الأحد 7 ربيع الأول 1431

إصلاح القلوب وتحقيق عبادة علام الغيوب

كتبه 
قيم الموضوع
(13 أصوات)

بسم الله الرحمن الرحيم

 إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

أما بعد فإن أول الواجبات على كل إنسان أن يحقق التوحيد الذي هو حق الله على العبيد، وأن يأتي بالعبادة التي لأجلها خلقه الله تعالى ، لأنه لا نجاة له في الأرض ولا يوم الحساب والعرض إلا بإخلاص التوحيد لله تعالى ، قال تعالى :]إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً[ (النساء:48) ، وهذا التوحيد يقسمه العلماء إلى قسمين أساسين الأول: توحيد المعرفة والإثبات الذي يتضمن معرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته وأفعاله، وإثبات كل ذلك على الوجه الذي يليق بالرب سبحانه وتعالى، ويسمى هذا التوحيد أيضا بالتوحيد العلمي ، وهو شامل لمعاني الربوبية والأسماء والصفات، والقسم الثاني : توحيد الألوهية أو العبادة بأن لا يقصد بالعبادات المشروعة للعباد أحدا إلا الله تعالى، وهذا هو معنى كلمة التوحيد لا إله إلا الله ، وهذا القسم هو الغاية التي بعث الله من أجلها الرسل جميعا كما قال تعالى: ] وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ[ (النحل36)، وهو متضمن للقسم الأول، كما أن القسم الأول مستلزم للثاني وداع إليه.

إصلاح القلوب وتحقيق عبادة علام الغيوب

 

والعبادة كما يعرفها شيخ الإسلام ابن تيمية :» اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة، فالصلاة والزكاة والصيام والحج، وصدق الحديث وأداء الأمانة وبر الوالدين وصلة الأرحام والوفاء بالعهود، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد للكفار والمنافقين، والإحسان إلى الجار واليتيم والمسكين وابن السبيل والمملوك من الآدميين والبهائم، والدعاء والذكر والقراءة وأمثال ذلك من العبادة . وكذلك حب الله ورسوله وخشية الله والإنابة إليه، وإخلاص الدين له والصبر لحكمه والشكر لنعمه والرضا بقضائه، والتوكل عليه والرجاء لرحمته والخوف لعذابه وأمثال ذلك هي من العبادة لله »([1]). فمفهوم العبادة إذن شامل لأعمال ظاهرة وهي معلومة ومشهورة كالصلاة والزكاة ونحو ذلك، وهو شامل أيضا لأعمال أخرى باطنة- أعمال قلبية -كمحبة الله وخوفه ورجائه والتوكل عليه ونحو ذلك. ومما ينبغي أن نعلمه أن التوحيد لا يصح ولا يكمل إلا بالإتيان بجنس هذه العبادات ظاهرها وباطنها على حد سواء، وأنهما متلازمان ينتفي أحدهما لانتفاء الآخر ويضعف لضعفه، وكثير من المسلمين اليوم ربما يغفلون عن العبادات القلبية، وعن العلم بوجوبها أو عن السعي إلى تحصليها، ولا ينصرف إلى أذهانهم عند ذكر العبادة إلا العبادات الظاهرة من الأركان الأربعة ونحوها من الأمور المشهورة كالدعاء والذبح والنذر والطواف، مع أن العبادات القلبية هي أصل العبادات الظاهرة، وهي الباعثة عليها والمصححة لها ، وقد قال النبي e :« أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ »([2])، ومما ينبغي أن يعلم أن الجزء الأصلي من الإيمان الذي لا يكون المسلم مسلما إلا به إنما يتكون من هذه الأعمال القلبية، قال شيخ الإسلام ابن تيمية:« فإن الإيمان أصله الإيمان الذي في القلب ولابد فيه من شيئين تصديق القلب وإقراره ومعرفته…ولابد فيه من عمل القلب مثل حب الله ورسوله وإخلاص العمل لله وحده وتوكل القلب على الله وحده وغير ذلك من أعمال القلوب التي أوجبها الله ورسوله وجعلها من الإيمان» ([3]).

