الأحد 28 جمادة الأول 1445

هل تعد الجمعيات من وسائل الدعوة

كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

هل تعد الجمعيات من وسائل الدعوة

السؤال :

1- كما هو مقرر الحكم عن الشيء فرع عن تصوره ؛ فما هو مفهوم الوسيلة ، وما الضابط في التفريق بينها وبين ما هو ناقل
للدعوة .

2- هل تعد الجمعيات من وسائل الدعوة ، أم من النواقل ، وما حكمها .

3- قلتم _حفظكم الله _ في الحاشية :

(لأنّ الوسائل الدعوية قد تمّ نصابها, وكمل بيانها, ولم يعد هناك مجال للزيادة والإضافة عليها) .

هل هذا دليل يمكن أن نعتمد عليه في بيان حكم المسألة ، أم أنه نتيجة من نتائج البحث .
بارك الله فيكم ورفع الله قدركم وأعلى شأنكم

الجواب:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
أخي الفاضل! زادك الله حرصاً وتوفيقاً, وسلك بك السبيل الأقوم, والمنهج الأسلم.
واعتذر أولاً عن تأخر الجواب, لأني كنت على سفر حال دون تمكني من الإجابة.

(جواب السؤال الأوّل)أما عن سؤالك الأوّل, عن ماهية الوسائل الدعوية, فقد أبنت عن بعض معانيها في جواب سابق عن سؤالك إحدى الأخوات.
وسأزيدك بياناً وإيضاحاً لعله يتّضح لك معناها بجلاء وبالله التوفيق.

أولاً: مفهوم وسائل الدعويّة:

1- تعريف الوسائل لغة:
الوسائل: جمع وسيلة، على وزن فعيلة, وقد تجيء الفعيلة بمعنى الآلة([1]).
وهي مشتقّة من: وسَلَ يَسِلُ وَسْلاً ووَسِيلَة, وتجمع على: وَسِيْل, ووَسَائِل([2]).
- ومن معاني الوسيلة في لغة العرب:
· الرَّغبةُ والطلب: يقال وَسَلَ، إذا رغِب؛ والواسِل: الراغب إلى الله عز وجل([3]), قال الراغب الأصفهاني: "الوسيلةُ: التوصل إلى الشيء برغبة وهي أخصُّ من الوصيلة؛ لتضمّنها لمعنى الرغبة"([4]).
· الْمَنْزِلَة, والدَّرَجة, والقُرْبة؛ قال ابن منظور: "الوسيلةُ: الْمَنْزِلَة عند الْمَلِك, والوَسِيلة: الدَّرَجة, والوَسِيلة: القُرْبة, ووَسَّل فلانٌ إلى الله وسِيلةً؛ إذا عَمِل عملاً تقرَّب به إليه"([5]), ومنه قوله تعالى: ﴿وَابْتَغُواْ إِلَيْهِ الْوَسِيْلَةَ﴾([6]), قال قتادة رحمه الله: "أي: تقربوا إليه بطاعته والعمل بما يرضيه"([7]).
· الواسطة؛ الوَسِيلَة إلى الشيء: واسطة إليه يُوصَل إليه عن طريقها؛ كالوسيلة إلى الأمير، وقد تكون الوسيلة شخصاً وسيطاً، أو عملاً يكون فيه تقرّب([8]).
2- تعريف الوسائل اصطلاحاً:
أ- في الاصطلاح العام, هي: "الأفعال التي يُتوصَّل بها إلى تحقيق المقاصد"([9]).
ب- في اصطلاح الدعاة: هي الطرق الشرعية - القولية والفعليّة- التي يستعين بها الداعية في إيصال مقصود الدعوة ومضمونها.
وللمعاصرين تعاريف مختلفة للوسائل الدعويّة, ومن ذلك:
- "أنها ما يستعين به الداعي على تبليغ الدعوة إلى الله على نحو نافع مثمر"([10]).
- وقيل: "ما يتوصل به الداعية إلى تطبيق مناهج الدعوة من أمور مادية ومعنوية"([11]).
- وقيل: "هي الأوعية التي تحمل فيها الدعوة لجذب الآخرين إلى طريق الخير"([12]).
ثانياً: مفهوم الأساليب الدعويّة.

