السحر خطره، وأسبابه، وكيفية مكافحته
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أما بعد: فإن المظاهر السلبية والآفات الاجتماعية المنتشرة في العالم الإسلامي كثيرة ومتنوعة، بعضها أشر من بعض وأخطر، ومن أخطرها ما يعد من مظاهر الشرك بالله ومن عوامل تأخر الأمم وسقوط الحضارات وتدمير المجتمع من داخله، ومن علامات انحطاط الأخلاق وانحلال العقائد، ومن هذه الآفات الخطيرة آفة السحر التي هي موضوع هذه الرسالة المختصرة.
إن السحر آفة خطيرة وداء عضال، وخطره على الأفراد والجماعات واضح ومتحقق، فهو سبب من أسباب انتشار الأمراض الخبيثة والفتاكة، وعامل من عوامل تفكك الأسر والتفريق بين الأزواج، ومعول يهدم صرح الأخوة والمحبة التي بناها الإسلام، ويزرع مكانها الحقد والكراهية، كما أنه يزرع الشكوك ويسلب الثقة من نفوس الناس، بل ويسلب منهم الشعور بالأمن.
وإن فشو السحر في المجتمع دليل على بلادة أهله وانتشار التخلف الفكري وسيطرة الرجعية الحقة فيه، ونذارة شر عام مستطير، لأن السلطة تكون في مثل هذا المجتمع لأصحاب النفوس الخبيثة والطباع الشريرة، وما سنذكره إن شاء الله في هذه الرسالة نصيحة وتعليم لمن جهل أحكامه، وتذكير لمن غفل عنها، وإشعار بخطره على الأفراد والمجتمعات وخطره على الأديان قبل ذلك، وتبيان لأسباب انتشاره ولطرق مكافحته وسبل الوقاية منه، نسأل الله العلي القدير أن ينفع بها.
ما هو السحر؟
السحر في اللغة العربية يطلق على كل ما خفي سببه ولطف ودق، حتى إن العرب تقول : أخفى من السحر ، ويطلق السحر على الخديعة لأنه يخفى سببها ولا يظهر(1).
وأما في الشرع وفي الاصطلاح : فيطلق على معان منها: تلك العقد والرقى التي يتكلم بها أو التي تكتب، بحيث يتوصل بها الساحر إلى استخدام الشياطين فيما يريده من إضرار بالغير أو نفع لنفسه، ومنهم من يطلقه على ما يعمل من أدوية وعقاقير تؤثر في عقل الإنسان أو بدنه فتكون سببا لعدم تمييزه بين الخير والشر وبين من يستحق أن يحب ومن يستحق أن يبغض(2).
ومنهم من أدخل في مسمى السحر بعض الحيل التي تُخدع بها الأبصار لأنها مما خفي(3) ، وليس هذا من السحر المقصود شرعا، حيث تطبق عليه الأحكام الشرعية المتعلقة بالسحر كالتكفير والقتل ونحو ذلك.
ولكن فاعله يستحق العقوبة والتعزير على فعله وعلى تشبهه بالسحرة(4).
تاريخ وجود السحر وحقيقته
إن مما يبين لنا خطر السحر أن نَعرف تاريخ وجوده وحقيقته، وكيف يصبح الساحر ساحرا، فنبدأ بالنقطة الأولى فنقول إن وجود السحر على الأرض قديم، وقد ذكر ابن حجر أنه كان موجودا من زمن نوح عليه السلام(5) ، ولعله استفاده من قوله تعالى : (كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ ) (الذاريات:52)، أو من قول قومه له : إنه مجنون (القمر:9) و(به جنة) (المؤمنون:25)، لأن من أسباب الجنون الإصابة بالسحر.
وربما كان تاريخ السحر أقدم من ذلك؛ لأن أصله يرجع إلى الشيطان عدو الإنسان الذي أقسم وقال : ( فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) (ص:82)، فإن الشيطان لا يزال يغوي الناس ويستهويهم حتى يعبدوه من دون الله تعالى منذ أنزل آدم عليه السلام إلى الأرض.
هذا وإن كان أهل السحر القدماء الذين اشتهروا به كأهل بابل لا يقرون بعبادة الشيطان، ولكنهم يزعمون أنهم بقراءة الطلاسم يتقربون إلى الكواكب والنجوم التي يعتقدون أن لها تأثيرا في حياة الناس ومزاجهم وتصرفاتهم، وأنها هي التي تلبي لهم رغباتهم، وفي واقع الأمر حقيقته أن من كان تلبي لهم تلك الرغبات ويقضى حوائجهم ويؤثر في تصرفات الناس وأمزجتهم هي الشياطين، ويدلنا على هذه الحقيقة أن تقربهم إلى الكواكب لم يكن بقراءة الطلاسم التي تسمى تعاويذ فحسب، بل كان بالذبائح وإراقة بالدماء والتلبس بالنجاسات وغير ذلك مما ثبت أن الشياطين تحبه ويُتَقَرَّب به إليها.
ارتباط السحر بالدين
ومما سبق يظهر ارتباط السحر بالدين وبالتدين ، وهذا أمر جلي واضح في التاريخ قبل ظهور الإسلام وبعده، فالديانة البوذية كذلك مرتكزة على أعمال السحر، بل السحر فيها ركن من الأركان، ويدل على ذلك أن السحرة هم علماء الدين عندهم وسدنة المعابد، وكذلك في عهد انحطاط المسلمين، أصبح السحرة والكهنة أيضا هم من يرجع إليه في الدين، فتجد في كثير من المناطق إمام المسجد (أو المرابط) هو من يكتب "الحجب" و"الحروز" التي يستعاذ فيها بغير الله تعالى.
إن الإنسان يميل بطبعه إلى الإيمان بالغيب، لكن الغيب المأمور بالإيمان به بحيث يجب الخوف منه والإذعان له وطاعته هو الله سبحانه وتعالى، ومن الناس من تنحرف فطرته فيؤمن بغيب آخر، هو الشيطان وأعوانه من السحرة، فتراه يخاف منهم ويطيعهم ويذعن لهم، كما يذعن المؤمنون لله تعالى ويخافون منه، وقد قال المولى عز وجل في وصف اليهود الذين تركوا كتاب الله تعالى واتبعوا ما تتلو عليهم الشياطين من طلاسم السحر : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ) (النساء:50) والجبت هو السحر والطاغوت هو الشيطان(6). فأخبر أنهم يؤمنون بالسحر بمعنى يطمئنون إليه ويقبلونه ويذعنون له لا بمعنى أنهم يصدقون بوجوده؛ فإن هذا الأخير لا محذور فيه بل هو واجب، كما أن المؤمن بدين الله تعالى الإسلام ليس من يصدق به فحسب، ولكن من يطمئن إليه ويقبله ويذعن له.
فأول شيء يبين لك –أيها القارئ الكريم-خطر السحر أن تعلم أنه دين من الأديان، فإذا سئلت عن الأديان الموجودة في الجزائر مثلا، فقل يوجد الإسلام وبعض اليهود والنصارى، ويوجد أيضا دين السحر وعبَّاد الشيطان، وهو من أعظم الأديان المخالفة لعقيدة التوحيد.
كيف يصبح الساحر ساحرا ؟
ومما يبين لنا خطر السحر ويؤكد لنا أنه دين مبناه على عبادة الشيطان: أن نعلم كيف يصبح الساحر ساحرا!
