الأحد 8 ربيع الأول 1431

أضواء على حياة الشيخ أبي يعلى الزواوي الجزائري

كتبه 
قيم الموضوع
(2 أصوات)

   إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

أما بعد: فهذه ترجمة للشيخ أبي يعلى الزواوي رحمه الله تعالى كنت قد اختصرتها من بحث مطول حول شخصه وفكره الإصلاحي وعجَّلت بنشرتها في صفحات جريدة البصائر الأسبوعية ، وذلك بقصد التعريف به أولا ولتوجيه نداء لمن عرفه عن قرب أن يكتب عنه وأن يساهم في التعريف به ثانيا، خاصة أن جوانب كثيرة من حياته لا تزال غير معروفة، وأن مؤلفاته أكثرها يجهل مصيره والمطبوع منها قلَّ من يمتلكه، فوجهت فيه دعوة إلى إظهار آثاره وإعادة طبعها، ولا سيما تلك التي تعالج قضايا لا تزال مطروحة إلى يومنا هذا، ونقلت فيها قول أحد الفضلاء حيث قال :" وإننا ندعو أهل الشيخ أبي يعلى وذويه وأقربائه والمطلعين على آثاره أن لا يجمِّدوا هذا التراث العظيم الذي خلفه الفقيد الجليل ، لأنه تراث لا يقبل التحنيط، وللمكتبة العربية الحق في أن تمتلك هذه الأسفار وللناس الذين لا يعرفون المؤلف ألف حق في الإطلاع عليها …فهل من مجيب ؟". وقد اقترح علي من اطلع على تلك الترجمة المختصرة أن أنشرها بين الشباب خدمة للدعوة ونصرة للحق وأهله فلم أمانع في ذلك وهيئتها بعد تغيير مقدمتها وإضافة يسيرة في مضمونها، ونسأل الله تعالى أن ينفع بها وأن يوفقنا للإخلاص في القول والعمل.

 

أضواء على حياة الشيخ أبي يعلى الزواوي الجزائري

 

نشأة أبي يعلى وتكوينه

   أبو يعلى الزواوي هو السعيد بن محمد الشريف بن العربي من قبيلة آيت سيدي محمد الحاج الساكنة في إغيل زكري من ناحية عزازقة بمنطقة القبائل الكبرى أو زواوة، وينسب إلى الأشراف الأدارسة ، ولد حوالي عام 1279 الموافق لـ 1862م. درس أولا في قريته فحفظ القرآن الكريم وأتقنه رسما وتجويدا وهو ابن اثنتي عشرة سنة ، والتحق بزاوية الأيلولي ومنها تخرج، وأبرز شيوخه الذين استفاد منهم والده محمد الشريف والحاج أحمد أجذيذ والشيخ محمد السعيد بن زكري –مفتي الجزائر - والشيخ محمد بن بلقاسم البوجليلي.

   قد أكثر الشيخ من التنقل والترحال قبل أن يستقر في الجزائر العاصمة سنة 1920، وقد أومأ في بعض المواضع إلى أن دافع ذلك الفرار بالدين والعرض ولم يحدد الأسباب المفصلة لذلك ، وهذا تلخيص لهذه التنقلات .

يقول أبو يعلى رحمه الله :« أول خروجي من الزواوة كان في شرخ الشباب، وتوظفت في بعض المحاكم الشرعية». ولعل ذلك في بلدة "صدراته" فإنه ذكر في مقال له أن أهل هذه البلدة يعرفونه. ثم ارتحل إلى تونس وقد كان بها سنة 1893م ، وكانت له رحلات إلى مصر والشام وفرنسا وذلك قبل سنة (1901). وفي سنة (1912م) كان في دمشق يعمل في القنصلية الفرنسية، وقد عمل بها إلى غاية سنة 1915م، وفي مدة إقامته هناك نَمَّى معارفه بالأخذ عن علماء الشام وبالعلاقات التي أقام مع الكتاب والأدباء وعلى رأسهم أمير البيان شكيب أرسلان.

ومع بداية الحرب العالمية الأولى اضطُر للخروج من دمشق لاجئا إلى مصر ، لأنه كان معروفا بمعاداته للحكومة التركية، ومناصرته لأصحاب القضية العربية كما سميت في ذلك العصر ، وفي مصر استزاد من العلم بلقاء أهل العلم وأعلام النهضة فيها، وممن جالس وصحب هناك محمد الخضر حسين الجزائري والطاهر الجزائري ومحمد رشيد رضا.

