قيم الموضوع
(0 أصوات)

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد فإنه لكثرة البدع والأخطاء في جنائز المسلمين اليوم، رأيت أن أكتب مقالات متعلقة بهذا الموضوع ، وقد جمعت في أولها أحكام تغسيل الميت وتكفينه، وكذا آداب من يقوم بذلك، ورتبتها في فقرات موجزة مع أدلتها، نسأل الله تعالى أن ينفع بها. 

 

33-صفة تغسيل الميت وتكفينه

 

تغسيل الميت

أولا : حكم تغسيل الميت

1-تغسيل الميت المسلم فرض كفاية، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأم عطية وهي تغسل ابنته زينب:« اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَاجْعَلْنَ فِي الْآخِرَةِ كَافُورًا فَإِذَا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِي» وفي رواية قَالَ:« ابْدَءُوا بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْهَا » وفيهاِ أَنَّ أُمَّ عَطِيَّةَ قَالَتْ:« وَمَشَطْنَاهَا ثَلَاثَةَ قُرُونٍ » (متفق عليه).

2-أما شهيد المعركة فلا يجوز تغسيله، لحديث جَابِرٍ أن النَّبِي صلى الله عليه وآله وسلم قال:« ادْفِنُوهُمْ فِي دِمَائِهِمْ يَعْنِي يَوْمَ أُحُدٍ وَلَمْ يُغَسِّلْهُمْ» (رواه البخاري).

3-أما الشهيد شهادة حكمية كالهدمى والغرقى ومن قتل دون ماله وعرضه، فإنه يجب تغسيلهم وتكفينهم والصلاة عليهم .

4-والسقط (الجنين) إن تم له أربعة أشهر فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن في المقابر المسلمين، وإلا فلا يشرع ذلك ويدفن في أي مكان من الأرض، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم :« وَالسِّقْطُ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُدْعَى لِوَالِدَيْهِ بِالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ » (أبو داود وصححه الألباني)، وهو مقيد بحديث ابن مسعود:« إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه» (متفق عليه)، وفيه أن نفخ الروح يكون إذا تم للجنين أربعة أشهر.

ثانيا : صفة تغسيل الميت

1-يجعل الميت في مكان مستور لا يحضره إلا من يباشر تغسيله ومن يساعده.

2-ويوضع عل سرير (مغسل) مرتفع عن الأرض حتى لا يعلق به شيء من الأذى، ويكون أيضا مائلا حتى يسيل الماء .

3-ثم يجرد من ثيابه بعد أن يوضع على عورته ساتر حتى لا يراها أحد.

4-ويلف الغاسل يده في خرقة حتى لا يلمس عورة الميت، فينجيه وينظفه.

5-ولا بأس بأن يعصر بطنه من الجهة اليسرى عصرا خفيفا حتى تخرج النجاسة التي تكون على وشك الخروج.

6-ثم يلف خرقة أخرى مبلولة بالماء يمسح بها داخل فمه وأنفه عوضا عن المضمضة والاستنشاق .

7-ثم يغسل وجهه ثم يديه اليمنى ثم اليسرى ثم رجليه.

8-ثم يغسل رأسه وأذنيه ، ومن كان شعره مضفورا فينبغي نقضه.

9-ثم يغسل سائر جسده ويبدأ بالشق الأيمن .

10-ويجعل في الماء منظفا من سدر أو صابون.

11-ويسن أن يجعل غسله وترا (ثلاث مرات أو أكثر).

12-ويجعل في الغسلة الأخيرة كافورا، فإن لم يجد فغيره من الطيب.

13-ولا ينبغي تقليم أظافر الميت ولا قص شاربه إلا إذا طالت طولا فاحشا.

14-ثم ينشفه، ويسرح شعره إن لم يؤد إلى نتفه .

15-ويجعل شعر المرأة ثلاثة ضفائر تلقى خلفها ، ولا يتقصد سدله بين ثدييها فإن ذلك من البدع.

16-ومن تعذر غسله تماما لكثرة الحروق أو نزيف الدماء ييمم، ومن أصيبت بعض أعضائه يغسل ما سلم من جسده .