1- تعريف الأساليب لغة:الأساليب: جمع أُسْلُوب, وهو مشتق من: سَلَبَ, يَسْلب, سَلْباً, وسَلُوباً([13]).
و(سلب): السين واللام والباء أصلٌ واحدٌ، وهو أَخْذُ الشَيء بخفّة واختطاف([14]).
ومن معاني الأسلوب لغة:
· الطريق الممتدّ([15]).
· الوجهُ، والمَذْهَبُ؛ يقال: أَنتم في أُسْلُوبِ سُوءٍ .
· الفَنُّ؛ يقال: أَخَذ فلانٌ في أَسالِيبَ من القول أَي: أَفانِينَ منه([16]).
2- تعريف الأسلوب اصطلاحاً:أ- في الاصطلاح العام: "هو فنّ القول([17]), وطريقة الإنشاء واختيار الألفاظ وتأليفها للتعبير بها عن المعاني, قصد الإيضاح والتأثير([18])".
وقيل: "الأساليب: هي القوالب والتراكيب التي تصاغ فيها المعاني"([19]).
ب- في اصطلاح الدعاة: هناك تعاريف متنوعة للأسلوب عند الدعاة.
فعرَّفه بعضهم فقال: "هي مجموع الطرق العمليّة المتّبعة في عرض الأفكار, والتي يتبعها الداعية, ويطبقها أثناء تبليغ الدعوة إلى الناس"([20]).
وقيل: "هي الكيفيات التي يتمّ بها أداء الدعوة وتبليغها من الأمور المعنويّة الفنيّة, وأنواع المسالك التأثيرية, وهي في الغالب غير حسيّة"([21]).
وقيل: "أسلوب الدعوة: هو الوسيلة والطريقة التي يستخدمها الداعية للعبور إلى نفس المدعو, وإقناعه بالفكرة, ومن ثمّ تحقيق الهدف الذي يصبو إليه"([22]).
ثالثاً: العلاقة بين الوسائل والأساليب.
تباينت آراء -المتخصصين في مجال الدعوة- في العلاقة بين الأساليب والوسائل, في مجال الدعوة الإسلامية؛ وهي تتلخّص في رأيين مشهورين:
الرأيّ الأول: يرى أنّ الأساليب والوسائل الدعوية, أسماء لمسمى واحد.
فهي مجموع الطرق المؤدية إلى إيصال الدعوة الإسلامية إلى عموم المدعوين, سواء سمّت وسيلة أو أسلوباً([23]).
ويبرر هؤلاء رأيهم هذا بأمور منها:
1- أنّ الوسائل والأساليب مشتركة في المدلول اللغويّ راجعة إلى معنى واحد وهو: "الطريق", ولهذا أتت التعريفات الاصطلاحيّة للوسائل الدعوية وأساليبها كلّها متقاربة, متفّقة, مجتمعة في معنى واحد, وهي أنّ الوسيلة والأسلوب هما الطريق الأمثل الذي يمكّن الداعية من إيصال مضمون الدعوة, بطرق شتى([24]).
2- أنّ كلّ ما أوصل لتبليغ الدعوة فهو وسيلة دعوية سواء سمّيت منهجاً أو طريقة أو أسلوباً أو غير ذلك من المسمّيات ([25]).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : "إن الداعي الذي يدعو غيره إلى أمر، لا بد فيما يدعو إليه من أمرين: أحدهمـا: المقصود والمراد والثاني: الوسيلة والطريق الموصل إلى المقصود"([26]).
3- أنّ الناظر في كتب الدعوة التي عنون لها بطرق الدعوة, أو مناهج الدعوة, أو أساليبها أو وسائلها, يجد أنّ جميعها تتحدّث عن معنى واحد, وهو طرق إيصال الدعوة([27]).