ورجع إلى الجزائر سنة (1920م) بعد انتهاء الحرب ، فقضي مدة في زواوة ، ثم سكن الجزائر العاصمة وتولى إمامة جامع سيدي رمضان بالقصبة بصفة رسمية، ومع كونه من الأئمة الذين رضوا بالوظيفة عند الإدارة الفرنسية فقد تبنى الفكر السلفي الإصلاحي بقوة وحماس كبيرين، وعاش محاربا لمظاهر الشرك والبدع والخرافات وغيرها من أنواع المنكرات. وكانت له بعد ذلك تنقلات في طلب العلم والدعوة إلى الله منها ما كان إلى بجاية أو البليدة.

 

نشاطه الدعوي

 

أولا : التدريس والخطابة

أمر طبيعي أن يكون هذا من نشاطه بحكم وظيفته، ولكنه كان حر التفكير والتعبير والتحرير والتحبير، ووقف صامدا أمام العوائق والمغريات يثبت الحق ويبطل الباطل، لم يقيد الوظيف الذي تقلده لسانه ولم يحدد من نشاطه، فكان صريحا في الحق جريئا مقداما، يدافع عن الدين والفضيلة والعقيدة الصحيحة واللغة العربية والوطن، وقد هددته السلطات مرارا بالفصل من إمامة جامع سيدي رمضان، ولكنها لم تجرؤ على ذلك، ولا وجدت سبيلا إلى كم لسانه وتجميد نشاطه وإيقاف زحفه .

وقد ذكر أنه كان يُقطع عنه الراتب كما أنه حُرم مما نسميه ترقية فكان المدرسون والمفتون في زمانه وقبله يتقاضون عشرة أضعاف ما يتقضاه لا لشيء إلا لأنه كان من رجال الإصلاح مؤيدا لجمعية العلماء. وقال أحمد توفيق المدني عن خطبه:« وأذكره بإخراجه للخطب المنبرية من صبغتها التقليدية العتيقة إلى صبغة قومية مفيدة فهو يخطب للعامة ارتجالا في مواضيع إسلامية محلية مفيدة، ويعتبر خطابه درسا بحيث لا ينتهي منه إلا وقد اعتقد أن كل من بمسجد سيدي رمضان من رجال ونسوة قد فهموا جيد الفهم خطابه وأشهد أنه كان لتلك الخطب الأثر الفعال في النفوس».

 

ثانيا : النشاط الصحفي

دخل في هذا السلك لما كان مقيما في الشام، فكتب في جريدة المقتبس التي كانت تصدر بدمشق، وفي جريدة البرهان التي كانت تصدر بطرابلس الشام، وفي جريدة المؤيد المصرية وثمرات العقول البيروتية والمجلة السلفية بمصر.

ولما رجع إلى الجزائر استمر في نشر بحوثه وآرائه في الصحف ، فنشر في جريدة النجاح مدة ثم في مجلة الشهاب لابن باديس وفي جريدة الإصلاح للطيب العقبي التي قلَّما خلا عدد من أعدادها من شيء من كتاباته ، ونشر في كل جرائد الجمعية بعد تأسيسها. بل وكتب أول الأمر حتى في جريدة البلاغ الطرقية مما أثار عليه نقمة بعض إخوانه.

ومما تجدر الإشارة إليه في هذا الموضع أن المقالات التي أمضاها الفتى الزواوي ليست للشيخ أبي يعلى كما قد يتوهم بعض ، وإنما الفتى هو «باعزيز بن عمر» وهو أحد تلاميذ الشيخ ابن باديس، وقد توفي سنة 1977م عن عمر يناهز 71سنة.

 

ثالثا : نشاطه في إطار الجمعية

كان الشيخ أبو يعلى الزواوي ممن لبى نداء رجال الإصلاح في الجزائر لتأسيس جمعية العلماء، وقد تولى الرئاسة المؤقتة يومها حتى انتخب المجلس الإداري ورئيسه العلامة ابن باديس ، وبعد مضي مدة عن تأسيس الجمعية ترأس لجنة العمل الدائمة بعد انسحاب رئيسها عمر إسماعيل ، وهي لجنة كُوِّنت من الأعضاء المقيمين في العاصمة لإدارة شؤون الجمعية لما كان أغلب أعضاء المجلس الإداري المنتخب مقيمين خارج العاصمة بحكم السكن والنشاط. وترأس أيضا مدة لجنة الفتوى وقد نشرت له في البصائر لسان حال الجمعية عدة فتاوى ومقالات.

