصححه الألباني.

وبتصحيح عقيدتك في الله عز وجل وإحسانك الظن به، فإن الله تعالى يقول: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) (الشرح/5،6) وقال النبي صلى الله عليه وسلم:« وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْرًا كَثِيرًا وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا» رواه أحمد وهو صحيح .

سادسا : وبعد كل ذلك على العبد أن يصبر وأن لا يستعجل وليعلم أن استعجاله ربما يكون سببا لعدم استجابة دعائه ، في الحديث:« أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ فَإِنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ رِزْقَهَا وَإِنْ أَبْطَأَ عَنْهَا فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ خُذُوا مَا حَلَّ وَدَعُوا مَا حَرُمَ» رواه ابن ماجة ، فالرزق آت قل أو كثر والمطلوب من العبد السعي الجميل وعدم الاستبطاء، وإن الاستعجال آفة وسوء الظن بالله تعالى آفة أعظم ، أما الاستعجال فهو من موانع إجابة الدعاء وقَالَ صلى الله عليه وسلم :« يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ يَقُولُ دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي» متفق عليه، وسوء الظن بالله عز وجل أصل الهلاك كله وقد جاء في الحديث القدسي :« أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي فَلْيَظُنَّ بِي مَا شَاءَ » رواه أحمد وهو صحيح. والله الموفق لما يحب ويرضى.

تم قراءة المقال 6792 مرة