قيم الموضوع
(1 تصويت)


     الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد فإن السحر آفة خطيرة وداء عضال ، وخطره على الأفراد والجماعات واضح ومتحقق، فهو عامل من عوامل تفكك الأسر والتفريق بين الأحبة وإشعال نار الفتن بينهم، ومعول يهدم صرح الأخوة والمحبة التي بناها الإسلام، ويزرع مكانها الحقد والكراهية، كما أنه يزرع الشكوك ويسلب الثقة من نفوس الناس، وفشوه في مجتمع ما دليل على بلادة أهله وانتشار التخلف الفكري وسيطرة الرجعية الحقة فيه، ونذارة شر عام مستطير، لأن السلطة تكون في مثل هذا المجتمع لأصحاب النفوس الخبيثة والطباع الشريرة . وفيما يأتي  نصيحة وتعليم لمن جهل أحكامه، وتذكير لمن غفل عنها، والله نسأل أن يهدينا سبل السلام وأن يجنبنا طرق الضلال .

 

11-مسائل في السحر والكهانة

 

1-تعلم السحر والعمل به كفر بالله تعالى

    قد حرم الشرع الحكيم السحر تحريما قاطعا، وجعل تعاطيه تعلما وتعليما من أسباب الردة والخروج من الإسلام والخلود في جهنم ، هذا قول جمهور العلماء، قال ابن المواز: ومن قول مالك وأصحابه أن الساحر كافر بالله فإذا سحر هو بنفسه فإنه يقتل ولا يستتاب والسحر كفر "، ومن الأدلة على كفر الساحر قوله تعالى : (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) (البقرة:102) وذلك من ثلاثة أوجه.

الأول : أن الله تعالى نفى الكفر عن سليمان وأثبته لمن علَّم السحر، وهم الشياطين فدل على أن تعليم السحر هو سبب كفرهم.

الثاني: تحذير الملكين لمن يريد تعلُّمه بأنه سيكفر، فذلك يدل أن تعلمه أيضا كفر قبل أن يعمل به .

الثالث : أنه حكم على من اشتراه أي تعلمه بعدم الخلاق، وهو النصيب في الآخرة، ومعنى هذا أن عمله حابط باطل يوم القيامة ولا يحبط جميع الأعمال إلا الكفر بالله تعالى .

2-الساحر كافر ولو أقر بتحريمه 

   قال ابن قدامة :" ويكفر الساحر بتعلمه وفعله سواء اعتقد تحريمه أو إباحته". وذلك أن من الأعمال ما هو كفر صريح بنص القرآن أو السنة وليس في رتبة المعاصي التي تدل على ضعف الإيمان، ولكنها تدل على عدم الإيمان كلية كسَبِّ الله تعالى والسجود للصنم والاستهزاء بالدين، ومن هذه الأعمال تعلم السحر والعمل به، ذلك أن تأثير السحر يكون بفعل الشياطين، وتلك الطلاسم التي لا تفهم إنما هي تمجيد للشيطان وعبادة له، وكذلك لا ينال الإنسان رتبة الساحر إلا بعد أن يقوم بأعمال شركية شنيعة، كالسجود لغير الله، والذبح للجن، وإهانة للقرآن بوضعه في النجاسة والمشي فوقه وغير ذلك، قال ابن خلدون :"ورياضة السحر كلها إنما تكون بالتوجه إلى الأفلاك والكواكب والعوالم العلوية والشياطين بأنواع التعظيم والخضوع والتذلل فهي لذلك وجهة إلى غير الله وسجود له والوجهة إلى غير الله كفر ولهذا كان السحر كفرا".

3-عقوبة الساحر في الإسلام

   وعقوبة الساحر في حكم الإسلام هي القتل، لأن الساحر مرتد خارج عن الإسلام ، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم:"من بدل دينه فاقتلوه " رواه البخاري ، والساحر من المفسدين المحاربين لله ولرسوله ، وقد قال تعالى :(إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) (المائدة:33). وقد عمل بهذا الحكم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فعن الأحنف بن قيس أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إليهم بكتاب قبل موته بسنة :"اقتلوا كل ساحر" رواه أبو داود بإسناد صحيح ، وعن أم المؤمنين حفصة:" أنها أمرت بقتل جارية لها سحرتها « رواه مالك بلاغا ووصله البيهقي بإسناد صحيح، وعن جندب قال : "حد الساحر ضربة بالسيف " رواه الترمذي وصححه.

4-الساحر لا تقبل توبته في الدنيا

   وقد اختلف الفقهاء هل تقبل توبة الساحر بعد القبض عليه واكتشاف أمره ، والصحيح أنه لا تقبل ويقام عليه الحد، لأن الساحر من المفسدين الذين يحاربون دين الله تعالى، وقد قيد الله تعالى نفي العقوبة عنهم بالتوبة قبل أن يقدر عليهم، فقال : (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (المائدة:34). قال أبو حنيفة :"يقتل ولا يستتاب، ولا يقبل قوله إني أترك السحر وأتوب منه "، وقال نحوه الإمام مالك.

   ولا يلي قتله إلا السلطان ، لأن تنفيذ الحدود إنما يكون لمن له السلطان ، حفاظا على النظام وصيانة للمجتمع من الفوضى .

5-حكم من يذهب إلى الساحر ليستعين به

وأما من يذهب إلى الساحر ليستعين به فيكفر في أحوال منها:

-إذا استحل السحر واعتقد جوازه.

-وإذا صدقه في خبره المتعلق بالغيب .

-وإذا ردد تلك الطلاسم الكفرية بنفسه .

-وإذا قام بأعمال شركية كالذبح للجن ونحو ذلك.