إن أهل السحر يزعمون علم العزائم التي يسخرون بها الجن لطاعتهم ويتمكنون من التحكم فيهم، وفي الحقيقة هم من يخضع للجن ويذل لهم ويعبدهم، وكل الطرق التي يذكرها العارفون بأحوال السحر والسحرة مرجعها إلى عبادة الجن، فما يعمله أهل الهند من صوم وتعذيب للنفس، ومن خلوة وانقطاع عن الناس كله من عبادة الشيطان، وكذلك ما يفعله غيرهم من تلاوة الطلاسم والعزائم أو مخاطبة للنجوم أو تقديم للذبائح وتلبس بالنجاسات، وقد قال شيخ الإسلام ابن القيم رحمه الله :« وكلما كان الساحر أكفر وأخبث وأشد معاداة لله ولرسوله ولعباده المؤمنين كان سحره أقوى وأنفذ»(7).
فمن شروط التمكن من علم السحر الكفر بالله تعالى، وللساحر في إثبات ذلك للشيطان عدة طرق منها كتابة القرآن بالدماء النجسة، ووضع المصاحف في القاذورات، والدوام على الجنابة وترك النظافة في جسمه وملابسه، وآداء الصلاة من غير طهارة، والذبح لغير الله وذكر اسم الشيطان بالعظيم والإجلال، وأكل الميتات والنجاسات وشرب الدماء والخمور وفعل أقبح الفواحش ونحو ذلك من القبائح المغضبة للرحمن المرضية للشيطان.
ويتحدث كثير من الناس عن عقودٍ تُبرم بين الساحر والشيطان؛ مضمونها أن يبيع الساحر نفسه للشيطان مقابل أن يعطيه الشيطان المقدرة على السحر.
خطر السحر على الأمم والمجتمعات
إن خطر السحر واضح على الأمم والمجتمعات، فهو سبب التفريق بين الأصحاب والأحبة والأزواج، ومعول تُهدم به البيوت والأسر التي هي اللبنات التي يتكون منها المجتمع، وبقوتها يقوى المجتمع وبضعفها وبتفككها يتفكك، والسحر سبيل من سبل تخدير الشباب الذين هم أمل الأمة وتفتيرهم وإذهاب عزائمهم وصرفهم عما يصلحهم في دينهم ودنياهم، وهو من علل فساد النساء ربات البيوت ومربيات الأجيال.
وبسببه تنتشر الأمراض الخبيثة، وتستباح الفواحش، ويشيع الطلاق، وتفشو السرقة والغش، وينعدم الأمن، ويعم الخوف وسوء الظن، وربما كان سببا لاستيلاء الغزاة المستعمرين على البلاد واستغلالهم للعباد.
يحكي المؤرخون أن الاستعمار البريطاني استعان ببعض الكهنة الذين يؤمن بهم بعض شعوب جنوب شرق إفريقيا، ولولا ما أمر به هؤلاء الكهنة شعوبهم من أعمال جنونية من حرق للمحاصيل الزراعية وقتل للثروة الحيوانية ما تمكن منهم الاستعمار البريطاني(8).
وكان السحر سببا في زوال حضارة كبيرة من الحضارات في أمريكا اللاتينية، إذ لما جاء جيش الإسبان الغازي لم يقاومه أهل تلك البلاد، بل رحبوا به لأنه كانت عندهم أسطورة روجها السحرة والكهنة مفادها أن إلها أبيضا سيأتي من وراء البحر لينقذ الشعب، فلما رأوا الإنسان الأبيض قالوا هذا الإله الموعود، ولم يستفيقوا من سباتهم ولم يتبين لهم دجل كهنتهم إلا بعد أن تَمكن الإسبان منهم فقتلوا منهم من قتلوا، وأسروا من أسروا واستاقوهم إلى المناجم ليسوموهم أسوأ العذاب ويستغلوهم أعظم استغلال(9).
خطر السحر على الدين
أعظم خطر للسحر وأشرها قبل هذه الأخطار هو خطره على دين المرء، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث المتفق عليه :« اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ قَالَ الشِّرْكُ بِاللَّهِ وَالسِّحْرُ وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَكْلُ الرِّبَا وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلَاتِ»(10). والموبقات هي المهلكات لأنها من كبائر الذنوب ومحبطات الأعمال، والشرك أكبر الكبائر وقد عطف عليه النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث السحر.
وقد قال صلى الله عليه وسلم في حديث آخر:« لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَاقٌّ وَلَا مُؤْمِنٌ بِسِحْرٍ وَلَا مُدْمِنُ خَمْرٍ وَلَا مُكَذِّبٌ بِقَدَرٍ ". وفي رواية :" مصدق بسحر»(11). والسحر إن خلا من الكفر كأن يكون مستعمله يذهب إلى السحرة فيؤذوا به من أراد، فهو من أكبر الكبائر، ومن الظلم لعباد الله تعالى، والظلم ظلمات يوم القيامة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (12)، ومن محبطات الأعمال ومن أسباب القصاص يوم القيامة.
تعلم السحر والعمل به كفر بالله تعالى
إن تعلم السحر وإن لم يُعمل به كفرٌ بالله تعالى، لما علمنا من حقيقته، وقد قال العلماء: إن تعلم السحر والعمل به كفر مخرج من الملة، قال ابن المواز:« ومن قول مالك وأصحابه أن الساحر كافر بالله، فإذا سحر هو بنفسه فإنه يقتل ولا يستتاب والسحر كفر »(13).
ومن الأدلة على كفر الساحر قوله تعالى : (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) (البقرة:102) فهذه الآية تدل على كفر الساحر من ثلاثة أوجه.
الأول : أن الله تعالى نفى الكفر عن سليمان وأثبته لمن علَّم السحر، وهم الشياطين فدل على أن تعليم السحر هو سبب كفرهم.
الثاني: تحذير المَلَكين لمن يريد تعلُّمه بأنه سيكفر، فدل ذلك على أنَّ تعلُّمه أيضا كفر قبل أن يعمل به.
الثالث : أنه سبحانه حكم على من اشتراه أي تعلمه بعدم الخلاق، وهو النصيب في الآخرة، ومعنى هذا أن عمله حابط باطل يوم القيامة ولو كان قد صلى وصام وحج وأحسن وتصدق، ولا يحبط جميع الأعمال يوم القيامة إلا الكفر بالله تعالى.
الساحر كافر ولو أقر بتحريمه
فالساحر يكفر بمجرد تعلم السحر ولو لم يعمل به ويكفر ولو أقر بتحريمه، يقول ابن قدامة:« قال أصحابنا : ويكفر الساحر بتعلمه وفعله سواء اعتقد تحريمه أو إباحته»(14). وذلك أن من الأعمال ما هو كفر صريح بنص القرآن أو السنة وليس في رتبة المعاصي التي تدل على ضعف الإيمان، ولكنها تدل على عدم الإيمان كلية كسَبِّ الله تعالى والسجود للأصنام والذبح لها والاستهزاء بالدين، ومن هذه الأعمال تعلُّم السحر والعمل به، وبعض الناس يظن هذه الأعمال مثل السرقة والزنا وليس الأمر كذلك، فلابد أن نفرق بين فعل المحرمات ولو كانت من الكبائر وبين الوقوع في الشركيات ونواقض الإسلام. وعلينا أن نسمي الأشياء بأسمائها، ولذا فرَّق العلماء بين الشرك الأكبر الذي ينقل عن الملة والشرك الأصغر الذي يدخل في معناه الواسع كل المعاصي والذنوب.
وكيف لا يكون السحر كفرا وتلك الطلاسم التي لا تفهم إنما هي تمجيد للشيطان وعبادة له، قال العلامة ابن خلدون رحمه الله وهو يشرح حقيقة السحر وحكمه :« ورياضة السحر كلها إنما تكون بالتوجه إلى الأفلاك والكواكب والعوالم العلوية والشياطين بأنواع التعظيم والخضوع والتذلل؛ فهي لذلك وجهة إلى غير الله وسجود له والوجهة إلى غير الله كفر ولهذا كان السحر كفرا»(15).
