الخميس 4 محرم 1443

في مواجهة التنصير

كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

في مواجهة التنصير

    إن الحمد الله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده رسوله .
      أما بعد: فإن دعاة التنصير قد عادوا إلى بلادنا الجزائر في هذه السنوات الأخيرة بعدد كبير وعُدَّة أكبر، وقد تمكنوا من تحقيق جملة من أهدافهم في وقت وجيز، وذلك لمجموعة من العوامل تظافرت وتآلفت، وفي مقدمتها غفلة الناس عن أعمال المنصرين ومخططاتهم، ومنها تضييع الأمة لواجب الدعوة إلى الله تعالى وانشغالها بالدنيا وزخارفها، وإن من واجب المسلمين عموما أن يصدوا هذا الزحف الصيليبي الجديد كلٌ حسب قدرته وحسب موقعه، وأن يحافظوا على دينهم وأخلاق مجتمعهم، وهذه المقالات التي نُقدم جهد مقل من عبد ضعيف نسأل الله تعالى أن ينفع بها، وقد قيل في بعض الأمثال القديمة " أشعل شمعة ولا تلعن الظلام"، وقد سبق نشر بعضها في مطويات دعوية وبعضها الآخر على صفحات الجرائد، أو المواقع الإلكترونية، وقد رأيت أن أودعها في كتاب ينتظمها جميعا عسى أن ينفع الله بها والله عز وجل الموفق.
التحذير من وسائل التنصير
    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين والعاقبة للمتقين ، أما بعد : فإننا نقول هذا الكلام لأنهم قادمون… لأنهم آتون … بل قد جاءوا وحلوا بيننا. نقول هذا الكلام لا لنعلن عن انهزام المسلمين، أو لنضخم قدرات عدوهم أو نبث الحزن والفشل في قلوبهم، بل نقول هذا الكلام لتحذير من غفل منهم من خطر يداهمهم، ولينتبهوا إلى عدوٍّ يهددهم في أنفسهم وأهليهم، ولنُذكرهم جميعا بأسباب النصر المهملة وبوسائله المعطلة.
    أيها المسلمون! إن خطر التنصير قد عاد ليداهم بلادنا الجزائر في هذه الأيام. وإن الله تعالى يقول –وصدق-: ( وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ) (البقرة120) وإن النصارى في كل وقت وفي كل زمان يتحركون ويعملون لنشر دينهم ومحاربة دين الإسلام، وهم الآن يتقدمون في دعوتهم وقد اخترقوا بلادنا وسائر بلاد الإسلام، وهم يستعملون وسائل مختلفة وطرقا متنوعة وأساليب ماكرة لاستمالة الناس إليهم، ونشر ملتهم ولخداع المغفلين من أبناء المسلمين.
    انتبه أيها المسلم، فإن حرب التنصير قد قامت على حين غفلة منك في بلادك.. انتبه أيها المسلم إلى وسائلهم وحذر منها أبناءك وإخوانك …. ثم اعتبر بعد ذلك بحالهم كيف يخدمون دينهم، فماذا قدمت أنت للإسلام ؟! وانظر إلى ما ينفقون في سبيل نصرة دينهم فماذا أنفقت في سبيل الإسلام ؟
   وعليك –أيها المسلم –أن تعلم أولا أن حركة التنصير الجديدة حركة دينية وسياسية استعمارية في آن واحد، ظهرت بعد فشل الحروب الصليبية في مهمتها المتمثلة في نشر النصرانية والقضاء على الإسلام، وإنه وإن كان هدفهم الأسمى هو تنصير العالم كله إلا أن هذا الهدف قد تحول في العصر الحاضر بفعل أسباب سياسية وتاريخية وواقعية إلى تنصير العالم الإسلامي، لأنهم تبينوا أن الإسلام هو العقبة الحقيقية أمام المد التنصيري في العالم، فالإسلام دين الله الحق وهو الدين الذي من اعتقده عن علم لم يتحول عنه أبدا بخلاف أهل الديانات الوثنية، وهو الدين الذي يدين به أكثر من مليار نسمة ولا يزال في توسع مستمر، وفي أيام الاستعمار في القرن التاسع عشر الميلادي صرح أحد قساوستهم بهذه الحقيقة وقال :« إن الدين الإسلامي هو العقبة في طريق تقدم التبشير بالنصرانية في إفريقيا»، وفي سنة 1978م عقدوا مؤتمرا عالميا لدراسة حالة التنصير في البلاد الإسلامية ولتطوير أساليبه فيها، وقد طبعت جلسات المؤتمر باسم" التنصير خطة لغزو العالم الإسلامي"، وفي سنة 1982 عقدوا مؤتمرا آخر وجعلوا شعاره : «الإسلام دين الشيطان»، وقد وضعوا في هذه المؤتمرات خططا وأهدافا وأوصوا باستعمال وسائل وأساليب تمكنهم من بلوغ أمانيهم، وقد ساروا عليها وعملوا بها، وما باحوا بها إلا بعد أن نجحوا فيها نجاحا غير معهود، لكنه إن شاء الله تعالى نجاح مؤقت لأن المعركة لم تنته بعد. فما هي هذه الأساليب؟ وكيف نواجهها ؟ نقتصر في هذا المقال على ذكر أهم هذه الوسائل المعتمدة ، ونرجئ سبل المواجهة إلى مقال لاحق بإذن الله.
1-نشر فكرة التعايش والتسامح بين الأديان
    فهم يعملون جاهدين على إقناع المسلمين أن النصارى ليسوا أعداء لهم وأنهم محبون للسلام والتعايش ، كما أنهم يدعونهم إلى نسيان الماضي ومخلفاته من حروب صليبية واستعمار وتخلف وغير ذلك مما يعيشه المسلمون اليوم، ومما يندرج في خدمة هذا المشروع استعمال الأخلاق الحسنة والتصنع في المعاملة لكسب قلوب ضعفاء الإيمان، والزعم بأن دينهم هو دين التسامح والسلام، ونشر فكرة تقارب الأديان وحوار الحضارات، ومع الأسف الشديد قد صدقهم كثير من المسلمين ، وما ذلك إلا لجهلهم بدينهم وغفلتهم الشديدة عن مكائد أعدائهم، ولجهلهم بالتاريخ (ولأهواء كامنة في النفوس أيضا)، كيف نصدقهم؟ ونحن لم ننس أحداث الحروب الصليبية وأخبار محاكم التفتيش التي أنشئت في إسبانيا قبل قرون، كيف نصدقهم؟ ونحن لا زلنا نذكر أيام الاستعمار الفرنسي وما زلنا نشاهد آثاره ومخلفاته على أمتنا، كيف نصدقهم وأمتنا الإسلامية ما زالت تعاني من ظلمهم في شتى بقاع الأرض، بل كيف نصدقهم في مزاعمهم، والله تعالى يقول : (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً) (النساء:89) ويقول: ( وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) (البقرة:120) وكيف نقبل ودهم وولاءهم والله سبحانه يقول: ( لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء) (الممتحنة :1).
2- تجنيد المتنصرين الجدد
   ومن خططهم الجديدة العمل على تجنيد النصارى العرب (كالفلسطنيين واللبنانيين والمصريين) والمتنصرين الجدد (المرتدين عن الإسلام) للقيام بالدعوة، وعدم الاقتصار على القساوسة الأوروبيين كما كانوا عليه في القديم، بل أجازوا حيازة رتبة قس لهؤلاء المتنصرين مع أن تعاليمهم تنص على خلاف ذلك، وما ذلك إلا لأنهم عاينوا الفشل الذريع فيما مضى في بلاد المسلمين لما كان التنصير قائما على قساوسة البلاد المستعمِرة(1)، لقد لجأوا إلى اعتماد قساوسة من المتنصرين الجدد -كما ذكرنا- رغم منعه في أصل دينهم لأن المهم عندهم إخراج المسلمين عن دينهم ولا يهمهم أن تصح نصرانيتهم أم لا، وهم يجهدون لتوسيع دائرة نشاط المتنصرين إلى أماكن عملهم ويحرصون على التوغل خاصة في المدارس والمستشفيات، وبهذا الاستثمار الجديد للطاقات البشرية صار عدد المنصرين المتطوعين في إفريقيا في بداية التسعينيات نحو ستة ملايين منصر.
3- إقامة الندوات والدورات التعليمية
    ومن وسائلهم إقامة الندوات والدورات التعليمية لهؤلاء المتنصرين الجدد(المرتدين)، بل وتوصلوا إلى إقامة مؤتمرات علنية مع الأسف الشديد في بلاد المسلمين، وليس المقصود منها تعليم النصرانية لهؤلاء المتنصرين، فحسب بل تقام لتعليمهم أساليب التنصير ومناهج التأثير، ولتعليمهم اللسان العربي الفصيح، ولإيقافهم على نقاط الضعف الموجودة فينا -والإسلام بريء منها-، وإرشادهم إلى نوعية الشبهات التي ينبغي استغلالها لتصيد ضعفاء المسلمين، وإلى الشهوات التي يُستمال بها الشباب خاصة، وإلى الفئات التي ينبغي التركيز عليها.
4-الحث على اختلاط النصارى بالمسلمين
    ومن الخطط التي يعتمدون حثهم على اختلاط النصارى بالمسلمين وتشجيعهم على الهجرة إلى أوروبا وأمريكا، وكذا تحريضهم على السفر السياحي إليها. وفي بعض البلاد الإسلامية عرضوا على الطلاب أن يقضوا عطلهم الصيفية في بريطانيا وغيرها بين عائلات نصرانية، ويندرج في هذا السياق تشجيع ما يسمى بالتعارف عبر المجلات وغيرها.
    وقد أسسوا لأنفسهم في بلاد الإسلام جمعيات ثقافية وأخرى لرعاية الشباب -في زعمهم- من أبرز نشاطاتها نقل أبناء المسلمين إلى البلاد الكافرة في العطل الربيعية أو الصيفية(2)، ومن سلم من كل ذلك فقد جاءوه إلى بلده وقعر بيته عن طريق الغزو الفضائي بالهوائيات المقعرة.
5-الاعتماد على جميع وسائل الإعلام الحديثة
    ومن خططهم الاعتماد على جميع وسائل الإعلام الحديثة (المقروءة والمسموعة والمرئية) ، وذلك حرصا منهم على نشر ضلالهم وإيصاله إلى جميع بلاد المسلمين وبأيسر السبل، وإيمانا منهم بأن الإعلام هو وسيلة التغيير والدعاية الأكثر تأثيرا في الشعوب والأمم، فمنظمات التنصير العالمية تمتلك أكثر من خمسة عشر ألف محطة راديو وتلفزيون ناطقة بمختلف اللغات واللهجات المحلية (ومنها الدارجة الجزائرية والقبائلية)، وتمتلك أيضا -إلى عهد قريب- أكثر من عشرين ألف جريدة ومجلة مخرجة إخراجا أنيقا ومطبوعة في غالبها على الورق الممتاز.
6- التوزيع المجاني للأشرطة والأناجيل
    ومن وسائل الإعلام المستغلة أيضا الأشرطة السمعية والأشرطة السمعية البصرية (الفيديو ) فهم يقومون بتوزيعها في بلاد المسلمين بمختلف اللغات واللهجات، ولقد وجدنا نماذج من هذه الأشرطة في المدارس الجزائرية يتناقلها الشباب على أنها أشرطة دينية (ومنها شريط حياة عيسى عليه السلام)!!!ومع غياب التعليم الديني والإعلام الإسلامي الموازي، فإن من هؤلاء الشباب من أصبح يعتقد أن عيسى عليه السلام قد صلب فعلا. ومن أعمالهم التوزيع المجاني للإنجيل وكتيبات الدعاية للتنصير ولقد كُشِف سنة 2000م في ميناء الجزائر عن حاوية كاملة معبأة بالأناجيل، كما تحدثت بعض المصادر الإعلامية عن توزيع ثلاثين ألف نسخة منه على مستوى القطر كله في السنة نفسها.
     وبعد أن كانت وسيلة إيصال هذه المواد المعدة للتوزيع في زمن مضى التهريب واستغلال السياح والمغتربين، فقد صاروا يصدِرونها في بلداننا الإسلامية لما وجدوا وسائل مادية وبشرية تدعم هذه المشاريع(3).
7-القيام بالأعمال الخيرية
    ومن وسائلهم القديمة القيام بالأعمال الخيرية والمساعدات الاجتماعية، وذلك بمساعدة الفقراء والمرضى ماديا ومعنويا وتوفير العمل لمن يلجأ إليهم، وإقامة دور الحضانة ورعاية الأيتام والعجزة ومدارس التعليم الليلي المجاني، ومن السفه واللامبالاة بل من أعظم الجرم ما نراه من المسلمين الذين يسلمون أبناءهم وفلذات أكبادهم بأيديهم إلى الدور التي قد تكون تابعة للكنيسة صراحة .
    ولا يزال المنصرون يستغلون الحالات الصعبة التي تمر بها البلدان الإسلامية كالحروب والكوارث العامة من زلازل وفيضانات، وكذلك الفقر والحرمان اللذين لا يزالان ملازمان لكثير من الشعوب الإسلامية، وهم في الأصل لا يقدمون شيئا إلا باسم المسيح المخلص أو باسم الكنيسة أو جمعية يعلم كل أحد أنها نصرانية، ولكنهم في بعض المناطق لمصلحة التستر والاختفاء عن أنظار المسلمين الغيورين على دينهم يتخلون عن ذلك في الظاهر، بينما وصل بهم الأمر في مناطق أخرى إلى استعمال الإغراء الصريح فيقال للشخص تنصر ولك كذا، احضر صلاة الأحد ولك كذا (كإعطاء الأموال والتأشيرات إلى الخارج).
8-إعادة فتح الكنائس
    ومن أهدافهم العاجلة إعادة فتح الكنائس وإعادة نشاطها ؛ من استقبال التائبين!! وإبرام عقود الزواج وتقديم الأعمال الخيرية باسمها وممارسة النشاطات الترفيهية والثقافية، وحيث لا توجد كنائس قديمة فهم يكثرون سوادهم وتجمعاتهم من أجل تكوين جالية تطالب بحقها في ممارسة دينها الجديد بحرية فتحصل على رخص لبناء الكنائس، وفي مناطق متفرقة من بلادنا وَهَب كثير من المرتدين بيوتهم لتكون كنائس تقام فيها صلاتهم، وتسمية المتنصرين مرتدين هي التسمية الصحيحة لهم ، إذ للمرتد في الشرع أحكام غير أحكام النصراني الأصلي.
9- إثارة الفتن وتشجيع الحروب في بلاد الإسلام
    ومن أساليبهم الخفية الماكرة تشجيع الحروب وإضرام نيران الفتن في بلاد المسلمين؛ بغية إضعافهم وإثارة للاضطراب في صفوفهم، وخلقا للثغرة التي يتسللون من خلالها، وإيجادا للأجواء التي تسمح لهم بالنشاط الحر، إذ هم بعد ذلك يلعبون دور المغيث والمنقذ إذا ما انطفأت نيران تلك الحروب، كما وقع في الصومال والبوسنة وكسوفو وغيرها. ومما يندرج في هذا السياق إحياء النزعات العرقية القبطية بمصر والكردية بالعراق والبربرية بالجزائر، ولا ننسى استغلالهم لبعض الفئات المظلومة الحاقدة على بعض المسلمين، وتحويل حقدها ضد الإسلام نفسه ، كضحايا الفتن التي تحدث باسم الإسلام .
    وفي الختام نقول : أيها المسلمون مع كل هذا فإن الغلبة لنا بإذن الأحد الصمد إن اتخذنا أسباب النصر وحققنا شروط التأييد، يقول الرب سبحانه: ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ) (الأنفال:36)، أيها المسلمون لا يزال الأمل قائما لأن الله تعالى يقول: ( يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (التوبة:32-33)، ولكن إنما يظهر الله من نصر دين الله ومن قدم الأسباب : ( وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ ) (الحج:40). ولقد حان الوقت أيها المسلمون أن تستيقظوا من سباتكم وتنتبهوا من غفلتكم … فاحذروهم إنهم قادمون… احذروهم وكونوا أنصارا لله تعالى على عدوه وعدوكم. وفي المقالة الآتية إن شاء الله سنوضح السبل الشرعية التي تقي المسلمين من هذا السرطان القادم والطوفان العارم.
