الجمعة 8 جمادة الثاني 1431

الاختلاف سبب للفشل ورفع البركة

كتبه 
قيم الموضوع
(1 تصويت)

      إنّ للاختلاف آفاتٍ كثيرةً ونتائجَ سلبيةً لا يمكن حصرُها، ومنها تفرق الأمة وتمزقها وتنازعها، ورفع الخير عنها، وذهاب البركة من أعمال أهلها، ولتدرك ذلك تأمّل قول المولى عز وجل:{ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ } [الأنفال:46]، والفشل هو انحطاط القوّة، والآية وإن كانت ورادة في سياق ذكر القتال إلا أن معناها عام، فكل تنازع يؤدي إلى انحطاط القوّة، ويؤدي إلى انعدام الإقدام على العمل، وذلك أن التنازع يثير التغاضب ويزيل التعاون بين الناس، بل ويجعلهم يكيدون بعضهم لبعض، فينشغل بالهم بذلك وباتّقاء بعضهم بعضاً، وتنصرف الأمّة عن الاهتمام بالأهداف المشتركة، والأعمال التي تنفع الجماعة وتصد كيد الأعداء، فيتمكّن منهم العدوّ، لأن الله تعالى يكل المتنازعين إلى أنفسهم، فلا يؤيديهم ولا ينصرهم، لأنهم قد اشتغلوا عن ذكره وعن نصرة دينه، ولو أخلصوا عملهم لله، ولم يشب إخلاصهم شائبة إرادة شيء من الدنيا لما اختلفوا الاختلاف الذي يؤدي إلى التنازع.

 

الاختلاف سبب للفشل ورفع البركة

 

    وذهاب الريح المراد به: الغلبة، وهي استعارة، وجه الشبه فيها أنّ الريح لا يمانع جَريها شيء، والمعنى "وتَزولَ غلبتكم وظهوركم ونفوذُ أمركم"، وذلك لأنّ التنازع يفضي إلى التفرّق والوهن، وذهاب المهابة من صدور الأعداء، وإن للتمسك بكتاب الله تعالى ولتماسك صفوف المؤمنين أثرا في النصرة من جهة إثارة الرعب في قلوب الأعداء، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ ).

   ولا يقولنّ قائل: كيف لا ينصرنا الله تعالى ونحن أهل الحق إذا اختلفنا وتنازعنا، لأننا نقول إن الخطاب في الآية المذكورة كان موجّها للمؤمنين، ولأصحاب سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، وقد جاء في السنة ما يؤكد أن الاختلاف يرفع الخير والبركة عن أعمال وأحوال خير الناس، ومن ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد هم أن يخبر أصحابه في عام من الأعوام بليلة القدر، فوجد في طريقه رجلين يختصمان فنسي ما أراد أن يقوله للناس، يحكي لنا ذلك عبادة بن الصامت فيقول: خرج النبي صلى الله عليه وسلم ليخبرنا بليلة القدر فتلاحى رجلان من المسلمين فقال: ( خرجت لأخبركم بليلة القدر فتلاحى فلان وفلان فرفعت، وعسى أن يكون خيرا لكم، فالتمسوها في التاسعة والسابعة ) [متفق عليه]، والتلاحي: هو التنازع والمخاصمة.

   لقد حدث بسبب الاختلاف ما هو أعظم من هذا أثرا، فقد هم النبي صلى الله عليه وسلم وهو في مرض موته أن يكتب كتابا يتركه لأصحابه ولأمته حتى لا يضلوا من بعده، ولا شك أن هذا خير عظيم، ولكنه لم يفعل، وما ذاك إلا لاختلافهم بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، وقد حكى لنا ذلك ابن عباس رضي الله عنه إذ قال: لما اشتد بالنبي صلى الله عليه وسلم وجعه قال: ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده، قال عمر: إن النبي صلى الله عليه وسلم غلبه الوجع وعندنا كتاب الله حسبنا وكثر اللغط، فقال:    (قوموا عني ولا ينبغي عندي التنازع )، فخرج ابن عباس يقول: إن الرزية كل الرزية ( أي المصيبة كل المصيبة ) ما حال بين رسول الله وبين كتابه (يعنى الاختلاف)، والحديث متفق عليه.

   والذي نستفيده من هذين الحديثين: أن الاختلاف يكون سببا لرفع الخير والبركة عن كل أحد، ولو كان المختلفون في أنفسهم صالحين، لأنه إذا كان سببا لصرف الخير عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فغيرهم أولى، وإذا كان الشيء المرفوع هو الحكمُ والخبرُ الذي فيه العصمة والهداية التي لا يتطرق إليها احتمال، فرفع غيره من أمور الدين والدنيا من باب أولى.

   فعلينا أن نجتهد في تضييق دوائر الخلاف ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، وأن نترفع عن كل خلاف سببه الهوى وحظ النفس الأمارة بالسوء، وأن ننشر دواعي توحيد الأمة وعلى رأسها التمكين لعقيدة التوحيد علما وعملا في قلوب المؤمنين، وأن نتأدب بالآداب التي تجعل من خلافاتنا في الأمور الاجتهادية رحمة لا نقمة وعذابا.

  نسأل الله تعالى أن يوحد صفوفنا، ويجمع شملنا، ويلهمنا رشدنا، ويصلح ذات بيننا، ويزرع الأخوة والمحبة بيننا، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

تم قراءة المقال 3992 مرة