عقوبة الساحر في الإسلام
ومما يبين خطر السحر أن عقوبة مرتكبه في حكم الإسلام هي القتل، وذلك لوجوه منها أن الساحر قد ارتد وخرج عن دين الإسلام، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:«من بدل دينه فاقتلوه»(16) ، ومنها أن الساحر من المفسدين في الأرض الذين يخيفون الناس والمحاربين لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، وقد قال تعالى في جزاء من هذه حاله : ( إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (المائدة:33). هذه عقوبة قطاع الطرق الذين يقطعون الطريق خارج المدن فيسلبون الأموال ويزهقون الأنفس، والساحر أكثر فسادا منهم فهو يقتل بسحره ويتلف العقول ويخيف الناس ويسلب أموالهم بل ويفسد عقيدتهم.
وقد عمل بهذا الحكم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، فعن الأحنف بن قيس أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إليهم بكتاب قبل موته بسنة: «اقتلوا كل ساحر»(17) ، وعن أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها:« أنها أمرت بقتل جارية لها سحرتها»(18) ، وعن جندب الأزدي رضي الله عنه قال :« حد الساحر ضربة بالسيف»(19).
هذا حكم الساحر مهما كان نوع السحر الذي يمارسه إلا هؤلاء المهرجين المحتالين الذين يسمون سحرة على سبيل المجاز فهؤلاء يعزرون تعزيرا شديدا.
ومن العلماء من فصَّل في حكمه، فقال يقتل إذا كفر بسحره أو قتل، ويُعزَّر فيما دون ذلك؛ وهذا التفصيل مبني على توسيع معنى السحر، وإدخال المعاني المجازية فيه، وإلا فالعلماء متفقون على قتل المرتد عن دين الله تعالى، وعلى قتل الساحر بالمعنى الذي شرحناه(20).
والعقلاء الذين يبغون الصلاح لمجتمعاتهم ويخشون من فساد السحرة فيها؛ قد حكموا بهذا الحكم على السحرة -أعني عقوبة القتل- رغم بعدهم عن شريعة الإسلام، ففي أوروبا في زمن الظلمات والانحطاط كانت تسلط أقسى العقوبات على السحرة، فكان الحكم عندهم هو الإعدام والتمثيل، ففي فرنسا وألمانيا وإيطاليا كان الساحر يعدم حرقا أمام الجمهور، وفي اسكتلاندا كان يلقى في القار المغلي، وفي انجلترا يشنقونه أمام الجمهور، وفي إسبانيا يعذب عذابا شديدا حتى الموت ثم يحرق(21)، وأما الآن في عصر التحضر فقد خُفِّف الأمر عليهم كما سيأتي ذكره.
الساحر لا تقبل توبته في الدنيا
ولعظم خطر السحر فإن الساحر لا تقبل توبته بعد القبض عليه واكتشاف أمره، لأن الساحر من المفسدين الذين يحاربون دين الله تعالى، وقد قال تعالى بعد أن ذكر حد الحرابة: ( إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(المائدة:34). بمعنى هؤلاء قطاع الطرق إذا جاؤوكم وسلموا أنفسهم فاقبلوا توبتهم ، وأما إذا ألقيتم عليهم القبض فقالوا تبنا فلا تقبلوا توبتهم. قال أكثر العلماء وكذلك الساحر، وقد سبق نقل كلام الإمام مالك من أنه يقتل ولا يستتاب، ومعنى الاستتابة أن يؤمر بالتوبة بعد ردته ويمهل ثلاثة أيام، وكذلك قال أبو حنيفة :«يقتل ولا يستتاب، ولا يقبل قوله إني أترك السحر وأتوب منه»(22).
ولكن لا يلي قتله إلا السلطان بعد صدور حكم القاضي في حقه، لأن تنفيذ الحدود في الشرع إنما يكون لمن له سلطة تنفيذ الأحكام الشرعية، حفاظا على النظام العام وصيانة للمجتمع من الفوضى.
حكم من يذهب إلى الساحر ليستعين به
ما سبق ذكره هو حكم الساحر، فما حكم من يذهب إليه ليستعين به؟ هل يكفر هو الآخر ؟ الجواب نعم يكفر في أحوال منها:
1-إذا استحل السحر واعتقد جوازه، وكذلك يكفر كل من استحل شيئا من المحرمات الواضحات أو أنكر واجبا من الواجبات المعلومات.
2-ويكفر إذا صدقه في خبره المتعلق بالغيب، قال :" من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم "(23)، لأن علم الغيب لا يعلمه إلا الله تعالى، قال تعالى : ( قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ) (النمل:65)
3-وكذلك إذا ردَّد المرء تلك الطلاسم التي يُعدُّها الساحر أو كتبها بنفسه، لأنها تحتوي على تمجيد الشيطان وعبادته والاستغاثة به ، وعلى سب الله تعالى ودينه ورسله وملائكته .
4-ويكفر إذا أمره الساحر أن يقوم بأعمال شركية فنفذ أمره كالذبح للجن والسجود للقبور ونحو ذلك.
ومن سلم من كل ذلك فقد أتى كبيرة من أعظم الكبائر، ويستحق على ذلك العقوبة في الدنيا والآخرة، وفي الحديث: «ليس منا من تطير أو تطير له أو تكهن أو تكهن له، أو سحر أو سحر له»(24) ، وقد سبق أن السحر من السبع الموبقات المهلكات محبطات الأعمال، ومن العقوبات التي يستحقها من يذهب إلى السحر في مذهب الإمام مالك أنه يضرب ضربا موجعا، وأنه يُقتل إذا قتل المسحور بسحره، فيكون ذلك من باب القصاص، لأنه لا فرق بين من قتل بالسلاح أو السم أو السحر(25).
كيف يُحل السحر؟
إن الله تعالى بحكمته جعل هذه الدنيا دار ابتلاء وامتحان لعباده وجعل الآخرة دار جزاء ونعيم لا يخالطه نصب ولا تعب .
وإن مما قضاه الله تعالى على عباده أن يصابوا بأنواع من الأمراض، وله في ذلك حِكم ظهر منها ما ظهر وخفي ما خفي، فالله تعالى يبتلي العباد بالأمراض عقوبة لهم، أو تذكيرا لهم ووعظا، أو تكفيرا لسيئاتهم وذنوبهم، أو امتحانا لصبرهم ولتوحيدهم وإيمانهم، وكما قضى وجود الداء فإنه أنزل معه الدواء قال صلى الله عليه وسلم:« مَا أَنْزَلَ اللَّهُ دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً»(26)، وقَالَ صلى الله عليه وسلم :« لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ بَرَأَ بِإِذْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ»(27).
وشرع الله تعالى لعباده التداوي؛ فعَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ قَالَ قَالَتْ الْأَعْرَابُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا نَتَدَاوَى قَالَ نَعَمْ يَا عِبَادَ اللَّهِ تَدَاوَوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ لَهُ شِفَاءً أَوْ قَالَ دَوَاءً إِلَّا دَاءً وَاحِدًا قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُوَ قَالَ الْهَرَمُ »(28).
وهذا الدواء منه ما يكون بالأدوية الغذائية والكميائية كالعسل والحبة السوداء والحجامة ونحوها، قال صلى الله عليه وسلم :« الشِّفَاءُ فِي ثَلَاثَةٍ شَرْبَةِ عَسَلٍ وَشَرْطَةِ مِحْجَمٍ وَكَيَّةِ نَارٍ وَأَنْهَى أُمَّتِي عَنْ الْكَيِّ »(29) ، وقال : «فِي الْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ إِلَّا السَّامَ »(30) .
ولا يجوز التداوي بالخمر وما شابهه من المحرمات، فعن طارق بن سويد الجعفي أنه سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم:عَنْ الْخَمْرِ فَنَهَاهُ أَوْ كَرِهَ أَنْ يَصْنَعَهَا، فَقَالَ إِنَّمَا أَصْنَعُهَا لِلدَّوَاءِ فَقَالَ:« إِنَّهُ لَيْسَ بِدَوَاءٍ وَلَكِنَّهُ دَاءٌ»(31).