الرأي الثاني: يرى أن بين الوسائل والأساليب الدعوية عموم وخصوص.
فالوسائل الدعوية -في حقيقتها- هي أوعية للأساليب الدعوية, فهناك ترابط كبير بين الوسيلة والأسلوب.
فالخطبة مثلاً -باعتبارها وسيلة دعوية-, تحمل في طياتها أساليب دعوية عديدة كالوعظ والإرشاد والترغيب والترهيب والحكمة والقصص والأمثال, وغير ذلك.
فحصل التداخل بينهما والتكامل, والفرق بينهما دقيق.
فالوسائل تأخذ شكل الأدوات, والآلات والأوعية الحسية والمعنوية, لنقل مضمون الدعوة, فهي أداة وقناة يعبر منها المعنى إلى الناس ([28]).
أما الأساليب فهي تأخذ شكل الصيغ والتعبيرات, ولذا يعبر عنها بأنها فن القول([29]).
ويمكن أن يقال: إنّ الوسيلة تحتوي الأسلوب، أو بعبارة أخرى، أن الأسلوب هو طريقة عرض الوسيلة.
والراجح:
أنّ الوسائل والأساليب قدر مشترك من المعنى اللغوي والاصطلاحي, فهما يعبران عن طريقة الدعوة وسبل إيصالها للمدعويين
وإن كان الأسلوب هو أحد طرق عرض وسائل الدعوة, هذا من جهة.
ومن جهة أخرى: يمكن أن يُجعل الأمر الواحد وسيلةً دعويةً أو أسلوباً دعوياً في نفس الوقت.
فالداعية مثلاً عندما يجعل من أخلاقه وصفاته وأعماله الخيّرة أسلوباً من أساليب دعوته, وجذب المدعو إلى الاقتداء به, فإنّ القدوة الحسنة تكون في نفس الوقت وسيلة من وسائل دعوته يتوصّل بها إلى جذب المدعوِّ إلى الاقتداء به ومعرفة الإسلام عن طريق هذا العمل, فأصبحت القدوة في هذا الموضوع أسلوباً ووسيلةً في نفس الوقت.
فيتّضح مما سبق أن بينهما -الوسائل والأساليب الدعوية- عموماً وخصوصاً, وأنّ أحدهما لو أفرد دخل في مسمى الآخر([30]).
وإذا اجتمعا كانت الوسيلة هي مجموع الأدوات, والآلات والأوعية الحسية والمعنوية, لنقل مضمون الدعوة.
وكان الأسلوب: هو مجموع الصيغ والتعبيرات التي يتمَ عن طريقها عرض الوسيلة الدعوية.
رابعاً: ضابط التفريق بين الناقل والوسيلة الدعوية
تقدّم معنا بيان مفهوم الوسيلة الدعوية, فهي في حقيقتها "مجموع الأدوات, والآلات والأوعية الحسية والمعنوية, لنقل مضمون الدعوة".
- ولذلك يمكن أن يقال: إنّ هذه الأدوات والأوعية والنواقل إن اقترنت بمضمون دعوي صارت وسيلة دعوية, وإن خلت من المضمون الدعوي فهي وسيلة جوفاء.
مثال ذلك: "الشريط السمعي"فهو في حد ذاته ليس وسيلة للدعوة, وما يفعل به إذا كان أجوف لاشيء فيه, إنما هو ناقل أو حافظ للمادة المسجلة, فإن سجّل فيها مضمون دعوي كخطبة أو موعظة أو درس علمي, صار المجموع وسيلة دعوية.
- وقد لا تحتاج الوسيلة الدعوية إلى ناقل, مثل الكلمة المسموعة التي تلقى كفاحاً دون واسطة, سواء كانت على هيئة خطبة أو محاضرة أو موعظة أو نحو ذلك.
فالوسيلة الدعوية هاهنا لم تقترن بناقل خارجي.