 

مؤلفاته

 

أولا : المؤلفات المطبوعة :

1- « الإسلام الصحيح » مطبوع بمطبعة المنار سنة 1345 في 123 ص .

2- « جماعة المسلمين » فرغ منه سنة 1367الموافق لـ 1948م ، ذكر في مقدمته أنه مختصر من كتاب آخر مطول ، وطبع بمطبعة الإرادة بتونس في رمضان 1368الموافق لجويلية 1948م. وهو في 75 صفحة .

3- « الخطب » طبع في الجزائر عام 1343 وهو في 78صفحة .

4- «خصائص أهل زواوة » وهي رسالة وجهها من الشام إلى الطاهر الجزائري الذي كان بمصر يطلب منه أن يؤلف كتابا في « خصائص أهل زواوة » ، وقد قام بطبعها أبو القاسم سعد الله ضمن كتابه أبحاث وآراء في تاريخ الجزائر.

5- « تاريخ الزواوة » وهو غير سابقه فقد فرغ من تأليفه سنة 1918م وهو في القاهرة ونشره في دمشق سنة 1924م ، وقدم له الشيخ الطاهر الجزائري والسعيد اليجري (وقد أعيد طبعه مؤخرا في الجزائر). وقد توصل فيه إلى أن الزواوة من قبيلة كتامة وأن كتامة وصنهاجة كلاهما من العرب العاربة أو العرب القحطانية ، وقال أبو القاسم سعد الله في وصفه:« أما الكتاب نفسه فقد قسمه أبو يعلى الزواوي إلى سبعة فصول رغم صغر حجمه فجعل الفصل الأول في فضائل التاريخ والثاني والثالث في نسب الزواوة ومحامدهم ..والرابع في زواياهم وعلمائهم وخدمتهم للغة العربية والخامس في بعض عاداتهم والسادس في الإصلاح المطلوب والسابع في لائحة نظام تعليم مقترح وبيان طريقة التعليم».

6- « فصول في الإصلاح » ذكره في كتابه الخطب وتاريخ الزواوة .

7-مقالات منشورة في البصائر والشهاب والبلاغ وغيرها من الجرائد، وقد ذكر محمد الصالح صديق سنة 1994م أنه تم تكليف لجنة بجمع آثار أبي يعلى الزواوي، لكن لم يظهر شيء منها ونحن في آخر سنة 2002م.

 

ثانيا : المؤلفات المخطوطة

1- أصل كتابه جماعة المسلمين المذكور أعلاه .

2- « تعدد الزوجات في الإسلام » .

3- « مرآة المرأة المسلمة » ذكره في الإسلام الصحيح (26)، وفي الخطب (69) أنه يقع في 200صفحة.

4- ذبائح أهل الكتاب ( قال عنه إنه تحت الطبع ) كما أنه ترجمه إلى الفرنسية أيضا.

5- « الفرق بين المشارقة والمغاربة في اللغة العامية وغيرها من الفروق » .

6- « الخلافة قرشية » .

7- « الكلام في علم الكلام ».

8- « الغنى والفقر ».

9- مراسلات أبي يعلى خصوصا مع « شكيب أرسلان ».

10- أسلوب الحكيم في التعليم.

11- الأمم الغربية ( أو العربية ).

12-رسالة في علم الخط ألفها عام 1947م .

13-النصوص التي ردها كفر صراح بإجماع المسلمين ذكره في مقال له في البصائر.

14-أصل البربر بزواوة ذكر أنه بين فيه أن أصل البربر من حمْيَر وأنهم عرب قحطانيون ويحتمل أن يكون هو نفسه تاريخ الزواوة كذا قال أبو القاسم سعد الله.