ومن الدواء ما يكون بالرقية وهي التعويذة التي يُرقى بها صاحب الآفة كالحمى والصرع، وتكون بكلام الله تعالى وبدعائه والتوسل إليه بأسمائه وصفاته، قال تعالى : ( وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً) (الإسراء:82) والقرآن كله شفاء إذا قرئ بتدبر، ومما يرجى معه الشفاء من السحر والعين أكثر قراءة سورة الفاتحة والإخلاص والمعوذتين الفلق والناس، وسورة البقرة التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم:« اقْرَءُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ وَلَا تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ » (32) أي لا تقدر عليها السحرة.
ومن الدعاء قول النبي صلى الله عليه وسلم:« أَذْهِبْ الْبَاسَ رَبَّ النَّاسِ اشْفِ وَأَنْتَ الشَّافِي لَا شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا»(33). وقال صلى الله عليه وسلم:« مَا مِنْ عَبْدٍ يَقُولُ فِي صَبَاحِ كُلِّ يَوْمٍ وَمَسَاءِ كُلِّ لَيْلَةٍ بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ »(34).
وقال الشوكاني:« إن التداوي بالدعاء مع الالتجاء إلى الله تعالى أنجع وأنفع من العلاج بالعقاقير ، ولكن ينجع بأمرين :
أحدهما : من جهة العليل وهو صدق القصد .
والآخر : من جهة المداوي وهو توجه قلبه إلى الله تعالى وقوته بالتقوى والتوكل على الله تعالي »(35).
ضوابط الرقية الشرعية
والرقية تطلق على ما يجوز وما لا يجوز لقوله صلى الله عليه وسلم :« لَا بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شِرْكٌ»(36) ، لذلك وجب على المسلم أن يقف على ما هو مشروع من الرقى وما هو غير مشروع، وليعلم المريض والمصاب أنه ممتحن فعليه أن يتحرى ويصبر، والأمور التي تعينه على تعيين الرقية الشرعية من غيرها منها ما يرجع إلى صفات الراقي ، ومنها ما يرجع إلى صفة الرقية في حد ذاتها.
صفات الراقي
إن صفات الراقي هي صفات الداعي (من الدعاء لا من الدعوة) فهي من هذا الوجه عبادة فردية، لذلك لا ينبغي أن نعتقد ضرورة وجود متخصص في الرقية (هو من يعالج الناس دون عامتهم)، نعم نحتاج إلى من هو أعلم منا وأتقى وأخبر في حالات صعبة، لكن الأصل هو التحصن الذاتي بالأذكار وقراءة القرآن، وقد رقت أمنا عائشة رضي الله عنها نبينا صلى الله عليه وسلم: واستعملت يديه الطاهرتين لبركتهما، قالت رضي الله عنها :« فَلَمَّا مَرِضَ مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ جَعَلْتُ أَنْفُثُ عَلَيْهِ وَأَمْسَحُهُ بِيَدِ نَفْسِهِ لِأَنَّهَا كَانَتْ أَعْظَمَ بَرَكَةً مِنْ يَدِي »(37).
ومن صفات الراقي المعتبرة .
1-أن يكون مؤمنا موحدا سالما من نواقض الإسلام ومجانبا لمظاهر الشرك المخرج من الملة .
2-أن يكون قوي الإيمان تقيا، محافظا على الشرائع ومعظما للشعائر، وأن يكون قوي الشخصية أيضا.
3-أن يكون حال الرقية مريدا وجه الله تعالى لا حطام الدنيا الزائل ، وأن يكون متوكلا على الله معتمدا عليه متيقنا بأن الشافي هو الله تعالى.
4-العلم بالأحكام الشرعية للرقية وبأحوال الجن والشياطين، حتى يجتنب المخالفات والوسائل غير المشروعة وحتى لا يقع في حبائل الشيطان ومكائده.
قال ابن القيم:« وعلاج هذا النوع يكون بأمرين : أمر من جهة المصروع وأمر من جهة المعالج فالذي من جهة المصروع يكون بقوة نفسه وصدق توجهه إلى فاطر هذه الأرواح وبارئها والتعوذ الصحيح الذي قد تواطأ عليه القلب واللسان فإن هذا نوع محاربة والمحارب لا يتم له الانتصاف من عدوه بالسلاح إلا بأمرين : أن يكون السلاح صحيحا في نفسه جيدا وأن يكون الساعد قويا فمتى تخلف أحدهما لم يغن السلاح كثير طائل فكيف إذا عدم الأمران جميعا : يكون القلب خرابا من التوحيد والتوكل والتقوى والتوجه ولا سلاح له.
والثاني : من جهة المعالج بأن يكون فيه هذان الأمران أيضا حتى إن من المعالجين من يكتفي بقوله : اخرج منه أو بقول : بسم الله أو بقول لا حول ولا قوة إلا بالله، والنبى صلى الله عليه وسلم كان يقول : "اخرج عدو الله أنا رسول الله"(38) »(39).
صفات الرقية
وأما الرقية فقد ذكر العلماء لها ضوابط حتى لا تخرج عن كونها مشروعة، وحتى لا تلتبس بالسحر والشعوذة، وخلاصة ما قيل جمعه الحافظ ابن حجر في قوله :« وقد أجمع العلماء على جواز الرقى عند اجتماع ثلاثة شروط: أن يكون بكلام الله تعالى أو بأسمائه وصفاته، وباللسان العربي أو بما يعرف معناه من غيره، وأن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها بل بذات الله تعالى »(40).
مخالفات في الرقية
إن الخروج عن الرقية الشرعية وضوابطها يعني الوقوع في الشعوذة والسحر، والشعبذة والشعوذة هي الاحتيال وخداع حواس الناس، وقيل هي والسحر سواء، ومنهم من فرق بينهما بأن السحر تمويه وتخييل الأشياء بخلاف حقيقتها سواء كان ذلك في سرعة أو بطء، والشعبذة ما يكون من ذلك في سرعة فكل شعبذة سحر وليس كل سحر شعبذة.
وليس كل ما يعد من المخالفات شعوذة، بل منه ما هو كذلك ومنه ما هو طريق إليها، وقد منع منه كثير من العلماء سدا للذريعة، ومنها :
1-التمائم التي يكتب فيها شيء من القرآن أو من الأحاديث، فقد ذهب كثير من العلماء إلى المنع منها ، وهو الصحيح لعموم نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تعليق التمائم، ولأن كثيرا من المشعوذين يكتب القرآن وأسماء الله تعالى بالدماء والنجاسات، فينبغي المنع من كل التمائم سدا للذريعة.
2-ومنها مسح كتابة القرآن بالماء وشربه إذ من أهل العلم من أجازه والاحتياط تركه، قال الشيخ الفوزان:« أما أن يكتب القرآن على شيء طاهر كصحن أو ورق بشيء طاهر ويغسل المكتوب ويسقي المريض، فقد رخص فيه بعض السلف مثل الإمام أحمد ….وتركه أحسن للاقتصار على ما ورد»(41).
3-ومنها إنشاء عيادات الرقية، لأنها تؤدي في الغالب إلى انحراف أصحابها، بحيث يلجأون إلى كل الطرق التي تدر عليهم بالربح السريع، ومنهم من يستعمل الطرق المحرمة بل وأنواعا من السحر لفك السحر، قال الشيخ صالح الفوزان :«هذا لا يجوز لأن هذا يفتح باب فتنة ويفتح باب احتيال للمحتالين ، …والتوسع في هذا يفتح شرا ويدخل فيه من لا يحسن، لأن الناس يجرون وراء الطمع ويحبون أن يجلبوا الناس إليهم، ولو بعمل أشياء محرمة ..ولا يقال هذا رجل صالح لأن الإنسان يفتتن والعياذ بالله»(42).