كيف نواجه خطر التنصير؟
     الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين ، أما بعد: فإن الله تعالى يقول: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ)(الأنفال:36) إن النصارى ينفقون الأموال الطائلة لمحاربة الإسلام والصد عن سبيل الله، فسوف ينفقون هذه الأموال بل والأوقات والجهود ثم يتحسرون عليها في الدنيا حين يرون خيبتهم في ديار المسلمين بإذن الله تعالى (ذلك أننا موعودون بالغلبة إذا حققنا شروط النصر)، ويتحسرون كذلك ومن غير شك يوم القيامة يوم يلقون جزاء أعمالهم. وإننا ما ذكرنا الذي ذكرنا إلا لإيقاظ الهمم وبعث روح المسلمين وتحريك غيرتهم على دينهم، فيا أيها المسلمون هل ترضون بانتشار الردة في بلادكم؟ هل ترضون بفشو أنواع الكفر في أرضكم؟ هل تسكتون على نشر ملة غير ملة نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم؟
     وبعد أن شعرنا بالداء الخطير سرطان التنصير تعالوا نبحث عن الوسائل الشرعية التي تقينا من شره المستطير، ونقصد بالوسائل الشرعية تلك التي دل عليها الكتاب والسنة، وهي لا تتغير بتبدل الزمان والمكان والحال (ويمكن أن تسمى بالوسائل الوقائية)، وأما الأمور العملية فهي كثيرة تختلف باختلاف مجال عمل الإنسان وتخصصه، وكل واحد له دوره في مجابهة المنصرين، (الجمركي والشرطي والدركي والعامل في البريد والمعلم والصحفي والطبيب ..الخ)، وليس هي المقصودة بكلامنا هنا ، أما الوسائل الشرعية المشار إليها فأهمها:
1- نشر العلم الشرعي وعقيدة التوحيد
    أول وسيلة ينبغي استعمالها في مواجهة هذا الداء تعَلُّم مهمات الدين (عقيدة التوحيد وسائر أركان العقيدة الإسلامية)، وتعليمها للأولاد الصغار، فإن ذلك من أعظم وسائل الوقاية من داء التنصير، ويجب أن نعلم أن تعَلُّم العقيدة وتعليمها لأولادنا واجب علينا أصالة، ولو من دون وجود داء التنصير لأن هذا العلم هو طريق الإيمان وشرط صحته، ويجب أن نتأكد بأن تغلب عدونا علينا ليس راجعا إلى قوته لأنه ي الحقيقة ضعيف والله تعالى هو القوي العزيز، بل سبب تغلبه ونجاحه في خططه في هذه الأيام هو ضعفنا نحن؛ ضعف إيماننا وضعف علمنا بالله تعالى، وضعف توكلنا عليه والتزامنا بشرعه، وإن مَن تعلم عقيدة الإسلام ووجد حلاوة الإيمان في قلبه يستحيل أن يتركه وأن يبدل غيره به، بل إنه ليكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يلقى في النار، ولكن من جهل أمر دينه ومن فهم الإسلام فهما خاطئا مشوها أو مقلوبا هو من يمكن أن يتنصَّر، مثال ذلك أن من يرى المنتسبين إلى الإسلام يعبدون الآلاف من الآلهة في الأرض يسمونهم أولياء وأقطاب وشفعاء وغير ذلك، ما الذي يمنعه أن يختصر هذا العدد الهائل في ثلاثة آلهة أليس هذا أقرب إلى المعقول؟ يقول البشير الإبراهيمي وهو يعدد أسباب نجاح التنصير في بلدنا بالنسبة إلى غيره في تلك الحقبة الزمنية: «انتشار الطرقية التي هي ظئر التبشير وكافلته والممهدة له حسا ومعنى، وإن جهل هذا قوم فعدوا من حسناتها مقاومة التبشير ». وكذلك ذاك الجاهل بدينه الذي قهره الفقر والظلم واستسلم للجيش الإعلامي العميل للنصارى ما أسهل أن يعتنق النصرانية لا اقتناعا بها ولكن فرارا من هذا الإسلام المشوه الذي عرف.
2-تحصين الأبناء  
    أيها المسلمون إن أولادكم اليوم بين أيديكم صفحات بيضاء تكتبون عليها ما شئتم، وإن مثل قلوبهم كمثل الزجاجة الفارغة إن لم تعمروها أنتم بحب الله ورسوله ودينه ملأها غيركم بضد ذلك، وإن الشرور كثيرة والفساد لا يتناهى، ولا أحفظ لهم من هذه الشرور ومظاهر الفساد إلا تربيتهم على العقيدة الإسلامية والالتزام بشعائر الدين، فالله الله في أولادكم أيها المسلمون، قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذين آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْليكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ والْحجَارَةُ ) (التحريم:6) ومن أعظم الجرم أن يسمح الآباء لأبنائهم أن يلتحقوا ببعض الجمعيات الثقافية والترفيهية التي يعلمون أنها تابعة للنصارى ، وتدعو إلى النصرانية(4)، معرضين أبناءهم للكفر من أجل شيء من متاع الدنيا، وجهلوا أن الرضا بالكفر كفر.
3-الحذر من النظر في كتبهم والسماع لأشرطتهم
   ومن الأمور الشرعية الوقائية الحذر والتحذير من النظر في كتبهم ومن السماع لأشرطتهم، لأن الشبه خطافة والقلوب ضعيفة، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى عند عمر صحيفة من التوراة فغضب وزجره وقال:« لَا تَسْأَلُوهُمْ عَنْ شَيْءٍ فَيُخْبِرُوكُمْ بِحَقٍّ فَتُكَذِّبُوا بِهِ أَوْ بِبَاطِلٍ فَتُصَدِّقُوا بِهِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ مُوسَى صلى الله عليه وسلم كَانَ حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلَّا أَنْ يَتَّبِعَنِي»(5). وكثير من الشباب اليوم قد يأخذه الفضول وحب الاطلاع فيراسل مجلاتهم فيقع في فتنة محبتهم أو في فتنة الإغراء بأنواع الشهوات، ومنهم من يأخذه الفضول لمتابعة برامج إذاعاتهم وقنواتهم الفضائية ، أو يسعى إليهم لمناظرتهم وهو جاهل بعقيدته فيشككونه في بديهيات دينه. فنقول ناصحين لهؤلاء الفضوليين: لو كان فضولكم يدفعكم إلى تعلم ما جهلتم من عقائد الإسلام لكان خيرا لكم ، وأما مهمة الرد على النصارى والمنصرين فهي مهمة العلماء الراسخين وطلبة العلم النابهين وليست لكم، وأما أنتم يكفيكم أن تحافظوا على عقيدتكم وعلى إسلامكم.
4- إحياء عقيدة الولاء والبراء
   ومن الوسائل الوقائية الأصلية إحياء عقيدة الولاء والبراء في نفوس المسلمين، هذه العقيدة التي أصلها الحب في الله والبغض في الله، قال الله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ) (الممتحنة:1)، وقال سبحانه: (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ) (المجادلة:22). إنه بغضٌ بل عداوة وليست بالعداوة العرقية أو الدنيوية، بل هي عداوة تفرضها محبة الله تعالى التي هي أصلُ أصلِ الإيمان. فهؤلاء النصارى يحاربون دين الله ويسبون الرسول صلى الله عليه وسلم، ويجعلون لله الولد ويقتلون المؤمنين لأجل إيمانهم، فكيف تجتمع في قلوبنا محبة الله ورسوله والمؤمنين مع محبة النصارى وموالاتهم ونُصرتهم؟! قِس ذلك بمن يكره والدك ويسبه ويعتدي عليه أوَ تكون محبا لوالدك راض عن عدوه في آن واحد؟ وإن الغاية التي يرمي إليها أدعياء التقارب والتسامح وحوار الحضارات هي هدم هذه العقيدة الحامية لقلوب المسلمين من الارتداد عن دينهم، فهم الآن يريدون منا أن نتخلى عن هذا الدرع الواقي، والأمة في هذه الأيام –مع الأسف – أكثرها متخل عنه وجاهل به جهلا تاما، فإننا نرى فيها من يسبِّح بحمد حضارة الغربيين، ومن هو أسير أفكارهم وأفلامهم، وفيها من يعظم عظماءهم من ساسة ومفكرين بل وسفهاءهم من مغنين وممثلين ولاعبين، وإننا نعتبر أول نجاح حققه النصارى في حرب المسلمين هو كسر هذا الدرع الذي يسمى البراءة من الشرك وأهله.
5- الحرص على مخالفة النصارى
     ومن الطرق الوقائية الشرعية الحرص على مخالفة النصارى وعدم التشبه بهم، يقول الرب سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ) (آل عمران:10) قد فرغنا من المشابهة لهم في الباطن فتعالوا نحمي الباطن بالغلاف الظاهر ولنجعل هذا الغلاف من حديد ونحاس، خالفوا اليهود! خالفوا النصارى! خالفوا المشركين! هكذا كان يقول ويوصى الرسول صلى الله عليه وسلم ، فاعفوا اللحى وتكلموا بلغتكم ولا تتخلوا عن لباسكم الذي يميزكم(6)، واحرصوا على كل ما يميزكم عن النصارى في السلوك والأخلاق والمظهر، وإياكم ومشاركتهم في أعيادهم، وإياكم ثم إياكم وتعليق الصليب ولباس ما فيه الصليب (مهما كان شكله وهندسته) واحذروا من لباس فيه أعلام الدول الكافرة، بل وحتى ألبسة الأندية الرياضية لأنها لا تخلو من أعلام ومن صلبان.
6-ضرورة اقتلاع مخلفات الاستعمار
    ونرد هنا على بعض من ركن إلى الدّعة (من الجزائريين) وجلس يطمئن نفسه بقوله إن فرنسا لم تُنَصِّر شعبنا خلال قرن وثلث قرن، فكيف يمكن أن تفلح الآن؟(7) فنقول له بل قد أثرت فرنسا فينا تأثيرا كبيرا وإن لم تصب الهدف الأساس هو تنصير الجزائريين، ولكنها اخترقت هذا الحاجز (حاجز البراء من الكفار وبغضهم) وكسرته، ألم يصبح كثير منا يعيش عيشة فرنسية؟ لباسه لباس فرنسي! ولسانه لسان فرنسي! ويحلف أحدنا فيشير بإشارة الصليب! أليس أكثر الناس يقول الإيمان في القلب؟ ألم ننقسم إلى مسلمين ملتزمين وغير ملتزمين ؟(8).. ثم إنه ليس من هدف المنصرين اليوم أن يصيروا الأمة نصرانية بالضرورة، ولكن هدفهم هو إبعاد المسلمين عن الإسلام، وهذا ما نجح فيه الفرنسيون إلى حد كبير، يقول القس صمؤيل زويمر أحد واضعي أسس التنصير العالمي الحديث:« لكن مهمة التبشير التي ندبتكم إليها الدول المسيحية في البلاد الإسلامية ليست إدخال المسلمين في المسيحية، فإن في هذا هداية لهم وتكريما لهم، وإنما مهمتكم في أن تخرجوا المسلم من الإسلام ليصبح مخلوقا لا صلة له بالله، وبالتالي لا صلة له بالأخلاق التي تعتمد عليها الأمم في حياتها ».
7-منع الاختلاط بهم والهجرة إلى بلادهم
    ومن الوسائل الوقائية الشرعية منع الاختلاط بالنصارى ومن الإقامة بين أظهرهم في بلادهم، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: « أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ »(9)، وموضوع السفر إلى بلاد الكفر بقصد الإقامة فيها موضوع طويل يحتاج إلى شرح وتفصيل، والذي نكتفي بذكره هنا وهو الذي يهمنا أنه ينبغي أن يتعلم المسلم أن أكله من حشائش الأرض، بل موته جوعا خير له من مد يد الذل والصغار للنصارى، وأن يتذكر قصة الأمير ابن عباد الأندلسي الذي قال: «لأن أرعى الإبل (عند ابن تاشفين) أحب إلي من أن أرعى الخنازير (عند ملك الإسبان)» (10). لأن أكثر من يذهب إلى بلادهم إنما يحتج بأنه ثمة الرزق والرخاء ، والمسلم الذي يختلط بالنصارى عرضة لأن يتشبه بهم في الظاهر ولأن يحبهم في الباطن، والمسلم الذي يعيش بينهم يعيش وسط الشبهات والشهوات التي لا تنقضي، وقد بين لنا الواقع كيف صار كثير من المغتربين في فرنسا من أدوات التنصير ونشر الفساد في الجزائر، كما بين لنا أن أبناء كثير من المغتربين أصبحوا لا دين لهم ولا ملة، ومنهم من يقول أنا مسلم ولكنه لا يعرف لا الإسلام ولا لغته ولا شعائره ولا القرآن ولا غيره...
8-المواجهة الإعلامية
    ومما يندرج في أساليب مواجهة التنصير الوقائية المواجهة الإعلامية ، بنشر الكتب والأشرطة والمطويات والمقالات، وإقامة المحاضرات والندوات والملتقيات التي تفضح خططهم ، وتكشف بطلان عقائدهم ، وتوضح للأمة خطر انتشار هذه الملة في بلداننا الإسلامية ، وتحث فئات الشعب على مقاطعة جمعياتهم ومؤسساتهم، وتحرك همم الغيورين على دينهم لمواجهة هذا التحدي، وتبين مسؤولية رجال الإعلام والثقافة والأمن ، فضلا عن الأئمة والدعاة في هذا المجال.
    وفي الختام نطرح هذا الأسئلة: هل شعرتم بخطر التنصير وشره المستطير ؟ هل استيقظت هممكم لتندفع إلى خدمة الإسلام والدعوة إليه ؟ وماذا بإمكانكم أن تقدموا لنصرة هذا الدين؟ يقول المولى عز وجل: ( هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ) (محمد:38)، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
رحلة البحث عن الدين الحق وسبيل الخلاص
(قصة إسلام القس رحمت بورنومو)
     الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبي الأمي الأمين، أما بعد: فهذه قصة رائعة من قصص القساوسة الذين رجعوا إلى الإسلام دين الفطرة والذين أصبحوا من الشاهدين على بطلان ما كانوا فيه من ضلال النصرانية المحرفة، وقبل أن نسرد تفاصيل الرحلة التي رحلها السيد رحمت بورنومو في بحثه عن الدين الحق، نُذكر بفرق عظيم من أعظم الفروق بين النصرانية والإسلام، ولهذا الفرق علاقة كبيرة بقصة هذا الرجل ، ذلك أن النصرانية دين مبني على إلغاء العقل ومنع التفكير في قضايا العقيدة ، والبحث عن الحقيقة بالأدلة المقنعة ، دين مبني على التصديق والعاطفة من غير اقتناع بحجة أو برهان . أما الإسلام فدين أعطى للعقل مكانته ، وحث على التفكير والبحث عن الحقيقة ، وذم التقليد الأعمى واتباع سيرة الآباء والأجداد من غير دليل، فالإسلام دين مبني على الإقناع بالبرهان الواضح والحجة الدامغة. وليس هذا افتراء على النصرانية ، فهذه بعض النصوص الشاهدة على ذلك من الكتاب المقدس عندهم، قال بولس في رسالته الأولى إلى أهل كورنتس (إصحاح:1/21):« فلما كان العالم بحكمته لم يعرف الله في حكمة الله ، حسن لدى الله أن يخلص المؤمنين بحماقة التبشير » ، وقال بعدها: «لأن الحماقة من الله أكثر حكمة من الناس، والضعف من الله  أوفر قوة من الناس» وقال (إصحاح:3/18):« فلا يخدعن أحد نفسه ، فإن عد أحد منكم نفسه حكيما من حكماء هذه الدنيا ، فليصر أحمق ليصير حكيما».
     وليس هذا مدحا للإسلام بما ليس فيه ، بل هذه نصوص من القرآن الكريم شاهدة على ما ذكرناه، قال الله تعالى: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا)  (الحج:46) وقال سبحانه عن أهل النار: (وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ) (الملك:10) وقال جل جلاله عن المهتدين : (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ) (الزمر:18) والدعوة إلى التفكير والتعقل في القرآن لا يجهلها قارئ له، فعبارة : ( أفلا تعقلون) وحدها وردت في ثلاثة عشر موضعا. وهذا الفرق الواضح هو السر في كون الذين ينتقلون من الإسلام إلى النصرانية هم الجاهلون بحقيقة الدين الإسلامي الجاهلون بأدلته وبراهينه، وكون الذين ينتقلون من النصرانية إلى الإسلام عالمين بالنصرانية وتعاليمها، وانتقال النصراني إلى الإسلام أمر منوط طبعا بالبحث والتفكير، فمن بحث وفكر، وأراد الحق تحرر من القيود ووصل إلى الحق بإذن الله تعالى، أما من بقي منهم مع موروثه فرحا به فإنه يكون يوم القيامة من الذين يقولون: ( لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ) (الملك:10).
من هو صاحب الرحلة؟
    صاحب الرحلة هو السيد رحمت بورنومو الأندونيسي المنتسب إلى عائلة نصرانية ورثت النصرانية أبا عن جد، كان أبوه قسيسا على مذهب بانتي كوستا وجده أيضا كان قسيسا على مذهب البروتستانت، وكانت والدته معلمة الإنجيل للنساء، وأما هو فكان قسا ورئيسا للتنصير في كنيسة « بيتل أنجيل سيبنوا».
لم يكن يتصور أنه سيكون مسلما في يوم ما …لماذا؟
    يقول رحمه الله تعالى :« لم يخطر ببالي ولو للحظة واحدة أن أكون من المسلمين إذ أنني منذ نعومة أظفاري تلقيت التعليم من والدي الذي كان يقول لي دائما إن محمدا رجل بدوي صحراوي ليس له علم أو دراية ولا يقرأ وأنه أمي ..بل أكثر من ذلك فقد قرأت للبروفيسور ريكولدي ..« بأن محمدا رجل دجال يسكن الدرك التاسع من النار».ومنذ ذلك الحين تكونت لدي فكرة مغلوطة راسخة تدفعني إلى رفض الإسلام وعدم التفكير في اتخاذه دينا لي».
