الأحد 2 شعبان 1435

66-أضرار الرشوة وهدايا العمال

كتبه 
قيم الموضوع
(24 أصوات)

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد فإن من الظواهر الخطيرة التي تنخر جسد أمتنا في هذه الأيام ظاهرة الرشوة، التي تعد من أسباب ضياع الأمن وفشو الفساد وتسلط الأعداء، تلك الظاهرة التي يعلم المسلمون كلهم تحريمها وأنها من كبائر الذنوب، لكن حب المال والركون إلى الدنيا أعمى بصائر كثير منهم، فتجرؤوا على دفعها وقبولها، وصار كثير منهم يسميها بغير اسمها، ففعلوامع الرشوة ما أخبر به النبي eأن طوائف من أمته تفعله معالخمر في آخر الزمان، والمقصود بهذه المقالة التذكير بخطرها على الأفراد والأمة وتوضيح حقيقتها الشرعية، وأشياء من معانيها قد غفل عنها بعض الناس، وكذلك الحديث عن سبيل مكافحتها.

66-أضرار الرشوة وهدايا العمال

تعريف الرشوة وحكمها

   الرشوة هي: ما يدفعه ظالم لأخذ حق ليس له، أو لتفويت حق علي صاحبه انتقاما منه ومكرا به، أو للحصول علي منصب ليس أهلا به، أو عمل ليس هو كفؤا له.

وقد دل على تحريمها :

1- قوله تعالى : (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (البقرة:188) أي : لا تصانعوا بأموالكم الحكام ولا ترشوهم ليقتطعوا لكم حقا لغيركم وأنتم تعلمون أنه لا يحل لكم.

2-وقوله: ( لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) (المائدة:63) والسحت المال الحرام ومنه في كلام المفسرين "الرشوة".

3-عن عبد الله بن عمرو قال:« لعن رسول الله eالراشي والمرتشي» (رواه أبو داود والترمذي وصححه)، فعقوبة الراشي والمرتشي في الآخرة وهي اللعن والطرد من رحمة الله، وذلك لما في الرشوة من ظلم واستغلال لأموال الناس بدون وجه حق، ومن أخذ حق غيره إنما يأخذ قطعة من النار كما قال e: «فَمَنْ قَطَعْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلاَ يَأْخُذْهُ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ بِهِ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ»(رواه مسلم). قال e:«إن رجالا يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة» (رواه البخاري).

4-والرشوة سبب للفضيحة يوم القيامة، فقد قال eفيمن يأخذ الهدية من عمال الإدارة:«وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْهُ شَيْئًا إِلَّا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ أَوْ شَاةً تَيْعَرُ ثم رفع يديه، وقال: اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ ثَلَاثًا» (متفق عليه). وكما تكون سببا للفضيحة يوم القيامة فإن كثيرا من أهلها تجعل لهم هذه العقوبة في الدنيا، فتجرح كرامتهم وتسقط عدالتهم، وتمقتهم القلوب وتنال منهم الألسنة، ويشار إليهم بالبنان، وربما يفقد أحدهم وظيفته فيفتقر بعد غناه ويذل بعد عزه.

أضرار الرشوة

إن الله تعالى لا يحرم شيئا إلا وكان في ذلك جلبا للمصالح ودرءا للمفاسد، ورفعا للظلم وحفاظا على الحقوق، وإن المتأمل في هذه الرشوة المستفحلة يجد مفاسدها كثيرة وظاهرة للعيان وهي مما يتفق العقلاء أنها ظلم وفساد، ومنها:

1-هلاك الأمم وزوال الدول: وذلك أن الرشوة من الظلم، والظلم عاقبته معجلة في الدنيا، قالe:«إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته»، ثم تلا النبي eقوله تعالى: (وَكَذَلًكَ أَخْذُ رَبًّكَ إًذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهًيَ ظَالًمَة إًنَّ أَخْذَهُ أَلًيم شَدًيد) (متفق عليه) ومن أقبح آثار الرشوة وغيرها من المعاصي في المجتمعات ظهور الرذائل وانتشارها، واختفاء الفضائل، وظلم بعض أفراد المجتمع فيما بينهم للبعض الآخر بسبب التعدي على الحقوق بالرشوة والسرقة والخيانة والغش في المعاملات وشهادة الزور ونحو ذلك من أنواع الظلم والعدوان.

