الأحد 10 ذو القعدة 1431

مفهوم الحاجة إلى الشيخ عند الطرق الصوفية

كتبه 
قيم الموضوع
(1 تصويت)

 

   الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين أما بعد: فإن من الركائز التي يبنى عليها دين التصوف"الشيخ" أي شيخ طريقة من الطرق التي تزعم أنها صوفية، وتطور مفهوم الشيخ عبر الزمن عندهم من شيخ العلم والفقه والأدب إلى شيخ البيعة وإعطاء العهد وشيخ الخدمة والطاعة العمياء، وسنحاول في هذا المقال الموجز تسليط الضوء الكاشف على هذا المفهوم مع ما فيه من انحرافات خطيرة تقدح في دين واستقامة مدعي المشيخة ودين وعقل المريدين المتبعين لها.

 

مفهوم الحاجة إلى الشيخ عند الطرق الصوفية

 

حاجة المريد إلى الشيخ

   المريد هو ذلك العبد الذي يريد رضا الله تعالى عنه ويريد أن يصفي قلبه ويطهر نفسه ويقوم أعماله، هو ذلك المسلم الذي يريد أن يكون من أولياء الله تعالى المستقيمين وأن يفارق أولياء الشيطان المنحرفين، ومن أراد هذا السبيل فطريقه في شريعة الإسلام واضحة وهي طريق الإيمان والتقوى ولزوم الاستقامة، كما قال تعالى (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) [يونس/62، 63] وقال :(إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) [فصلت/30]

   وأما عند الصوفية فإن ذلك وحده لا ينفع حتى يرتبط بشيخ معين يؤهله للعبادة والاستقامة، شيخ تكون إرشاداته وتعاليمه هي أهم ما يجب على المريد تنفيذه إذا أحب أن يترقى في درجات الولاية، وأن ينال رضا الله عز وجل، ويستند المتأخرون إلى ما رواه القشيري عن بعضهم :" ولو أن رجلا جمع العلوم كلها وصحب طوائف الناس لا يبلغ مبلغ الرجال إلا بالرياضة من شيخ أو إمام مؤدب".

   ولهم في الحث على اتخاذ الشيخ حكايات مأثورة وكلمات مشهورة منها ما جرى مجرى الحكم كقول أبي يزيد البسطامي:"من لم يكن له شيخ فشيخه الشيطان".

شيخ بركة لا شيخ علم وأدب

   إن اشتراط الشيخ عند أصحاب الطرق الصوفية يختلف عن اشتراط الشيخ عند الفقهاء والمحدثين، بل الكلمة المروية عن الصوفية المتقدمين لا تنطبق على شيخ الطرقية عند المتأخرين، لأن المتقدمين اشترطوا الشيخ للعلم والأدب، وأما هؤلاء فيزعمون أنه يشترط للبركة فحسب، وفي ذلك يقول عبد الحليم محمود:" ولا بد في التصوف من شرط جوهري هو التأثير الروحي، وبتعبير أدق "البركة" وهي لا تتأتي إلا بواسطة الشيخ".

   وهذه البركة لها مدلولات كثيرة كما يقولون منها الحفظ والعصمة من المعاصي حتى أثناء الغفلة!!

  وفي نقد هذه البركة المزعومة يقول الشيخ أحمد حماني رحمه الله :" فقول السائل :كنا نزور المشايخ بنية صالحة، الصواب : كنا نزورهم بغفلة فاضحة ، أعيننا مغلقة وعقولنا معطلة. فالشيوخ كانوا عاطلين من كل ما يؤهلهم للزيارة فلا علم ولا زهد ولا صلاح ولكن لنسب مرتاب في صحته، فكنا - كما قيل – نعبدهم ونرزقهم. والزيارة الشرعية تكون للشيخ إذا كان من ذوي العلم والفهم والصلاح، فيكتسب منه الزائر العلم والدين والصلاح ويأخـذ منه المنقول والمعقول ويرجع بفوائد جمة، كما كان عالم المدينة بها وأبو حنيفة بالعراق، هذه هي الزيارة المأذون فيها وكانت تضرب إليها آباط الإبل، فأما إذا كان الشيخ كالصنم فماذا يستفيد منه الزائر؟ أعلما؟ أم زهدا ؟ أم صلاحا؟ أم نصيحة وعقلا ؟ ....

   ولـم يكن لغالب مشايخ الطرق إلا فضيلة النسب الشريف وهو مظنون، وإن صح ففي الحديث:» من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه « (مسلم) وأم الشرفاء قال لها رسول الله r:» يا فاطمة لا أغني عنك من الله شيئا « (متفق عليه) فإذا أردت أخذ البركة من المشايخ فاقصدهم للعلم والفضل والصلاح والزهد واقتد بهم واعمل عملهم تنتفع وتحصل لك أنواع من البركة الحقيقية لا المتخيلة".