كيف بدأت القصة؟
    قال رحمه الله :« في يوم من الأيام أرسلتني قيادة الكنيسة للقيام بأعمال تبشيرية لمدة ثلاثة أيام ولياليها في منطقة "دايري " ..في شمال جزيرة سومطرة ……ولما انتهيت من أعمال التنصير والدعوة أويت إلى دار مسؤول الكنيسة في تلك المنطقة، وكنت في انتظار سيارة تقلني إلى موضع عملي ، وإذا برجل نحيف يطلع علينا فجأة ، ولقد كان معلما للقرآن ..اقترب مني الرجل وبعد أن بادلني التحية ، بادرني بالسؤال التالي – وكان سؤالا غريبا من نوعه -  قال: لقد ذكرت في حديثك أن عيسى المسيح إله فأين دليل ألوهيته ؟ فقلت له: سواء أكان هناك دليل أم لا فالأمر لا يهمك، إن شئت فلتكفر . وهنا أدار الرجل ظهره وانصرف، لكن الأمر لم ينته عند هذا الحد فقد أخذت أفكر في قرارة نفسي وأقول : هيهات هيهات أن يدخل هذا الرجل الجنة ، لأنها مخصصة فقط لمن يؤمن بألوهية المسيح».
كلمة كان لها أثرها
     قال :« لكن عندما عدت إلى بيتي وجدت أن صوت الرجل يجلجل في روعي ويدق بقوة في أسماعي مما دفعني إلى الرجوع إلى كتب الإنجيل بحثا عن الجواب الصحيح على سؤاله، ومعلوم أن هناك أربعة أناجيل مختلفة أحدها بقلم متى والآخر مارك والثالث لوقا والرابع إنجيل يوحنا، هذه التسميات أخذت لمؤلف كل منها أي أن الأناجيل الأربعة المشهورة هي من صنع البشر !!ثم سألت نفسي هل هناك قرآن بنسخ كثيرة من صنع البشر ؟»
بداية البحث والتفكير واكتشاف أول تناقض
    ثم يواصل سرد أحداث قصته :« وأخذت أدرس الأناجيل الأربعة فماذا وجدت؟ هذا إنجيل متى يقول عن عيسى عليه السلام ما يلي: إن عيسى المسيح ينتسب إلى إبراهيم وإلى داود (إصحاح:1/1). وهذا إنجيل لوقا يقول: يملك على بيت يعقوب إلى الأبد ولا يكون لملكه نهاية (إصحاح:1/33). وهذا إنجيل مارك يقول: هذه السلسلة من نسب عيسى المسيح ابن الله (إصحاح:1/1). وأخيرا يقول يوحنا: في البدء كان الكلمة وكان الكلمة عند الله وكان الكلمة الله (إصحاح:1/1). فقلت في نفسي: إذن هناك خلاف بارز بين هذه الكتب الأربعة حول ذات المسيح عليه السلام، أهو إنسان؟ أم ابن الله؟ أم ملك ؟ أم هو الله؟ لقد أشكل علي ذلك، ولم أعثر على جواب».
اكتشاف حقيقة واتضاح حماقة
    قال رحمه الله :« ولنا أن نتساءل، ترى ما هو المبدأ الأساسي الذي كان يدعو إليه عيسى عليه السلام ؟ هذا إنجيل مرقس يقول: فجاء واحد من الكتبة وسمعهم يتحاورون فلما رأى أنه أجابهم حسنا سأله أية وصية هي الأولى؟ فأجابه يسوع قائلا: إن أولى الوصايا هي اسمع يا إسرائيل الرب إلهنا إله واحد(إصحاح:2/28-29) وهذا اعتراف صريح من عيسى عليه السلام أنه ليس إلها ..ولو كان هو الله أيضا فلن تكون لله وحدانية أليس كذلك ؟ ثم واصلت البحث فوجدت في إنجيل يوحنا نصوصا تشير إلى دعاء المسيح عليه السلام وتضرعه إلى الله سبحانه، فقلت في نفسي : لو كان عيسى هو القادر على كل شيء فهل يحتاج إلى هذا التضرع والدعاء ؟ طبعا لا ..هذا هو نص الدعاء : هذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته، أنا مجدتك على الأرض ، العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته (إصحاح:17/3-4) وهو دعاء طويل …وهذا الدعاء يمثل اعترافا من عيسى عليه السلام بأن الله هو الواحد الأحد، وأن عيسى هو رسول الله المبعوث إلى قوم معينين ، وليس إلى جميع الناس ، أي قوم هؤلاء يا ترى ؟ نقرأ جواب ذلك في إنجيل متى (إصحاح:15/24) حيث يقول :"لم أرسل إلا إلى خراف بني إسرائيل الضالة". إذن لو ضممنا هذه الاعترافات إلى بعضها لأمكننا أن نقول : إن الله هو الواحد الأحد وإن عيسى عليه السلام هو رسول الله إلى بني إسرائيل.
بديهيات تنقلب بعد التفكير حماقات
     قال رحمه الله:« ثم واصلت البحث فتذكرت أنني أكون في صلاتي أقرأ دائما العبارات التالية « الله الأب، الله الابن، الله روح القدس ثلاثة في أقنوم واحد » قلت لنفسي أمر غريب حقا فلو سألنا طالبا في الصف الأول الابتدائي (1+1+1=3) لقال نعم ثم لو قلنا لكن الثلاثة تساوي واحد لما وافق على ذلك ... لقد حدث تناقض صريح بين العقيدة التي كانت راسخة في نفسي منذ أن كنت طفلا صغيرا وهي ثلاثة في واحد ، وبين ما يعترف به المسيح عيسى نفسه في كتب الإنجيل الموجودة الآن ، وهي أن الله واحد لا شريك له ، فأيهما هو الحق ؟
   لم يكن بوسعي أن أقرر آنذاك …فأخذت أبحث من جديد لعلي أقع على ما أريد ، لقد وجدت في سفر أشعيا النص التالي :« اذكروا الأوليات منذ القديم لأني أنا الله وليس الآخر وليس مثلي » (إصحاح:9/عدد:46) ولأشد ما كانت دهشتي عظيمة حين اعتنقت الإسلام فوجدت سورة الإخلاص: (قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحدا ).
   أما البديهية الثانية في الديانة المسيحية فتقول بأن هناك ما يسمى بالذنب الوراثي أو الخطيئة الأولى ، ويقصد بها أن الذنب الذي اقترفه آدم عليه السلام عندما أكل من الثمرة المحرمة عليه من الشجرة في الجنة، هذا الذنب سوف يرثه جميع بني البشر، فالجنين في رحم أمه يتحمل هذا الإثم ويولد آثما، فهل هذا صحيح؟
    لقد أخذت أبحث عن حقيقة ذلك فلجأت إلى العهد القديم ، فوجدت في سفر حزقيال ما يلي: « الابن لا يحمل من إثم الأب والأب لا يحمل من إثم الابن بر البار عليه شر الشرير عليه يكون » (إصحاح:12/عدد:20) لعل من المناسب هنا أن نذكر ما ينص عليه القرآن في هذا المقام : (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى) (فاطر:18) فكيف يقال إن خطيئة آدم تنتقل من جيل إلى جيل ، وأن الإنسان يولد آثما ..إذن هذه التعاليم المسيحية قد اتضح بطلانها بنص صريح من الكتاب الموصوف بالمقدس نفسه.
    وهناك البديهية الثالثة في التعاليم النصرانية التي تقول : إن ذنوب بني البشر لا تغفر حتى يصلب عيسى عليه السلام، لقد أخذت أفكر في هذه البديهية وأتساءل: هل هذا صحيح ؟ وكان الجواب الذي لا مفر منه بالطبع لا، لأن النص الآنف الذكر من العهد القديم ينفي مثل هذا الاعتقاد بقوله:« فإذا رجع الشرير عن جميع خطاياه التي فعلها وحفظ كل فرائضي وفعل حقا وعدلا، فحياة يحيى لا يموت، كل معاصيه التي فعلها لا تذكر عليه » أي أن الله يغفر ذنوبه دون حاجة إلى أية واسطة من أحد.
توسيع دائرة البحث ومصادره
    قال :« لقد واصلت البحث في عدد من القضايا الاعتقادية الأخرى ، لقد وضعت يوما من الأيام كلا من الإنجيل والقرآن أمامي على المنضدة ، ووجهت السؤال التالي إلى الإنجيل ، وقلت له : ماذا تعرف عن محمد ؟ فقال : لا شيء لأن اسم محمد غير مذكور في الإنجيل ، ثم وجهت السؤال التالي إلى عيسى كما تحدث عنه القرآن، يا عيسى ماذا تعرف عن محمد ؟ فقال : لقد ذكر القرآن بما لا يدع مجالا للشك أن رسولا لابد أن يأتي بعدي اسمه أحمد،  وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (الصف:6) فأي ذلك حق يا ترى؟
    هناك إنجيل واحد هو إنجيل برنابا وهو غير الأناجيل الأربعة التي ذكرناها من قبل ، وهذا الإنجيل للأسف حرم رجال الدين النصارى على أتباعهم الاطلاع عليه ….جاء في إنجيل برنابا (الإصحاح:163):  « وقتئذ يسأل التلاميذ المسيح يا معلم من يأتي بعدك ؟ فقال المسيح بكل سرور وفرح محمد رسول الله سوف يأتي من بعدي كالسحاب الأبيض يظل المؤمنين جميعا … ولقد تردد ذكر محمد صلى الله عليه وسلم في إنجيل برنابا عدة مرات أحصيتها فوجدت أن فيه خمسا وأربعين موضعا(11)».
بديهية أخرى تناقض صريح المعقول
   قال :« ومن التعاليم البديهية في الديانة المسيحية أن عيسى عليه السلام هو المنقذ المخلص للعالم أي أنك يمكنك أن تغفل ما تشاء غير آبه بالذنوب والمعاصي … فقلت في نفسي :« لابد أن أبحث في الإنجيل وأعرف الحق من الباطل في ذلك» فوجدت في سفر أعمال الرسل رسالة بولس الأولى إلى أهل كورونتس يقول (إصحاح:1/64):« الله قد أقام الرب وسيقيمنا نحن أيضا بقوته »     …لقد تأملت هذه الآية طويلا. ثم قلت: لو لم يتدخل الله في إقامة المسيح من القبر لبقي مدفونا تحت التراب إلى يوم القيامة، إذن ما دام المسيح لم يستطع إنقاذ نفسه فكيف يكون بوسعه إنقاذ الآخرين ؟
بداية التحول
    عند ذلك عزمت على الخروج من الكنيسة وعدم الذهاب إليها، كان ذلك عام 1969م وليس معنى ذلك أنني خرجت من ذلك الحين من الديانة النصرانية نفسها، لأنه كما هو معلوم هناك كنائس ومذاهب شتى في الديانة النصرانية فهناك الكاثوليك والبروتستانت والميثيوديست والبلاي كسلامتن واليونيتاريان وغيرها كثير..وذات يوم لقيت صديقا لي فدعاني إلى الكاثوليكية، وأخذ يعدد مميزات لهذا المذهب لم أجد مثلها في المذهب البروتستانتي، قال صديقي: في هذا المذهب توجد حجرة الغفران وهي غرفة في الكنيسة يجلس فيها قس..ويقعد على كرسي عال ، ومن طلب العفو والغفران ذهب إليه وردد بعض الألفاظ…وما إن يكاد يفرغ من قراءتها حتى يقال له أنه طهر من ذنوبه ويرجع كيوم ولدته أمه ..لقد رأيت الداخلين إلى حجرة الغفران في الكنيسة عليهم أمارات الحزن والكآبة لثقل الذنوب، بينما رأيت من يخرج منها وقد علت وجهه ابتسامة الفرح لاعتقاده بأن ذنوبه قد غفرت له . أما أنا فحين جربت تلك الغرفة دخلتها حزينا وخرجت منها حزينا ، لماذا يا ترى ؟ لأنني كنت أفكر وأتساءل ..هذه ذنوبنا يتحملها القس، ولكن من يتحمل ذنوبه هو؟ وهكذا لم أقتنع بالكاثوليكية فتركتها وبحثت عن دين آخر.
القرار بترك النصرانية نهائيا
    بعد ذلك تعرفت على طائفة نصرانية أخرى تسمى « شهود يهوه» لقيت رئيسهم وسألته ..من تعبدون؟ قال: الله، قلت ومن المسيح ؟ فقال عيسى هو رسول الله، فصادف ذلك موافقة لما كنت أومن به وأميل إليه، ودخلت كنيستهم فلم أجد فيها صليبا واحدا فسألت عن سر ذلك فقال : الصليب علامة الكفر لذلك لا نعلقه في كنائسنا . لقد أمضيت ثلاثة أشهر كاملة أتلقى تعاليم ذلك المذهب وفي نهايتها كان لي هذا الحوار التالي مع رئيس الكنيسة وكان هولنديا . قلت له يا سيدي : إذا توفيت على غير هذا المذهب فأين مصيري قال : كالدخان الذي يزول في الهواء، فقلت متعجبا : ولكني لست سيجارة بل أنا إنسان ذو عقل وضمير …قلت: يا سيدي إذا كنت عبدا مطيعا ملتزما بهذا المذهب، فهل أدخل الجنة . قال : لا . قلت: فإلى أين أذهب ؟ قال: الذين يدخلون الجنة عددهم مائة وأربعة وأربعون ألف فقط أما أنت فسوف تسكن الأرض مرة أخرى…وهنا أعملت فكري جيدا ودرست الأمر وقلبته حتى اتخذت القرار الأخير بترك النصرانية بجميع مذاهبها رسميا، وكان ذلك عام 1970م.
تجريب البوذية والهندوسية
     لقد جربت الديانة البوذية فترة من الزمن ولكن سرعان ما تركتها لإحساسي بأنني لم أجد الحق الذي أنشده ، ثم اتصلت بالديانة الهندوسية ….ومكثت معهم فترة من الزمن تعلمت فيها الكثير ..وذات يوم سألت رئيس المعبد الهندوسي ..ماذا تعبدون ؟ قال : نعبد برهاما ويشنو وشيو، برهاما إله الخلق ويشنو إله الخير وشيو إله الشر ، ثلاثة آلهة تجلت في جسد إنسان واحد اسمه كريشنا الذي يعتبر المنقذ للعالم عند الهندوس . قلت في نفسي : إذن فلا فرق في أمر الألوهية بين الهندوسية والنصرانية ، ولو اختلفت الأسماء فهما يناديان ثلاثة في واحد… ولقد واصلت حواري مع الكاهن الهندوسي فقلت له يا سيدي إذا توفيت وأنا على دينكم فإلى أين مصيري ؟ قال : لا أعلم ولكن عليك أن تمتنع عن قتل الحشرات من أمثال النمل والبعوض وغيرها وقال : قد تكون الحشرات آباؤك وأجدادك الموتى … وفي النهاية قررت أن أترك كل تلك الديانات ولم يكن أمامي إلا الإسلام الذي لم أكن أعلم عنه إلا الشبهات التي تشوهه.
المحطة الأخيرة
    وذات يوم قلت لزوجتي اعتبارا من هذه الليلة لا أريد أن يزعجني أحد، أريد أن أصلي وأتضرع إلى الله ، وهكذا قفلت باب حجرتي ورفعت يدي إلى الله خاشعا متضرعا قائلا : يا رب إذا كنت موجودا حقا فخذ بناصيتي إلى الهدى والنور، واهدني إلى دينك الحق الذي ارتضيته للناس ..واستمر ذلك زمنا طويلا .. حوالي ثمانية أشهر. وفي ليلة 13 أكتوبر من عام 1971م …وبعد أن فرغت من دعائي المعتاد رحت في نوم عميق ، وعندما جاء نور الهدى من الله عز وجل إذ رأيت العالم حولي في ظلام دامس ولم يكن بوسعي أن أرى شيئا ، وإذا بجسم شخص يظهر أمامي فأمعنت النظر فيه فإذا بنور حبيب يشع منه يبدد الظلمة من حولي ، لقد تقدم الرجل المبارك نحوي …قائلا: ردد الشهادتين وما كنت حينئذ أعلم شيئا اسمه الشهادتين فقلت مستفسرا وما الشهادتان ؟ فقال : قل أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله فكررتها وراءه ثلاث مرات ، ثم ذهب عني الرجل. ولما استيقظت من نومي وجدت جسمي مبللا بالعرق وسألت أول مسلم قابلته ما هي الشهادتان ؟ وما قيمتهما في الإسلام ؟ فقال : الشهادتان هما الركن الأول في الإسلام ، ما إن ينطق بهما الرجل حتى يصبح مسلما ، فاستفسرت عن معناها فشرح لي المعنى … فالحمد لله الذي هداني أخيرا إلى ما كنت أبحث عنه منذ سنتين …»(12).
خاتمة
    وختاما نُذكر بأمر اعتقادي مهم، وهو أن الهداية والتوفيق بيد الله سبحانه . قال الله تعالى: (فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ) (النحل:36)، ولذلك كان من دعاء المسلمين : (اهدنا الصراط المستقيم )، وكان من كلام أهل الجنة : ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ) (الأعراف:43).  فمن علم الله منه حب الخير والبحث عن الحق والصدق والإخلاص في ذلك، هداه سبحانه ووفقه ولم يخذله، قال الله تعالى : (إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً ) (الأنفال:70).
