لثلاثاء 10 ربيع الثاني 1432

الانتخابات في نظر المفكرَين (محمد قطب ومالك بن نبي)

كتبه 
قيم الموضوع
(4 أصوات)

الانتخابات في نظر المفكرَين (محمد قطب ومالك بن نبي)

    من الأمور التي دندن حولها المفكرون المعاصرون، الذين كانوا ثمرة النهضة الإصلاحية الحديثة: البحث في سبل استرجاع أمجاد الأمة وتحقيق حكم الله تعالى في الأرض، وقد ناقشوا كثيرا من القضايا المطروحة والوسائل المقترحة –كما ناقشها علماء الشريعة المتخصصون أيضا – وقد رأيت أقرب الآراء إلى التحليل الشرعي رأي محمد قطب في كتابه واقعنا المعاصر ومالك بن نبي في كتابه شروط النهضة.

 

الانتخابات في نظر المفكرَين (محمد قطب ومالك بن نبي)

 

    أقول إنه أقرب إلى التحليل الشرعي؛ لا لأنهم وافقوا رأيا كنت أعتقده سلفا؛ ولكن لأني رأيته مرتبطا فعلا بالعقيدة التي يدافع عنها المسلمون جميعا وإن اختلفت مناهجهم، ولأنه مبني على تحليل واقعي صادر من أناس ميزتهم الاستقلال عن التنظيمات؛ التي كثيرا ما توجه فكر المنتمين إليها وتلبسهم غشاوة تجعلهم لا يبحثون إلا عن المبررات الشرعية لكل عمل تقوم به جماعتهم وتنظيمهم.

   ناقش الأستاذ محمد قطب دعاة الدخول إلى البرلمانات وسلوك معترك الانتخابات فقال إنهم "يظنون أنهم يحركون العمل الإسلامي بولوج هذا الطريق المسدود ويصلون عن طريقه إلى تحقيق الأمل المنشود ..نقول لهم نفس الشيء، إن استخدام هذا الطريق عبث لا يؤدي إلى نتيجة قبل تكون القاعدة المسلمة ذات الحجم المعقول! ولنفرض جدلا أننا توصلنا إلى تشكيل برلمان مسلم مائة بالمائة ..كل أعضائه يطالبون بتحكيم شريعة الله! فماذا يستطيع هذا البرلمان أن يصنع دون القاعدة المسلمة التي تسند قيام الحكم الإسلامي، ثم تسند استمراره في الوجود بعد قيامه؟! انقلاب عسكري يحل البرلمان ويقبض على أعضائه فيودعون السجون والمعتقلات، وينتهي كل شيء في لحظات !! إنه تفكير ساذج رغم كل ما يقدم له من مبررات، وفوق ذلك فهو يحتوي على مزالق خطيرة تصيب الدعوة في الصميم، وتعوقها على الرغم مما يبدو لأول وهلة من أنها تمكن لها في التربية وتعجل لها الخطوات !".اهـ

   وهنا قد يقول البعض ما العمل؟ إلى ما المصير؟ فنقول إن محمد قطب قد شرح المنهج البديل شرحا مطولا، وهو في خلاصته يلتقي مع عبارة للأستاذ مالك بن نبي رحمه الله وهو يرجح طريق الإصلاح التي تبناه علماء الجزائر:" لقد كانت حركة الإصلاح التي قام بها العلماء الجزائريون أقرب هذه الحركات إلى النفوس وأدخلها إلى القلوب، إذ كان أساس منهجهم الأكمل قوله تعالى : (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، فأصبحت هذه الآية شعار كل من ينطرح في سلك الإصلاح في مدرسة بن باديس، وكانت أساسا لكل تفكير فظهرت آثارهما في كل خطوة وفي كل مقال؛ حتى أشرب الشعب في قلبه نزعة التغيير، فأصبحت أحاديثه تتخذها شرعة ومنهاجا، فهذا يقول لا بد من تبليغ الإسلام للمسلمين، وذاك يعظ: فلنترك البدع الشنيعة البالية التي لطخت الدين ولنترك الأوثان، وذلك يلح: يجب أن نعمل يجب أن نتعلم يجب أن نجدد صلتنا بالسلف الصالح ونحيي شعائر المجتمع الإسلامي الأول. وإنه لتفكير سديد ..اهـ المقصود من كلامه.