أنواع البركة

1-بركة النسب

   أما بركة النسب التي يدعيها أكثر شيوخ الطرق ومؤسسيها أو تدعى لهم فهي بركة مزعومة ليس في الشرع ما يسندها بل فيه ما ينفيها كالأحاديث التي نقلناها على لسان أحمد حماني رحمه الله ولو نفعت لنفعت أعمام النبي صلى الله عليه وسلم أبا لهب وأبا طالب.

2-بركة الحفظ

وأما بركة الحفظ التي تحدثوا عنها فلا يعلم لها أصل في الشرع، ولكن الحفظ فضل يناله العبد بتحقيقه لمحبة الله تعالى وإخلاصه في العمل، ولا ترتبط بشيخ، وإن مثل هذا الاعتقاد يعد من الشرك بالله تعالى لأن الله عز وجل هو الحفيظ لا حفيظ غيره على أبدان العباد وأديانهم.

3-بركة السند

   ومنهم من يفسر البركة ببركة السند أي سند الطريقة أو سند إلباس الخرقة، وربما يقولون سند الذكر الذي تختص به الطريقة لكنه سند منقطع ينتهي إلى الشيخ الذي أسس الطريقة بخلاف سند الخرقة المزعوم فهم يصلونه بالنبي صلى الله عليه وسلم.

   وأهل السنة عندهم السند بل الأسانيد إلى أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وشمائله وفي صحيحي البخاري ومسلم وغير من الصحاح والسنن، وهي علم مشاع يطلب ممن روى السنة وحفظها لا من أهل التصوف والطرق الذين لا علم لهم بسنة النبي صلى الله عليه وسلم.

   والطرقية أزهد الناس في علوم الإسناد، ومن أثر ذلك أنك تجدهم يردون الأحاديث الصحيحة ويقبلون الأحاديث الموضوعة، والخرافات تلقى عندهم رواجا دون نقد أو تمييز، فأين أثر بركة ذلك السند المزعوم !؟

4-بركة العلم

   وقد يزعم بعضهم أن المراد بركة العلم، ولا ينكر أن للعلم بركة لكنها لا تختص بشيخ معين دون غيره، ولا تحتاج إلى انتساب إلى شيخ، ولقد كان من علماء السلف من أخذ الحديث عن ألفي شيخ، ومن بركة العلم أنها تخرج العبد من رق الطرقية وجاهليتها كما حدث للشيخ عبد العزيز بن الهاشمي شيخ الطريقة القادرية في الجزائر في الثلاثينيات حيث أنه لما طلب العلم في الزيتونة هداه العلم إلى سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وأعلن براءته من الطريقة التي ورثها وجميع الطريق إلا طريق أهل السنة وعلماء الإصلاح في ذلك الزمن.

حقيقة الحاجة إلى الشيخ عند الطرقية

   إن حقيقة الحاجة إلى الشيخ لا تكمن في البركة المزعومة، فإنها مجرد طعم يصطاد به العامة وأشباه العامة، وإلا فإن حقيقتها ترجع إلى الطاعة العمياء، يدل على ذلك أن من القواعد المأثورة عنهم أن يكون المريد كالميت بين يدي مغسله، ومما يعتمدون قول القشيري في رسالته :" قبول قلوب المشايخ للمريد أصدق شاهد لسعادته، ومن رده قلب شيخُ من الشيوخ فلا محالة يرى غبّ ذلك، ولو بعد حين. ومن خُذل بترك حرمة الشيوخ فقد أظهر رقم شقاوته، وذلك لا يخطئ". "لا يخطئ" بمعنى مطرد ولم يسلم أحد من هذه الشقاوة.

   ويسوقنا السهروردي إلى بيت القصيد حين يقول:" وهكذا أدب المريد مع الشيخ أن يكون مسلوب الاختيار لا يتصرف في نفسه وماله إلا بمراجعة الشيخ وأمره". ومن لم يفعل ذلك فإنه عند الطرقية لم يراع حرمة الشيخ التي تحدث عنها القشيري.

   ولخص العلامة ابن باديس رحمه الله العقيدة الطرقية فقال :" الأوضاع الطرقية بدعة لم يعرفها السلف، ومبناها كلها على الغلو في الشيخ والتحيز لاتباع الشيخ وخدمة دار الشيخ وأولاد الشيخ ، إلى ما هناك من استغلال وإذلال وإعانة لأهل الإذلال والاستغلال ، وتجميد للعقول وإماتة للهمم وقتل للشعور وغير ذلك من الشرور".