    فالإنسان كما هو مكلف باتباع طريق الحق والسماع إلى دعاته وتعقل براهينه وحججه كذلك مطلوب منه طلب الهداية من الله تعالى والاستعانة به على فهم الأشياء وعلى التثبيت على الحق ، ونحن جميعا ضعفاء فقراء إلى الله تعالى ، قال سبحانه : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) (فاطر:15). وهذه القصة المسطورة تبين لنا بجلاء هذه الحقيقة ، إضافة إلى ما ذكرناه في المقدمة، وإن فيها أيضا موعظة حية لأنها متضمنة لشهادة واحد كان من دعاة التنصير، والحق ما شهد به الخصوم، فليعتبر بذلك كل قارئ لها فإن فيها عبرة لأولى الألباب.
من تناقضات الإنجيـــل المحرف
    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد خاتم النبيين أما بعد: فهذه مقالة من المقالات المعدة لمواجهة التنصير رأينا أن نجعلها في بيان زيف الكتاب المقدس الذي يعتمده المنصرون في إضلالهم للمسلمين، وإنه من المسلَّمات عند كل مسلم أن التوراة والإنجيل الموجودان الآن كلاهما مبدل محرف، كما أخبر الله تعالى: (  يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ) (المائدة:13)، وقال سبحانه : ( فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ) (البقرة:79)، وإننا مع اعتقادنا هذا قد نحتاج إلى البرهان المادي على التحريف لإقناع هؤلاء الضالين الذي يعتقدون أن الإنجيل الموجود الآن كله من كلام الله تعالى ، ومن أقوى الأدلة المادية على ما نعتقده وجود التناقض فيه وقد قال الله سبحانه عن القرآن: (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) (النساء:82) ، وقد أحببنا أن نبرز في هذه العجالة أوضح التناقضات الواردة في الأناجيل الأربعة القانونية دون تعرض لغيرها من العهد القديم أو توابعها من العهد الجديد لأن تتبع كل ذلك أمر يطول ولا يسعه حجم مثل هذه المقالة.
التناقض الأول : من هو عيسى المسيح عند النصارى ؟
   أول تناقض يصادف قارئ الإنجيل متعلق بحقيقة عيسى عليه السلام ونسبه عندهم وبعبارة أخرى هو متعلق بأصل عقيدتهم، فقال مرقس في فاتحة إنجيله :«هذه بداية إنجيل يسوع المسيح ابن الله ». فجعل المسيح عليه السلام ابنا لله، وقال يوحنا في أول إنجيله:« في البدء كان الكلمة والكلمة كان مع الله وكان الكلمة هو الله». وهذا تصريح من يوحنا الكاتب بأن عيسى (أو الكلمة ) هو الله ، بينما نجد الإنجيلين الآخرين يقرران بشريته وأنه ابن يوسف النجار (الذي يقولون إنه كان خطيب مريم عليها السلام )، إذ جاء في أول إنجيل متى :« هذا سجل نسب يسوع المسيح ابن داود ابن إبراهيم …ومتان أنجب يعقوب ويعقوب أنجب يوسف رجل مريم التي ولد منها يسوع الذي يدعى المسيح». ويوافقه لوقا في قوله أنه ابن يوسف ويخالفه في سلسلة النسب إلى داود إذ قال (في الإصحاح:3/23): «وكان معروفا أنه ابن يوسف بن هالي بن متثان بن لاوي» وذكر النسب إلى قال: « ابن آدم ابن الله ». وقد ذكر قبل ذلك (في الإصحاح:1/33) ما يؤكد بشريته فقال : «إنه يكون عظيما وابن العلي يدعى، ويمنحه الرب الإله عرش داود أبيه فيملك على بيت يعقوب إلى الأبد ولن يكون لملكه نهاية»، إذن ليس هو الإله ولا ابن الإله وهو في نظره ملكا من ملوك اليهود ، وهذه مخالفة للواقع وبرهان آخر على تحريف الإنجيل لأن عيسى عليه السلام لم يجلس على كرسي الملك ولو لحظة واحدة كما زعمه لوقا.
التناقض الثاني : من هو إيليا ؟
    من التناقضات الصريحة في الإنجيل بيان من هو إيليا هل هو يحيى عليه السلام أم غيره ، ذلك أن من العقائد المقررة في التوراة أن إيليا أو إلياس عليه السلام لم يمت وأنه رفع إلى السماء (كما في سفر الملوك الثاني الإصحاح:2/11)، وبناء على ذلك فاليهود كانوا ينتظرون رجوعه قبل يوم القيامة (وقد نص على ذلك في سفر ملاخي الإصحاح:4/5)، وقد اضطرب كُتَّاب الأناجيل في تحديده وتعيين شخصه، فقال متى في إنجيله في موضع (الإصحاح:11/15) أن المسيح عليه السلام قال بعبارة صريحة:« فإن يوحنا هذا هو إيليا الذي كان رجوعه منتظرا ». ويوحنا المشار إليه هو يحيى عليه السلام ، وذكر في موضع بعده أن عيسى لم يصرح بذلك ولكن التلاميذ فهموا من كلامه فنقل عنه أنه قال ( في الإصحاح:17/12-14):« على أني أقول لكم قد جاء إيليا ولم يعرفوه، بل فعلوا به كل ما شاءوا…عندئذ فهم التلاميذ أنه كلمهم عن يوحنا المعمدان». وهذا هو التناقض الأول أعني: هل صرح بأنه يحيى أم أن التلاميذ فهموا أنه قد عاد. وفي إنجيل يوحنا ما ينفى كونه يحيى عليه السلام إذ قال كاتبه في (الإصحاح:1/19-21) :« وهذه شهادة يوحنا(وهو يحيى) حين أرسل اليهود من أورشليم بعض الكهنة واللاويين يسألونه من أنت ؟ فاعترف ولم ينكر بل أكد قائلا لست أنا المسيح؟ فسألوه ماذا إذن هل أنت إيليا ؟ قال : لست إياه. أو أنت النبي ؟ فأجاب : لا ». فهذا يحيى ينفي أن يكون هو إلياس فأي الأمرين هو الصواب عند النصارى وأيهما يصدق عندهم؟ وعلى كلٍّ فيحيى عليه السلام في معتقد المسلمين هو ابن زكريا عليه السلام فلا يجوز بتاتا أن يكون هو شخص آخر إلا على عقيدة تناسخ الأرواح الوثنية. وقد زعم بعض المعاصرين أن إيليا المبشر برجوعه هو محمد صلى الله عليه وسلم ولكن لما علمنا أن المقصود بهذا الاسم هو إلياس عليه السلام لم يجز اعتبار هذا من البشارات، بل نص إنجيل يوحنا السابق فيه إشارة إلى محمد صلى الله عليه وسلم كما أنه ينفي أن يكون هو إيليا، ذلك أن هؤلاء اليهود سألوا يحيى عن ثلاثة أشخاص منتظرين إيليا والمسيح والنبي والذي لا شك فيه أن هذا العطف يدل على التغاير والنبي المسؤول عنه هو النبي المنتظر في آخر الزمان وهو محمد صلى الله عليه وسلم وإلا فيحيى عليه السلام كان نبيا أيضا .
التناقض الثالث: هل جاءت النصرانية للسلام! أم للإرهاب!؟
    من الأمور التي يستغلها المنصرون في هذه الأيام لنشر ديانتهم ما يشيعونه عن الإسلام اليوم من أنه دين إرهاب، فهم في مقابل ذلك ينشرون نصوص الإنجيل التي تبين أن دينهم دين تسامح ورحمه ليقنعوا الضعفاء والمرهبين بأن يقبلوا النصرانية دينا بديلا عن الإسلام ؟ ومن نصوص الإنجيل التي يحبون إذاعتها ما نقله لوقا عن المسيح (إصحاح:6/27-29):« أيها السامعون فأقول لكم أحبوا أعداءكم وأحسنوا إلى مبغضكم وباركوا لاعنيكم وصلوا من أجل المفترين الكذب عليكم من ضربك على خدك فاعرض له الآخر، من انتزع منك رداءك فلا تمنعه قميصك، كل من اغتصب مالك فلا تطالبه به». وقريب من معناه ورد في متى (إصحاح:5/38-48)، وهذه المقاطع لا تدل فقط على التسامح بل تدل على غاية الذل والهوان ، ولا يوجد أحد في الدنيا يعمل بها، وإن كان من يزعم أن ذلك هو دينه.
   ومهما كان فهمهم لتلك النصوص فإن في الإنجيل نفسه ما يدل على نفي التسامح والدعوة إلى الشقاق والافتراق حتى بين أهل البيت الواحد ، بل والتصريح برفض السلام رأسا، فقد نقل "متى" عن المسيح أنه قال (إصحاح:10/34-37): «لا تظنوا أني جئت لأحمل السلام إلى الأرض ما جئت لأحمل سلاما بل سيفا، جئت لأفرق بين المرء وأبيه والبنت وأمها والكنة وحماتها فيكون أعداء الإنسان أهل بيته». ونقل لوقا عنه أيضا (إصحاح:12/51-52): «أتظنون أني جئت لأحل السلام في الأرض ؟ أقول لكم لا بل الانقسام فيكون بعد اليوم خمسة في بيت واحد منقسمين …».
    ثم إن في تلك المثالية الغالية مناقضة للفطرة ولشريعة القصاص، وقد نصت عليها التوراة في سفر الخروج (الإصحاح:21/23-27).
التناقض الرابع: ما موقف المسيح من بطرس(أحد تلاميذه)؟
    بعد أن قرأنا تلك الدعوى تعالوا ننظر إلى معاملة المسيح في زعمهم لأحد الحواريين، فقد جاء في إنجيل متى (إصحاح:16/23):« فالتفت وقال لبطرس اذهب عني يا شيطان فأنت لي حجر عثرة لأن أفكارك ليست أفكار الله بل أفكار البشر ». فانظروا كيف غابت تلك المثالية العالية وذلك العفو والصفح ؟ وكيف يصف أحد حوارييه ومحبيه بأنه شيطان؟ وهذا النص الوارد في حق بطرس يسوقنا إلى إيراد نص آخر يناقض تماما ما ورد في هذه الفقرة حيث جاء في متى (إصحاح:16/16-18): «فأجاب سمعان بطرس : أنت المسيح ابن الله الحي فأجابه يسوع: طوبى لك يا سمعان بن يونا فليس اللحم والدم كشفا لك هذا بل أبي الذي في السماوات وأنا أقول لك أنت صخر وعلى الصخر سأبني كنيستي فلن يقوى عليها سلطان الموت وسأعطيك مفاتيح ملكوت السماوات فما ربطته في الأرض ربط في السماء وما حللته في الأرض حل في السماوات ». فليتأمل العقلاء كيف جعله شيطانا يحمل أفكارا بشرية وأنه حجر عثرة في موضع، ويصفه في موضع آخر قريب منه بالعمدة في الدين وأنه أفكاره مستمدة من وحي الله تعالى، بل وما حلله يكون حلالا عند الله وما حرمه يكون حراما عنده، والربط والحل هو التحريم والتحليل باسم الله في العقيدة والأخلاق كما في هامش الإنجيل طبعة دار المشرق بيروت.
التناقض الخامس : هل كان صلب المسيح برضاه أم رغما عنه ؟
    من أصول عقيدتهم أن الإله حل في الجسد البشري من أجل أن يصلب ويكون ذلك كفارة لخطايا البشر، وهذا يعني أن المسيح كان سيصلب عن رضا وطواعية وهو ما جاء منصوصا في متى (إصحاح:26/45-46):« ها قد اقتربت الساعة التي فيها يسلم ابن الإنسان إلى أيدي الخاطئين قوموا ننطلق ها قد اقترب الذي يسلمني »، وقد نقل ابن القيم من نسخة قديمة أنه جاء في الإنجيل:« لما استشعر بوثوب اليهود عليه قال قد جزعت نفسي الآن فماذا أقول؟ يا أبتاه سلمني من هذا الوقت». ولم أجد معنى هذا –مع تغاير طفيف- إلا عند يوحنا (إصحاح:12/27): «الآن نفسي مضطربة فماذا أقول؟ يا أبت نجني من تلك الساعة وما أتيت إلا لتلك الساعة». ولكن "متى" نقل بعد ذلك ما يفيد أن صلبه كان دون رضاه ورغما عنه حيث قال (إصحاح:27/46): «ونحو الساعة الثالثة صرخ يسوع صرخة شديدة قال :إيلي إيلي لما شبقتني أي إلهي إلهي لماذا تركتني؟».
التناقض السادس : هل شهادة المسيح لنفسه حجة على صدقه؟
   وهذا من أعجب التناقضات الواضحات ، حيث جاء في إنجيل يوحنا (إصحاح:5/31) عن المسيح أنه قال:« لو كنت أشهد أنا لنفسي لما صحت شهادتي هناك آخر يشهد لي». فهذا تصريح بأنه لو شهد لنفسه لم تصح شهادته، ثم إنه نقل عنه بعد ذلك أنه قال (إصحاح:8/14) :« إني وإن شهدت لنفسي فشهادتي تصح ». فأي تناقض أصرح من هذا.
التناقض السابع : هل عرف يحيى عيسى عليهما السلام؟
    مما هو معلوم أن يحيى عليه السلام وعيسى عليه السلام كانا في زمن واحد ، فهل التقيا وهل تعرف يحيى على عيسى؟ يقول "متى" في (الإصحاح:3/13-15): «في ذلك الوقت ظهر يسوع وقد أتى من الجليل إلى الأردن قاصدا يوحنا ليعتمد عن يده فجعل يوحنا يمانعه فيقول أنا احتاج إلى الاعتماد عن يدك أو أنت تأتي إلي؟ فأجابه يسوع: دعني الآن وما أريد فهكذا يحسن بنا أن نتم كل بر فتركه وما أراد». ومقتضى هذا أنه لقيه وعرفه ويقاربه في المعنى ما جاء في  إنجيل يوحنا (إصحاح:1/32-33). ثم قال "متى" بعدها في موضع آخر (إصحاح:11/2-4):« وسمع يوحنا وهو في السجن بأعمال المسيح فأرسل تلاميذه يسأله بلسانهم أأنت الآتي أم آخر ننتظر؟». وفي هذا النص أنه لم يعرفه ولم يلقه.
التناقض الثامن : كيف أُسِر المسيح عندهم ؟
    قد ذكر "متى" القصة المخترعة لكيفية أسر المسيح عليه السلام، وفيها أن الحواري الخائن يهوذا الإسخريوطي جعل للجنود علامة ليعرفوا شخص المسيح المطلوب؛ وهي أنه يقبله دون غيره وهذا نصه (إصحاح:26/48):« وكان الذي أسلمه قد جعل لهم علامة قال : هو ذا الذي أقبله فأمسكوه ودنا من وقته إلى يسوع وقال السلام عليك سيدي وقبله، فقال له يسوع يا صديقي افعل ما جئت له فدنوا وبسطوا أيديهم إلى يسوع فأمسكوه ». ووافقه على ذكر علامة التقبيل مرقس (إصحاح:14/44) ولوقا (إصحاح:22/47). ويخالفهم في كل هذا يوحنا في إنجيله وهذا نص حكايته (إصحاح:18/4-12):« وكان يسوع يعلم جميع ما سيحدث له فخرج وقال لهم من تطلبون؟ أجابوه يسوع الناصري، قال : أنا هو، وكان يهوذا الذي أسلمه واقفا معهم فلما قال لهم : أنا هو رجعوا إلى الوراء ووقعوا إلى الأرض فسألهم ثانية من تطلبون ؟ قالوا يسوع الناصري أجاب يسوع قلت لكم إني أنا هو… ». فلم يذكر يوحنا علامة ولا تقبيلا.
التناقض التاسع: حال اللصين اللذين صلبا مع المسيح
    قد زعم الإنجيليون أن المسيح لم يصلب وحده يوم صلب بل صلب معه لصان، وقد ذكر "متى" أن اللصين كانا يسخران من المسيح عليه السلام حيث قال (إصحاح:27/44):«وكان اللصان المصلوبان معه هما أيضا يعيرانه مثل ذلك». أي أنهما كانا يقولان له : تريد أن تخلص غيرك ولا تقدر أن تخلص نفسك ، ومثله في مرقس (إصحاح:15/32).
    وفي إنجيل لوقا أن واحدا سخر منه فوعظه الثاني ونهاه، قال لوقا (إصحاح: 23/39-43): « وأخذ أحد المجرمين المعلقين على الصليب يشتمه فيقول ألست المسيح؟ فخلص نفسك وخلصنا ! فانتهره الآخر قال : أوَ ما تخاف الله وأنت تعاني العقاب نفسه! أما نحن فعقابنا عدل لأننا نلقى ما تستوجبه أعمالنا. أما هو فلم يعمل سوءا ثم قال اذكرني يا يسوع إذا ما جئت في ملكوتك فقال : الحق أقول لك ستكون اليوم معي في الفردوس». وهذا تناقض ظاهر جعل بعض النصارى المعاصرين يزيدون الإنجيل تحريفا، قال رحمة الله الهندي :« ومترجمو التراجم الهندية المطبوعة سنة 1839م وسنة 1840م وسنة 1844م وسنة 1846م حرفوا عبارة متى ومرقس، وبدلوا المثنى بالمفرد لرفع الاختلاف».