وقد رأيت أن أخرج هذه الرسالة المتضمنة لشرح بعض من هذه العبادات، تنبيها على أهميتها ودلالة على لوازمها الواجبة ، ودعوة إلى دراستها وتدريسها لأنها لب العقيدة ولأنها أساس كل إصلاح ، فإنه لا صلاح للأمة إلى بصلاح أفرادها ، والأفراد لا صلاح لهم إلا بإصلاح قلوبهم بإعمارها بتوحيد الله تعالى وبجميع أنواع العبادات الباطنة، وقد حاولت أن ألتزم فيها بمنهجية متجانسة ومنسجمة تؤدي الغرض المقصود ، وهي بيان إيجاب العبادة وإخلاصها لله تعالى، ثم الإرشاد إلى طرق تحصيلها ووسائل تقويتها ، ثم بيان لوازمها العملية التي ينبغي أن تظهر على الجوارح والأعمال، نسأل الله تعالى أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه وأن ينفع به، وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك.

  المبحث الأول : الإخلاص

 

أوَّل واجب على العبد قول كلمة الإخلاص:" لا إله إلا الله "، وأوَّل عبادة قلبية ينبغي تحصيلها هي عبادة الإخلاص، التي تعني إفراد الله تعالى بالقصد في الطاعة مع تصفية الفعل عن ملاحظة المخلوقين([4])، فمن قصد غير المولى عز وجل بالعبادة فقد أشرك شركا أكبر، ومن لاحظ المخلوق -وهو يسير الرياء- وقع في الشرك الأصغر.

المطلب الأول : وجوب الإخلاص لله تعالى

 

وأدلة وجوب الإخلاص في كتاب الله تعالى وسنة رسول الله e كثيرة نذكر منها ما يأتي :

 

1-قال تعالى:] إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ[ (الزمر:2-3). قال ابن كثير:» أي فاعبد الله وحده لا شريك له وادع الخلق إلى ذلك، وأعلمهم أنه لا تصلح العبادة إلا له وحده وأنه ليس له شريك ولا عديل ولا نديد، ولهذا قال تعالى:" ألا لله الدين الخالص" أي لا يقبل من العمل إلا ما أخلص فيه العامل لله وحده لا شريك له «([5]).

 

2-وقال سبحانه:] فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً [ (الكهف:110)، قال ابن كثير :« وإنما أخبركم أنما إلهكم الذي أدعوكم إلى عبادته إله واحد لا شريك له فمن كان يرجو لقاء ربه أي ثوابه وجزاءه الصالح فليعمل عملا صالحا أي ما كان موافقا لشرع الله، ولا يشرك بعبادة ربه أحدا، وهو الذي يراد به وجه الله وحده لا شريك له، وهذان ركنا العمل المتقبل لا بد أن يكون خالصا لله صوابا على شريعة رسول الله e »([6]).

3-وقال جل جلاله :] مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً. وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً. كُلّاً نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً[ (الإسراء:18-20).

 

والعاجلة هي الدنيا فمن ابتغاها بأعماله دون وجه الله تعالى فإنه إن أعطي شيئا إنما يعطاه في الدنيا كما قال:" ما شاء لمن نريد " وفق إرادته وحكمته سبحانه، ومن أراد الآخرة وابتغى وجه الله تعالى بأعماله كان سعيه مشكورا أي مقبولا، والمقصود بالعطاء هنا عطاء الدنيا ، لأن الكافر محروم يوم القيامة ([7]).

 

4-قال e :« إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لِأَنْ يُقَالَ جَرِيءٌ فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِئٌ فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلَّا أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ هُوَ جَوَادٌ فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّارِ »([8]). فتأمل كيف تنقلب الأعمال من كونها أعظم الطاعات لتصير أرذل المعاصي، وما ذلك إلا لفقدان الإخلاص فيها، فإنه كما أن من ترك العبادة لم يكن في عافية، فكذلك من أتى بها من غير إخلاص فليس هو في عافية، ولا ينجي العبد إلا أن يعبد الله وأن يكون مخلصا لله تعالى في عبادته.