(جواب السؤال الثاني)أما عن سؤالك حول الجمعيات الدعوية والعلمية, هل هي من وسائل الدعوة ، أم من النواقل، وما حكمها.
فأقول وبالله التوفيق:
إنّ الدعوة إلى الله تعالى تحتاج إلى آليات وأساليب ووسائل تقوم بإيصالها لعموم المدعوين.
والفرق بين الآليات والوسائل والأساليب:
أنّ الآليات ينظر فيها إلى الجهة المنفّذة لمنهج الدعوة سواء كانت أفراداً أو جماعات أو مؤسسات, وذلك من خلال طرق ووسائل معتبرة, بخلاف الوسائل والأساليب فهي الطرق البيانية والعملية التي يتمّ فيها إيصال هذا المنهج للآخرين, ومن ثمّ يمكن أن يقال: إنّ الآليات أعم من الوسائل والأساليب.
فإذا تقرّر هذا:
فإنه باستقراء النصوص الشرعية, وتطبيقاتها الواقعية من خلال دعوة النبي صلى الله عليه وسلم, ودعوته صحبه الكرام رضوان الله عليهم, يمكن إجمال هذه الآليات إلى ثلاثة أصناف:
1- الدعوة الفردية 2- الدعوة الجماعية 3- الدعوة من خلال المؤسسات.وفيما يلي تفصيل لهذه المسالك والآليات:
· أولاً: الدعوة الفردية.
1- مفهوم الدعوة الفردية:
"هي قيام الداعية الفرد -المؤهّل- بإيصال منهج الدعوة إلى الآخرين أفراداً أو جماعات؛ مسلمين كانوا أو غير مسلمين"([31]) ([32]).
الدعوة الفردية في المنظور الحركي الحزبي
يعرِّف أصحاب المنهج الحركي الحزبي الدعوة الفردية بأنها: "قيام الداعية الفرد في جماعة تعمل للإسلام, بالاتصال الفردي لكسب عناصر جديدة للجماعة التي ينتمي إليها ويرتبط معها, لتعريفهم أولاً بالدعوة الإسلامية, وانتمائهم ثانياً إلى الجماعة الدعوية"([33]).
ولا شكّ أنّ الدعوة الفردية بهذا المفهوم مخالفة لهدي الكتاب والسنة وعمل السلف الصالح, لأنّ ألوية الولاء والبراء لا تعقد إلاّ لله تعالى ولسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
2- مشروعية الدعوة الفردية: أ- دعوة الأنبياء والمرسلين عليهم السلام؛ لم تكن إلاّ دعوة فردية قام بها رجال اصطفاهم الله عز وجل لرسالته, كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً﴾([34]).
ب- أنّ من تأمل دعوة النبي صلى الله عليه وسلم في مكة وجد أن طابع الدعوة الفردية هو الغالب.
ج- أنّ إسلام أكثر الصحابة ي كان عن طريق الدعوة الفردية.
د- قوله صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه: "لأن يهدي الله بك رجل واحد خير لك من حمر النعم"([sup][35])[/sup].
3- أنماط الدعوة الفردية وأشكالها: أ- الدعوة الفردية التطوعيّة: وهي التي يقوم فيها الداعية الفرد بإيصال مضمون الدعوة دون تكليف مسبق أو تعيين من طرف ولي الأمر, سواء كانت دعوة لحظية عابرة اقتضاها المقام أو المنكر, أو كانت دعوة منظّمة مستمرّة.
ب- الدعوة الفردية الولائية: وهي التي يقوم فيها الداعية المكلّف بإيصال مضمون دعوي محدّد لأشخاص معينين, كما هو الشأن في دعوة أصحاب السوابق والمخدرات وغيرهم.
· ثانياً: الدعوة الجماعية.