 

من صفاته وأخلاقه

 

أولا : رقة الطبع وسلامة القلب

قال الشيخ أحمد حماني رحمه الله :« الشيخ أبو يعلى الزواوي إمام مسجد سيدي رمضان بالقصبة من عاصمة الجزائر علامة من كبار العلماء الأحرار، محقق، شجاع ، سلفي العقيدة ، طيب السريرة حميد السيرة ، بليغ القلم سليم النية ، غر كريم »، وقال فيه أيضا :« والملاحظة أن أبا يعلى عين رئيسا للجنة الدائمة بعد تأسيس الجمعية وابتعاد عمر إسماعيل عنها ، وبقي وفيا لمبدئه شجاعا في مواقفه ، عظيم النشاط في أعماله وكتاباته ، وقد لقب في العلماء بشيخ الشباب وشاب الشيوخ ، وكان يمتاز بشفقة وحنان على أمته ، وكثيرا ما تسيل دمعته رحمة على البائسين ».

 

ثانيا : التواضع للحق

وَرَدَ إليه سؤال عن حكم التوسعة على العيال في عاشوراء فأفتى بالجواز فرد عليه الشيخ عمر بن البسكري بجواب ننقل منه هذه الفقرات :« سيدي أحيط جنابكم أن الحديث المذكور يقول فيه حجة الإسلام ابن تيمية ما نصه حرفيا في كتابه منهاج السنة ج 4 ص 114 :« وقد يروي كثير ممن ينتسب إلى السنة أحاديث يظنونها من السنة وهي كذب كالأحاديث المروية في فضل عاشوراء -غير الصوم – وفضل الاكتحال فيه والاغتسال والحديث والخضاب والمصافحة وتوسعة النفقة على العيال فيه ونحو ذلك ، وليس في أحاديث عاشوراء حديث صحيح غير الصوم هكذا يقول حرفيا وتبعه تلميذه ابن القيم وابن رجب وغيرهم … هذا ومما زاد في تشجيعي على إسداء هذه الكلمة النصيحة لجنابكم قولكم حرفيا في العدد السابع عشر من البصائر :« وعلى كل حال فإنني لست ممن يقول لا أقبل النصيحة إلى أن قلتم بل إني أقبل النصيحة من أهلها بشرطها ».

فكتب الشيخ جوابا رحب فيه بهذا الرد المؤدب والنصيحة الخالصة ختمه بقوله : «وإنه مما يجب التحري في الاستدلال بالحديث إلا إذا كان صحيحا وهو صوابلكنه صعب !! اللهم اغفر لنا ما قدمنا وأخرنا وألهمنا وألهم الأمة للصواب أن تتحفظ وتحذر من الوقوع في الكذب على نبيها والله المستعان وعليه التكلان ».

 

ثالثا : الثقافة الواسعة

إن مما تميز به أبو يعلى الزواوي رحمه الله كثرة المطالعة وهي إحدى العوامل التي جعلته يكون أكثر تأليفا من غيره من أهل زمانه إضافة إلى التفرغ باعتباره كان إماما رسميا لمسجد مدة تفوق الثلاثين سنة، وهذه المطالعة قد ظهرت في كتاباته ومواضيع تأليفه فهو قد ألف في مواضيع مختلفة وفي قضايا شغلت الفكر الإسلامي في عصره: قضايا المرأة، قضايا الإصلاح ، السبيل إلى تحكيم الشريعة، إصلاح نظم التعليم وغيرها من الموضوعات. وقد ظهر ذلك أيضا في المصادر المتنوعة التي اعتمد عليها في كتابه الإسلام الصحيح فقد فاقت الأربعين مرجعا ومصدرا ، والذي يَلفت الانتباه هو مطالعته لكتب المخالفين فهو ينقل فضائح الطرقية من مصادر صوفية وينقل شهادة الكفار بالحق من كتبهم ، وكان مطلعا حتى على كتب المستشرقين –وكان يحسن الفرنسية – كما نراه في رد الشيخ على النائب ابن جلول لما قال ردا على المصلحين :« رجوع الإسلام إلى أصله خطر على فرنسا » حيث سرد فيه جملة من كتبهم التي يظهر إطلاعه عليها.

 

رابعا : زهده في الدنيا

قال رحمه الله :» ومعلوم أني معدم مفتخر بأني معدم ، والسبب في افتخاري ذلك أني خدمت الحكومة الفرنسية ست عشرة سنة في باريس والشام ومصر ولم أحصل إلا على قوتي اليومي ، وذلك أني لست بخراج ولا ولاج ، ومن عرفوني في تلك الأوطان يشهدون وكثير منهم بقيد الحياة«.