   ومما يروونه للتأكيد على وجوب الطاعة العمياء: أن شقيقاً البلخيِّ، وأبا تراب النخشبي، قدما على أبي يزيد البسطامي، فقُدَّمت السفرة، وشاب يخدم أبا يزيد، فقالا له: كل معنا يا فتى. فقال: أنا صائم. فقال أبو تراب: كل ولك أجر صوم شهر! فأبى. فقال شقيق: كل ولك أجر صوم سنة! فأبى. فقال أبو يزيد: دعُوا من سقط من عين الله تعالى! فأخذ ذلك الشاب في السرقة بعد سنة، فقطعت يده!!

   سبحان الله كيف يكون هذا ؟ ورسولنا صلى الله عليه وسلم جعل للعبد أن يتم صومه إذا دعي إلى الطعام فقال:" إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيُجِبْ فَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ وَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَطْعَمْ " ومعنى فليصل أي فليدع لصاحب الطعام، وقال أيضا :" إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى طَعَامٍ فَلْيُجِبْ فَإِنْ شَاءَ طَعِمَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ" رواهما مسلم في صحيحه.

   فهذه القصة مخالفة لسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وكيف يسقط من عين الله من لم يعص الله تعالى بل تقرب إليه؟ من أين لهم أن له ثواب صيام شهر أو سنة إن أفطر معهم؟

  بمثل هذا القصص الملفق الموضوع تكون الدعاية للأوضاع الطرقية وإلى خرافاتها وشركياتها فليتأمل المسلم العاقل!!

   فإن قال قائل أليس العبد المسلم مأمور بطاعة العلماء قلنا وبطاعة الوالدين وولاة المسلمين أيضا، وطاعة من تجب طاعته مقيدة بطاعة الله رسوله، وعند هؤلاء الطرقية مدعي التصوف الطاعة طاعة عمياء تعطل أمر الله تعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم.

شعار طاعة الشيخ إعطاء العهد

   ولهذه الطاعة عند الطرقية شعار هو لبس الخرقة وإعطاء العهد أو "الميثاق" ، وهو عهد يعطيه المريد للشيخ على طاعة الله وهي في الحقيقة طاعة الشيخ، لأن عهد المسلم مع الله تعالى على الطاعة قد أبرم بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، وهم يزعمون أن هذه الشهادة لا تكفي للالتزام بالشرع فلا بد من معاهدة الشيخ على الطاعة.

   وقد كان من أثر ذلك أن ظهر نوع جديد من العبودية لغير الله تعالى في الأمة، فتجد العبد قبل أن يعطي العهد يعصي الله عز وجل لا يبالي ولا يتوب، فإذا أعطى العهد تحرز من المعصية تحرزا وإذا أخطأ طلب العفو من الشيخ لا من الله تعالى، وقدم القرابين للشيخ لا لربه وخالقه جل وعلا.

   وظهر عندهم ما هو أكبر من الشرك في الألوهية وهو الشرك في الربوبية حيث أصبح الواحد من هؤلاء المريدين يعتقد رقابة الشيخ عليه وعلى جميع أعماله حيثما حل أو ارتحل.

نقض أدلة هذه الخرافات والأباطيل

   إن دين التصوف والطرق لا يعتمد على الأدلة وإنما على الحكايات والكرامات -المنحولة-والدعاوي دون أدلة، لكنهم قد يلجأون في بعض الأحيان إلى الاستدلال على باطلهم بما يشبه الاستدلال وليس منه، لأن غالبهم لا علم له بأصول الفقه أو الحديث، وإنما هي شبهات يلقيها ليرد على دعوة المصلحين الذين يخشون أن يكشفوا دجلهم للعامة فينقص عدد أتباعهم ومقدار مداخيلهم!

أولا : دليل لبس الخرقة

   لم يجد الصوفية دليلا على مشروعية خرقتهم إلا الاستدلال ببعض الوقائع في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم أهدى فيها بعض الثياب للصحابة، ومن ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم ألبس أم خالد بنت سعد بن العاص ثوبا وقال لها سنا (رواه البخاري:5845)، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أهديت له بردة فسأله إياها بعض الصحابة رضي الله عنهم فأعطاه إياها.

   وهذه الأحاديث لا دلالة فيها على المطلوب، لأن من أخذ من النبي صلى الله عليه وسلم ثوبا أو جملا أو درعا لحاجته لم يكن في ذلك تشريع ولا دعوة للأمة أن تقتدي بهؤلاء الآخذين، بل فيه دليل على استحباب إعانة المحتاج ودليل على مشروعية الإيثار، ودليل على أن المحتاج يجوز له السؤال، وليس في هذا ما يمت بصلة إلى خرقة أهل التصوف، لأن ذلك الأخذ والعطاء لم يكن عنوانا للطاعة أو شرطا لها.

   بل لو فرضنا أن أحدهم استدل بأخذ من أخذ من النبي صلى الله عليه وسلم شعرة أو نحو ذلك مما يقصد به البركة؛ لم يكن في ذلك دليل أصحاب الخرق، لأن ما يعطيه الصوفي اليوم لا بركة فيه إذ ليس هو عين ما أعطاه الرسول صلى الله عليه وسلم.