عاشرا : تناقضات في قصة اكتشاف إحياء المسيح
    تذكر الأناجيل المحرفة أن المسيح بعد موته ودفنه قد رجع إلى السماء في قصة عجيبة مملوءة بالاضطراب والاختلاف، وهذا جزء منها كما كتبه متى (إصحاح:28/1-7):« وطلع فجر يوم الأحد جاءت مريم المجدلية ومريم الأخرى تنظران القبر، فإذا زلزال شديد قد حدث ذلك بأن ملاك الرب نزل من السماء، وجاء إلى الحجر فدحرجه وجلس عليه … فارتعد الحرس خوفا منه وصاروا كالأموات فقال الملاك للمرأتين : لا تخافا أنتما أنا أعلم أنكما تطلبان يسوع المصلوب . إنه ليس ههنا فقد قام كما قال تعاليا فانظروا الموضع الذي كان قد وضع فيه . وأسرعا في الذهاب إلى تلاميذه وقولا لهم إنه قام من بين الأموات وهاهو يتقدم إلى الجليل فهناك ترونه». وقد اختلف"متى"مع مرقس(إصحاح:16/1-7) ولوقا(إصحاح:24/2-5) ويوحنا(إصحاح:20/1-2)في أربعة أشياء هذا بيانها:
1- ذكر "متى" ومثله لوقا أن وقت مجيء المرأتين كان بعد طلوع الفجر، وقال يوحنا عند طلوع الفجر والظلام لم يزل مخيما ، بينما زعم مرقس أن ذلك كان بعد طلوع الشمس.
2-ذكر "متى" أنه مجيء امرأتين اثنتين بينما ذكر مرقس أنهن كن ثلاثة بإضافة سالومة، وذكر يوحنا أن التي جاءت هي مريم المجدلية وحدها.
3-ذكر "متى" أن الحجر دُحرج وقت حضور المرأتين، بينما يحكي لوقا ومرقس أن النساء وجدن الحجر قد دحرج فدخلن، وحكى يوحنا أن المجدلية لما جاءت ورأت الحجر قد أزيل فرَّت وذهبت إلى تلاميذ المسيح لتخبرهم.
4-ذكر "متى" أن الملاك الذي دحرج الحجر خاطب المرأتين وذكر مرقس أنهن وجدنه داخل القبر، وعند لوقا أنه فاجأهما رجلان وليس واحدا ، أما يوحنا فذكر أن المجدلية قد لقيت المسيح نفسه بعد فرارها وهو قال لها (إصحاح:20/17): « لا تمسكيني إني لم أصعد بعد إلى أبي بل اذهبي إلى إخوتي فقولي لهم إني صاعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم». وفي هذه العبارة دلائل على نفي ألوهية المسيح فلتتأمل.
خاتمة
    نظن أنه في هذا القدر كفاية لكل من له مسكة من عقل من المسلمين وغيرهم ليعلم أن هذا الكتاب الذي يوصف بأنه مقدس ليس كله كلام الله تعالى، وأنه قد قام البرهان الواقعي الذي لا مدفع له بأنه قد بدِّل وأنه لا يزال يُبدَّل ، فإنه لو كان من عند الله لما وجد فيه مثل هذه التناقضات، وليس ما ذكر كل التناقضات بل هو منتقى من الواضحات كما سبق، ومن أراد الاستزادة فليراجع كتاب إظهار الحق لرحمة الله الهندي، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
الدليل إلى  بشـارات الإنجيل
( بنبي الإسلام محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم )
    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد خاتم النبيين أما بعد ؛ فإنه رغم إخفاء النصارى للإنجيل الحق وكتمانه، ورغم التحريف والتبديل الذي ألحقوه بما أظهروا منه، فإن الله تعالى قد أعمى بصائرهم وأبصارهم فأبقوا فيما تركوا للناس إشارات كثيرة إلى مبعث النبي محمد  . وما سينقل في هذه الصفحات هو في الحقيقة صفعات للنصارى ولدعاة التنصير، وحجج دامغة يواجه بها المنصرون وينصح بها المتنصرون المغرر بهم(13). وقبل سرد هذه البشارات نذكر أن معنى كلمة الإنجيل التي هي موضوع الكتاب المقدس عندهم وعنوانه هو البشارة، جاء في مرقس (إصحاح:1/14-15): «وبعد اعتقال يوحنا جاء عيسى إلى البرية يعلن بشارة الله فيقول:"جاء الوقت واقترب ملكوت الله فتوبوا وآمنوا بالبشارة" ». والذي بشر به عيسى  هو مبعث النبي محمد ، قال الله تعالى : وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ  (الصف:6)، والنصارى يزعمون أن البشارة صلب المسيح (أو مقتل الإله!!) الذي يعتبرونه كفارة لذنوب البشر! وفيما يلي النصوص التي تصدّق المعنى الصحيح، وتكذّب ما زعموه، مرتبة حسب معناها المشترك.
المطلب الأول: الإخبار بانتزاع النبوة من بني إسرائيل
    أول البشارات بنبينا محمد  تلك النصوص التي تؤكد على انتزاع النبوة من بني إسرائيل ، وإن لم تكن النبوة خاصة بهم ، لكنها تدل على أن خاتم الأنبياء والمرسلين يكون من غيرهم ، وقد وردت في مواضع منها :
الموضع الأول : متى الإصحاح (21/44-42)
    « قال لهم يسوع أما قرأتم في الكتب الحجر الذي أخَّره البناءون، هو الذي صار رأس الزاوية من عند الرب فكان ذلك هو عجب في أعيننا لذلك أقول لكم إن ملكوت الله سينزع منكم ويعطى أمة تثمر ثمره،من وقع على هذا الحجر تهشم ومن وقع عليه حطمه ».
     فهذا النص نص صريح في انتزاع النبوة من بني إسرائيل وجعلها في أمة أخرى غيرهم وهي الأمة العربية، والذي عناه عيسى عليه السلام بالحجر في هذا المثل هو محمد صلى الله عليه وسلم ، لكن النصارى تكلفوا تحريف المعنى فقالوا: إن الحجر هو عيسى عليه السلام نفسه والأمة الأخرى هي الكنيسة! وهذا تأويل باطل لأن الأمة شعب آخر من نسل آخر والكنيسة ليست شعبا، ولأن الكنيسة لم تؤت النبوة. والمسيح عليه السلام في معتقد أغلب النصارى اليوم قد صلب وقتل فداء لذنوب البشر ، فأين هو ذاك التحطيم والتهشيم المخبر به؟
   ومما يؤكد لنا أن هذا النص مما لم يدخله التحريف اللفظي قول النبي صلى الله عليه وسلم:« إن مثلي ومثل الأنبياء قبلي كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية فجعل الناس يطوفون ويعجبون ويقولون هلا وضعت هذه اللبنة. قال فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين »(14).
الموضع الثاني : متى الإصحاح (8/12-11):
    « أقول لكم سوف يأتي أناس كثيرون من المشرق والمغرب فيجالسون إسحاق ويعقوب على المائدة في ملكوت السماوات ، أما بَنُو الملكوت فيلقون في الظلمة البرانية، وهنالك البكاء وصريف الأسنان ».
    وهذا كناية صريحة عن انتزاع النبوة من بني إسرائيل لأن المائدة التي جمعت إسحاق ويعقوب هي مائدة النبوة، واليهود الذين كذب أجدادهم الأنبياء وقتلوهم قد غاضهم جدا انتقال النبوة إلى العرب فكفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم حسدا من عند أنفسهم، ومعنى البرانية الخارجية.
الموضع الثالث : يوحنا الإصحاح (4/21):
    « قال لها يسوع صديقيني أيتها المرأة تأتي ساعة فيها تعبدون الأب لا في هذا الجبل ولا في أورشليم». وفي نسخة قديمة(15): «تسجدون لله». وهذا أيضا إخبار واضح بانتقال قبلة الصلاة إلى مكان آخر غير بيت المقدس ، وهو ما حدث ببعثة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
 المطلب الثاني : البشارة بالإسلام وبأحمد
   وقد ورد ذلك في عدة مواضع من الإنجيل أبينها ما يأتي :
الموضع الأول : لوقا الإصحاح (2/14-13):
    « وانضم إلى الملاك بغتة جمهور الجند السماويين يسبحون الله ، فيقولون المجد لله في العلى والسلام في الأرض وللناس أهل رضاه ». وفي ترجمة أخرى « وبالناس مسرة ». يقول عبد الأحد داود (قس كاثوليكي أسلم):« إن الترجمة الصحيحة للنص من السريانية إلى العربية هي : المجد والحمد لله في الأعالي ، أوشك أن يجيء الإسلام للأرض، يقدمه للناس أحمد »(16).
الموضع الثاني : يوحنا الإصحاح (14/16-15):
    « إن كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي وأنا أطلب من الأب يعطيكم معزيا آخر يكون معكم إلى الأبد». وفي طبعة أخرى: «يعطيكم مؤيدا آخر » . وفي أخرى : « مخلصا » ، وفي ترجمة قديمة « فارقليطا آخر ».
    والأصل في هذا الموضع كلمة « فارقليط» وهي غير عربية، وتفسيرها بالعربية «أحمد »، لأن معاني هذه الكلمة بالعبرية تدور حول معاني الحمد، ويدل على هذا تفسيرهم لقول يوشع في العهد القديم :« من عمل حسنة تكون له فارقليطا جيدا». بالحمد الجيد . ومن يقول هو في الترجمة المعزي فاعتماده على اليونانية، ومن يقول هو المخلص فاعتماده على السريانية، والمسيح إنما تكلم بالعبرية لا غير. ولو سلمنا صحة هذه الترجمات فإن وصف المعز والمخلص لم يتحقق بصورة واضحة إلا في محمد صلى الله عليه وسلم الذي خلص البشرية من الشرك وأعز أهل التوحيد ، ثم إنهم اختلفوا في تعيينه ، فمنهم من يقول هو روح القدس، ومنهم من يقول هو المسيح نفسه، ويبطل هذين التأويلين جميعا ما يأتي من أخبار هذا الفارقليط في الإنجيل نفسه من أنه يخبر الناس بما يسمع؛ وذلك لا يكون إلا من بشر مرئي فبطل كونه روح القدس، وكذلك قد أخبر عنه المسيح بأنه يشهد له فتبين أنه غيره(17).
المطلب الثالث : صفات الفارقليط
     ومما يؤكد الدلالة على نبينا  تلك الصفات التي وُصِف بها الفارقليط أو المعزي المنتظر مجيئه ، فإنها صفات لم تتحقق إلا في نبينا  .
الموضع الأول : يوحنا الإصحاح (16/8-7،13-12):
    « لكن أقول لكم الحق إنه خير لكم أن أذهب ،فإن لم أمض لا يأتيكم المعزي (المؤيد)، أما إذا ذهبت فأرسله إليكم وهو متى جاء أخزى العالم على الخطيئة والبر والدينونة ……لا يزال عندي أشياء كثيرة أقولها لكم لكنكم لا تطيقون حملها الآن ، فمتى جاء روح الحق أرشدكم إلى الحق كله لأنه لن يتكلم من عنده بل يتكلم بما يسمع ويخبركم بما سيحدث».
    والمقصود أنه يخبر بأشراط الساعة وأهوال القيامة وأحوال الآخرة، وهو ما أخبر به النبي  وفصَّله بعد أن كان مجملا في الشرائع السابقة(18).
الموضع الثاني : يوحنا الإصحاح (14/26):
    « ولكن المؤيد (المعزي)روح القدس الذي يرسله الأب باسمي هو يعلمكم كل شيء ويذكركم ما قلت لكم » . وفي ترجمة قديمة: « والفارقليط روح الحق الذي يرسله أبي هو يعلمكم كل شيء وهو يذكركم ما قلت لكم ».
    ودلالة هذا الموضع ظاهرة على أن الفارقليط ليس هو المسيح عليه السلام، ونقلت هنا الترجمتين قصدا للمقارنة بينهما، حيث دست في الترجمة الحديثة لفظة «باسمي» حتى لا يكون هناك تناقض مع الموضع السابق الذي قال فيه :« فأرسله إليكم». وكذا الموضع الآتي. وكذلك أبدلت كلمة روح الحق بروح القدس ربما لتأييد تفسير الفارقليط بروح القدس والموضع السابق يبطل ذلك، لأنه يخبر الناس ولإخبارهم لابد أن يكون مرئيا.
الموضع الثالث : يوحنا الإصحاح (16/27-26):
    « متى جاء المؤيد الذي أرسله إليكم من لدن الأب روح الحق المنبثق من الأب فهو يشهد لي و أنتم أيضا تشهدون لأنكم معي منذ البدء ». وفي ترجمة قديمة : «إذا جاء الفارقليط الذي أبي أرسله روح الحق الذي من أبي هو يشهد لي، قلت لكم هذا حتى إذا كان تؤمنوا به و لا تشكوا فيه»(19). وقد اتفقت الترجمتان على أن الفارقليط يشهد له فدل أن الفارقليط ليس هو المسيح عليه السلام، وفي الترجمة القديمة زيادة قصد حذفها لأنها قاضية على كل مزاعم النصارى وهي قوله:« حتى إذا كان تؤمنوا به ولا تشكوا فيه ». ولفظه في طبعة قديمة أخرى كالآتي :« فلو جاء المنحمنا الذي يرسله الله إليكم » ومعنى المنحمنا بالسريانية محمد(20).
المطلب الرابع: النبي الذي سئل عنه يحيى عليه السلام
   وكذلك وردت البشارة بمحمد  باسم النبي وذلك في موضعين اثنين:
الموضع الأول : يوحنا الإصحاح (1/20-19):
     « وهذه شهادة يوحنا (أي يحي عليه السلام)إذ أرسل إليه اليهود من أورشليم بعض الكهنة واللاويين يسألونه من أنت؟ فاعترف ولم ينكر؛ اعترف: لست المسيح. فسألوه: من أنت إذا؟ أأنت إيليا؟ قال: لست إياه . أ أنت النبي؟ أجاب: لا». ثم قيل له كما في العدد (25):« إذا لم تكن المسيح ولا إيليا ولا النبي، فلما تعمد؟».   
    وموضع الدلالة أنهم كانوا ينتظرون ثلاثة: المسيح ، وإيليا الذي هو عند اليهود والنصارى إلياس يعتقدون أنه لم يمت وأنه رفع إلى السماء، والنبي المعرف بلام العهد والمشار إليه على أنه معروف ومنتظر ، لا شك أنه النبي محمد   . وفي تحديد هوية إيليا راجع ما سطرناه في التناقضات. وقد ذهب بعض المسلمين إلى أن المقصود به محمد  وليس على ذلك دليل معقول من اللغات أو الأناجيل ، وهذا النص يرده أيضا .
الموضع الثاني : متى الإصحاح (3/11):
    عن يحيى عليه السلام قال:« أنا أعمدكم في الماء من التوبة ، وأما الذي يأتي بعدي فهو أقوى مني، من لست أهلا لأن أخلع نعليه.إنه سيعمدكم في الروح القدس والنار» . ونحوه عند مرقس (إصحاح:1/7-8).
     والنبي الذي يأتي بعده هو محمد وليس هو المسيح لأنه كان في زمانه بل يقال إنهما ولدا في سنة واحدة، وقد أشار قبل هذا إلى أنه من ولد إبراهيم ، وما علا في النسب في هذا الموضع إلا للدلالة على أنه في ولد إبراهيم من هو خير من اليهود.
    هذا ما أمكن الوقوف عليه من البشارات في الأناجيل الأربعة القانونية عند النصارى، وصح اعتباره، وبالنسبة للمسلمين فإن القرآن المحفوظ قد أخبر بوجود هذه البشارات في الإنجيل المنزل، بل وأيضا في التوراة . قال المولى عز وجل: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (الأعراف:157) والحمد لله وحده ولا رب سواه.
التنصير والإرهاب
     الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين ولا عدوان إلا على الظالمين ، أما بعد : فإنه لما كان مما يعتمده دعاة التنصير في هذه الأيام لتنفير المسلمين عن دينهم والدعاية لملتهم، الترويج لما يسميه الغرب الصليبي اليوم "إرهابا"، رأينا أن نكتب مقالا نكشف فيه للناس حقيقة دعاة التنصير، وأنهم هم الإرهابيون حقا، وأن ما يفعله بعض جهال المسلمين اليوم، قد فعل أضعاف أضعافه رهبان النصارى وقساوستهم بالأمس، وذلك بنقل شيء من أخبار محاكم التفتيش في الأندلس.