2-تضييع الأمانة وتوسيد الأمر إلى غير أهله، حيث أن انتشار الرشوة سيخل بمعايير انتقاء المسؤولين ويؤدي إلى تبديد طاقات الأمة، وتغييب الاعتماد على الكفاءة في توزيع المناصب والوظائف، الأمر الذي سيورث حتما فقدان الثقة في المؤسسات، وتعميق الهوة بين الحكام وعموم الأمة.

3-تدمير الأخلاق في المجتمع حيث تتسبب الرشوة في انتشار روح الأنانية وتغييب مبدأ التعاون على البر والتقوى، بل تؤدي إلى فقدان الحماسة والجدية في العمل والإحسان فيه، وانتشار الملل واللامبالاة والإهمال والشعور بالإحباط، الأمر الذي سيؤدي حتما تدني الإنتاج كمًا ونوعًا.

5-تحويل مقدرات الأمة إلى قبضة الراشين والمرتشين، يسخرونها لمصالحهم الخاصة، وفتح باب التلاعب بالمشاريع الاقتصادية الكبرى للأمة والانحراف بسياستها، وأكثر من ذلك فهي تعرض الأمن القومي للبلاد للخطر.

6-الرشوة تخل بميزان العدالة وتفسد منهج الحكم والقضاء، وتعطي الفرصة لكل مبطل ليتمادى في باطله؛ فتسلب الأموال وتنتهك الأعراض وتسفك الدماء بدون رادع أو خوف من العقاب؛ ويحتمي كل مجرم بحمى الرشوة، وإذا ضاع العدل في أمة فإنها مصيرها إلى الزوال.

‏7-والرشوة تتسبب في كوارث لا حد لها، فهي السبب في انهيار الجسور والعمارات، وهي سبب استيراد الأغذية الفاسدة والأدوية المنتهية الصلاحية، وغيرها من المواد التي لها آثار سلبية على الأفراد والمنشآت.

تحريم هدايا العمال والموظفين

   قد حرم الرسول e هدايا العمال والموظفين في الإدارة، فقال e:« هدايا العمال غلول» (رواه أحمد وصححه الألباني)، وقال رسول الله e:«فَإِنِّى أَسْتَعْمِلُ الرَّجُلَ مِنْكُمْ عَلَى الْعَمَلِ مِمَّا وَلاَّنِى اللَّهُ، فَيَأْتِي فَيَقُولُ هَذَا مَالُكُمْ وَهَذَا هَدِيَّةٌ أُهْدِيَتْ لِي. أَفَلاَ جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ حَتَّى تَأْتِيَهُ هَدِيَّتُهُ»(متفق عليه). ومن أسباب هذا التحريم:

1- أن هذه الهدايا أكل أموال الناس بالباطل، لأن العامل يأخذ أجره على عمله من الجهة التي وظفته فبأي حق يأخذ هذه الهدية، وقال e: "مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ عَلَى عَمَلٍ فَرَزَقْنَاهُ رِزْقًا فَمَا أَخَذَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ غُلُولٌ"(رواه أبو داود)، والغلول الخيانة.

2-وأنها تفتح باب الاختلاس من مال المؤسسات والمال العام، حيث يزعم كل عامل مختلس إذا افتضح أمره أن ما أخذه هو من حقه وأنه هدية أهديت له.

3-وأنها تؤثر على نفس العامل والمدير والقاضي، مما يجعله يحابي في عمله ويفضل أصحاب الهدايا ويؤثرهم على من هو أولى منهم، أو يتقن عمله معهم دون غيرهم، وقد روي عن عمر بن عبد العزيز أنه اشتهى يومًا التفاح فلم يجد ما يشتري به، وبينما هو سائر مع بعض أصحابه أهديت إليه أطباق من التفاح؛ فتناول واحدة فشمها ثم رده إلى مهديه، وقال:«لا حاجة لي فيه»، فقيل له: إن رسول الله eكان يقبل الهدية، وأبو بكر وعمر! فقال: «إنها لأولئك هدية وهي للعمال رشوة».

4-وكذلك الهدايا تفتح الباب لأخذ الرشوة الصريحة، إذ كثير من الموظفين لما تعودوا على قبض الهدايا أصبحوا يتماطلون في أداء كثير من واجباتهم أو يحجبون حقوقا عن أهلها؛ حتى ينالوا ما تعودوا عليه من هدايا.

الفرق بين الهدية المشروعة والرشوة

   وهنا يتساءل بعض الناس عن الفرق الهدية المشروعة والرشوة والهدية الممنوعة فيقال إن الهدية مبنية على الجود والكرم وطيب نفس ولا شرط في بذلها، بخلاف الرشوة فهي مشروطة بعوض غير شرعي، وهو إما عمل منهي عنه، أو أداء واجب متعين. ومن تحير ولم تتميز له الأمور ذُكِّر بقول النبي e:« والإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس»(مسلم). وبقوله e:« إن الحلال بين وإن الحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام»(متفق عليه).