1- مفهوم الدعوة الجماعية:

"هو قيام الدعوة إلى الله على جهود جماعية لا فردية, أساسها التنظيم والتخطيط"([36]).

2- أنماط الدعوة الجماعية وحكم كلٍ منها:

ومن خلال التعريف السابق يمكن أن نميّز نمطين متباينين للدعوة الجماعية:
أ- الدعوة الجماعية المشروعة:
وهي الدعوة القائمة في منهجها ومضمونها ووسائلها وغاياتها, على أصول صحيحة مستمدّة من الكتاب والسنة, وبعيدة عن الانحرافات والغلو والبدع.
وتقوم هذه الجماعة بتأدية منهج الدعوة على صورتين هما:
- الصورة الكاملة لكثير من مناشط وخدمات المنهج الدعوي ومتطلباته.
- الصورة غير الكاملة لعناصر المنهج الدعوي, حيث تقوم بتحقيق جزء محدّد من أهداف ومناشط منهج الدعوة, مثل: جمعية تحفيظ القرآن, وغيرها.
الأدلة على مشروعية هذا الصنف من الجماعات الدعوية:
- قوله تعالى: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }آل عمران104.
قيل في تفسير الآية: لتكونوا أمة يدعون إلى الخير, باعتبار أنّ من هنا لبيان الجنس ([37]).
- وقوله تعالى في صورة العصر: {إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}العصر3.
- وقال العلامة ابن باز رحمه الله: "وجود هذه الجماعات الإسلامية فيه خير للمسلمين، ولكن عليها أن تجتهد في إيضاح الحق مع دليله وأن لا تتنافر مع بعضها، وأن تجتهد بالتعاون فيما بينها، وأن تحب إحداهما الأخرى، وتنصح لها وتنشر محاسنها، وتحرص على ترك ما يشوش بينها وبين غيرها، ولا مانع أن تكون هناك جماعات إذا كانت تدعو إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم"([38]).
ب- الجماعات الدعوية غير المشروعة:
وهي الجماعات والأحزاب غير الملتزمة بالأصول الصحيحة في منهج الدعوة إلى الله, والمنغمسة في كثير من البدع والخرافات ([39]).
وهذه الجماعات تقوم في أصولها على تنظيرات مؤسسيها, ملتزمة بأفكارهم وأهدافهم, معادية لكل مفارق لجماعتهم.
الأدلة على عدم مشروعية هذا الصنف من الجماعات الدعوية:
- عموم الأدلة التي تنهى عن الاختلاف والتفرّق؛ ومن ذلك: قوله تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ}, وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ}, وقوله: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.
- وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض" متفق عليه.
· ثالثاً: الدعوة من خلال المؤسسات:
إنّ المتأمّل في واقع العالم الإسلامي اليوم يرى كثيراً من العوامل التي اقتضت قيام منظمات ومؤسسات وهيئات تُعنى بنشر الدعوة, سواء كان نشاطها الدعوي شمولياً, أو متخصصاً في نوعيّة معيّنة من مضامين منهج الدعوة كالتعليم, أو الإغاثة..... إلخ.
ومن أنواع هذه المؤسسات:

أ- المنظمات والهيئات الدعوية المتخصصة:

ومن أمثلتها:

1- منظمة المؤتمر الإسلامي.
2- رابطة العالم الإسلامي.
3- الندوة العالمية للشباب الإسلامي.
4- منظمة الدعوة الإسلامية.

ب- المؤسسات والجهات العلمية المعتبرة:
ومن أمثلتها:

1- هيئة كبار العلماء والمفتين في العالم الإسلامي.
2- المجالس الدعوية المتخصصة؛ كالمجلس الأعلى للدعوة الإسلامية, ومجلس الدعوة والإرشاد.
3- الجامعات والكليّات والأقسام الدعوية في العالم الإسلامي.
ج- الإدارات الحكومية المعنيّة:
ومن أمثلتها:

1- وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والأوقاف في العديد من الدول الإسلامية.
2- الإدارات والمراكز التي تعنى بالدعوة الإسلامية في عدد من الدول الإسلامية.