    وقد تضمن هذا الكلام ما يمكن تلخيصه في العبارة التي جعلها العلامة الألباني رحمه الله تعالى شعارا له:"التصفية والتربية" ، وقد تحدث عنها بالتفصيل لما طرح عليه سؤال حول القضية التي نحن بصدد مناقشتها فراجعها إن شئت في كتاب حياة الألباني لمحمد بن إبراهيم الشيباني (1/377-381).

   وما دمنا في سياق ذكر فكر الأستاذ محمد قطب ننقل عبارته في شرح الشعار المذكور حيث قال:« وتغيير حال الأمة وإرجاعها إلى حقيقة الإسلام أمر لا يتم بالسهولة التي يتصورها كثير من الناس، إنما تحتاج بحسب السنة الجارية إلى وقت أطول بكثير وجهد أكبر بكثير مما تم حتى هذه اللحظة في جميع الميادين! يحتاج أولا إلى تبيين الحقائق المجهولة من هذا الدين، بدءا بحقيقة لا إله إلا الله، ويحتاج ثانيا إلى تربية الناس على ما تقتضيه هذه الحقائق من سلوك واقعي في واقع الحياة».

   وكما سبق إن رأي المفكرين اتفق في المنهج المقترح وهو سلوك المنهج التربوي الذي يخرج الأمة من أوحال الضلال ومن قيود الخرافة، وكذلك اتفق رأيهما في نقد أهل الوجهة السياسية الخارجة عن إطار التربية والتوعية من الناحية الاعتقادية، فمحمد قطب ذكر أن في سلوك هذا الطريق مزالق،

أولها: مزلق عقدي مرتبط بالإقرار بالحاكمية لغير لله تعالى.

والثاني تمييع القضية الإسلامية بالنسبة للجماهير.

والثالث خلاصته ذوبان الجماعات الإسلامية في وسط اللعبة الدبلوماسية والتحالفات المميعة للقضية عند أصحابها وأنصارها.

   وننقل هنا ما ذكره في المزلق الثاني الذي يتضمن شرح المزلق العقدي حيث قال:« إننا نقول للجماهير في كل مناسبة إن الحكم بغير أنزل الله باطل، وإنه لا شرعية إلا للحكم الذي يحكم بشريعة الله، ثم تنظر الجماهير فترانا قد شاركنا فيما ندعوها هي لعدم المشاركة فيه! فكيف تكون النتيجة ؟! وإذا كنا نحن نجد لأنفسنا المبررات للمشاركة في النظام الذي نعلن للناس أنه باطل فكيف نتوقع من الجماهير أن تمتنع عن المشاركة، وكيف تنشأ القاعدة التي ترفض كل حكم غير حكم الله وترفض المشاركة في كل حكم غير حكم الله !».

   وتحت عنوان "دور الوثنية" ناقش الأستاذ مالك بن نبي دخول المعتركات الانتخابية فزعم أن كابوس الأوثان كان على وشك أن ينتهي، وأن فكرة الإصلاح كادت تنتصر:" لو أن أوراق الحروز التي نبذها الشعب لم ترجع إليهم باسم أوراق الانتخابات، ولو أن العقول التي كانت تصدق بالمعجزات الكاذبة، لم تعد مرة أخرى تصدق بمعجزات صناديق الانتخابات، ولو أن الزردة التي كانت تقام في ساحات المشايخ لم تعقبها الزردة التي تقام في الميدان السياسي، والتي أصبحت تقدم فيها الأمة قربانها من حين إلى حين. لقد كان من واجبنا أن ننتبه فلا نلدغ من حجر مرتين ، غير أننا لم نكن في الواقع قد تخلصنا من الأسلوب الخرافي».

   لا يقولن قائل هذا كلام مفكرين والفكر يتطور ويتغير؛ لأنا قد حرصنا على ذكر المبدأ ودليله أو علته، والفقهاء يقولون الحكم يدور مع العلة وجودا وعدما، والعلة التي بني عليها هذا الموقف مركبة من جانب اعتقادي محكم لا يقبل التعديل أو التبديل، وجانب واقعي سياسي واجتماعي، هذا إضافة إلى البديل الإسلامي الذي تعضده الشريعة بدلائلها كتابا وسنة وإجماعا، كما قال مالك بن نبي :" وإنها لشرعة السماء غير نفسك تغير التاريخ ".

 

تم قراءة المقال 7147 مرة