من عناصر فكره الإصلاحي


كما سبق أن أشرت إليه فقد تبنى المنهج السلفي وجاهد في سبيله دعوة وكتابة ونصرة لأهله وفيما يلي مقتطفات من كلامه تبين أهم الأفكار التي يدعو إليها.

 

أولا : الدعوة إلى الطريقة السلفية وذم علم الكلام

قال الشيخ أبو يعلى رحمه الله في كتابه الإسلام الصحيح :« اعلم أيها السائل أن خير طريقة في العقيدة التوحيدية طريقة السلف التي هي اتباع ما ثبت عن الله وعن رسوله من غير كثرة التأويل والدخول في الأخذ والرد من الجدل في المتشابه وإيراد الشبه والرد عليها ، وأذكر الآن بهذه المناسبة جملة من أقوال الأئمة العظام من السلف الصالح لتعتبر أيها السائل وتعلم أن الخوض غالبا خصوصا في قضايا الانتصار لمذهب دون مذهب وتجد أن مذهب الحق في ذلك هو مذهب القرآن العظيم } قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون { وهو مذهب السلف فإن القرآن الكريم أبى الخوض في ذلك لعجز المخلوق عن معرفة حقيقة الخالق وإنما تصدى لتوجيه الأنظار للاعتبار كما تقدم »[ص4-5]. ثم نقل الآثار المعروفة عن مالك والشافعي وأحمد وأبي يوسف في ذم علم الكلام وأهله وقال :« وقد اتفق أهل الحديث من السلف على هذا ». وصرح بعد ذلك في أثناء الكتاب بعدم الانتماء لأي مذهب كلامي محدث من المذاهب الموجودة فقال(94):« أما أنا ومن على شاكلتي من إخواني الكثيرين فلا شريعة لنا ولا دين لا ديوان إلا الكتاب والسنة وما عليه محمد r وأصحابه وعقيدة السلف الصالح فلا اعتزال ولا ماتريدي ولا أشعري ، وذلك أن الأشاعرة تفرقوا واختلفوا أي المتقدمون منهم والمتأخرون ووقعوا في ارتباك من التأويل والحيرة في مسائل يطول شرحها»

 

ثانيا : نشر التوحيد ومحاربة الشرك في الألوهية

قد كتب أبو يعلى في هذا الباب فأكثر، إذ زيادة عما ذكره في الإسلام الصحيح فقد نشر فيه عدة مقالات، ونحن ننقل ما قاله في أحد مقالاته : « أما عقيدتنا في الأولياء التي اتخذوها ذريعة للطعن فينا بأننا ننكرهم وننكر الكرامة ليهيجوا علينا العامة التي صُدَّت عن الله إلى الأولياء الأموات تطلب منهم ما لا يطلب إلا من الله وتتمسح بقبورهم وتوابيتهم ...أما كون الميت صالحا أو مات وليا أو غير ولي، أو على حسن الخاتمة أو على غير ذلك عياذا بالله فإننا غيرُ مكلفين بذلك ولا نحكم لأحد بالجنة ولا بالنار إلا مَن وَرَدَ فيهم النص، فهذه عقيدة أهل السنة والجماعة، أما التوسل بهم والطلب منهم فمما لم يثبت عن السلف الصالح شيء منه بل لم يشرع أصلا وقد فتشنا وقلبنا وبحثنا في السير وكتب الحديث الصحيح مثل الموطأ والبخاري ومسلم فلم يثبت في خير القرون أنهم قصدوا قبر النبي r طالبين منه شيئا ودليلنا أيضا على ذلك ما ثبت في صحيح البخاري أن عمر رضي الله عنه لما استسقى بالناس قال لهم: إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا، وهذا دعاء أقره الصحابة والسلف».

 

ثالثا : التزام السنن ومجانبة البدع العملية

ولم يهمل الشيخ الدعوة إلى الالتزام بالسنة ونبذ البدع العملية خاصة بدع التصوف الذي غرقت الأمة في أوحاله فصرح ببدعية تصوف المتأخرين، وقال في البصائر :« وبالجملة إن التصوف محدث في الأمة اسما ومعنى». وكما أنكر عليهم بدع العقائد فقد أنكر عليهم بدع الأعمال كالقراءة على الجنائز. وقال في الإسلام الصحيح (53) :« ولست بمخطئ إن قلت بالمنع والحرمة بسبب ما أحدثوا فيه وهو من أصله محدث إذ لم يكن السلف الصالح يعرفون هذا صوفي وذاك غير صوفي، أو ذا له طريقة وهذا لا طريقة له »، وإن كان الشيخ قد نشأ نشأة صوفية إلا أنه تاب ورجع إلى الحق لما تبين له، كما صرح بذلك في أحد مقالاته: « نعم كنت قبل أربعين سنة خلوتيا [أي حوالي سنة 1907] فلما رأيت البدع والمخالفة والرقص والطبل واختلاط النساء بالرجال طلقتها ثلاثا بتاتا ».