فتاوى العلماء الربانين حول الجمعيات الدعوية:

ومما يزيد المرء اطمئناناً حول مشروعية الجمعيات الدعوية المنضبطة بالضوابط الشرعية, هو فتاوى أهل العلم في هذا الزمن بجوازها, وإليك طرفاً من فتاويهم:
1- قال العلامة ابن باز رحمه الله : "... الواجب التعاون مع الجماعة التي تسير على منهج الكتاب والسنة وما عليه سلف الأمة في الدعوة إلى توحيد الله سبحانه، وإخلاص العبادة له، والتحذير من الشرك والبدع والمعاصي، ومناصحة الجماعات المخالفة لذلك، فإذا رجعت إلى الصواب فإنه يتعاون معها، وإن استمرت على المخالفة وجب الابتعاد عنها، والتزام الكتاب والسنة.
والتعاون مع الجماعات الملتزمة لمنهج الكتاب والسنة، يكون في كل ما فيه من خير وبر وتقوى، من الندوات، والمؤتمرات، والدروس، والمحاضرات، وكل ما فيه نفع للإسلام والمسلمين" ([40])
2- ويقول العلامة ابن باز رحمه الله: "... ننصحهم جميعًا بالاجتماع على كلمة واحدة، وإلى طلب العلم، والتفقه بالكتاب والسنة، والسير على منهج أهل السنة والجماعة جميعًا، ننصحهم جميعًا بأن يكون هدفهم هو اتباع الكتاب والسنة، والسير على منهج أهل السنة والجماعة، وأن يكونوا جميعًا يسمون أنفسهم أهل السنة، أو أتباع السلف الصالح، أما التحزب للإخوان المسلمين أو جماعة التبليغ أو كذا أو كذا لا ننصح به، هذا غلط، ولكن ننصحهم بأن يكونوا كتلة واحدة، وجماعة واحدة، يتواصوا بالحق والصبر عليه، وينتسبون لأهل السنة والجماعة، هذا هو الطريق السليم
أما إذا كانوا جماعات على هذا الطريق؛ ما يضر، جماعة في (إب) وجماعة في - مثلاً - (صنعاء) لكن كلهم على الطريقة السلفية، اتباع الكتاب والسنة، يدعون إلى الله، وينتسبون لأهل السنة والجماعة، من غير تحزب ولا تعصب، هذا لا بأس به وإن تعددت الجماعات، لكن يكون هدفهم واحد، وطريقهم واحدة) اهـ ([41]).
- ويقول رحمه الله أيضاً: " والجمعيات إذا كثرت في أي بلد إسلامي من أجل الخير والمساعدات والتعاون على البر والتقوى بين المسلمين دون أن تختلف أهواء أصحابها؛ فهي خير، وبركة، وفوائدها عظيمة.
أما إن كانت كل واحدة تضلل الأخرى، وتنقد أعمالها، فإن الضرر بها حينئذ عظيم، والعواقب وخيمة"([42]).

والخلاصة:

