الاثنين 3 رجب 1447

في ظلال حديث «اعْلَمْ لَلَّهُ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَيْهِ»

كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

في ظلال حديث «اعْلَمْ لَلَّهُ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَيْهِ»
«اعْلَمْ أبا مسعود لَلَّهُ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَيْهِ» هي موعظة نبوية همس بها في أذن من استغل وضعه الاجتماعي ليظلم ويستعلي على من هم دونه، وليمارس تعسفا في استعمال سلطة منحت له بحكم الشرع، إنها موعظة خوطب بها رجل حر كان يضرب مملوكه بالسوط، فهو سيد حر بقدر الله تعالى وقد أعطي سلطة التأديب بشرع الله، ولكنه في تلك اللحظة كان غافلا عن نعمة الله عليه، فهو لم يختر أبويه وكان يمكن أن يولد عبدا مملوكا،  وكان غافلا عن رقابة الله تعالى، الذي منحه سلطة التأديب، فإنه جل جلاله عليم بحاله إن عاقب العبد وهو لا يستحق العقوبة، أو إن كان يستحقها لكنه تجاوز القدر المستحق، فجاءه الخطاب النبوي بكلمات موجزة بليغة (اعلم) إن لم تكن تعلم وتذكر إن كنت تعلم (لله أقدر عليك) أي أن الله القادر الذي لا يعجزه شيء، والقدير الذي منحك هذه هذه القدرة من جهة تسليطك على هذا العبد اجتماعيا هو أقدر عليك (منك عليه) أي من قدرتك على هذا العبد الضعيف، المعنى إن كنت تظلمه لأنك تقدر ولا يقدر فالله تعالى القدير أقدر ، وإن كنت تظلمه لأنك تسمى في مجتمعك سيدا وهو يسمى عبدا، فالله تعالى هو السيد المطلق وملك الملوك يملكك وما تملك وأنت له عبد. ولم يكن الصحابي رضي الله عنه الواقع في هذه الزلة جاهلا بما سمع ولا جاحدا ، ولكنها كانت ساعة نسيان للتفس وغفلة عن الله تعالى، ولذلك فإنه ما إن ذكر حتى ارتعدت فرائسه فقد (سقط السوط من يده) كما جاء في رواية، وإنه لما علم أنه قد ظلم غيره، وتذكر أن الرب الملك القدير قد حرم الظلم على نفسه، وأنه وعد المظلومين بنصرتهم على الظالمين، وأول ذلك بإجابة دعائهم الذي كشف دونه كل الحجب، سارع للتوبة بالندم على فعله ومحاولة جبر خطئه وتصحيحه حتى يرضى عنه المظلوم، فلم يجد أحسن من أن يعتقه لله ويمنحه الحرية، فلا شيء أحب إلى العبد من أن يصبح حرا، ولا شيء يرضيه وهو يعيش لحظات الظلم والذل والمهانة أن يعلن له بما يرفع عنه سبب ذلك الظلم والمهانة إلى الأبد، ولعله قد علم سلفا أن الرسول أمر بعتق العبد إذا ظلم وسماه كفارة، فحينها سارع الصحابي التائب إلى إعلان عتقه قبل أن يقدم عذره أو اعتذاره للرسول الكريم أو للعبد المظلوم، فضمن توبته وندمه واعتذاره في كلمة واحدة هي (هو حر لوجه الله) ، فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم مبينا أن ما فعله كان متعينا في حقه، فالظاهر أنه قد ظلمه ظلما كبيرا وضربه ضربا مبرحا، فقال له :"أما أنك لو لم تفعل للفحتك النار" لو لمستك النار، ومثل هذا الوعيد لا يستحق إلا على ما كان ظلما ولا شك، وسواء كان العتق كفارة أو كان سببا لرضا المظلوم وعفوه عن ظالمه، فقد عرف الصحابي الطريق إلى فك رقبته، وليعلن بعدها عن تحقق جميع أركان التوبة قال (لا أضرب مملوكا بعده أبدا) فاجتمع فيه الترك حيث ألقى السوط من بده والندم على فعله والسعي للتصحيح لنيل عفو المظلوم حيث سارع إلى عتقه لوجه الله ، وأخيرا صرح بالعزم على العود إلى مثل صنيعه.
اللهم إنا نعوذ بك من أن نزل أو نضل أو نظلم أو نظلم أو نجهل أو يجهل علينا.

الحديث بجميع ألفاظه ورواياته في صحيح مسلم 

تم قراءة المقال 9 مرة