 

المطلب الثاني : أسباب تحصيل الإخلاص

بعد معرفة معنى الإخلاص ووجوب تحصيله نأتي إلى بيان أسباب تحصيله وتقويته في القلب ، فنذكر منها :

 

1-تذكر الصفات الدالة على علم الله تعالى الشامل، وبصره بالعباد وإحاطته بالظواهر والبواطن واطلاعه على سرائرهم، لأن استصحاب ذكر هذه الصفات يورث العبد مراقبة الله تعالى في جميع أقواله وأفعاله وأحواله، وذلك من أعظم أسباب المداومة على الإخلاص وطرد الإرادات الفاسدة، قال تعالى:]قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ[(آل عمران:29)، وقال:] فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى[ (طـه:7).

 

2-الاستعانة بالله تعالى على تحقيق الإخلاص وإعلان الافتقار إليه، قال تعالى:]إياك نعبد وإياك نستعين [، فقد قرن الرب سبحانه بين العبادة والاستعانة ليبين لنا عدم استغنائنا عن الله تعالى في تحقيق هذه العبادة، فإنه من يهده الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا. يقول القرافي رحمه الله :« اعلم يا أخي أن هذا المقام تشيب منه النواصي ولا يعتصم منه بالصياصي ، فينبغي لك أن توفر العناية عليه والجد فيه مستعينا بالله فمن لم يساعده القدر لم ينفعه الحذر وقطع الكبر من استكبر .

 

إذا لم يكن عون من الله للفتى         فأكثر من يجني عليه اجتهاده

 

لكني أدلك على أعظم الوسائل مع بذل الاجتهاد وهو أن تكون مع بذل جهدك شديد الخوف عظيم الافتقار ملقيا للسلاح معتمدا على ذي الجلال مخرجا لنفسك من التدبير، فإن هذه الوسيلة هي العروة الوثقى لماسكها وطريق السلامة لسالكها«([9]).

 

3-التعوذ بالله عز وجل من الشرك ومن الرياء كما قال إبراهيم :] وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ [ (إبراهيم:35)، وهذا أخص من معنى الاستعانة ، وهو يتضمن عدم الأمن من مكر الله ، وعدم إحسان الظن بالنفس والاغترار بالحال، وإذا كان خليل الله تعالى إبراهيم يدعو بهذا الدعاء فما بالنا نحن نعرض عن هذا السبب ونستغني عنه. قال أبو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ e ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا هَذَا الشِّرْكَ فَإِنَّهُ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ فَقَالَ لَهُ مَنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ وَكَيْفَ نَتَّقِيهِ وَهُوَ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ قُولُوا اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ نُشْرِكَ بِكَ شَيْئًا نَعْلَمُهُ وَنَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لَا نَعْلَمُ »([10]).

 

4-تأمل عواقب الشرك والرياء الدنيوية والأخروية التي منها الفضيحة (في الحياة الدنيا وفي الآخرة) وأعظمها إبطال الأعمال يوم العرض والحساب، كما قال تعالى: ] وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً[ (الفرقان:23). وكما قال أيضا في الحديث القدسي : « أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ»([11]).

 

5-من الأمور المساعدة على الإخلاص إخفاء العبادة التي يمكن إخفاؤها، كالصيام وقيام الليل والصدقة قال تعالى :] إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [ (البقرة:271).

 

6-الاجتهاد في مراجعة النفس واتهامها وعدم إحسان الظن بها ، من هذا الباب قول هشام الدستوائي :« والله ما أستطيع أن أقول إني ذهبت يوما قط أطلب الحديث أريد وجه الله تعالى « ([12])، وكان يقال لأحمد: إن الناس يدعون لك، فيقول:« ليته لا يكون استدراجا » ([13]).

