الجواب :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد : فقد روى الإمام مسلم في صحيحه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:« أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ لَا يَتْرُكُونَهُنَّ الْفَخْرُ فِي الْأَحْسَابِ وَالطَّعْنُ فِي الْأَنْسَابِ وَالْاسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ وَالنِّيَاحَةُ » .
ومعنى الفخر في الأحساب التكبر والتعاظم بعَدِّ مناقب كبراء الآباء والأجداد وفضائلهم من شجاعة وفصاحة ونحو ذلك من المآثر، وذلك يستلزم تفضيل الرجل نفسه على غيره ليحقره –كما قال بعض الشراح-، وهذا لا يجوز.
وروى الترمذي وحسنه الألباني أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَتَعَاظُمَهَا بِآبَائِهَا فَالنَّاسُ رَجُلَانِ بَرٌّ تَقِيٌّ كَرِيمٌ عَلَى اللَّهِ وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ هَيِّنٌ عَلَى اللَّهِ وَالنَّاسُ بَنُو آدَمَ وَخَلَقَ اللَّهُ آدَمَ مِنْ تُرَابٍ قَالَ اللَّهُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ». والعُبِّيَّة النخوة والكبر والفخر.
وهذه الأشياء لا خلاف في تحريمها، كما أنه لا يُجهل أن قيمة المرء ما يحسن وأن فضائل الآباء إن كانت فضائل فهي لهم ولا ينتقل فضلها إلى غير من اكتسبها، سواء كانت إيمانا أو عبادة أو علما أو شجاعة أو كرما أو فصاحة أو غير ذلك، قال صلى الله عليه وسلم :« ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه» رواه مسلم.
أما كتابة تاريخ الأمة الإسلامية للفائدة والعبرة فذلك من فروض الكفايات، سواء كان ذلك عاما أو خاصا ببلد من البلدان أو بمنطقة من المناطق أو قبيلة من القبائل، على أن يتحرى في ذلك الصدق والتثبت في النقل قدر الاستطاعة، وينتخب من الأخبار ما فيه الفائدة والعبرة، مع تجنب ما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم من تكبر وعصبية جاهلية واحتقار للآخرين، وما يقال فيمن يكتب تاريخ القبيلة والمنطقة يقال فيمن يكتب تاريخ البلدان كالجزائر ومصر والعراق وغيرها من بلاد الإسلام، والله تعالى أعلم.