أنّ الجمعيات الدعوية هي من آليات إيصال الدعوة إلى عموم الناس, بشرط أن تكون وفق المنهج الرباني, وأن لا تنضوي تحت شعار حزبي وأن لا يعقد عليها ألوية الولاء والبراء.
فالجمعيات الدعوية وسيلة مشروعة إذا روعي فيها الضوابط الشرعية في باب الوسائل, وأبرز هذه الضوابط:
أولاً: أن تكون هذه الوسائل نابعة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم, وما أجمع عليه سلف الأمة الصالح رحمهم الله.
فإن كانت الوسيلة مخالفة لنصوص الشرع وقواعده العامة, فلا يشرع التوسل بها إلى المقاصد والغايات.
قال الإمام العز بن عبد السلام رحمه الله: "لا يتقرب إلى الله إلاّ بأنواع المصالح والخيور, ولا يتقرّب إليه بشيء من أنواع المفاسد والشرور"([43]).
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "ليس كلّ سبب نال به الإنسان حاجته يكون مشروعاً ولا مباحاً, وإنما يكون مشروعاً إذا غلبت مصلحته على مفسدته, مما أذن فيه الشرع"([44]).
ثانياً: أن يكون المقصود من الوسيلة مشروعاً, فإن كان ممنوعاً شرعاً فلا يتوسَّل إليه بأي وسيلة, لأنّ النهي عن المقصد نهي عن جميع وسائله المؤدية إليه([45]).
ثالثاً: أن تؤدي الوسيلة إلى المقصد المشروع, إما على سبيل القطع أو الظن أو الاحتمال المساوي([46]).
وأداء الوسيلة إلى مقصودها له حالات:
أ‌- أن يكون الأداء إلى المقصود ثابتاً قطعاً, فلا إشكال في مشروعية الوسيلة, وذلك لتحقق المقصود منها وحصوله قطعاً.
ب‌- أن يكون الأداء إلى المقصود منتفياً قطعاً, فيسقط اعتبار الوسيلة, لأن الوسائل إنما شرعت لتحصيل مقاصدها, فإذا انتفى المقصود كان تحصيل الوسيلة عبثاً.
ت‌- أن يكون الأداء إلى المقصود مظنوناً حصوله أو مظنوناً انتفاؤه, فهذه من مواضع الاجتهاد, والخلاف فيها سائغ, وإن كان الأظهر كما قال الشاطبي أن أداء الوسيلة إلى المقصود إن كان مظنوناً حصوله فالوسيلة باقية على أصل المشروعية ([47]).
رابعاً: أن لا يترتب على الأخذ بتلك الوسيلة مفسدة أكبر من المصلحة المقصودة منها.
فإن كانت تؤدي إلى مفسدة أكبر فلا يشرع التوسل بها, لأنّ درء المفسدة الراجحة أولى من جلب المصلحة المرجوحة.
خامساً: ألاّ يَعْلَق بالوسيلة وصف ممنوع شرعاً
فالوسيلة قد لا تكون في ذاتها مخالفة للشرع, ولكن يعلق بها وصف خارجي ممنوع شرعاً, مثل كونها شعاراً للكفار, فتمنع مباشرتها لأجل ذلك الوصف([48]).

(الجواب عن السؤال الثالث)فإنّ قولي: (لأنّ الوسائل الدعوية قد تمّ نصابها, وكمل بيانها, ولم يعد هناك مجال للزيادة والإضافة عليها).
هذا ممّا قرّره العلماء, فالوسائل الدعوية توقيفية في أصلها, ولكن قد تقترن بنواقل عصرية متجدّدة, فالحكم حينها لأصل الوسيلة المشروعة كما بيناه فيما سبق
فالحكم على وسيلة ما, بالمشروعية أو بعدمه لا بد أن يمرّ بمراحل:
أولها: النظر في هذه الوسيلة هل هي ناقل اقترن بمضمون دعوي, فإن كان كذلك ينظر في أصل هذا المضمون فإن اندرج تحت أصل دعوي مشروع حكم بمشروعيته.
وإن لم نجد له أصل يندرج تحته حكم ببدعيته.
ثانياً: النظر في ضوابط الوسائل الدعوية – كما سبق بيانه-
فإنّ جاز أصل الوسيلة الدعوية لا يكفي للحكم بجوازها, فقد تقترن بموانع شرعية تفضي إلى تحريها, أو كراهتها.

والله تعالى أعلم.
وصلى الله وسلّم على نبينا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبه وحرّره: أبو يزيد المدني
ليلة الإثنين 24 جمادى الآخرة سنة 1431 هـ
بالمدينة النبويّة