ثالثا : عورة الميت

1-ويتولى تغسيل الرجل الرجال وتغسيل المرأة النساء، ولا يجوز كشف عورة الميت ، قَالَ صلى الله عليه وآله وسلم:« لَا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ، وَلَا الْمَرْأَةُ إِلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ » (رواه مسلم).

2-وعورة الرجل بالنسبة للرجل ما بين السرة والركبة، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم:« ما بين السرة والركبة عورة» وقوله :« الفخذ عورة ».

3-وعورة المرأة بالنسبة للمرأة هي كعورتها مع محارمها (كلها عورة إلا الرأس والرقبة وأعلى الصدر والذراع ونصف العضد والقدم وأسفل الساق) لقوله تعالى: (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ ) (النور:31). ولقول أم عطية دخل علينا النبي صلى الله عليه وآله وسلم ونحن نغسل ابنته زينب فقال:« اغسلنها ثلاثا » الحديث.

4-وعورة الصبي والصبية ما داما لم يُشتهيا: القبل والدبر، ثم تتغلظ بعد ذلك إلى عشر سنين، ثم تكون كعورة البالغين.

5-وقال بعض الفقهاء إذا لم يبلغ الصبي سن السابعة فلا عورة له، فيجوز لوالديه أو أقاربه تغسيله سواء كان ذكرا أو أنثى .

6-ويجوز للرجل أن يغسل زوجته وللزوجة أن تغسل زوجها.

لقول عائشة رضي الله عنها :« لَوْ كُنْتُ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا غَسَّلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم غَيْرُ نِسَائِهِ » (رواه أبو داود وصححه الألباني). وقوله صلى الله عليه وآله وسلم لعائشة :« مَا ضَرَّكِ لَوْ مِتِّ قَبْلِي فَقُمْتُ عَلَيْكِ فَغَسَّلْتُكِ وَكَفَّنْتُكِ وَصَلَّيْتُ عَلَيْكِ وَدَفَنْتُكِ » (رواه ابن ماجة وصححه الألباني).

 

تكفين الميت

أولا : وجوب تكفين للميت

1-تكفين الميت فرض كفاية، قال صلى الله عليه وآله وسلم في المحرم الذي وقصته الناقة:« اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه » (متفق عليه).

2-وتكاليف ذلك من مال الميت ولو لم يخلف غيره، فإن لم يكن فمن مال من تلزمه نفقته، فإن لم يكن فمن بيت المال، فإن لم يكن فمن مال عموم المسلمين.

3-ويجب في الكفن أن يكون طويلا سابغا يستر جميع بدنه، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم :« إِذَا كَفَّنَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُحَسِّنْ كَفَنَهُ» (رواه مسلم).

4-فالواجب في الكفن أن يكون ثوبا يستر جميع البدن، سوى رأس المحرم ووجهه ووجه المحرمة، لحديث ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَجُلًا أَوْقَصَتْهُ رَاحِلَتُهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَمَاتَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم : «اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ وَلَا وَجْهَهُ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا» (رواه مسلم).

5-وشهيد المعركة يدفن في ثيابه التي قتل فيها ، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم في قتلى أحد : «زملوهم في ثيابهم ». ويستحب تكفينه بثوب واحد أو أكثر فوق ثيابه، لحديث خباب بن الأرت قَالَ:«هَاجَرْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم نَلْتَمِسُ وَجْهَ اللَّهِ فَوَقَعَ أَجْرُنَا عَلَى اللَّهِ، فَمِنَّا مَنْ مَاتَ لَمْ يَأْكُلْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا مِنْهُمْ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَمِنَّا مَنْ أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ فَهُوَ يَهْدِبُهَا قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ فَلَمْ نَجِدْ مَا نُكَفِّنُهُ إِلَّا بُرْدَةً إِذَا غَطَّيْنَا بِهَا رَأْسَهُ خَرَجَتْ رِجْلَاهُ وَإِذَا غَطَّيْنَا رِجْلَيْهِ خَرَجَ رَأْسُهُ، فَأَمَرَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ نُغَطِّيَ رَأْسَهُ وَأَنْ نَجْعَلَ عَلَى رِجْلَيْهِ مِنْ الْإِذْخِرِ» (متفق عليه).

