Your Logo Text

التوبة من المدخلية
في قضية التوبة ليست العبرة بالمذاهب والنحل الفاسدة المتروكة، ولكن العبرة بسلامة المذهب والطريق المرجوع إليه، وسلامة هذا المرجوع إليه لا تتحقق بمجرد مخالفة ما كان عليه التائب في الانتماء أو الاقوال أو المظاهر؛ وإنما تتحقق بموافقة الحق ومعالجة أصل تلك الاعتقادات والأقوال والتصرفات الفاسدة.
وأصل فساد الطريقة المدخلية أنها تفسد الميزان ميزان الانصاف والاعتدال في كل شيء...(حيث كانت غاية وجودها اسقاط القدوات)
وبعض التائبين من المدخلية تلمس فيهم تيها، وتلمس في البعض الآخر انتقاما، وكلا الأمرين يسببه فقدان الميزان.
أما التائه فلأنه يفرط في حسن الظن بنفسه، ولأنه يسعى جاهدا أن يبين استقلاليته وأنه لا يقدس أحدا وأنه لا ينتمي لطائفة معينة ، تجده يميع مفهوم منهج السلف فيجعله معنى هلاميا، ثم يكثر من ترديد عبارة السلفية المعاصرة ليفهم الناس تبرؤه من المدخلية التي كان ومازال يحسبها هي السلفية.
والدليل على عدم اصلاح الميزان عنده؛ أنه لما كان مدخليا كان يطعن في علماء ودعاة فلما تاب استمر في الطعن فيهم؛ وربما تجرأ على الطعن فيمن لم يكن يجرؤ عليهم حال مدخليته.
وأما المنتقم فإنه ربما يعتصم بالاشعرية أو الصوفية أو الحداثة أو غيرها من الجماعات والتيارات، ويجعل منها حصنا يختفي وراءه ليرمي السلفية -التي كان يظن نفسه عليها- بكل عظيمة وكل فرية... والملاحظ أنه بمجرد ما يتلبس بها وربما خلال أشهر يتخيل نفسه رأسا فيها.
وأمر هذا واضح بأنه سيقلع عن الطعن في بعض من طعن فيهم بغير الحق، وسيشرع في الطعن في آخرين بغير الحق، وهذا هو الدليل على استمرار فساد الميزان عنده.
ولذلك فإنه حتى تحسن توبة المدخلي لابد أن يصلح الميزان الذي كسر أولا، وكل من ترك فرقة مبتدعة لن ينفعه تغيير الاسم إذا بقي مسلما لأصول تلك الفرقة التي انتسب إليها،
فالتائب التائه الذي لم يتب من أصل ضلالة المدخلية ولم يصحح الميزان فأقول إنه سيبقى تائها وربما اعتصم بمنهج المابعدية أي ما بعد السلفية الذي نحته مخترع تسميته من مصطلح ما بعد الحداثة، وهو مصطلح يرمز إلى حقيقة التيه ولذلك أنا أسميهم اللاأدرية، وذلك لأن المابعدية تعني أن لامعيار ثابت وأن لا معلم يحتكم إليه ، فكل شيء نسبي لا باعتبار الأزمان ولكن باعتبار الأشخاص، فالتائه كأنه يجعل من نفسه معيارا وقدوة لنفسه، وينطبق عليه قول الله تعالى {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ } [الفرقان: 43].
وكذا التائب مدعي الأشعرية والصوفية والحداثة وغيرها بين عشية وضحاها، إن لم يصحح الميزان ويتلبس بالانصاف فإنه سيصير عبئا على من انتسب إليهم، وسيسييء إليهم بسوء كلامه وتعديه على غيرهم، وإني أعرف أفرادا من هؤلاء الجوارح التائبين وأعرف سبب توتبهم الكامن الذي لا يجرأون على التصريح به، وهو أنهم ارتموا في أحضان المدخلية وتعلقوا برؤوس فيها على أمل الارتقاء بارتقائهم، فلما سقطت تلك الرؤوس سقطوا معها؛ فلم يبق لهم أمل في الصعود المنشود، ولذلك فإن الواحد منهم إذا تاب وانتمى إلى الجهة التي اختار التوبة إليها فإنه -بفضل الفيسبوك- سيصور للناس أنه رأس فيها وراسخ فيها، وذلك بنفس السلوك الذي تربى عليه عند المدخلية.
ولذلك تجد كثير من الفضلاء المنصفين يرون داء المدخلية -وهو داء التصنيف وتتبع العثرات والتبديع واسقاط القدوات- موجودا حتى في بعض من يغالي في معاداة المدخلية، لذلك تجدهم ينبهونهم إلى أنهم واقعون فيما يعيبون.
وقد نصحت مرة أحد المبتلين بداء نقد المدخلية حيث كتب أنه عازم على جمع أخطاء العالم الفلاني؛ فلم يعجبه كلامي ونصحي له في هذا وغيره، وانتهى الأمر بأن حظرني وكتب منشورا يتوعدني بجمع أخطائي، فقلت لمن صور لي منشوره: إنه من كثرة نظره في منشورات المداخلة صار مدخليا وهو لا يدري، وله نظراء في هذا الفضاء.
...فاللهم إنا نستغفرك مما نعلم ومما لا نعلم، ونستهديك بالليل والنهار، ونسألك الإخلاص والتوفيق لأسبابه والثبات عليه، فإنك الهادي ولا مهتدي إلا من هديته وأنت التواب ولا تائب إلا من وفقته، ولا صالح إلا من أصلحت ظاهره وباطنه.