كيف تميز المشعوذ من الراقي؟
مما ينبغي بيانه ونحن نتحدث عن هؤلاء السحرة أنهم قد يدسون أنفسهم في وسط الرقاة ويسمون أنفسهم رقاة أو "عشابين"، خاصة في الوسط الذي انتشر فيه التوحيد أو ساءت فيه سمعة السحرة والكهنة جدا، لذلك كان من المفيد أن نذكر بعض الخصال المميزة لهؤلاء السحرة والمشعوذين والصفات الكاشفة لهم. فمن تلك العلامات:
1-إذا دخلت عليه فسألك عن اسم أمك فاعلم أنه ساحر أو كاهن يستعين بالجن.
2-إذا أمرك ألا تذكر الله ولا تقل بسم الله عند علاجه لك فاعلم أنه ساحر، وهذا واضح.
3-إذا أخبرك بأمر غيبي كأن يخبرك عن مكان مسكنك أو عن اسمك مثلاً أو اسم أبيك.
4-من علامتهم كتابة الحجب المتضمنة للطلاسم أو الحروف المقطعة والكلام غير المفهوم أو المربعات، وربما زعم أحدهم لمن رآه أميا أن المكتوب فيها قرآن، قال النبي صلى الله عليه وسلم :« إِنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتِّوَلَةَ شِرْكٌ»(43). والمقصود بالرقى الرقى الشركية، والتِّولة هو سحر المحبة، والتمائم هي الحجب (الحروز) التي تكتب وتعلق، وهي شرك لما تتضمنه من استغاثة بأسماء الجن وسب للملائكة أو الأنبياء .
ومثله الإرشاد إلى تعليق الخيوط والحلق والأوتار والأشواك و"الخامسات"، وفي الحديث :"من تعلق شيئا وكل إليه"(44).
5-التمتمة بكلام غير مفهوم وربما موه عليك فقرأ بعض الآيات بصوت عال ثم يخفض صوته في الباقي.
6-أن يعطي المريض أوراقاً يحرقها ويتبخر بها.
7-أو يأمره أن يعتزل الناس فترة معينة في غرفة لا تدخلها الشمس ويسميها العامة (الحجبة).
8- وأحياناً يطلب الساحر من المريض ألا يمس ماءً لفترة من الزمن معينة أسبوعا أو أربعين يوماً، حتى يظل على جنابة ويترك الصلاة ولا تقربه الملائكة .
9-أن يأخذ أثراً من المريض كقطعة من لباسه أو صورة من صوره .
10-أن يطلب ذبح حيوان بصفات معينة وربما أمر بتلطيخ مواضع من البدن بالدم، والذبح للجن ولأصحاب القبور من الشرك بالله تعالى، قال تعالى : (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) (الكوثر:2) وقال النبي :« لعن الله من ذبح لغير الله »(45) ، والمشعوذ قد يصرح بذلك للمريض فيقول اذبح للجن حتى يدعك ويرضى عنك أو للولي الصالح ليباركك، وقد لا يصرح ويسميها فدية أو عقيقة أو يزعم أن المقصود التمسح بجلد الذبيحة أو الاستشفاء بعضو من أعضائها!!.
11-إعطاء المريض أشياء يدفنها في الأرض أو يخفيها في المنزل.
12-أن يستعين ببعض المصابين بالمس في رقيته يخبره عن المريض من سحره ومتى وأين وضع السحر.
والاستعانة بالجني لا تجوز سواء كان مسلما أو يدعي أنه مسلم ، لأن الاستعانة بالغائب محرمة وهي إما شرك أكبر أو ذريعة إلى الشرك، وإنما تجوز الاستعانة بالحاضر فيما يقدر عليه، وجاء في فتوى اللجنة الدائمة :« لا تجوز الاستعانة بالجن في معرفة نوع الإصابة ونوع علاجها، لأن الاستعانة بالجن شرك ، قال تعالى : (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْأِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً) (الجـن:6) وقال تعالى : (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْأِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْأِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) (الأنعام:128) ومعنى استمتاع بعضهم ببعض أن الإنس عظموا الجن وخضعوا لهم واستعاذوا بهم، والجن خدموهم بما يريدون وأحضروا لهم ما يطلبون، ومن ذلك إخبارهم بنوع المرض وأسبابه مما يطلع عليه الجن دون الإنس، وقد يكذبون فإنهم لا يؤمنون ولا يجوز تصديقهم»(46).
13-ومن مظاهر الاستعانة بالجن التخييل وهو الكشف عن مكان السحر (ومن سحره أو أصابه بالعين) بتغميض العينين، وهو أمر محرم، لأنه استعانة بالشياطين إذ هي التي تتصور بالصورة التي يراها المريض، ولأنه يسبب العداوة بين الناس، ويسبب نشر الخوف والرعب بين الناس(47).
14-أن يستعمل أشياء غير معقولة المعنى كتخطي بعض الخيوط وما يسمى بالشبر، والتسبيع بالملح ، النوم على القصب والتعهد بعدم كسره ، رمي الحشيش على رأس المريض) .
15- أن يأمره بأكل شيء محرم قال ابن مسعود:« إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم»(48) ، فالمحرمات حرمها الله تعالى لخبثها وعدم نفعها وكثرة ضررها، فلا يناسب أن يطلب بها الشفاء، والعبد إذا علم تحريم شيء ساء ظنه به، ومن شرط الشفاء بالدواء تلقيه بالقبول واعتقاد منفعته وما جعل الله فيه من بركة الشفاء .
ومن المحرمات الشائعة أمر المريض بشرب الخمر أو الدماء المسفوحة، أو أكل الميتة أو لحوم الذئاب والكلاب والقطط أو ما ذبح لغير الله تعالى، أو التمسح بجلود الميتات والتلبس بالنجاسات وغير ذلك من الأمور التي تحريمها معلوم من الدين بالضرورة .
16-ظهور علامات الفسق على الراقي كترك الصلاة والخلوة بالنساء ولمسهن، وغير ذلك مما يظهر عدم استقامته على شريعة الله تعالى.
فالخلوة بالنساء في الرقية محرمة وحضور وليها معها أمر واجب، لأن الفتنة غير مأمونة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :« أَلَا لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ»(49) ، ولا يجوز للمرأة أن تكشف للراقي عن شيء من جسمها غير الوجه والكفين، ولا يجوز له لمسها ولو بحائل.
قالت اللجنة الدائمة للإفتاء بالسعودية:« لا يجوز للراقي مس شيء من بدن المرأة التي يرقيها لما في ذلك من الفتنة، وإنما هو يقرأ عليها بدون مس، وهناك فرق بين عمل الراقي وعمل الطبيب ، لأن الطبيب قد لا يمكنه العلاج إلا بمس الموضع الذي يريد أن يعالجه، بخلاف الراقي فإن عمله هو القراءة والنفث ولا يتوقف على اللمس»(50).
أسباب انتشار السحر والشعوذة بين المسلمين
من الأشياء التي لابد أن نتعرض لها أسباب انتشار السحر بين الناس، ولماذا يلجأ الناس إليه ، هناك أسباب كثيرة نذكر ما تيسر منها ومعرفة هذه الأسباب جزء من العلاج الذي سنذكره في الأخير :
1-حب الشر والرغبة في إيذاء الآخرين والسيطرة عليهم، وفي سبيل ذلك يتحالفون مع الشيطان وجنوده، وهذا لا تخلو منه أمة من الأمم.
2-داء الحسد الذي يدفع الناس إلى أذى الآخرين والسعي إلى سلب النعم التي حباهم بها الله تعالى. والحسد إذا استولى على قلب إنسان أعماه وربما أوصله إلى الكفر بالله تعالى كما حدث لإبليس مع آدم عليه السلام ولليهود مع النبي صلى الله عليه وسلم .