لماذا الحديث عن الأندلس ؟
    وقد اخترنا الحديث عن الأندلس لنذكِّر أبناء الإسلام أن تلك البلاد (إسبانيا والبرتغال) قد كانت في يوم من الأيام بلادا إسلامية، كانت تنجب العلماء والمجاهدين طوال ثمانية قرون، اخترنا الحديث عن الأندلس لأن الإبادة بلغت فيها منتهاها حيث كان فيها عام سقطت آخر ممالكها الإسلامية سنة (1492م) ما بين ستة ملايين وثمانية ملايين مسلم، وكان في غرناطة وحدها نحو المليون مسلم، فجاء زمان لم يعد يوجد فيها من يقول لا إله إلا الله، لأنها حرب شنت على أهل دين ضمن لهؤلاء النصارى حقهم في البقاء وفي أداء شعائر دينهم طوال تلك القرون، فلما تغلبوا عليهم لم يرقبوا فيهم قرابة ولا ذمة، ولأنها حرب دامت أكثر من ثلاثمائة عام، ولقد كانت حربا استئصالية فعلا، حرب تنصير قهري وتهجير وطرد، إنها حرب قذرة لم يعرف التاريخ لها نظيرا، حرب اقتلعت أمة بأسرها فلم يبق في الأرض ما يدل عليها إلا بعض القصور والمساجد التي حولت إلى كنائس أو متاحف، وحق لنا التساؤل اليوم: من هم الإرهابيون حقا وأي دين هو دين الإرهاب فعلا ؟
قرارات كنسية غاشمة وأعمال ظالمة
-في سنة 1499م صدر قرار بتعميد أبناء المسلمين في جميع أنحاء غرناطة . وفيها أحرق ما يقرب من المليون كتاب إسلامي في يوم واحد في حفل حضره الملك ورئيس الرهبان. وحكت بعض المصادر أنه قدمت رشاوي لبعض الوزراء والفقهاء ليتنصروا فيقتدي بهم الناس، ومن رفض منهم تعرض للتصفية الجسدية.
-في سنة 1501م صدر أمر بطرد المسلمين من مدينة غرناطة ، وبمنع ممارسة شعائر الإسلام وتعلم العربية.
-في سنة 1502م صدر قرار يخير المسلمين بين الرحيل وبين التنصر، فاختار نحو من ثلاثمائة ألف مسلم الرحيل إلى المغرب ومصر والشام، واختار أكثرهم إظهار النصرانية تقية حفاظا على سلامتهم وسلامة أبنائهم. وقد عرفوا باسم المورسكيين « أي المسلمين الصغار»، ولم يدر هؤلاء عن أن محاكم التفتيش ستعمل فيهم عملها. وقد حكى من أرخ لأحداث تلك الحقبة ممن عاصرها أنه صدرت قوانين عقابية ضد المورسكيين، ومن جملة المخالفات التي ذكروا: اللباس النظيف يوم الجمعة، ذكر اسم محمد، ختان الأولاد وتسميتهم بأسماء عربية، وتغسيل الموتى ورفض الأكل في رمضان ورفض شرب الخمر ، وغيرها من الأمور التي تدل أنهم رجعوا إلى الإسلام أو أنهم ما زالوا مسلمين.
 -في سنة 1511م تمت مصادرة الكتب الإسلامية من أصحابها، وذلك بقصد تجهيل الناشئة بدينهم.
-في سنة 1512م صدر أمر جديد بتخيير المسلمين بين الرحيل أو التنصر.
-في سنة 1518م صدر أمر بمنع اللباس العربي (الإسلامي)، وذلك سعيا لطمس كل ما يذكر الناس بتاريخهم أو دينهم.
-في سنة 1524م صدر قرار يؤكد على إجبار كل مسلم أن يختار الرحيل أو التنصر وإلا كان مصيره الاسترقاق مدى الحياة ، وفيها تم تحويل جميع المساجد المتبقية إلى كنائس وحرم التكلم والتكاتب باللغة العربية ، كما منعت كل عادة عرف بها المسلمون دينية كانت أو غير دينية .
-في سنة 1525م صدر قرار يمنع من جملة من الحقوق المدنية ويجبر المسلمين على ملابس معينة، وفيها أعيد فرض التعميد على أبناء المسلمين ، كما أمر بإخلاء مدينة بلنسية من المسلمين .
-في سنة 1579م صدر أمر بمنع المسلمين في المناطق الشمالية من إسبانيا من الاتصال بالعالم الخارجي، وكذا القبض على كل الفقهاء لأنهم وسيله نقل للإسلام والحفاظ عليه وكذا الرؤساء والوجهاء.
متى تأسست محاكم التفتيش ولماذا ؟
   لقد تأسست هذه المحاكم الكنسية في الوقت الذي دب الضعف في دويلات الإسلام في الأندلس، فبدأت بالسقوط واحدة فواحدة ، فعهد تأسيسها يرجع إلى ما قبل سقوط غرناطة؛ لكن بسقوطها خرجت تلك المحاكم إلى العمل العلني الواسع، وكان هدفها تنصير المسلمين أو تصفيتهم، بعد سقوط جميع الدول التي كانت تحمي بيضتهم، ولقد جهزوا أول الأمر جيشا من الرهبان والراهبات بقصد الدعاية للنصرانية، لكن سرعان ما رجعوا يجرون أذيال الخيبة، وأيقنوا أن من عرف الإسلام لا يمكن أن يتركه لأي دين آخر، وكانوا قد علموا أن المسلمين مهما انهزموا فإنهم إن لم يخرجوهم عن دينهم ويبعدوهم منه ، فإنهم سيعودون أقوياء كما كانوا وسيتغلبون عليهم طال الزمن أم قصر، لذلك عزموا على خوض حرب استئصالية ضد الملايين من المسلمين، ضد ذلك العدد الضخم جدا (ستة ملايين على الأقل)، ولا شك أنكم تعلمون أن سكان الجزائر كلها لم يبلغ هذا العدد إلا في منتصف القرن العشرين، فشرعوا في الاضطهاد والتعذيب والقتل، وكل ما يتصوره العقل من ألوان العنف، في حق من يثبت عنه أنه يقوم بالعبادات الإسلامية التي منعتها الكنيسة ووصفت فاعليها بالمرتدين ومن يقومون بأعمال الكفر . فكان من قبض عليه فاعترف بذلك قتل مباشرة: شنقا أو حرقا، أو رميا من علو حتى يكون عبرة لغيره ، ومن أنكر فإنه يتعرض للتعذيب الشديد ليعترف بما فعل ومن اعترف يواصلون تعذيبه ليدل على غيره، ولا يفرج إلا عمن اعترف وكانت تهمته لا تصل إلى حد الكفر -عندهم -!! وهو مع ذلك معرض للعقوبة المالية ولدفع تكاليف إقامته في سجن الكنيسة!!
فضيحة على يد نابليون
    لقد استمروا على مثل هذا زمنا طويلا، ومما نقله المؤرخون مثلا أنه في سنة 1769م اكتشفت الكنيسة مسجدا صغيرا للمسلمين في قرطاجنة، فنالهم بذلك العقاب الشديد، وهذا الأمر الظاهر الذي بلغنا، وأما ما كان يجري في دهاليز الكنائس فلا يعلمه إلا الله تعالى، وقد سخر الرب جل شأنه من يكشف للأجيال ما كان يجري فيها ، فكان بعض ذلك على يد جنود نابليون حيث أنه أصدر مرسومه بإلغاء محاكم التفتيش سنة 1808م(21)، فاقتحم بعض جنوده إحدى الكنائس في مدريد بعد بلاغ وصلهم بعدم انصياع الرهبان للمرسوم، ورغم إنكار الرهبان أصر أحد ضباط الحملة الفرنسية على مدريد على البحث، فاكتشف بعد ذلك دهاليز مظلمة تحت الأرض لا يُعلم ما فيها، فلما دخلوها وجدوا ما لا ينقضي منه العجب، وجدوا سجناء أحياء من النساء والرجال حفاة عراة تتراوح أعمارهم ما بين أربع عشرة سنة إلى أربع وسبعين سنة، وكان بعضهم قد أصيب بالجنون من التعذيب أو الخوف ، ووجدوا جثثا لآخرين في غرف على حجم الإنسان أفقية وأخرى عمودية، وكانوا يتركون تلك الجثث على حالها حتى يبلى اللحم ولا يبقى منها إلا العظم. كما اطلعوا على آلات التعذيب في غرف خاصة بها ، منها آلات خاصة بتكسير العظام وسحق الجسم تأتي على جسم الإنسان ابتداء من قدميه إلى رأسه وتخرجه من الجهة الأخرى كتلة واحدة ، ووجدوا صناديق على حجم رأس الإنسان تماما فيه ثقب من أعلاه توضع على رأس المعذب ويقطر عليه ماء بارد بانتظام حتى يجن ثم يموت، كما عثروا على آلة تسمى السيدة الجميلة وهي تابوت تنام فيه صورة امرأة مصنوعة على هيئة الاستعداد لعناق من ينام معها، وفي جوانب التابوت سكاكين حادة بارزة، يطرحون الشاب فوق هذه الصورة فتنطبق عليه تلك السكاكين فيتقطع ويموت ببطء، وعثروا على آلات لسل اللسان وأخرى لتمزيق أثداء النساء وآلات جلد تجعل الجلد يتناثر عن العظم. ولم تكن نهاية المحاكم بحكم نابليون ولا بعده فقد عادت للعمل العلني سنة 1814م ليكون آخر أخبارها يرجع إلى سنة 1835م. أما في غير إسبانيا فلا تزال موجودة إلى يوم الناس هذا(22).
شهادة مورسكية
    هذه شهادة محمد بن عبد الرفيع الجياني الأندلسي المتوفى بمكة سنة 1642م في كتابه الأنوار النبوية يحكي فيه شيئا من أحواله في صغره، فيذكر أنه كان يحمل ليعلم في مكتب النصارى ابتداء من سن الرابعة، ولما بلغ السادسة شرع والده في تعليمه العربية وعلوم الشريعة، وأوصاه بالكتمان وشدد عليه في الوصية ألا يخبر بذلك أحدا حتى أمه وعمه، ذلك أن الكنيسة كانت تتابع كل من يعلم أبناءه أي شيء عن الإسلام، وكان أبوه إذا أراد أن يمتحن كتمانه يرسل إليه أمه لتسأله عن ذلك فكان ينكر، وكذلك يفعل مع عمه فكان دائما ينكر، فلما اطمأن إلى كتمانه سمح له أن يخبر أمه وعمه وبعض أصحابه الذين كانوا يأتون إلى دارهم ويتحدثون في أمر الدين سرا …وكان ابن عبد الرفيع ممن خرج من الأندلس فارا بدينه سنة 1609م(أو ممن أخرج منها قهرا كما سيأتي)، فاستقر في تونس وفيها ألف كتابه المذكور.
مأساة التهجير القسري
    يعتبر بعضهم التهجير الذي فرضه الملك فيليب الثالث سنة 1609م نهاية مأساة، ولكنه عند آخرين هو في حد ذاته مأساة ، إذ كيف يرحل هؤلاء عن أرض ليس لهم سواها ولم يعرفوا هم ولا آباؤهم غيرها ؟ إنها مأساة حركت مؤرخي النصارى بل وحتى شعراءهم في ذلك الوقت الذين ألفوا في وصفها ملاحم شعرية (ومنهم جاسبير أجيلار، وخوان منديز، وبريز دي كولا)، ويقول عبد الله حمادي : «هكذا يلاحظ أن غالبية المؤرخين الذين عاصروا الأحداث، وكذلك الشعراء يقرون ضمنيا بانتماء هؤلاء إلى الأرض الإسبانية، كما يعترفون بمواطنتهم وأنه لا أرض لهم سواها ». ولكن الحفاظ على الوحدة الدينية والسياسية في زعمهم كان فوق كل اعتبار، فإن عرقهم لم يكن ليجمعهم وقد اختلفت عقائدهم، نعم لم يكن ذلك نهاية مأساة بل هو بدايتها لأن من رفض القرار ناله القتل والتحريق، والذين سلموا منه فقد بقوا منذ ذلك العصر أقلية لا يمكنها أن تجهر بشيء من دينها حتى انمحت ولم يبق لها أي أثر.  
نتائج الإرهاب النصراني
     لقد كان من نتائج هذا الإرهاب والتعذيب والتقتيل أن فني ستة ملايين -على أقل تقدير -من أرض إسبانيا والبرتغال ، وما دام الحال قد استمر قرونا فمن الخطأ أن نتساءل عن مصير هذا العدد بل التساؤل يكون عن ضعفه أو أضعافه –ربما - لأن عدد المسلمين لا يمكن أن يبقى ثابتا طيلة هذه المدد، ومع ذلك ننقل ما ذكره بعض المؤرخين من أن عدد من رحل وطرد ثلاثة ملايين وأن عدد من قتل مليونان، والآخرون تنصروا أو تظاهروا بالتنصر فعملت فيهم يد محاكم التفتيش عملها.
   ولقد بقي كثير منهم لا مسلمين ولا نصارى ومن هؤلاء بعض الناس في طليطلة التي سقطت في يد النصارى سنة (1085) فبقي فيها مسلمون إلى غاية سنة 1329م، واستدل بعض المؤرخين على ذلك بمحافظتهم على التضحية يوم العيد ، وقد ذكر شكيب أرسلان أنهم لم يزالوا يذبحون الأكباش يوم الأضحى إلى غاية عصر قريب لكن يعتبرون ذلك من عادات آبائهم .
   ونقل بعضهم أنه لما صدر قرار إباحة ممارسة الديانات الأخرى في إسبانيا قبل عقود قلائل أعلنت ست مائة (600) أسرة إسبانية أنها ما تزال مسلمة ونشر ذلك في صحيفة أمريكية، مسلمة (إن صح هذا) انتماء وولاء بالقلب ليس إلا، لكن في هذا دلالة على الجبر والقهر الذي تلقاه آباؤهم لا لشيء إلا لكونهم مسلمين.
   وقد كشف في النصف الثاني من القرن الماضي مقابر جماعية في مناطق متفرقة من إسبانيا ، منها تلك التي كشف أمرها سنة 1979م جنوب إسبانيا بالقرب من الحدود الإسبانية البرتغالية في كنيسة مدينة «يرينا»، فقد نشرت الصحافة الإسبانية صورا عنها تعبر عن بشاعة وعدوانية ووحشية محاكم التفتيش الإسبانية الصليبية ضد المسلمين الإسبان ، حيث وجدت بقايا الجثث في دهليز تحت الكنيسة، وجدت العظام مشوهة أو مهشمة أو مقطعة، ومهما ستروا ومهما أنكروا فإن الحق واضح وعليه أكثر من دليل، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
مصادر المقالة :
1-محاكم التفتيش الغاشمة وأساليبها لعبد الرحمن علي الحجي طبع شركة الشهاب
2-المورسكيون ومحاكم التفتيش في الأندلس لعبد الله حمادي طبع المؤسسة الوطنية للكتاب
3-وتذكروا من الأندلس الإبادة بقلم أحمد رائف طبع ديوان المطبوعات الجامعية.
من شبهات النصارى
    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد: فإننا رأينا أن نبين في هذه المقالة فساد بعض عقائد النصارى والرد على شيء من الشبهات التي يوردون على أبناء المسلمين ليردوهم ويلبسوا عليهم أمر دينهم، وذلك تثبيتا لعقائد الإسلام اليقينية ودفعا لبعض التشكيكات التي انتشرت في بعض الأوساط في بلادنا، وقد اخترنا من مجموع تلك العقائد والشبه أخطرها وأكثرها انتشارا.
الشبهة الأولى : حرية العقيدة
    مما يلبس به دعاة التنصير على من ذكرت كمرحلة أولى -وقد يقتصرون على هذا التلبيس ابتداء- قولهم إن الإنسان حر في اختيار عقيدته سواء كان مسلما أو نصرانيا أو يهوديا المهم أنه يكون مخلصا في عبادته.
    وهذا القول باطل عند أهل الديانات جميعا ، يقول الله تعالى في كتابه العزيز : إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلام (آل عمران:19) وقال سبحانه: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (آل عمران:85)، فالله تعالى لا يقبل من أحد أي دين بعد بعثة محمد   إلا أن يكون مسلما. وقال تعالى مخبرا عن عقيدة اليهود والنصارى : وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ (البقرة:113)، بل النصارى فيما بينهم يكفر بعضهم بعضا، فالبروتستانت يكفرون الكاثوليك والأرثودكس، والكاثوليك كذلك يكفرون غيرهم والأرثوذكس أيضا. بل هذا القول باطل عند جميع العقلاء، فلو أن إنسانا تائها سأل عن الاتجاه الموصل إلى المخرج الوحيد فقال له شخص اتجه شمالا وقال آخر: اتجه جنوبا، فهل يعقل أن يكون كلاهما صادقا؟ يستحيل أن يُصدَّقا جميعا كما يستحيل اجتماع النقيضين، وكيف يصح قول من زعم أن الإله واحد مع من قال إنه ثلاثة في آن واحد؟ وكيف يصح ذلك والمسلمون يعتقدون أن من لم يؤمن بوحدانية الإله وبرسالة محمد  كافر من أهل النار ، والنصارى يقولون أن من لم يؤمن بألوهية عيسى عليه السلام كافر من أهل النار؟
    ثم نقول لهم ما دام هذا هو زعمكم وأنتم تدعون الصدق في ذلك فدعونا وديننا، فلم أزعجتم أنفسكم وأنفقتم أموالكم في تغيير عقائد المسلمين ودعوتهم إلى النصرانية ، ولماذا حارب أجدادكم أسلافنا وأرهبوهم من أجل العقيدة؟! وبالنسبة للمسلمين فإنهم يقولون إن اعتقاد صحة دين النصارى كفر مخرج من الإسلام ولو لم يعتنق صاحب هذا الاعتقاد النصرانية فالحذر الحذر.