6-وكذا المحرم يكفن في ثوبيه (ثوبي الإحرام)  لقوله صلى الله عليه وآله وسلم في الذي وقصته الناقة : «وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ » (رواه مسلم).

ثانيا : صفة الكفن

1-ويستحب في الكفن أن يكون أبيض، لحديث ابْنِ عَبَّاسٍ قال قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم : «الْبَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمْ الْبَيَاضَ فَإِنَّهَا مِنْ خَيْرِ ثِيَابِكُمْ وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ » (رواه الترمذي وأبو داود ).

2-وأن يكون ثلاثة أثواب (لفائف من قماش) لحديث عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم كُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ يَمَانِيَةٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ مِنْ كُرْسُفٍ لَيْسَ فِيهِنَّ قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ (متفق عليه) سحول مدينة في اليمن والكرسف القطن.

3-وذلك للرجل والمرأة وهو ما رجحه الألباني والعثيمين، أما حديث لَيْلَى بِنْت قَانِفٍ الثَّقَفِيَّة الذي فيه تكفين المرأة في خمسة أثواب فحديث ضعيف ضعفه الألباني وغيره ، قال العثيمين :« والأصل في أحكام النساء أنها مثل أحكام الرجال إلا ما دل الدليل الصحيح على الاختلاف فيه ».

4-توضع اللفائف واحدة فوق الأخرى، ويوضع الميت عليها ، ثم يرد طرف اللفافة العليا على جانبه الأيمن، ثم على جانبه الأيسر ، ثم اللفافة الوسطى ، وكذلك الأخيرة ، ثم يعطفها جميعا على رأسه ورجليه ويعقدها حتى يوضع في القبر.

5-ويستحب تبخيره وتطييبه، لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم :« إِذَا أَجْمَرْتُمْ الْمَيِّتَ فَأَجْمِرُوهُ ثَلَاثًا »  (رواه أحمد وصححه الألباني)، إلا المحرم لقوله  صلى الله عليه وآله وسلم في الذي وقصته الناقة :« ولا تطيبوه ».

6-ولا ينبغي تفصيل الكفن على شكل قميص أو سروال ، فإن ذلك خلاف السنة، ويدل على ذلك حديث عائشة رضي الله عنها:« لَيْسَ فِيهِنَّ قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ ».

7-ولا يجوز المغالاة في الكفن ولا ينبغي الزيادة على الثلاثة لأنه خلاف السنة، وفيه إضاعة للمال، قال صديق حسن خان :« وليس تكثير الأكفان والمغالاة في أثمانها بمحمود، فإنه لولا ورود الشرع به لكان من إضاعة المال، لأنه لا ينتفع به الميت، ولا يعود نفعه على الحي، ورحم الله أبا بكر الصديق حيث قال:" إن الحي أحق بالجديد " لما قيل له عند تعيينه لثوب من أثواب كفنه :"إن هذا خلق" ».

ثالثا : آداب من يغسل الميت ويكفنه

1-ينبغي أن يتولى تغسيل الميت أعرف الناس بأحكام التغسيل والتكفين من الأقارب أو غيرهم .

2-وأولاهم هو وصيه إن أوصى بذلك، وقد أوصى أبو بكر أن تغسله زوجته أسماء بنت عميس وأوصى أنس أن يغسله ابن سيرين رضي الله عنهم أجمعين.

3-ينبغي أن يستر على الميت ولا يحدث إذا رأى مكروها –إلا إذا كان فيه مصلحة كالتنفير من البدع وكبائر الذنوب-، ويبشر بما رأى من خير وينشره.

4-ينبغي أن يكون المغسل محتسبا في تغسيله يبتغي وجه الله تعالى، فلا يشترط أجرا مقابل تغسيله .

5-ويستحب لمن غسل ميتا أن يغتسل، قال ابن عمر رضي الله عنهما: «كنا نغسل الميت فمنا من يغتسل ومنا من لا يغتسل ».

6-وينبغي أن يسرع في تجهيز الميت ودفنه، والتأخير خلاف ما أمر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال:« أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ فَإِنْ تَكُ صَالِحَةً فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا وَإِنْ تَكُ سِوَى ذَلِكَ فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ» (متفق عليه) وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

تم قراءة المقال 5569 مرة