ثانيا : دليل إعطاء العهد

  وقد استدلوا على مشروعية البيعة وإعطاء العهد بالبيعات التي عقدت للنبي صلى الله عليه وسلم، وهو من أغرب الاستدلالات، قال الشيخ العربي التبسي رحمه الله :" ويا للعلم من هؤلاء العلماء الزائفين ، ومن أوهامهم واغترار الناس بهم ؟أي شبه ؟وأي مناسبة بين بيعات فعلها رسول الرحمة صلى الله عليه وآله وسلم بوحي إلهي لأمور ليس شيء منها يصح أن يكون دليلا ولا شبه دليل على بيعات الطرقيين ولو أجهدت نفسك ونقبت مسالك العلل والاستنباط لم تستطع أن تأتي بجامع بين بيعاته صلى الله عليه وآله وسلم وبيعاتهم –عفا الله عنهم ورزقهم توبة تذهب عنهم الابتداع الذي مسخهم –

  فبيعاته صلى الله عليه وآله وسلم كانت إما لأقوام حديثي عهد بكفر فبايعهم على الالتزام بتكاليف الإسلام ، ويعاهدونه على ألا يرجعوا إلى سابقهم المظلم. يأخذ عنهم العهد رجالا ونساء كما وقع يوم فتح مكة. وإما لمصلحة حربية كبيعة الرضوان.

وأشياخ الطرائق يبايعون أمة إسلامية لا عهد لها بشرك، وبيعاتهم على أمور لم يبايع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحدا من صحابته عليها، وما فهم الصحابة من بيعاته ما فهم أشياخ الطرائق من مبايعة أمة جعل الله أمرها فيه سعة".

    ثم ذكر أن أحدا من الصحابة والتابعين لم يطلب هذه البيعة من الناس ولا الخلفاء ولا العلماء ولا غيرهم ، بل ولا طلبها الصوفية المتقدمون الذين كانوا يؤكدون على الشيخ المربي.

    ثم قال :" وليعلم شيوخ الطرائق وذيولهم أن لو شاهد أئمة الدين هذه العهود التي اتخذها أشياخ الطرائق حبالة شنيعة لتضليل الأمة ، وغلا ثقيلا يضعونه في أعناق أمة إسلامية جاهلة حتى رقوا منها هذا المرقى الصعب ، لكان لهم مع الطرقيين واتباعهم وبدعهم وضلالاتهم مواقف مشهودة، وحملات شديدة تدع أشياخ الطرائق وصنائعهم عبرة للمعتبرين".

ثالثا : دليل الطاعة العمياء

   وحتى الطاعة العمياء التي يزعمونها من حقوق الشيوخ تجرأوا واستدلوا عليها، وممن استدل عليها من القدماء لا المتقدمين السهروردي المقتول بتهمة الزندقة حيث يقول:" وينبغي للمريد أنه كلما أشكل عليه شيء من حال الشيخ أن يذكر قصة موسى مع الخضر عليهما السلام، كيف كان الخضر يفعل أشياء ينكرها موسى ، وإذا أخبره الخضر خبرها رجع موسى عن إنكاره، فما ينكره المريد لقلة علمه بحقيقة ما يوجد من الشيخ ، فللشيخ في كل شيء عذر بلسان الحكمة".

   ولا دلالة في هذه القصة وذلك من عدة أوجه :

أولها أن الخضر عليه السلام لم يكن مكلفا بشريعة موسى عليه السلام بل كان هو الآخر موحى إليه كما قال : (وما فعلته عن أمري) .

وفي زماننا هذا اتحد الشرع بين الشيخ والمريد وهو شرع محمد صلى الله عليه وسلم، ومصدره لا يخفى وهو القرآن والسنة، وتشريعاته يمكن للعامة والخاصة أن يطلعوا عليها، ولا شريعة بعد شريعة محمد صلى الله عليه وسلم .

ثانيها: أن موسى لم يكن مطيعا طاعة عمياء بل كان ينكر ويعترض، ومقتضى الاستدلال بالقصة أن ينكر المريد على الشيخ حتى يبين له ذلك العذر الذي يعلمه أهل الحقيقة، وإذا قال له كيف تجرأ على سؤالي يقول له أنا اعتبرت بقصة موسى الذي كان ينكر على نبيه مثله ولم يكتف بحسن الظن به.

   هذه خلاصة عقيدة الطرق الصوفية في الحاجة إلى الشيخ وطاعته وبركته والانتماء إليه ، أما عقيدتهم فيه وفي منزلته وقدراته فهذا موضوع أوسع وأخطر ولعلنا ننتطرق إليه في موضع آخر بإذن الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

 

تم قراءة المقال 6688 مرة