3-الفراغ الروحي والقلق والحيرة والهموم التي سكنت في أعماق القلوب والعقد النفسية، إذ من أجل كل ذلك أو بعضه يذهب كثير من الناس إلى المشعوذين والكهان لمطالعة الحظ والأمور المستقبلة.
4-الجهل بعقيدة التوحيد، إذ لو علم الناس حقيقة العبادة وأنواعها وشروط لا إله إلا الله ونواقضها، وأن من الأعمال ما هو ناقض لها مبطل للإسلام وأن من هذه الأعمال السحر والكهانة لما تساهلوا فيه ، وكذلك الجهل بعقيدة القضاء والقدر، لأن حال من يعتمد على السحرة ويلجأ إليهم يوحي بأنه يعتقد فيهم القدرة على تغيير قدر الله تعالى ومعارضته، ومن صحت عقيدته في القضاء والقدر علم أن ما قدر الله أن يكون كان وما قدر أن لا يكون لم يكن ولو اجتمع عليه الإنس والجن أجمعون .
5-التوسع في باب الرقية وعدم الانضباط بالضوابط الشرعية. فيبدأ الراقي باستعمال الأمور المختلف فيها، وبعض الطرق التي تدر عليه الربح السريع كالرقية الجماعية، ثم بعض الصور المندرجة في معاني الشرك الأصغر لعدم فهم معناها، ثم يستعين بمن يزعمهم من الجن المسلمين، ثم يتدرج به الأمر إلى أن يمضي عقد السحر مع الشيطان، ومن كان غرضه من الرقية الربح وتحصيل الدنيا فما أسهل أن يقع في شراك الشياطين.
6-بعض الناس يدفعه الضعف وشدة الابتلاء إلى استعمال السحر لحل السحر، فيقال لمن هذا حاله إن الله ما خلق داء إلا خلق له دواء، وقد قال صلى الله عليه وسلم:« لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ »(51) ، والمقصود دواء مشروع، لأن الله لم يجعل شفاءنا فيما حرم علينا والسحر مما حرم الله تعالى ، ويخطئ من يظن بأن الساحر يبطل سحر غيره ، غاية ما يفعله أن يزيل تأثير السحر إلى أجل ليرجع للساحر بالهدايا والقرابين وأعمال الشرك والكفر.
وليست الرقية مما يؤخذ من العوائد والتجارب التي أكثرها أعمال شركية وسحرية توارثها الناس، وكل ما كان بأسباب غير معقولة فهو داخل في معنى الشعوذة وحكمه التحريم ولا يستهان به وإن كان من العوائد ، وحل السحر بالسحر يسمى النشرة وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النشرة -وهي حل السحر بالسحر- فقال:« هي من عمل الشيطان»(52) ، والسحر لا نفع فيه لأن الله تعالى يقول : (وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ ). وقال : ( وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى) (طـه:69). ومن مظاهر النشرة المنتشرة: استعمال البخور (الجاوي أو غيره)، وتلطيخ المريض بالقطران، وصب الرصاص، والتسبيع بالبيض وكسره، التسبيع بالملح وحرقه، والأمر بدفن بعض الأشياء، والأمر بتبييت عقاقير مقابلة للنجوم قبل شربها، واستعمال ماء البحر (سبعة أمواج).
والسحر كله كفر ولا ينفع فيه القصد الحسن، قال الدردير من متأخري المالكية:«وأما إبطاله فإن كان بسحر مثله فكذلك (أي كفر) وإلا فلا »(53). الخلاصة أن السحر كفر بالله تعالى سواء استعمل في الخير أو الشر، لأنه عبادة للشيطان.
7-من أسباب انتشاره امتزاجه بالطب عند كثير من القدماء كالهنود، فإننا نجد كثيرا من كتب الطب القديمة (طب الأعشاب أو الطب التقليدي) تحتوى على مادة سحرية، وكذلك أطباء اليونان وفلاسفته كانوا يؤمنون بالسحر، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية وهو ينتقد فلاسفة اليونان ويحط من شأنهم:« وهل وجد في العالم أمة أجهل وأضل وأبعد عن العقل والعلم من أمة يكون رؤوسها فلاسفة، أو لم تكن أئمتكم اليونان كأرسطو وأمثاله مشركين يعبدون الأوثان ويشركون بالرحمن ويقربون أنواع القرابين لذرية الشيطان ؟ أو ليس من أعظم علومهم السحر الذي غايته أن يعبد الإنسان شيطانا من الشياطين ويصوم ويصلي ويقرب له القرابين حتى ينال بذلك عرضا من الدنيا فساده أعظم من صلاحه وإثمه أكبر من نفعه؟»(54).
فمن اعتمد على هذه الكتب الطبية ربما وجد فيها وَصَفات سحرية وطلاسم، ومُروِّج كتاب السحر لا يكتب في الغالب على غلافه أن موضوعه السحر ، إلا إذا كان في بلد يستباح فيه السحر ويدرَس ويدرَّس علنا كالسنغال، بل يكتب عليه عناوين مضللة توحي بأن موضوعه الطب والرقية ككتاب "الرحمة في الطب والحكمة" الذي ينسب زورا إلى السيوطي.
8-في سياق الحديث عن الطب القديم نتحدث عن سبب آخر جديد يسمى البرمجة العصبية، فنقول إن الديانة البوذية تخترق هذه الأيام بلاد المسلمين وبقوة عبر وسائل الإعلام المختلفة لكن باسم البرمجة العصبية(55) ، التي مزج فيها أهلها شيئا من علم النفس وشيئا من السحر والشعوذة، وربما زينوا بعض أفكارهم بأحاديث نبوية أو آيات قرآنية.
وإن من أنواع السحر: السحر بهمة الساحر بحيث تكون له قدرة على التحكم في نفوس الآخرين والسيطرة عليهم، قال ابن عابدين في تعريف السحر:« علم يستفاد منه حصول ملكة نفسانية يقتدر بها على أفعال غريبة لأسباب خفية». ومن ذلك ما يسمى بالتنويم المغناطيسي الذي يسميه أهل البرمجة العصبية الإيحاء.
يصل الساحر إلى هذه القوة أو الملكة برياضات شاقة للنفس من صوم وخلوة وغيرها من أعمال وطقوس اليوغا، وهذا ما يسميه أهل البرمجة العصبية باستعمال العقل الباطن، ولما كانت كثير من مسائله الأولية مستمدة من علم النفس اشتبه أمره على الناس.
ويدل على حقيقة أهل البرمجة العصبية أن من أعظم المصادر التي يعتمدون عليها كتب البوذية، وقد اغتر بهم أناس كثيرون، ولذلك صدرت فتاوى وبحوث كثيرة تكشف خطر هذه الدعوى الجديدة.
9-من أسباب انتشار السحر الطرق الصوفية التي يكثر فيها الدجل والارتزاق باسم الدين، حيث إنك لو بحثت عن السحرة في بعض المناطق لوجدتهم هؤلاء الدراويش الذي ينوبون عن شيخ الطريقة أو أحد خلفائه على الضريح الذي يعبد من دون الله تعالى. فالذي يستقبل القرابين وتقام عنده الزردات ويجمع الزكوات (والزيارات) هو من يتولى كتابة الحجب والتكهن لأصحابه ومريديه. وإذا كان هؤلاء يدعون إلى الشرك بالله تعالى فما الذي يمنعهم من ممارسة السحر، وإنَّ كثيرا منهم همُّه جمع المال ولو كان على حساب عقيدة التوحيد التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم، والسحر من أهم وسائل جمعه، فلماذا يتركونه ويتنَزَّهون عنه؟!
