قيم الموضوع
(1 تصويت)

السؤال :

ما حكم الوصية الواجبة؟ وما السند الفقهي للقانون الذي يورث أولاد الابن المتوفى قبل أبيه؟ وهل الاستفادة من هذه الأموال جائز شرعا؟

 

89-حكم الوصية الواجبة

الجواب :

   بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد : فالجواب عن هذه المسألة يكون كالآتي :

أولا : الوصية مستحبة لا واجبة

   إن الصحيح من أقوال العلماء في الوصية التي شرعت في قوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) [البقرة/180] منسوخة بوصية الله تعالى في قوله: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) [النساء/11] وما بعدها في سورة النساء.

وقد قال صلى الله عليه وسلم:« ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر» (متفق عليه)،

فحكم بأن العصبة ينبغي ترتيبهم حسب درجة القرب فيكون ابن الميت مثلا مقدما على ابن الابن ويحجبه. إلا أنه يسن أن يوصي الرجل قبل موته لأقاربه غير الوارثين بما لا يزيد عن الثلث، كما يسن للورثة أن يعطوا الأقارب غير الوارثين عند القسمة لقوله تعالى: (وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا) [النساء/8] وهذا مذهب جمهور السلف ومنهم الأئمة الأربعة.

ثانيا : معنى مذهب العلماء الموجبين للوصية

وذهب بعض العلماء أن الوصية الواجبة نُسخت في حق الورثة لقوله صلى الله عليه وسلم:« لا وصية لوارث» (رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة)، وأنها محكمة في حق غير الورثة، فيجب على الرجل أن يوصي لأقاربه غير الورثة في حدود الثلث -إن كان له مال كثير-، فإن لم يفعل أثم، هذا مذهب داود والطبري وابن حزم واختاره كثير من العلماء المعاصرين.

والأقارب غير الورثة منهم من هو محجوب لوجود من هو أولى كابن الابن مع وجود الابن، والإخوة والأخوات في حال وجود الابن أو الأب، ومنهم ذوو الأرحام غير الوارثين أصلا كبنت البنت والعمة، ومنهم بقية الورثة المحرومين بسبب الرق أو الكفر.

ومعنى ذلك أن الرجل ذا المال الكثير يجب عليه ديانة أن يترك وصية فيها تفصيل من يعطى وكم يعطى، فإذا فرَّط في ذلك أثم ولم يستحق هؤلاء الأقارب شيئا. وأوجب ابن حزم على الورثة أن يتصدقوا بما تيسر من الميراث على هؤلاء الأقارب.

وهذا الرأي مرجوح لما سبق أن ذكرنا، ومن أصرح النصوص الدالة على مذهب الجمهور حديث سعد بن أبي وقاص :« عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع من وجع أشفيت منه على الموت فقلت يا رسول الله بلغني ما ترى من الوجع وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة لي واحدة أفأتصدق بثلثي مالي ؟ قال (لا) قلت أفأتصدق بشطره؟ قال (لا الثلث والثلث كثير إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس..» (متفق عليه) وفي رواية لمسلم «فقلت دعني أقسم مالي حيث شئت قال فأبى قلت فالنصف قال فأبى قلت فالثلث قال فسكت فكان بعد الثلث جائزا». فالرسول صلى الله عليه وسلم أذن لسعد في الوصية ولم يوجب عليه ذلك، مع أنه كان له أقارب آخرين من جهة أبيه وأهل التعصيب يحجب بعضهم بعضا.

ثالثا : نص القانون ومخالفته لشريعة الله تعالى

وقانون الأسرة الجزائري ينص على توريث أولاد الابن وأولاد البنت مع وجود الابن من جملة بقية الورثة بمسمى جديد سماه التنزيل حيث نص في المواد 169 إلى 172 على تنزيل أحفاد الميت ذكورا وإناثا منزلة أصلهم في التركة بشرط أن لا تتجاوز هذه الحصة الثلث، وبشرط أن لا يكون قد أوصى لهم أو أعطاهم في حياته بلا عوض مقدار ما يستحق بهذه الوصية، وبشرط أن لا يكون الأحفاد قد ورثوا من أبيهم أو أمهم ما لا يقل عن مناب مورثهم من أبيه وأمه.

   وهذا القانون الوضعي مخالف لشرع رب العالمين ليس له أي سند فقهي، ومن التلبيس على الناس الزعم بأنه مذهب بعض فقهاء الإسلام المتقدمين أو المعاصرين، وذلك أن هذا التقنين يختلف عن مذهب الوصية الواجبة التي اشتهر به الطبري وابن حزم من عدة وجوه :

الأول: أن إيجاب الوصية على المورث ديانة لا يستلزم أن تكون ملزمة قضاء، والإلزام القضائي يعني جعلهم ضمن الورثة، وهذا مصادم للقرآن والسنة والإجماع .

الثاني : أن الوصية الواجبة عند العلماء تعم كل الأقارب غير الورثة ولا تختص بالأحفاد، فهذا المشرع خصها بأولاد الابن وأولاد البنت بلا دليل.

الثالث : أن الوصية الواجبة عند العلماء غير مقدرة بالنسبة لما يعطى كل صنف من الأقارب وإن كان حد أعلاها بالنسبة لما يعطى الجميع هو الثلث، وهذا المشرع قد حد نصيب أولاد الابن بنصيب الأصل -وهو الابن أو البنت- ما لم يتجاوز الثلث، وجعل القسمة بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين.

الرابع : أن الشروط الأخرى المنصوص عليها في القانون لا أصل لها في الشرع، لأن ابن الابن في دين الله تعالى يرث من جده كله ماله إذا انفرد؛ ولو كان قد ورث من أبيه ما ورث، ويحجب إخوة جده وأبناءهم وإن كانوا فقراء، ولا تأثير للغنى أو الفقر في الميراث منعا أو إعطاء.

رابعا : حكم الاستفادة من هذا المال

   والخلاصة أن هذا القانون فيه تعد على حق الورثة الشرعيين، وأخذ لمالهم بغير رضاهم، فلا يجوز لمن يؤمن بالله تعالى واليوم الآخر أن يطالب بميراث لا يستحقه، ولا أن يأخذ هذا المال الذي يحكم به القضاء؛ إلا إذا رضي جميع الورثة الشرعيون، ومن أعطاه القضاء نصيبه والورثة غير راضين وجب عليه أن يرده إليهم بحسب أنصبتهم والله تعالى أعلم.  

  

تم قراءة المقال 8126 مرة