 

وقال :« وإني أعلنت أني سلفي وأعلنت أني تبرأت مما يخالف الكتاب والسنة ورجعت عن كل قولة قلتها لم يقلها السلف الصالح ».

 

رابعا : الدعوة إلى الاجتهاد ونبذ الجمود والتقليد

قال رحمه الله في الإسلام الصحيح (37) :« والحال أن كل واحد من هؤلاء الأئمة قال إن وافق مذهبي الكتاب والسنة فبه ونعمت وإلا فاضربوا به عرض الحائط ، لأنهم غير معصومين ولا ألزموا الناس بما استنبطوا وما دونوا وإنما العامة والخاصة ارتضتهم ». وقال ردا على المتعصبين الذين ينتصر كل واحد منهم لمذهب إمامه ويقول إنه هو الصواب دون غيره :« كلها فاضلة وكلها صحيحة إذ لا يمكن بحال أن يقال هذا المذهب صحيح وهذا غير صحيح، لأنهم أئمة مجتهدون غير معصومين لا محالة، فهم سواء في الاجتهاد وسواء أيضا في عدم العصمة، وكان الإمام مالك يقول كل أحد يؤخذ من كلامه ويرد عليه إلا صاحبَ هذا القبر يعني النبي r ».


 من ثناء أقرانه عليه

قال الشيخ الطيب العقبي في تقريظه لكتاب جماعة المسلمين .

أبو يعلـى إمـام الحق فينا      وشيـخ شباب المصلحينا

دعا بدعاية الإسـلام قبـلا    لديـن اللـه رب العـالمينا

فأبدع في اختصار القول ردا    على فئـة الضلال المفسدينا

وقد غضبوا لقول الشيخ فيه     وضلـوا في الضلالة تائهينا

فلم يعبأ بما فعلـوا ولكـن     تمادى يخـدم الحـق المبينا ».

وقال في مقال نشر في الشهاب ردا على من انتقص الشيخ:» ألا ما أشفقتما عليه أو رحمتما شيخوخته وسلفيته الصادقة، وتركتماه لنا عضدا قويا وشيخا سلفيا …وهو من قد عرفتماه فضلا ومعرفة وسبقا إلى مذهب السلفية، كما عرفتما مقدار مقدرته في الكتاب وبحثه وتنقيبه«

قال الشيخ مبارك الميلي :« …الشيخ الجليل العالم السلفي الأستاذ أبي يعلى الزواوي الذي لقبه الأخ الشيخ الطيب العقبي شيخ الشباب وشاب الشيوخ وكل من عرف هذا الشيخ وأنصفه اعترف له بهذا اللقب وسلم له هذا الوصف».

قال أحمد توفيق المدني :« وإذا ذكرت الرجال بالأعمال فإني أذكر العلامة الكبير الشيخ سيدي أبا يعلى السعيد الزواوي، أذكره بتأليفه القيم الإسلام الصحيح الذي نسف به الخرافات والأوهام في الأفكار العامة ».

 

وفاته رحمه الله تعالى

توفي رحمه الله في 8 رمضان 1371 الموافق لـ (4 جوان 1952م) عن عمر يناهز التسعين ، وشيع جنازته خلق كثير وعدد كبير من رجال العلم والفضل ، وصلى عليه الشيخ الطيب العقبي ، وكتبت البصائر عنه : ( والبصائر تساهم في المصاب بفقد العلامة الزواوي ، شيخ المصلحين في هذه الديار الذي طالما رفع صوته على صفحاتها بالنكير على المبتدعين والمبطلين ، فتقدم إلى الفقيد الكبير وذويه وإلى أسرة العلم والإصلاح بتعازيها الخالصة ، تغمده الله برحمته الواسعة وأسكنه بجوار من ذبوا عن دينه من أبطال الإسلام الخالدين ). هذا آخر المختصر وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك .

تم قراءة المقال 5803 مرة