10-ومنها ميل النفوس إلى الدنيا ومحبة الربح العاجل والحصول على ملذاتها ولو كان على حساب التوحيد والعقيدة، وهذا ما يفسر لك ارتباط قصص السحر وأخباره بالملوك، فالملوك لشدة حرصهم على ما هم فيه من نعيم يخشون من الناس ويخشون على ملكهم فيتخذ كل واحد منهم وزيرا من السحرة يستشيره ويستعين به. وفي كثير من البلاد الأوروبية صار أغنى الناس هم السحرة، ذلك أن أهل الثراء إذا ما أصيب أحدهم ولجأ إلى كاهن أو ساحر فإنه يقدم له كل ما يطلبه منه ولو كان نصف ماله وثروته التي تعد بالملايير.
11-ومن أسباب انتشار السحر غياب القوانين الزاجرة والعقوبات القاسية في حق من يمارس السحر والكهانة، ففي الزمن الماضي لما كانت العقوبات في أوروبا قاسية كان الناس يخافون من ممارسته، أما في زمن الحضارة -المزعومة- فالإحصاءات تدل على أن أوروبا تعيش الآن في قمة الانحطاط أو أدنى دركات السفول، والبلد الذي تنشر فيه الشعوذة والخلاعة والمخدرات وجميع أنواع الجرائم بنسب رهيبة لا يمكن أن نزعم أنه في قمة الحضارة وإن كان ثمة الحضارة فهي على وشك الزوال، لأن الحضارة لا تقوم على المال والرفاهية وإنما تقوم على الأخلاق أو ما يسمى بالقيم والمبادئ.
ففي ألمانيا حسب إحصائية أجريت في الثمانينيات يوجد (80 ألف ساحر) و25 بالمائة من الألمان يؤمنون بالسحر، ويذهبون إلى السحرة. وفي فرنسا إحصاءات أجريت عام 1982 تدل على أن 18 بالمائة منهم يؤمنون بالسحر، وكان يوجد بها (30 ألف ساحر) كل هذا لعدم وجود قوانين صارمة تعاقب عليه، وبعض الناس يقول إن القانون الفرنسي يمنع من السحر ويعاقب عليه، لكنهم أدرجوه ضمن جريمة النصب والاحتيال، من يسحر الناس في منزلة من يبتز الأموال ويختلسها، ومع ذلك فالقانون لا يطبق لأن أول من يذهب إلى هؤلاء السحرة هم من يسهر على تطبيق القانون.
هم أيضا لا يحاربون المخدرات بجدية لأن أول من يتناولها ويتجر فيها هو من يسهر على تطبيق القانون. وفي فرنسا تقول إحدى الجرائد لم تعد الشرطة هي من يقلق هؤلاء السحرة ولكن مصلحة الضرائب!!!(56).
12-ومن أسباب انتشاره في هذا الزمان وسائل الإعلام التي تشهر به أو تهون من أمره وفي بعض البلاد هناك قنوات خاصة بالسحر والكهانة، والجرائد النسائية الخليعة في الجزائر تنشر من حين إلى آخر وصفات سحرية، ومن الإعلاميين من يقوم بالدعاية للسحرة باسم الرقية حينا وباسم الغرائب والعجائب حينا آخر، ومن وسائل الدعاية الصريحة ما نجده في بعض الجرائد اليومية من كهانة تحت عنوان حظك مع الأبراج (l”horoscope)، وبعض الصحفيين يعتذر عن نشر ذلك بأنه كذب وافتراء وليس من عمل كهان حقيقيين!!، وذلك لا يشفع لهم، لأنهم وإن كذبوا فالكاهن كذلك يكذب. وهذه الكهانة ضرب من ضروب السحر لقول الرسول :« مَنْ اقْتَبَسَ عِلْمًا مِنْ النُّجُومِ اقْتَبَسَ شُعْبَةً مِنْ السِّحْرِ »(57).
ومن أساليب التهوين من السحر الأفلام التي تظهر أهله في مظهر يسلي ويضحك أو في صورة من يستعمل سحره في إنقاذ الناس وفعل الخير، وخاصة في الرسوم المتحركة، فإن ذلك يجعل صورة الساحر محببة لدى الصغار ومرغوبا فيها. في حين أن الواجب علينا أن نربي الناشئة على بغض السحرة وعلى أنهم أناس شريرون كفار أنجاس يعبدون الشيطان، خاسرون في الدنيا وفي الآخرة.
كيف نكافح السحر؟
إن السحر من غير شك منكر عظيم يجب على كل مسلم أن يكافحه ويسعى في إزالته وفي محاربة أهله ووقاية أهل الإسلام من شره، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: :« مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ»(58) ، وأهم وسائل ذلك:
1-ربط الناس بالقرآن الكريم الذي هو الشفاء من كل داء، قال تعالى : (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً) (الإسراء:82)، وأمة القرآن قد هجرت القرآن في هذا الزمان، فهي لا تحفظه ولا تفهم معناه وربما لا تقرؤه، حتى أنك تجد فيها من لا يفتح المصحف إلا في رمضان يقرأ فيه بعض السور، ثم بعد ذلك يقول إني قلق مضطرب النفس أحتاج إلى رقية أو علاج، والله تعالى يقول : ( الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد:28).
2-ومن وسائل مكافحة السحر تصحيح العقائد والتحذير من مظاهر الشرك، وبعض الناس يختزل العقيدة في قول كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله ، ويجهلون أن لهذه الكلمة شروطا لقبولها وحقوقا هي من لوازمها ونواقض تهدمها، بينها العلماء وشرحوها في مصنفات التوحيد والفقه .
3-ومن وسائل مكافحة السحر علاج الأمراض الأخلاقية والقلبية المنتشرة كالحسد والحقد وحب الانتقام، بتكثيف الدروس الخاصة بالرقائق والزهد والتذكير بالله واليوم الآخر ونشر هذه الدروس المسجلة عبر الوسائل المتاحة .
4-ومن وسائل مكافحة السحر الترويج للرقية الشرعية مع ضوابطها المعتبرة، وليس من شرط الرقية أن يتخصص فيها أناس معينون يقصدون من جميع الناس، بل كل واحد من المؤمنين يستطيع أن يرقي نفسه أو زوجه أو أبناءه ، وأذكار الصباح والمساء من الرقية؛ إذ فيها أدعية تحصن المؤمن وتحفظه بإذن الله تعالى، فلا بد للناس أن يعلموا ذلك حتى ينصرفوا عن هؤلاء الناس المتشبهين بالرقاة ورقاهم الشركية.
5-وبيان حكم الساحر ومن يذهب إلى السحرة في الشرع فالساحر يكفر بمجرد تعلمه ولو لم يعمل به ويكفر ولو أقر بتحريمه، وكيف لا يكون السحر كفرا وتلك الطلاسم التي لا تفهم إنما هي تمجيد للشيطان وعبادة له، ولا ينال رتبة الساحر حتى يفعل ألوانا من الموبقات والكفريات. ومن يذهب إلى الساحر واقع في كبيرة من أعظم الكبائر ومعرض أيضا للكفر في أحوال سبق تفصيلها .
6-ومن الوسائل أيضا التحذير من أعيان السحرة وكشف طرقهم، وفضح من يدعي منهم ممارسة الرقية الشرعية، فمن واجب كل مسلم علم بأحد من هؤلاء أن يحذر الناس الذين انخدعوا به، وعلينا أن نوزع في محلاتهم مطويات تدعو إلى التوحيد وتحذر من الشرك ومن السحر والكهانة ، وهذا من تغيير المنكر ومن النصيحة الواجبة ، وعَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ:« أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ الدِّينُ النَّصِيحَةُ قُلْنَا لِمَنْ قَالَ لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ»(59).