الشبهة الثانية : أن محمدا  نبي العرب خاصة
    ومما يصرح به المنصرون للأجناس غير العربية من المسلمين أن محمدا  نبي ولكنه أرسل إلى العرب خاصة، وهذا تضليل منهم للناس واستغلال للنـزعات العرقية والشعوبية، وإلا فهم في الواقع لا يؤمنون به لا نبيا للعرب ولا لغيرهم، وإلا فلماذا هم يسعون جاهدين في محاربة دينه؟ وينفقون ملايير الدولارات من أجل تنصير العرب المسلمين في الجزيرة العربية وغيرها؟ ولماذا لم يأذنوا لنصارى المشرق العرب أن يسلموا، وإذا كان الإسلام دين العرب، فأين دليل عالمية النصرانية دون غيرها ؟ فلماذا تريدون من الهندي والزنجي والقبطي والكردي والبربري أن يكون نصرانيا متبعا لنبي إسرائيلي(عيسى عليه السلام) ، وهم ليسوا من بني إسرائيل ؟
    والذي نعتقده نحن المسلمون أن الأنبياء كانوا يبعثون إلى أممهم خاصة وبعث النبي محمد  إلى الناس كافة ، قال تعالى : قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً  (الأعراف:158)، وبينما قال في حق عيسى عليه السلام: وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ  (الصف:6)، وفي هذا أن عيسى أرسل إلى بني إسرائيل خاصة، وأنهم معنيون بدعوة محمد  (وهو أحمد)، ورغم ما لحق الإنجيل من تحريف فقد بقي فيه نص يبين أن المسيح عليه السلام أرسل إلى بني إسرائيل الضُلَّال دون من سواهم، وقد جاء في إنجيل متى (إصحاح:14/24):« لم أرسل إلا إلى خراف بني إسرائيل الضالة »، وفي ترجمة أخرى:«ما أرسلت إلا إلى الخراف الضالة إلى بيت إسرائيل».
الشبهة الثالثة : هل الإسلام هو سبب تخلف المسلمين ؟
    ومن الأمور التي يشوش بها المنصرون-ويشاركهم في ذلك العلمانيون – على أبناء المسلمين أن سبب تخلف المسلمين هو تمسكهم بهذا الدين ، وكأن النصرانية هي سلم الرقي وطريق الحضارة ، ونحن نجيب عن هذا بالإحالة إلى ما كتبه العلمانيون والشيوعيون عن النصرانية حيث تتفق كلمتهم على أن النصرانية هي أفيون الشعوب ، ولنلق نظرة خاطفة في تاريخ أوروبا متى كانت في الظلمات، ومتى عرفت النهضة المادية والحضارية؟ وكيف كانت الكنيسة في القرون الوسطى تعامل العلماء؟ وما هو موقفها من العلم؟ لنتبين صدق ما قالوا، وهذا نص من الكتاب المقدس (المحرف طبعا) فيه تأكيد على تزهيد النصرانية في العلم والمعرفة حيث يزعم كاتبه أن الله تعالى قال لآدم :« ولكن إياك أن تأكل من شجرة معرفة الخير والشر لأنك حين تأكل منها حتما تموت» سفر التكوين (إصحاح:2/17)، فانظروا كيف جعلوا الأكل من شجر المعرفة محرما وموجبا للهلاك ، وهكذا كانوا يصنعون بالعلماء حتى انتفض عليهم العلمانيون . ومن جهة أخرى نقول إن المسلمين يوم كانوا متمسكين بدينهم كانوا هم قادة العالم، وكانوا يعيشون في الأنوار بينما كانت أوروبا تتخبط في الظلمات ، ولكنهم لما تخلوا عن تعاليم دينهم وفسدت أخلاقهم وضعف إيمانهم بالله، وأصبحوا ماديين متنافسين على الدنيا سلط الله تعالى عليهم أعداءهم (النصارى) فاستعمروا أراضيهم ونهبوا خيراتهم ودمروا منشآتهم العلمية والتعليمية وحرموهم من العلم والمعرفة، فصاروا إلى ما صاروا إليه، فسبب تخلف المسلمين هو تخليهم عن دينهم من جهة ، وتسلط الاستعمار الصليبي عليهم من جهة أخرى وليس هو الإسلام .
الشبهة الرابعة : عقيدة الخطيئة المتوارثة
    إن النصارى يزعمون أن كل واحد منا يولد مذنبا وارثا لذنب آدم عليه السلام، هذا الذنب الذي صلب الإله ابنه لأجله- أو صلب نفسه أو جزئا منه على خلاف بينهم -لأجل محوه وعدم مؤاخذة الناس به.
    الجواب: أن من عقيدة المسلمين ما قاله الله تعالى:  وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (الزمر:7) فكل واحد يؤاخذ بصنيعه لا بصنيع غيره مهما كانت العلاقة بينهما، ومن عقيدتهم أيضا (المسلمين) أن آدم عليه السلام تاب فتاب الله عليه وجعله نبيا بعد ذلك، قال سبحانه: وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى (طـه:121-122). ثم يقال كيف صح في أذهان العقلاء أن يجعل الإلهُ الناسَ مذنبين من غير فعل اجترحوه ولا ذنب اقترفوه؟ ولازم قولهم أنه من يموت قبل أن يعقل يموت مذنبا كافرا من أهل النار، وهذا بخلاف عقيدة المسلمين أن المولود يولد صفحة بيضاء قابلة للحق مائلة إلى الحق والخير كما قال الرسول  :« كل مولود يولد على الفطرة»(23) -وقيل الفطرة هي الإسلام -.
الشبهة الخامسة : عقيدة الصلب والفداء
    وذلك أنهم يقولون إن صُلب المسيح كان تكفيرا لهذه الخطيئة ولخطايا الناس التي يقترفون فمهما عصى الناس فسيغفر لهم لأن المسيح صلب؛ وذلك بشرط أن يؤمنوا بأنه فعل ذلك من أجلهم .
    الجواب عن هذا بأن صلب المسيح عليه السلام أصلا لم يحدث، لكن صُلب غيره، قال الله تعالى: وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ (النساء:157) وقال: بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْه (النساء:158)، في إنجيل "برنابا" أن الذي صلب هو يهوذا الإسخريوطي الحواري الخائن. ثم يقال كيف قبلت عقولهم أن الذنوب تمحى بتضحية غير فاعلها؟ فلو لطخ أحدنا ثوبه فهل ينفعه أن يغسل غيره ثوبا غير الثوب الملطخ ، إذن فليكن إيمان القساوسة نائبا عن إيماننا ومغنيا عنه ، وكيف استقام في عقولهم أن الإله الذي سيحاسب الناس يوم القيامة يُقدر عليه ويُقتل صلبا، ألا يمكن أن يصلبوه مرة أخرى يوم القيامة ، ويا ترى من كان يسير الكون بالنيابة عنه في الأيام الثلاثة التي كان فيها مصلوبا ميتا؟ فإن قيل هو الأب قيل سيأتي نقض هذا الزعم في العقيدة التالية.
الشبهة السادسة : ألوهية المسيح
     لقد قالوا المسيح هو ابن الله، وقالوا ثالث ثلاثة وأكثرهم يصرح الآن بأنه هو الله، ويستدلون بفاتحة إنجيل يوحنا:«في البدء كان الكلمة والكلمة كان لدى الله والكلمة هو الله »، ومع ذلك يقولون إنه حل في جسد ابن مريم (الذي هو ولده عندهم) وهو ما يعبرون عنه باختلاط اللاهوت بالناسوت.
   والجواب عن هذه الترهات بأننا معاشر المسلمين نعتقد أن الله واحد وأنه الأول الذي ليس قبله شيء والآخر الذي ليس بعده شيء لم يلد ولم يولد، وتعالى وتنـزه عن أن يكون له ولد، وأن عيسى عليه السلام عبد مخلوق أرسله الله تعالى إلى بني إسرائيل ليعبدوا الله وحده ، قال تعالى :قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحدا وقال سبحانه : لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرائيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (المائدة:72-73).
    وعقيدة التثليث عقيدة وثنية تبناها النصارى رسميا في القرن الثالث للميلاد، وقد اقتبسوها من ديانات قديمة يمكن أن تكون أحد هذه الديانات :
1-الهنود البراهميون فالإله عندهم متكون من ثلاثة أقانيم (براهما ، فشنو أو كرشنا وسيفا ) الأول هو الأب ويمثل مبادئ الخلق والتكوين والثاني هو الابن ويمثل مبادئ الحماية والحفظ، ويقولون إنه ولد من العذراء العفيفة ديفاكي وتجسد فيه الأب لتخليص العالم من الخطايا، ويقولون عنه إنه مات مصلوبا ثم قام من بين الأموات تماما كما يزعم النصارى، والثالث هو المبدئ المهلك والمبيد والمعيد ويرمزون له كما يرمز له النصارى بصورة حمامة.
2-البوذيون إلا أنهم يجعلون بوذا هو الابن المولود من العذراء مايا ، ويقولون إنه قام وصعد إلى السماء بعد أن مات، وهم يعتقدون أن بوذا تحمل الذنوب التي ارتكبت في الدنيا.
3-قدماء المصريين (700 سنة قبل الميلاد ) وأسماء الأقانيم الثلاثة عندهم (آمون وهو الأب وكونس الابن وموث الأم ، وصورة الثلاثة عندهم –في رسوماتهم-شيخ هرم وشاب يحمل صليبا وجناحي صقر.
    وهذه العقيدة باطلة تردها الفطرة والعقل .
-وقال:مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (المؤمنون91). وقال سبحانه : لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا (الأنبياء:22) لأن تعدد الآلهة يؤدي إلى الاختلاف والتنازع وذلك يؤدي حتما إلى فساد نظام العالم. -وقال عز وجل : بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (الأنعام:101) . فإثبات الولد لله تعالى يستلزم إثبات الزوجة وهو أمر محال تعالى الله عنه علوا كبيرا.
-وقال سبحانه : وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (116) بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (البقرة:117) فالله تعالى لا يعجزه شيء وهو الملك الغني الذي لا يحتاج إلى شريك ولا ولد .      ومن نظر أيضا في هذه الأناجيل المحرفة وجد فيها من الأدلة التي تنفي ألوهية المسيح الشيء الكثير ، خاصة المواضع التي يوصف فيها بالعبد المطيع لله تعالى فالمسيح كان يصلي كما في متى (إصحاح:26/36) وكان يصوم كما في متى (إصحاح:4/4)، وكان يدعو الله سبحانه وهذا في مواضع كثيرة وهذا يدل على أنه كان مكلفا بالعبادة والإله يُعبَد ولا يكلف بالعبادة، ومنها المواضع التي يصرح فيها بأنه نبي وأن الله أرسله وغير ذلك ، وهذه الأدلة تحتاج إلى جمع وتصنيف لكثرتها وتنوعها.
    وربما يطرح بعض الناس هنا سؤالا وجيها فيقول إذا كان المسيح إلها وثالث ثلاثة فما مصير بني آدم الذين ماتوا قبل ميلاد المسيح ؟ وما مصير من كان من أتباع الرسل خاصة ؟ فيجيبه النصارى بأن المسيح بعد أن صلب دخل جهنم وبقي فيها ثلاثة أيام قبل أن يصعد إلى السماء– وذلك تكفيرا للخطيئة –فاستغل فرصة وجوده فيها ليدعو الذين ماتوا قبله ولم يتمكنوا من الإيمان به !!! إله يدخل النار!! وأناس يؤمنون وهم في النار !! ما هذه الخرافات ، وهل يمكن لمسلم عرف الإسلام أن يرجع عنه ليعتقد مثل هذه الترهات . هذا آخر ما أردنا تسطيره في هذه المقالة ، وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
حقيقة المسيح في نظر الإنجيل
    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد : فهذه مقالة أخرى في مواجهة المد التنصيري، نحاول أن نبين فيها حقيقة من الحقائق التي يجهلها كثير من النصارى والمتنصرين المرتدين عن الإسلام، وهي أن الإنجيل يبطل ألوهية المسيح ويؤكد على بشريته، وأن المسيح عليه السلام ما هو إلا بشر رسول من عند الله تعالى إلى بني إسرائيل، ونظهر في آخرها أيضا حقيقة تاريخية يجهلها كثير من النصارى وهي قصة بداية عقيدة التثليث وألوهية المسيح .
أولا : عيسى يدعو إلى عبادة الله وحده
    إن الذي لا شك فيه أن دعوة عيسى عليه السلام لا تختلف عن دعوة الأنبياء قبله وهي الدعوة إلى عبادة الله وحده، لم يأت عيسى عليه السلام ليكذب التوراة أو ينقضها ، بل ليصدقها ويدعو للعمل بها، ففي مرقس (إصحاح:12/28-34) : «ودنا إليه أحد الكتبة، وكان قد سمعهم يجادلونه ورأى أنه أحسن الرد عليهم، فسأله ما الوصية الأولى من الوصايا كلها ؟ فأجاب يسوع:" الوصية الأولى هي اسمع يا إسرائيل إن الرب إلهنا هو الرب الأحد ، فأحبب الرب إلهك بكل قلبك وبكل نفسك وكل ذهنك وكل قوتك، والثانية هي أحبب قريبك حبك لنفسك ولا وصية أخرى أكبر من هاتين ". فقال الكاتب أحسنت يا معلم لقد أصبت إذ قلت أنه الأحد وليس من دونه آخر، وأن يحبه الإنسان بكل قلبه وكل عقله وكل قوته ، وأن يحب قريبه حبه لنفسه أفضل من كل محرقة وذبيحة . فلما رأى يسوع أنه أجاب بفطنة قال له : لست بعيدا من ملكوت الله ».
   والنص المشار إليه في العهد القديم في سفر التثنية (إصحاح6/4-8):« اسمع يا إسرائيل الرب إلهنا رب واحد فتحب الرب إلهك من كل قلبك ، ومن كل نفسك، ومن كل قوتك، ولتكن هذه الكلمات التي أوصيك بها اليوم على قلبك ، وقصها على أولادك وتكلم بها حين تجلس في بيتك وحين تمشي في الطريق، وحين تقوم واربطها علامة على يدك ، ولتكن عصائب بين عينيك ، واكتبها على قوائم أبواب بيتك وعلى أبوابك ». وفي متى (إصحاح:4/8-10):« وأخذه إبليس إلى جبل عال جدا ، فأراه جميع ممالك الدنيا ومجدها وقال له : أعطيك هذا كله إن سجدت لي وعبدتني، فأجابه يسوع : ابتعد عني يا شيطان ! لأن الكتاب يقول للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد ». ونحوه في لوقا (إصحاح:4/6-8). وإلى هذا كان يدعو المسيح إلى آخر لحظة قبل أن يرفعه الله إلى السماء. في متى (إصحاح:23/8-10):« أما أنتم فلا تسمحوا بأن يدعوكم أحد يا معلم ، لأنكم كلكم إخوة، ولكم معلم واحد هو المسيح ، ولا تدعوا أحدا على الأرض يا أبانا ، لأن لكم أبا واحدا هو الأب السماوي».
   وقد جاء في آخر إنجيل يوحنا (إصحاح:20/17)أنه قال :« لا تمسكيني إني لم أصعد بعد إلى أبي، بل اذهبي إلى إخوتي فقولي لهم إني صاعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم». فبين أنه مألوه كما أن الحواريين إخوانه مألوهين لم يقل إني إلههم، وقوله "أبي وأبيكم" يبين أيضا أن الأب كان يطلق على الرب في شريعتهم.
ثانيا : المسيح يشهد أنه رسول
   إنه ليس في الأناجيل الأربعة نص صريح على ألوهية المسيح على لسان عيسى عليه السلام ، رغم ما فيها من تحريف وتبديل ، بل فيها النص على أنه رسول من عند الله تعالى ، وهذه بعض المواضع: جاء في يوحنا (إصحاح6/14):« فلما رأى الناس هذه الآية التي صنعها يسوع قالوا بالحقيقة هذا هو النبي الآتي إلى العالم». وفيه أيضا (إصحاح17/3):« والحياة الأبدية هي أن يعرفوك أنت الإله الحق وحدك ، ويعرفوا يسوع المسيح الذي أرسلته ». وفيه (إصحاح17/8): «بلغتهم الكلام الذي بلغتني فقبلوه وعرفوه حق المعرفة أني جئت من عندك وآمنوا أنك أنت أرسلتني». وجاء في متى (إصحاح21/10-11):« ولما دخل يسوع أورشليم ضجت المدينة كلها وسألت من هذا ؟ فأجابت الجموع : هذا هو النبي يسوع من ناصرة الجليل ». وفيه (إصحاح:15/24):« فأجبهم يسوع ما أرسلني الله إلا إلى الخراف الضالة من بني إسرائيل ». وجاء في لوقا (إصحاح3/23):« وكان يسوع في نحو الثلاثين من العمر عندما بدأ رسالته ».