ومن سلم من ذلك فقد أتى كبيرة من أعظم الكبائر ، ويستحق على ذلك العقوبة في الدنيا والآخرة ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:"اجتنبوا السبع الموبقات" وذكر من ضمنها السحر (متفق عليه)، والموبقات هي المهلكات، وفي الحديث :" ليس منا من تطير أو تطير له أو تكهن أو تكهن له ، أو تسحر أو تسحر له " رواه البزار وصححه  الألباني، ومذهب مالك فيمن ذهب إلى الساحر أنه يضرب ضربا موجعا ، وخص حكم القتل بمن عمل السحر بنفسه فقال : »فأرى أن يقتل ذلك إذا عمل ذلك بنفسه «.

ويقتل المستعين بالساحر كذلك إذا قتل بسحره، فيكون ذلك من باب القصاص، لأنه لا فرق بين من قتل بالسلاح أو السم أو السحر.

6-كيف يحل السحر؟؟

   ويقال لمن ابتلي بالسحر إن الله ما خلق داء إلا خلق له دواء، وقد قال صلى الله عليه وسلم:" لكل داء دواء " رواه مسلم، والذي ليس له علاج هو الموت الذي لا مفر منه، أما غيره من الأمراض فله علاجه ومما يعالج به السحر:

-القرآن الكريم -كلام الله تعالى- فقد ثبت في الصحيح أن يهوديا سحر النبي e فرقى نفسه بالمعوذتين سورة الفلق وسورة الناس، بل ثبت في الصحيح أن أبا سعيد الخدري رقى رجلا لسعته عقرب بفاتحة الكتاب، وقد قال تعالى : (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) (الإسراء:82)" فهو شفاء من أمراض القلوب من شبهات وشهوات وشفاء لأمراض الأبدان .

-الأدعية المأثورة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، منها قول المريض "بسم الله ثلاث مرات، أعوذ بالله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر سبع مرات ، مع وضع يمناه على موضع الألم .

-استعمال ما علم نفعه من أدوية وأعشاب كأوراق السدر وزيت الزيتون وكذا الحجامة.

ولا يعتبر سحرا أو شعوذة محرمة إلا ما كان فيه مخالفة صريحة للشرع، أو كان فيه كلام غير مفهوم، أو أعمال غريبة غير معقولة المعنى .

7-استعمال السحر لأغراض حسنة

   ومادام السحر كله كفرا بالله تعالى فإنه لا يجوز تعاطيه، ولا عبرة بقصد أهله، ولو زعم أن قصده حسن كحل السحر بالسحر وكتابة الحُجُب والتمائم ونحوها، وقد سئل رسول الله e عن النشرة -وهي حل السحر بالسحر- فقال:» هي من عمل الشيطان« رواه أحمد بإسناد صحيح ، قال الدردير من متأخري المالكية : "وأما إبطاله فإن كان بسحر مثله فكذلك (أي كفر) وإلا فلا " .

وهو كفر ولو زعم فاعله أنه يستعمله لتأليف القلوب وفض النزاعات، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الرقى والتمائم والتولة شرك ". رواه أبو داود وصححه الألباني. والمقصود بالرقى الرقى الشركية والمجهولة المعنى، والتِّولة هو سحر المحبة والتأليف. فالسحر كفر بالله تعالى سواء استعمل في الخير أو الشر، لأنه عبادة للشيطان.

8-والكاهن في حكم الساحر

والكهانة ضرب من ضروب السحر، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم:" من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر " رواه أبو داود وحسنه الألباني، والتنجيم والعرافة والكهانة كلمات متقاربة المعنى تدور في فلك إدعاء علم الغيب، ومن زعم علم الغيب فهو كافر سواء زعم أن النجوم أخبرته أو استعمل خط الرمل أو الفنجان أو غير ذلك، لأنه مكذب لقوله تعالى: (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) (النمل:65) وغيرها من الآيات، ولأنه في الأحوال كلها مستعين بالجن التي لا تلبي له طلبه إلا بعبادته لها، ومنه فالكاهن لا يختلف حاله عن الساحر حكما وعقوبة.

9-حكم من صدق الكهان فيما يقولون

   قد جاء الوعيد الشديد في حق من ذهب إليهم ولو لم يصدقهم فقال صلى الله عليه وسلم:" من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يوما " رواه مسلم . والوعيد أشد فيمن صدقه وبنى على خبره حيث قال صلى الله عليه وسلم:" من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم"، رواه أبو داود وصححه الألباني ، والكفر هنا كفر أكبر -كما في التعليق المفيد لابن باز (151)-.

10-حكم قراءة l”horoscope الأبراج

   ومما سبق يعلم أنه لا يجوز قراءة ما يكتب في بعض الجرائد من حظ الناس حسب الأبراج ، لأنه نوع من أنواع الكهانة ، يحرم على المسلم الاطلاع عليها ولو كان على سبيل الفضول أو المزاح ، من غير تصديق لها ، بل وينبغي عليه أن يجتنب شراء الجرائد التي تحوى مثل هذه الشركيات.

11-لماذا يتحقق بعض ما يقوله الكهان
    وقد يصدق هؤلاء المدعين فيما يقولون ، ولكن الغالب عليهم هو الكذب ، والسر في إصابتهم قد أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم  لما قال عنهم :" ليسوا بشيء" فقيل له يا رسول الله فإنهم يحدثون أحيانا الشيء يكون حقا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني فيقرها في أذن وليه قر الدجاجة فيخلطون فيها أكثر من مائة كذبة " متفق عليه، وكونهم قد يصدقون بإخبار الجني الذي يسترق السمع من السماء الدنيا لا ينفي عنهم الكفر بل يؤكده والله تعالى أعلم.

تم قراءة المقال 4824 مرة