لثلاثاء 13 صفر 1432

53-إشكال حول تعريف التلمساني للأمر

كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

السؤال :

   قد عرف التلمساني الأمر بأنه القول الدال على طلب الفعل على وجه الاستعلاء،  وتبعتموه على ذلك في تسهيل الوصول إلى الضروري من علم الأصول، وقد استشكلنا قوله "القول الدال على طلب الفعل"، الذي يوحي ببناء التعريف على العقيدة الأشعرية، لأنهم يقولون القرآن يدل على كلام الله تعالى وليس هو، وبدا لنا أن الصواب أن يقال في تعريف الأمر:" هو طلب الفعل".

 

53-إشكال حول تعريف التلمساني للأمر

 

الجواب :

   الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله: أما بعد فإن تعريف الشريف التلمساني صحيح لا غبار عليه، وهو تعريف ينطبق على كل أمر بغض النظر عن كونه صادرا من الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم أو غيرهما، وإن كان في صدد تعريف الأمر الوارد في الكتاب والسنة.

    وهذا شرح للتعريف لتتضح سلامته وأنه لا إشكال فيه :

أما قوله:"هو القول" هو اللفظ الدال على معنى، وفيه احتراز عن الرموز والإشارات، ومنهم من احترز به عن الفعل الذي لا يطلق عليه الأمر إلا على سبيل المجاز كقوله تعالى: (وشاروهم في الأمر).

وقوله :"الدال على طلب الفعل" الدال أي أنه لفظ يتضمن معنى الطلب دون المعاني الأخرى كالتهديد والتعجيز والتكوين ونحوها، وتقييده بالفعل احتراز عن طلب الترك فإنه يسمى نهيا.

وقوله :" على جهة الاستعلاء " لأن قول العبد لربه اغفر لي وارحمني يمسى طلبا ولا يسمى أمرا، ومنهم من عبر بالعلو بدل الاستعلاء، وقال العلو يقتضي شرف الآمر وكونه أعلى رتبة أما الاستعلاء فيقتضي علو الرتبة إضافة إلى القسر أو الطلب بغلظة، وقيل: العلو صفة للآمر والاستعلاء صفة للأمر، وهما متلازمان في الأوامر الشرعية.

    وإنما يصح هذا الاعتراض على قول الأشاعرة في تعريف الحكم بأنه الخطاب القديم المتعلق بأفعال المكلفين، فيقال بل حكم الله تعالى هو عينه طلب الفعل أو الترك.

    والمسألة التي يظهر فيها انحراف الأشاعرة في باب الأمر جليا هي إنكارهم لصيغة الأمر بناء عقيدتهم في الكلام وأنه معنى قائم بالنفس، وقد قال أبو يعلى:« للأمر صيغة مبينه له في اللغة تدل بمجردها على كونه أمرا، إذا تعرت عن القرائن، وهي قول القائل لمن دونه "افعل" كذا وكذا. خلافا للمعتزلة في قولهم الأمر لا يكون أمرا لصيغته، وإنما يكون أمرا بإرادة الآمر له، وخلافا للأشعرية في قولهم : الأمر لا صيغة له، وإنما هو معنى قائم في النفس لا يفارق الذات، وهذه الأصوات عبارة عنه»([1]).

   ومع أنه بين مذهب أهل السنة فقد اعترض عليه ابن عقيل بما يشبه اعتراضكم -إن لم يكن عينه- فمنع أن يقال: للأمر والنهي صيغة أو أن يقال هي دالة عليه، بل الصيغة نفسها هي الأمر والنهي، والشيء لا يدل على نفسه قال: فقول شيخنا الصيغة دالة بنفسها على الأمر والنهي اتباع لقول المتكلمين، وإلا فليس لنا أمر ونهي غير الصيغة، بل ذلك قول وصيغة والشيء لا يدل على نفسه».

   فتعقب ابن تيمية اعتراض ابن عقيل فقال :« قول القاضي وموافقيه صحيح من وجهين:

أحدهما : أن الأمر مجموع اللفظ والمعنى، فاللفظ دال على التركيب، وليس هو عين المدلول.

الثاني : أن اللفظ دال على صيغته التي هي الأمر به كما يقال يَدلُّ على كونه أمرا، ولم يقل على الأمر» ([2]).

    والأشاعرة الذين أنكروا أن يكون الكلام صفة فعلية لله تعالى، وحملوا أمر الله تعالى ونهيه على المعنى القائم بالنفس([3])، ونفوا الصيغ الدالة عليه أصلا، فإنهم إذا عرَّفوا الأمر لا يعرِّجون على الألفاظ والصيغ بتاتا وربما احترزوا عنها، ومن ذلك قول الجويني بأن الأمر:« هو المقتضي بنفسه طاعة المأمور»، ثم قال: «وقولنا:"بنفسه" يقطع وهم من يحمل الأمر على العبارة (أي الصيغ الدالة عليه)، فإنها لا تقتضي بنفسها، بل إنما يشعر معناها بواسطة الاصطلاح أو توقيف عليها»([4]).

   وأما الغزالي فلما حذف هذه الكلمة "بنفسه"من التعريف وقال:"القول المقتضي طاعة المأمور بفعل المأمور" فإن تعريفه صار شاملا لقول مثبتي الكلام النفسي ونفاته، لذلك قال بعد ذلك إن الناس في معنى "القول المقتضي طاعة المأمور" فريقان، أحدهما فريق المثبتين لكلام النفس، والثاني فريق المنكرين لكلام النفس([5]).

   ومن هذا يعلم أن تعريف التلمساني في ظاهره لا يرتضيه من يحرص على بناء تعريف الأمر على الاعتقاد الأشعري.

   وقد قال التلمساني :« وأما صيغته فهي صيغة افعل وهي مستعملة في اللغة في خمسة عشر موضعا» ثم قال:« وهو مجاز في هذه المعاني وحقيقة في الأمر باتفاق»،.

    ولا يترضي الأشعري والمقتدون به مثل هذا الكلام، فإن الأشعري يزعم أن العرب ما صاغت للأمر الحق القائم بالنفس عبارة فردة وقول القائل: افعل متردد بين الأمر والنهي([6]).

   ومما اعتمد الباقلاني في نصرة المذهب الأشعري دعواه الاشتراك في معاني صيغة "افعل" بخلاف ما قاله التلمساني وادعى عليه الاتفاق:« مما يدل أيضا على أن نفس هذه الأصوات قد ترد في الكلام مرة للأمر بالفعل ومرة للنهي وتارة للزجر والترهيب، وتارة للإباحة وتستعمل في ذلك أجمع على طريقة واحدة، فلو ساغ لقائل أن يقول إنها صيغتها تكون أمرا بالفعل ولتجردها من القرائن لجاز لغيره أن يقول إن هذه الصيغة للإباحة والتهديد بمجردها»([7]).

   هذا ما ظهر لي في هذه المسألة والعلم عند الله عز وجل .

 

 

 

 

 



[1]/ العدة لأبي يعلى (1/214).

[2]/ المسودة لآل تيمية (9).

[3]/ قال الجويني في التلخيص (1/242) :« فإذا أطلق الأمر في أبوابه فاعلم أننا نعني به المعنى القائم بالنفس دون الأصوات وضروب العبارات».

[4]/ البرهان للجويني (1/151).

[5]/ المستصفى للغزالي(2/61-62).

[6]/ البرهان للجويني (1/157).

[7]/ التقريب للباقلاني (2/14).

تم قراءة المقال 4125 مرة