_______________________
([1]) الصحاح 5/1841، مادة: "وسل".
([2]) "الهادي إلى لغة العرب", للكرمي 4/487.
([3]) معجم مقاييس اللغة 6/110, مادة: "وسل".
([4]) "مفردات القرآن", للراغب الأصفهاني 1/1580.
([5]) لسان العرب 11/724, مادة: "وسل".
([6]) سورة المائدة ، الآية 35.
([7]) رواه الطبري في تفسيره 5/66..
([8])"الهادي إلى لغة العرب" 4/487.
([9]) "تقريب الوصول إلى علم الأصول", للجزري, ص 253.
([10]) أصول الدعوة ، عبد الكريم زيدان ، ط5 [ مصر : دار الوفاء ، 1412هـ ] ص447
([11]) المدخل إلى علم الدعوة ، محمد البيانوني ، ط1 [ بيروت :مؤسسة الرسالة ، 1412هـ ] ص282
[12] الدعوة, حمد بن ناصر العمار, ص149.
([13]) الصحاح" 1/167, مادة: "سلب".
([14]) "معجم مقاييس اللغة" 3/92, مادة: "سلب".
([15]) "التوقيف على مهمات التعاريف",للمناوي, ص 98.
([16]) "لسان العرب" 1/471, مادة: "سلب".
[17]) "الأسس النفسية لأساليب البلاغة العربية"، لمجيد ناجي، ص12.
([18]) "الأسلوب", لأحمد الشايب, ص 44.
([19]) "مقدمة ابن خلدون"، 2/ 1279.
([20]) "أسس الدعوة ووسائل نشرها" د. محمد عبد القادر أبو فارس, ص 90..
([21]) "منهج ابن تيمية في الدعوة" د. عبد الله رشيد الحوشاني 2/543..
([22]) "الأسلوب التربويّ للدعوة إلى الله في العصر الحاضر" خالد عبد الكريم خيّاط, ص 104.
([23]) "منطلقات الدعوة ووسائل نشرها", حمد حسن رقيط, ص 38.
([24]) المصدر السابق, وانظر: "منهج ابن القيم في الدعوة إلى الله تعالى" د. أحمد بن عبد العزيز الخلف, ص 289.
([25]) "مصطلحات في علم الدعوة الإسلامية" ص 5, معهد البحوث العلمية وإحياء التراث الإسلامي, جامعة أم القرى.
([26]) مجموع الفتاوى 15- 162
([27])"منهج ابن القيم في الدعوة إلى الله تعالى", ص 289
([28]) "مصطلحات في علم الدعوة الإسلامية" ص 5.
([29]) انظر: "ركائز الإعلام في دعوة إبراهيم عليه الصلاة والسلام", د. سيد ساداتي, ص 124, ومنهج ابن القيم في الدعوة, ص 290.
([30]) "منهج ابن القيم في الدعوة" ص 290.
([31]) انظر: "الأسس العلمية لمنهج الدعوة الإسلامية" أ.د/ عبد الرحيم المغذوي.
([32]) ويمكن تعريف الدعوة الفردية باعتبار المدعوين بأنها: "اتصال الداعية بالمدعو اتصالا مباشرا شخصيا" وهي ها هنا تقابل الدعوة الجماعية التي تكون في الخطب والمحاضرات, انظر: فقه الدعوة الفردية, د. علي عبد الحليم محمود, ص 19, والدعوة الفردية بين النظرية والتطبيق, لمحمد عبد الله الخطيب, ص 15.
([33]) "بين العمل الفردي والعمل الجماعى" لعبد الله علوان, ص 11.
([34]) سورة النحل, الآية 36.
([35]) رواه مسلم 4/1872, كتاب: فضائل الصحابة, باب: من فضائل علي بن أبي طالب س, رقم 2406.
([36]) الدعوة الإسلامية بين الفردية والجماعة, سليمان مرزوق, ص 80.
([37]) انظر: تفسير الطبري 3/385.
([38]) فتاوى العلم والدعوة إلى الله, ص 51.
([39]) انظر: الأسس العلمية لمنهج الدعوة الإسلامية, ص 454.
([40]) رقم الفتوى 18870 بتاريخ 11 / 6 / 1417 هـ
([41]) من شريط "أسئلة أبي الحسن المصري للشيخين ابن باز وابن عثيمين" مع التحذير من أبي الحسن
([42]) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة الجزء الرابع
([43]) "قواعد الأحكام" 1/112.
([44]) "مجموع الفتاوى" 27/177.
([45]) انظر: "مجموع الفتاوى" 11/620.
([46]) "الموافقات" للشاطبي 1/250.
([47]) "الموافقات" للشاطبي 1/250.
([48]) انظر: المدخل للبيانوني, ص 297

تم قراءة المقال 172 مرة