ثالثا : المسيح ينفي الألوهية عن نفسه
   عندما قال عيسى لليهود :« أنا والله واحد » بمعنى طاعة عيسى هي طاعة الله ولا يحق لكم أن تفرقوا بين الله ورسله أراد اليهود قتله ونسبوه إلى ادعاء الألوهية فنفى ذلك عنه وصوب فهمهم الخاطئ ، قال يوحنا (إصحاح10/31-36): «وجاء اليهود بحجارة ليرجموه فقال لهم يسوع أرأيتم كثيرا من الأعمال الصالحة من عند أبي ، فلأي عمل منها ترجموني ؟ أجابه اليهود لا نرجمك لأي عمل صالح عملت بل لكفرك ، فما أنت إلا إنسان لكنك جعلت نفسك الله. فقال يسوع: أما جاء في الشريعة أن الله قال : أنتم آلهة فإذا كان الذين تكلموا بوحي من الله يدعوهم الله آلهة على حد قول الشريعة التي لم ينقضها أحد ، فكيف تقولون لي أنا الذي قدسه الأب وأرسله إلى العالم أنت تكفر لأني قلت أنا ابن الله »، فلو كان هو الله لما أنكر التهمة وقال نعم أنا هو جئتكم في هذا الجسد فلم تعرفوني ولكنه بين لهم أنه مرسل من عند الله واستدل بنص من العهد القديم وهو المزمور (إصحاح:82/6) يبين إطلاق الألوهية على الرسل التي تدعو إلى عبادة الله . وفي سفر الخروج (إصحاح7/1):« أنا جعلتك إلها لفرعون». لكن النصارى كاليهود لم يفهموا كلام المسيح عليه السلام!!
رابعا : عبادة المسيح لله تعالى
       ومن أظهر الدلائل الإنجيلية على نفي ألوهية المسيح عليه السلام عبادته لله تعالى ، فالإله لا يعبد نفسه بل غيره يعبده ، ونحن نجد في الإنجيل أنه عمد على يد يحيى عليه السلام ليتأهل لعبادة الله ففي لوقا (إصحاح3/21):« ولما تعمد الشعب كله وتعمد يسوع أيضا، بينما هو يصلي انفتحت السماء ». فالمسيح كان يصلي ومما ورد في ذلك قول متى (إصحاح:26/36) أنه قال للتلاميذ :« أقعدوا هنا حتى أذهب وأصلي هناك». وفي متى (إصحاح:14/23):« ولما صرفهم صعد إلى الجبل ليصلي في العزلة »، بل كان ربما أجهد نفسه في الصلاة ففي لوقا (إصحاح:22/44):« ووقع في ضيق فأجهد نفسه في الصلاة » وكان أيضا يصوم كما في متى (إصحاح:4/1-2):« وقاد الروح القدس يسوع إلى البرية ليجربه إبليس ،فصام أربعين يوما وأربعين ليلة حتى جاع ». والعبادة دليل التكليف ، والتكليف يعقبه الثواب والعقاب الثواب لمن أطاع والعقاب لمن عصى ، فعيسى عليه السلام كان مكلفا وكان يرجو بعبادته الثواب من الله تعالى، كما كان يخشى عذابه .
خامسا : دعاء المسيح واستغاثته بالله تعالى
    ومما يدل على بشريته وعبوديته دعاؤه الله تعالى والاستغاثة به وشكره، فإن ذلك كله من العبادات وهو أيضا دليل الحاجة والضعف والافتقار ، والنصوص الواردة في هذا المعنى ما جاء في يوحنا (إصحاح:11/41-43):« أشكرك يا أبي لأنك استجبت لي وأنا أعرف أنك تستجيب لي في كل حين ، ولكني أقول هذا من أجل هؤلاء الناس حولي حتى يؤمنوا أنك أنت أرسلتني ».
   وفي يوحنا (إصحاح:17/1-3):« رفع يسوع عينيه إلى السماء وقال: يا أبي جاءت الساعة مجد ابنك ليمجد ابنك بما أعطيته من سلطان على جميع البشر».
  وقول متى (إصحاح:27/46):« ونحو الساعة الثالثة صرخ يسوع بصوت عظيم إيلي إيلي لما شبقتني أي إلهي إلهي لماذا تركتني ».
سادسا : المسيح يأكل ويشرب وينمو
    ومن دلائل بطلان الألوهية الأكل والشرب والنمو ، فإن الإله كامل في صفاته غني غير محتاج إلى الطعام ولا إلى غيره ، عيسى عليه السلام كان يأكل ويشرب وينمو كما ينمو البشر ففي لوقا (إصحاح:2/52):« وكان يسوع ينمو في القامة والحكمة»، وجاء في متى (إصحاح:4/2)« فصام أربعين يوما وأربعين ليلة حتى جاع». وفي يوحنا (إصحاح:19/28):« ورأى يسوع أن كل شيء قد تم فقال : أنا عطشان ». وقال مرقس (إصحاح:11/12-14):« ولما خرجوا في الغد من بيت عنيا أحس بالجوع، ورأى عن بعد شجرة تين مورقة فقصدها راجيا أن يجد عليها بعض الثمر، فلما وصل إليها ما وجد عليها غير الورق ، لأن وقت التين ما حان بعد ».
سابعا : اسم المسيح في الإنجيل ابن الإنسان
    من أظهر دلائل بطلان ألوهية المسيح في الأناجيل تسميته بابن الإنسان ، وقد ورد وصفه بذلك نحوا من سبعين مرة ، منها ما جاء في متى (إصحاح:11/18-19): « جاء يوحنا لا يأكل ولا يشرب فقالوا فيه شيطان ، وجاء ابن الإنسان يأكل ويشرب فقالوا هذا رجل أكول وسكير وصديق لجباة الضرائب والخاطئين ولكن الحكمة تبررها أعمالها ». وفي مرقس (إصحاح:14/41):« جاءت الساعة ، ها هو ابن الإنسان يسلم إلى أيدي الخاطئين ».
ثامنا : علم المسيح محدود
   ومما يدل على بطلان ألوهية المسيح أن علمه محدود غير شامل ، لأن الإله عليم بكل شيء وعيسى عليه السلام لم يكن كذلك جاء في مرقس (إصحاح:13/32): «وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعرفها أحد لا الملائكة في السماء ولا الابن إلا الأب». وما كان يخبر به من الغيب ومن الحكم والحكام فهو وحي من الله تعالى، في يوحنا (إصحاح:5/30):« أنا لا أقدر أن أعمل شيئا من عندي ، فكما أسمع من الأب أحكم ، وحكمي عادل لأني لا أطلب مشيئتي بل مشيئة التي أرسلني ».   
    بل المسيح –حسب الإنجيل المحرف- لا يعلم أشياء يعلمها الصبيان الصغار في فلسطين وحوض المتوسط، متى تثمر شجرة التين ، وقد نقلت النص في الفقرة السابقة .
تاسعا : من صفة المسيح النوم والعجز
    إن الإله لا يكون إلا قادرا على كل شيء حيا قائما على كل شيء لا يتصور الإله إلا كذلك ، وعيسى عليه السلام يصرح بأن لا قدرة له مستقلة ولا مشيئة كما في نص يوحنا في الفقرة السابقة، ومن ضعفه أنه يحتاج إلى النوم ففي متى (إصحاح:8/23-24):« وركب يسوع القارب فتبعه تلاميذه ، وهبت عاصفة شديدة في البحر حتى غمرت الأمواج القارب وكان يسوع نائما ، فدنا منه تلاميذه وأيقظوه ». ومن ضعفه أنه يبكي جاء في يوحنا (إصحاح:11/35):« وبكى يسوع ». ومن ضعفه أنه كان محل ابتلاء وتجربة من الشيطان جاء في لوقا (إصحاح:4/13):« وبعدما جربه الشيطان بكل الوسائل فارقه إلى حين ».
عاشرا : الأناجيل تنسب المسيح إلى البشرية
    ففي أول إنجيل "متى" ينسب عيسى عليه السلام إلى يوسف النجار خطيب مريم ثم يسوق نسبه إلى داود، وهذا يعني أن متى كان يعتبر عيسى ابن زنى كما كانت تقول اليهود-لعنهم الله على افترائهم-، ويتفق لوقا معه في نسبته إلى يوسف (إصحاح:3/23) ويخالفه في أسماء أجداده وفي عددهم بينه وبين داود، ولا يقال بأنه يعبر عما زعمته اليهود لأنه كرر المعنى في عدة مواضع منها قوله (إصحاح:2/41):« وكان والداه يذهبان كل سنة إلى أورشليم ». وكيف يعبر عما زعمته اليهود وهو كتب الإنجيل بالوحي الإلهي كما يزعم النصارى.
   بل وتصف الأناجيل عيسى بأنه ملك -كما زعمت اليهود بأنه كان يريد الملك- فهذا لوقا يقول (إصحاح:1/33):« ويمنحه الرب الإله عرش داود أبيه فيملك على بيت يعقوب إلى الأبد »، وفي(إصحاح23/3):« فسأله بيلاطس أأنت ملك اليهود فأجاب هو ما تقول». وهذا يعنى أنه كان بشرا يعد نفسه ملكا. وفي يوحنا أيضا إقرار ببشريته وملكه في مواضع منها قوله (إصحاح12/12-15):« وفي الغد سمعت الجموع التي جاءت إلى العيد أن يسوع قادم إلى أورشليم فحملوا أغصان النخل وخرجوا لاستقباله وهم يهتفون :" المجد لله تبارك الآتي باسم بالرب تبارك ملك إسرائيل ، ووجد يسوع جحشا فركب عليه كما جاء في الكتاب :" لا تخافي يا بنت صهيون ها هو ملكك قادم إليك راكبا على جحش ابن أتان"».
   ومما جاء في الأناجيل مما نجزم ببطلانه وهو دال على عدم ألوهية المسيح وصفه بالعنصرية المقيتة ولا يعقل أن يكون إله البشر جميعا عنصريا يميز بين خلقه بالعرق والنسب ، ففي متى (إصحاح15/26) أنه قال للمرأة الكنعانية :« لا يجوز أن يؤخذ خبز البنين ويرمى إلى الكلاب ». فتأملوا كيف جعل الكاتب –لا المسيح-اليهود أبناء الله وجعل غيرهم كلابا .
متى أصبح عيسى عليه السلام إلها عند النصارى
   في مدينة نيقيا سنة 325 للميلاد اجتمع 2048 من بطارقة وأساقفة النصارى لينظروا في الأناجيل المختلفة التي يزيد عددها عن المائة أيها هو الصحيح المعتمد، وما هو الإنجيل القريب إلى الصحة الذي يمكن أن يوحدهم ، فدخلوا في نقاش حول حقيقة المسيح فقالت طائفة هو عبد الله ورسوله وكان يقودها آريوس وكانوا أزيد من 700، وقالت طائفة أخرى إنه إله وكانوا 308، وقيلت أقوال أخرى، فلما اشتد الخلاف والتنازع تدخل الملك الروماني الوثني قسطنطين وانحاز إلى الفريق القائل بألوهية المسيح، لأن قولهم أقرب إلى عقائده الوثنية، فأسند إليهم مهمة إصدار قرارات عرفت بالأمانة، فأعلنوا وجوب الإيمان بألوهية المسيح وأمروا بتحريق كل الكتب التي تخالف هذه العقيدة ، وقتل كل من يجهر بمخالفتها، وكان أول من قتل آريوس ، إذن عيسى عليه السلام إنما أصبح إلها بصفة رسمية عند النصارى بعد هذا الاجتماع الذي رجحت فيه كفة الأقلية على الأغلبية بالقوة الديكتاتورية والإرهاب الفكري. وتحققت نبوءة عيسى عليه السلام حسب يوحنا (إصحاح16/عدد:2):« سيخرجونكم من المجامع ، بل ستأتي ساعة فيها يظن كل من يقتلكم أنه يقدم خدمة لله ، وسيفعلون هذا لكم ، لأنهم لم يعرفوا الأب ولا عرفوني ».
   وفي هذا المجمع تم اختيار الكتب التي يتكون منها العهد الجديد الذي أرادوا من خلاله تأكيد تلك العقيدة الوثنية عقيدة التثليث ، فاختاروا الأناجيل الأربعة دون غيرها، وزادوا رسائل بولس مدعي النبوة والمبتدع الفعلي لعقيدة التثليث ، والمؤسس الأول لحركة التنصير في العالم، وأضافوا رسائل أخرى زعموا أنها كلها كلام الله تعالى، ومع ذلك فإن في هذه الأناجيل -وأيضا في ملحقاتها- ما يدل على بطلان ألوهية المسيح -كما بينا -، ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين، وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين.
الهوامش
 / ولما كانت قوانين بعض الدول الإسلامية تمنع التنصير ، كان من حكمة هؤلاء القساوسة أن يمتنعوا عن النشاطات التنصيرية الظاهرة، وأن يكتفوا بالنشاط الخيري والدعم المادي للمتنصرين الجدد .
2/ قد آوت جمعية ثقافية جمعا من الشباب المراهقين في قلب العاصمة، وذلك برضا أوليائهم الذين أغرتهم المادة (الدروس المجانية والرحلات إلى أوروبا) مع علمهم بأنها جمعية تنصيرية، وكيف يخفى عليهم ذلك وهي تلقى الدعم من الكنيسة مباشرة، ودشنها يوم افتتاحها القس بنفسه جهارا نهارا، وبعد مرور سنة جاء بعض هؤلاء الأولياء يشتكون:" أبناؤنا أصبحوا لا يطيعوننا" لقد لقنوهم أنهم إذا بلغوا سن الرشد فلا سلطان لأحد عليهم، وهذه أول خطوة لانتزاع هؤلاء الشباب من أمتهم.
3/ لما تبينوا من ضعف الرقابة أو غيابها صاروا يبثون عقائدهم حتى في لعب الأطفال الصغار ، كالبالونات ولعب الورق ونحو ذلك وقد نشرت الصحافة الجزائرية نماذج من ذلك .
4/ اكتشفت امرأة أن ابنها الصغير يصلى صلاة النصارى، ذهبت إلى دار الحضانة التابعة للكنيسة لتدخل مع أصحابها في خصومة كلامية لا فائدة منها، وهؤلاء المرتدون لا لوم عليهم لأنهم قاموا بعملهم، ولكن اللوم على من يسمح لولده أن يتربى تحت سقف الكنيسة في أيدي من لا دين له ولا أخلاق.
5/ رواه أحمد (3/387) وحسنه الألباني في الإرواء (1589).
6/ من العجب أن يرى في مجتمعنا من يتكلف الرطانة ، ويستعمل الكلمات والعبارات الفرنسية مع وجود ما هو أفصح وأبين منها في لغتنا العربية بل وفي اللهجات العامية وغيرها ، وأعجب من ذلك أن يتسابق أصحاب المحلات التجارية في كتابة لافتاتهم باللغات الأجنبية ، حتى يخيل إلى الناظر في بعض الشوارع أنه في بلد أوربي ، وبلد ليس فيه من يحمي اللغة العربية ويدافع عنها.
7/ إن أجدادنا مع جهلهم كانوا متمسكين بدينهم معظمين لأهله، محبين لوطنهم زاهدين في الدنيا التي كانت بعيدة عنهم، أما اليوم فنحن أقل تمسكا بالدين منهم، ومحبة الوطن أصبحت محل سخرية عند أكثر الشباب، وحب الدنيا وزخارفها هو السمة الغالبة علينا مع الأسف الشديد ، فمن نظر في هذه العوامل وقارن بينها رآنا اليوم مؤهلين لقبول التنصير وكل الأفكار الوافدة علينا أكثر من أجدادنا.
8/ (pratiquant et non pratiquant ).
9/ رواه الترمذي (1604) أبو داود (2645) النسائي (4780) وصححه الألباني في الإرواء (1207).
10/ قال ذلك لما قرر الاستعانة بابن تاشفين على ملك قشتالة الصيليبي، فحذره بعض ملوك الطوائف من غدر ابن تاشفين ، انظر أحداث سبعة وسبعين وأربعمائة من تاريخ الإسلام للذهبي وغيره.
11/ إنجيل برنابا وجدت منه نسخة في فيينا (عاصمة النمسا) عام 1709 مكتوبة باللغة الإيطالية ، وترجمه إلى العربية خليل سعادة عام 1908 ونشره في مصر محمد رشيد رضا في السنة نفسها.
12/ انظر كتاب "لماذا أسلم هؤلاء القساوسة".
13/ وقد اقتصرت على الأناجيل طلبا للاختصار، ولأن أكثر ما يوزعه المنصرون كتاب العهد الجديد.
14/ البخاري (3535) مسلم (2286).
15/ كل ما أنقله عن الترجمة القديمة فهو بواسطة الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية .
16/ في كتابه "محمد    كما ورد في كتاب اليهود والنصارى"(ص:148).
17/ انظر الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية (4/8).
18/ انظر الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية (4/12).
19/ انظر الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية (4/6).
20/ انظر الرسل والرسالات لعمر سليمان الأشقر (177).
21/ لم يأمر بإلغائها دفاعا عن المسلمين !! ولكن نشاطها توسع فشمل اليهود وكل من تحكم عليه الكنيسة بالكفر والزندقة من النصارى
22/ حكى أحد قساوسة الأقباط -بعد إسلامه وهروبه إلى السعودية -، في شريط مسجل أنهم في مصر يختطفون بعض من يعارض نشاطتهم أو يفضح أسرارهم أو يعلن ترك النصرانية ، ويقدمونه طعاما لأسود يربونها في دهاليز الكنائس!!
23/ البخاري (1385) مسلم (2658).

تم قراءة المقال 441 مرة