قيم الموضوع
(4 أصوات)

 

   قال البشير الإبراهيمي وهو يتحدث عن الحضارة الغربية الممجدة للديمقراطية (الآثار3/508):" فإن هذه الحضارة –وهي حاضنة المتناقضات –اتسعت لرأي ديمقراط ولرأي مكيافيلي صاحب كتاب الأمير، فإذا أرادت التلبيس ألبست الثاني ثوب الأول. لم تظلم هذه الكلمة ما ظلمت في هذه العهود الأخيرة، فقد أصبحت أداة خداع في السلم والحرب، جاءت الحرب فجندها الاستعمار في كتائبه، وجاء السلم فكانت سرابا بقيعة، ولقد كثر أدعياؤها ومدعوها والداعون إليها، والمدعي لها مغرور، والداعي إليها مأجور، والدعي لابس ثوبي وزر. أصبح استعمار الأقوياء للضعفاء ديمقراطية، وتقتيلهم للعزل ديمقراطية، ونقض المواثيق ديمقراطية. لك الله أيتها الديمقراطية".

وهم الديمقراطية

   لأجل هذه المعاني التي ذكر الشيخ رحمه الله وغيرها فأنا لا أجد حرجا أن أعلن في الملأ كفري بالديمقراطية، لقد كفرت بها مذ علمت أسسها المنافية للعقيدة، وجدَّدت كفري بها لما عايشتها في بلدي قبل عشرين سنة؛ فرأيت زيفها وذقت وذاق الناس مرارة طعمها، وها أنا أجدّد كفري بها بمناسبة المحنة المصرية، وإن الكفر قد يبلى فلابد من تجديده حتى يبقى حيا في القلوب.

   صدق الإبراهيمي في وصفه للديمقراطية التي كانت ولا زالت وسيلة خداع للشعوب وتخديرها، وذريعة لضرب ثوابت الأمة ومقومات شخصيتها، وسلما لارتقاء الأراذل للمناصب التي لا يستحقها إلا الأفاضل، إذ بمجرد انتخاب الشعب لمن يصفون أنفسهم بالديمقراطيين يكون قد مارس حقه السياسي بجدارة وأحرز حريته وأبان عن نضجه وفطنته، ولا يهم بعد ذلك ما تجنيه الأمة من نكبات سياسية ونكسات اقتصادية وهزات اجتماعية على يد هؤلاء المنتخبين، ولا أحد يحاسبهم لأن الشعب اختارهم بكل ديمقراطية وشفافية، وفوضهم نهب أموال الأمة والتلاعب بمقدراتها.

   أما إذا انتخب الشعب غير من يصفون أنفسهم بالديمقراطيين، فإنه يكون قد أبان عن عدم جدارته أن ينعم بالحرية وعدم أهليته لممارسته حقوقه السياسية وكشف عن عدم نضجه، فالواجب حينها على الأوصياء أن يتدخلوا لحماية الشعب ومصالحه من الخطر الداهم بالحجر عليه، فيُنقلب على الديمقراطية باسم الديمقراطية فتنقض المواثيق وتلغى الدساتير ويعبث بالقوانين، وتطبق نظريات هتلر الديكتاتورية باسم حماية الجمهورية والديمقراطية، ومن تلك النظريات مشروعية تقتيل كل من ليس هو جديرا بالحياة، واعتبار ذلك من إقامة العدالة الإلهية وموافقة السنن الطبيعية.

   وهذا لا يعني أني أرفع هؤلاء الأوصياء إلى منزلة هتلر، إذ هو أفضل منهم بكثير ولا يمكن الموازنة بينه وبينهم، فهتلر رجل مفكر جهر بأفكاره قبل أن يعتلي السلطة واستطاع أن يقنع بها شعبه، فاختاره ووقف معه وسانده، وأما هؤلاء الأوصياء فأكثرهم لا نصيب له في الفكر وصفتهم الجامعة هي النفاق فلا يمكنهم التصريح بحقيقة ما يعتقدونه لا قبل الانقلابات ولا بعدها، وكذا لم تخترهم شعوبهم ولكن يفرضون أنفسهم عليها بقوة الحديد والنار.

   أيها المسلمون إن الديمقراطيين لا يؤمنون بالديمقراطية فكيف تؤمنون بها ؟؟ واعلموا أنكم إذا كفرتم بها فلن تخسروا شيئا، لأنكم بكفركم تكونون قد أنكرتم أسطورة من أساطير اليونان القديمة، فكما أنه لا ضرر عليكم في إنكار الآلهة الأولمبية أو حرب طروادة فلا ضرر في إنكار وجود الديمقراطية.

   إلى متى يبقى المسلمون الصادقون منخدعين بهذه الكلمة الفارغة، يعلقون عليها كل الآمال، ويظنون أنها توصلهم تحكيم شرع الرب المتعال، ولم لا يعتبر اللاحق منهم بما آل إليه حال السابق، ونحن نرى التاريخ يُعاد والتجارب الفاشلة المكلفة تتكرر؟

   نسأل الله تعالى أن يهدنا إلى مراشد أمورنا وأن يردنا إلى ديننا ردا جميلا، وأن يجنب المسلمين في جميع أوطاننا الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل الطاعة والاستقامة ويذل فيه ويخزى أهل النفاق والردة والشقاق.

تم قراءة المقال 11978 مرة