7-وكذلك علينا أن نفضح الناس الذين يذهبون إلى السحرة –بعد نصحهم-وأن نظهر صورتهم المشوهة، ونحمد الله تعالى أن من الآفات التي لا يزال الناس يحتقرون أهلها: السحر، فعلينا أن نغتنم هذا من أجل التنفير من السحر والسحرة ومن يذهب إليهم، لأنه لولا هؤلاء الجهلة لما بقي ساحر على الأرض، ولأنه إذا لم نفضحهم لم نكن من الناصحين للمؤمنين الذين يمكن أن يكونوا ضحية لهؤلاء الأشرار.
8-وكذلك من طرق مكافحة السحر : الحث على تطبيق الشرع في حق السحرة المفسدين، ومطاردتهم والتلبيغ عنهم، فمن رأى منكرا فعليه أن يغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه ، ومن التغيير باللسان أن نحث ولاة الأمور على سن القوانين الزاجرة في حق السحرة والكهنة –ولا أزجر من العقوبة الشرعية التي هي القتل – وأن نبلغ عنهم الجهات المسؤولة عن حفظ الأمن، لأن هؤلاء السحرة أول من يخل بأمن الأفراد والمجتمعات، ولا يقولن إنسان لا حياة لمن تنادي ، لأنه مأمور بأن يؤدي واجبه استجيب له أم لا، ولأنه لا يدري لعله يجد فيمن يخاطبه ويشتكي إليه دينا وغيرة أو وطنية وصلاحا أو حبا للخير وبغضا للشر فيوفقه الله تعالى لأداء واجبه .
هذا آخر ما أردنا ذكره في بيان خطر السحر وأسباب انتشاره ووسائل مكافحته، نسأل الله تعالى أن يصلح أحوالنا وأن يهدينا ويهدي ولاة أمورنا، وأن يبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل الطاعة والإيمان ويذل فيه أهل الفجور والطغيان، وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
الهوامش
/انظر لسان العرب مادة (س ح ر ).
2/مفردات القرآن للراغب الأصفهاني (231) القول المفيد شرح كتاب التوحيد للعثيمين (1/489).
3/مفردات القرآن للراغب الأصفهاني (231).
4/ انظر النوادر والزيادات لابن أبي زيد القيرواني (534).
5/ فتح الباري لابن حجر (10/189)
6/انظر تفسير القرطبي (5/248)
7/ بدائع الفوائد لابن القيم (4/460)
8/عالم السحر والشعوذة لعمر سليمان الأشقر (88).
9/ عالم السحر والشعوذة لعمر سليمان الأشقر (87).
10/رواه البخاري (2767) ومسلم (89).
11/ رواه أحمد (6/441) وصححه ابن حبان (6137).
12/ رواه البخاري (2447) ومسلم (2578).
13/النودار والزيادات لابن أبي زيد القيراوني (15/532).
14/المغني لابن قدامة (10/115).
15/المقدمة لابن خلدون (926).
16/ رواه البخاري (3017).
17/ رواه أبو داود (3043) بإسناد صحيح.
18/ رواه مالك بلاغا (1624) ووصله البيهقي (8/136) بإسناد صحيح.
19/ رواه الترمذي (1460) مرفوعا وصحح وقفه .
20/انظر النودار والزيادات (15/532) القول المفيد للعثيمين (1/490)
21/عالم السحر والشعوذة لعمر سليمان لأشقر (227-228).
22/وعن أحمد في الاستتابة روايتان انظر المغني (10/116).
23/ رواه أبو داود (3904) وابن ماجة (639) وصححه الألباني.
24/ رواه البزار (3578) وصححه الألباني (2165).
25/ النودار والزيادات لابن أبي زيد القيراوني (15/534)
26/ رواه البخاري (5678).
27/ رواه مسلم (2204).
28/ رواه أبو داود (3855) والترمذي (2038) وصححه.
29/ رواه البخاري (5680).
30/ رواه البخاري (5688) ومسلم (2215).
31/ رواه مسلم (1984).
32/ رواه مسلم (804).
33/رواه البخاري (5675) ومسلم (2191).
34/رواه أبو داود (5088) وابن ماجة (3869) والترمذي (3388) وصححه .
35/ نيل الأوطار للشوكاني (9/93).
36/ رواه مسلم (2300).
37/رواه مسلم (2192).
38/رواه ابن ماجة (3548) وصححه الألباني .
39/زاد المعاد لابن القيم (4/67).
40/فتح الباري لابن حجر (10/166).
41/ كتاب السحر والشعوذة للفوزان (92).
42/ كتاب السحر والشعوذة للفوزان (93) ما يراه بعض الناس من مصالح في إنشاء عيادات الرقية، كالدعوة إلى التوحيد وصرف الناس عن السحرة لا يتم إلا إذا كانت هذه العيادات خيرية لا تجارية، أو إذا كانت تحت رعاية الدولة ورقابتها.
43/ رواه أبو داود (3883) وابن ماجة (3530) وصححه الألباني
44/ رواه الترمذي (2072) وحسنه الألباني .
45/ رواه مسلم (1978).
46/ منشورات دار الوطن " 10 مخالفات في الرقية"، الفتوى رقم : 20361 بتاريخ 17 / 4 / 1419 هـ ).
47/المرجع السابق .
48/أخرجه عبد الرزاق (9/250) وابن أبي شيبة (5/431) والبيهقي (10/5) وقد علقه البخاري في الصحيح.
49/ رواه الترمذي (2165) وصححه.
50/منشورات دار الوطن " 10 مخالفات في الرقية"، الفتوى رقم : 20361 بتاريخ 17 / 4 / 1419 هـ )
51/ رواه مسلم (2204).
52/ رواه أحمد (3/294) بإسناد صحيح .
53/الشرح الكبير للدردير (6/282).
54/ درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية (5/49).
55/ راجع الحقيقة الشرعية للبرمجة العصبية لسامي القدومي في موقع شبكة المشكاة الإسلامية .
56/انظر عالم السحر والشعوذة لعمر سليمان الأشقر(55-64)
57/ رواه أبو داود (3905) وابن ماجة (3726) وحسنه الألباني
58/ رواه مسلم (49).
59/ رواه مسلم (55).
للاتصال المباشر يستعمل رقم الهاتف : 0550660118 ...
عقوبة من يدعو إلى دين غير الإسلام في الجزائر ...
صدر كتابان جديدان في يناير سنة 2020 للدكتور محمد حاج عيسى عن دار الإمام مالك البليدة الجزائر 1-عبادة الشكر..يقع في 70 صفحة من الحجم الصغير 2-الوصول إلى الضروري من علم… ...
قائمة الكتب المطبوعة...1-عقيدة العلامة ابن باديس السلفية وبيان موقفه من العقيدة الأشعرية، ومعه أضواء على حياة عبد القادر الراشدي القسنطيني ط1-2003 2-أصول الدعوة السلفية عند العلامة ابن باديس، ط1-2006 3-عوائق… ...
صدر في جويلية 2022 كتاب منهجية البحث في العلوم الإسلامية يقع في 64 صفحة وقد ضمنته برنامج السنة الأولى الجذع المشترك ...
تم بحمد الله التفرغ لتبييض جميع حلقات تربية الأولاد في الإسلام وتم نشرها كلها خلال الشهر الفارط وسنتفرغ بإذن الله لتبييض حلقات شرح منهج السالكين ونشرها تباعا ...
تطلب مؤلفات أد محمد حاج عيسى من موزرع دار الإمام مالك رقم 0552959576 أو 0561461020 ...
صدر في سنة 2021 كتاب منهج البحث في علم أصول الفقه يقع في مجلدين وهي أطروحة للدكتوراه عن دار البصائر العراقية في استنبول . ...
أنشأنا في الموقع فرعا جديدا تحت ركن الدروس والمحاضرات وسميناه : دروس العقيدة الاسلامية للمبتدئين وهو برنامج ميسر للتدريس في المساجد والمدارس القرآنية ...