علاج ظاهرة الرشوة

1-لا بد أن يجتمع الناس على مقاطعة هؤلاء المرتشين، بمعنى الامتناع عن دفع الرشوة مهما كانت الظروف والأسباب مع الصبر والاحتساب، لأن أهم أسباب وجود الآخذين للرشوة والقابلين لها وجود الدافعين لها.

2-ومن واجب كل من ابتلي بهم أن يقوم بواجب تغيير المنكر بحسب الإمكان، والتعاون مع الهيئات المؤهلة لذلك من شرطة ودرك وهيئات التفتيش ومكافحة الفساد، كما يجب أيضا على الموظفين النزهاء أن ينصحوا زملائهم، وأن يكرروا النصح لهم، ثم التبليغ عنهم إن تمادوا في غيهم وضلالهم.

3-أن ننبذ حب الذات "الأنانية"، ونستشعر الأخوة الإيمانية، فمن رأى نفسه مضطرا فليعلم أن له إخوانا كثيرين في مثل حاله أو أسوأ، وإذا كان هو قادرا على دفع الرشاوي، فغيره سيبقى محروما لأنه غير قادر عليها، أو لا يستجيز دفعها. وقد قال النبي e :« لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» (متفق عليه)

4-وعلى وسائل الإعلام المختلفة أن تشيد بالهيئات المكافحة للفساد، وأن تتابع قضايا الرشوة في المحاكم وتشهر بها ترهيبا للناس من هذه الظاهرة، وأن تكشف للرأي العام عن الإدارات والأماكن التي توجد فيها هذا المرض لتتحرك الجهات المسؤولة ولإحراج المتكاسلين عن أداء واجبهم أو الخائفين المتخاذلين.

5-على ولاة الأمور أن يسلطوا العقوبات القاسية؛ ضد كل من يثبت عنه بالدلائل القاطعة استغلال منصبه في المؤسسات الرسمية وأجهزة الدولة لحسابه الخاص، وأول هذه العقوبات الفصل النهائي من عمله، ومصادرة الأموال التي اكتسبها من الرشوة والنماء الناتج عنها ليكون عبرة لغيره. وقد قال عثمان t: «إن الله يزع بالسلطان ما يزع بالقرآن» ، أي قوة السلطان هي الدواء من لم ينفعه وعظ القرآن وتذكيره.

6-الحرص على الاختيار السليم والتحري في كل من يسند إليه منصب يتعرض أهله لإغراءات الرشوة؛ نحو مسؤولي المحاسبة والمخازن والوسائل العامة، ومنحهم أجورا تتناسب مع حجم مسؤوليتهم.

7-وكذا على الأئمة والوعاظ أن يكثروا من تذكير الناس بفناء الدنيا وما فيها من أموال وبيوم الحساب، وسرد الوعيد الوارد في أكل المال الحرام والظلم عموما، والوارد في الرشوة خصوصا من فوق المنابر وعلى صفحات الجرائد والمواقع الإلكترونية، وكل ما هو متاح لهم من وسائل الإعلام .

8-ضرورة وضع دروس في البرامج التعليمية تشرح فيها مفاسد الرشوة على الفرد والمجتمع وعاقبة أهلها في الدنيا والآخرة، وأخرى لبيان خطر أكل المال الحرام، ودروس في العقيدة يعرف فيها النشء بأن رزقه مقدر له قبل أن يولد، وأن الرشوة وأكل أموال الناس بالباطل لن يزيد في ماله ورزقه شيئا.

   وليتذكر العبد المسلم وهو يسمع الحديث عن الرشوة قول النبي e:« أيها الناس اتقوا الله و أجملوا في الطلب فإن نفسا لن تموت حتى تستوفي رزقها وإن أبطأ عنها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب خذوا ما حل ودعوا ما حرم »(رواه ابن ماجة وصححه الألباني) فلن يزيد أحد في رزقه بتتبع الحرام ولا بدفع الرشا أو أخذها، كما أنه لن ينقص من رزق أحد لأن الله تعالى يقول : (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ) (الذاريات/22)، والدنيا دار امتحان وبلاء فمن صبر نال ما عند الله عز وجل، وإن ما عند الله لا ينال بالحرام

تم قراءة المقال 16727 مرة