قيم الموضوع
(1 تصويت)

 

السؤال :

   السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، هل صحيح أن المظاهرات السلمية والمسيرات من طرق الكفار، وما حكم المشاركة فيها؟

 

57-حكم المظاهرات السلمية

 

الجواب:

   الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد: فإن ما يسمى بالمظاهرات والمسيرات السلمية، التي يراد بها التعبير عن الرأي رفضا أو إقرارا لبعض تصرفات الحكام ، ليست من الأساليب الشرعية لتبليغ الرأي ولا لتغيير المنكرات ، وهذه الوسيلة من الوسائل الحادثة التي لم تعرف في بلاد الإسلام إلا في عصر انتشار العقيدة الديمقراطية وغزو الفكر العلماني للبلاد الإسلامية، ولذلك أطبقت كلمة الفقهاء الكبار في عصرنا على منعها وتحريم المشاركة فيها، ولهم في هذا المنع عدة مآخذ نجملها فيما يأتي :

أولا : ما سبقت الإشارة إليه من كونها من أساليب العقيدة الديمقراطية التي تجعل الحكم للشعب لا لله عز وجل، ولذلك فإن القوانين العالمية والدساتير الوضعية تجعل حق التجمهر والتظاهر من وسائل التعبير عن الرأي المكفولة لكل مواطن في بلده، بغض النظر عن عقيدته أو جنسه أو سنه  أو علمه. ولا يخفى أن هذا الحق المزعوم لا يتصور في دولة الإسلام التي تحكم الكتاب والسنة.

ثانيا: أن الشريعة الإسلامية الكاملة قد حددت من له أهلية تغيير المنكر، وبينت مراتب تغيير المنكر وطرقه، بحيث لم تترك مجالا للاستدراك عليها من النظم الوضعية، وخاصة فيما يتعلق بمناصحة الحكام فيما يُقدِّر أهل الحل والعقد خطأهم فيه. ولا فرق في دين الإسلام بين رأي يتبناه واحد، ورأي يتبناه الآلاف إلا بقوة الحجة والدليل.

ثالثا : ما علم من اقترانها بمفاسد لا تنفك عنها تصل في كثير من الأحيان إلى سفك الدماء وإزهاق الأرواح، ومما علم من قواعد الشرع القطعية سد ذرائع الفساد، وبعض الناس يزعم أن حق التظاهر مضمون في الجمهوريات الديمقراطية، وبالتالي لا يخشى أي مفسدة من المظاهرة إذا كانت سلمية، ولكن كلنا يعلم أن لا حقيقة للحرية المزعومة والحقوق المضمونة في الديمقراطيات الحديثة، وخاصة في البلدان التي تدين شعوبها بدين الإسلام عقيدة وعملا، إذ لو كان الحكام في هذه الجمهوريات يقرون فعلا بأن الحكم لما يريده الشعب لحكموا كتاب الله تعالى، ولما احتاج الناس بعد ذلك إلى التظاهر لرفع المظالم.

رابعا : أن المطالب التي يريدها المتظاهرون إما أن تكون دينية شرعية، أو دنيوية متعلقة بالحقوق الفردية أو الجماعية، فأما المطالب الدينية فتثبت بالحجة ويقيمها العلماء، وطريقها المناصحة بطرقها المعروفة، وأما المطالب الدنيوية فلكل من ظلم أن يرفع مظلمته بمقابلة مباشرة أو مكاتبة أو وساطة وشفاعة، فإن لم يُستجب له مع إلحاحه، فليس له إلا الصبر والعمل بوصايا الرسول صلى الله عليه وسلم، كقوله صلى الله عليه وسلم:« إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً وَأُمُورًا تُنْكِرُونَهَا، قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: أَدُّوا إِلَيْهِمْ حَقَّهُمْ، وَسَلُوا اللهَ حَقَّكُمْ» متفق عليه.

   وغاية ما يحتج به بعض من يبيحها التمسك بالاستصحاب، وجوابه بأن حقيقة الاستصحاب عند أهل السنة هو استصحاب دليل شرعي، لا استصحاب حكم العقل الذي زعم بعضهم أنه يقضي بالإباحة وزعم آخرون أنه يقتضي بالتحريم، ومنه فلا يكفي في الاستدلال به الزعم بأن الأصل الإباحة، لأن ثمة أشياء كثيرة الأصل فيها التحريم حتى يثبت دليل الإباحة كأموال الناس وأعراضهم والذبائح ونحو ذلك. وحتى من تمسك بأن الأصل في العادات الإباحة يقال له إنما العادات التي الأصل فيها الإباحة هي عادات المسلمين، لا عادات الكفار التي تبنى على عقائدهم ومناهجهم في الحياة، ولذلك قال الشيخ السعدي في نظم القواعد:" وَالأَصْلُ فِي عَادَاتِنَا الإِبَاحَهْ ... حَتَّى يَجِيءَ صَارِفُ الإِبَاحَهْ ".

   ثم إن الاستصحاب إذا صح مستنده يعتبر أضعف الأدلة الشرعية وأدنى دليل شرعي يرجح عليه، وهذه المسألة لم تخل من أصول شرعية تبين تحريم المظاهرات، وترجيح منعها على إباحتها، وهي الأوجه المذكورة أعلاه، والعلم عند الله عز وجل.

تم قراءة المقال 5924 مرة