 

7-قراءة سير الصالحين وقصصهم وتأمل عاقبة المخلصين وما نالوه من الحفظ والتأييد من رب العالمين، ومن ذلك ما ثبت في سنن النسائي أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَعْرَابِ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ e فَآمَنَ بِهِ وَاتَّبَعَهُ، فَلَمَّا كَانَتْ غَزْوَةٌ أعطي الأعرابي نصيبه من الغنيمة فَأَخَذَهُ فَجَاءَ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ e فَقَالَ مَا عَلَى هَذَا اتَّبَعْتُكَ وَلَكِنِّي اتَّبَعْتُكَ عَلَى أَنْ أُرْمَى إِلَى هَاهُنَا وَأَشَارَ إِلَى حَلْقِهِ بِسَهْمٍ فَأَمُوتَ فَأَدْخُلَ الْجَنَّةَ فَقَالَ إِنْ تَصْدُقْ اللَّهَ يَصْدُقْكَ فَلَبِثُوا قَلِيلًا ثُمَّ نَهَضُوا فِي قِتَالِ الْعَدُوِّ فَأُتِيَ بِهِ النَّبِيُّ e يُحْمَلُ قَدْ أَصَابَهُ سَهْمٌ حَيْثُ أَشَارَ فَقَالَ النَّبِيُّ e أَهُوَ هُوَ قَالُوا نَعَمْ قَالَ صَدَقَ اللَّهَ فَصَدَقَهُ »([14]).

المطلب الثالث : لوازم حصول الإخلاص

 

وإذا كان الإخلاص موجودا في قلب المؤمن فإنه لابد أن تظهر لوازمه على الجوارح ، لما هو متقرر في العقيدة من تلازم الظاهر والباطن ، وقد قال النبي e : « أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ»([15])، ومن تلك اللوازم :

 

1-إخلاص التوحيد العملي واجتناب مظاهر الشرك: بأن تصرف العبادات (الظاهرة والباطنة) لله تعالى وحده، فلا يُقصد بها صنم من الأصنام أو شخص من الأشخاص، حيا كان أو ميتا، وإلا كانت باطلة في ذاتها مبطلة لغيرها من الأعمال، قال تعالى :] وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ[ (الزمر:65)، قال تعالى: ] إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ[ (المائدة72).

 

2-ومن لوازمه اجتناب الرياء يسيره وكثيره، بأن تخلى العبادات من قصد المخلوق، ومن التَّزَيُّن له ومن حب التسميع والظهور على الناس ومدح المادحين ونحو ذلك، قال e: « مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ وَمَنْ رَاءَى رَاءَى اللَّهُ بِهِ» ([16])، أي عامله بنقيض قصده، فالمرائي يعمل ليراه الناس وليسمعوا به، والله تعالى يسمع به فيفضحه، ويُري الناس خزاياه، ويحتمل أن يكون ذلك في الدنيا، كما يحتمل أن يكون في الآخرة نسأل الله السلامة والعافية. فإن كان أصل العمل لغير الله فالعمل حابط، وإن طرأ الرياء على العمل ففيه اختلاف بين العلماء هل يحبط الكل أو ينقص الأجر، والواجب الحرص على السلامة منه كثيره ويسيره في أول الأعمال وفي آخرها.

 

3-ومنها عدم إرادة الدنيا بالطاعة والعبادة ، لا مال ولا رياسة ولا أي جزاء دنيوي آخر، فمن قصد ذلك أفسد عمله ، ولم ينل منه إلا ما أراد([17])، كما قال تعالى : ]مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ [ (هود:15)، وقال النبي e :« إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ وَإِنَّمَا لِامْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ »([18]).

 

4-ومنها أن لا يقصد بالعمل والطاعة تحصيل شهوة في النفس، أو خدمة شخص أو جماعة لذاتها، ومثال الأول أن من الناس من يتظاهر بنصيحة إخوانه، وهو يريد أن يظهر علمه أمامهم أو أن يتعالى عليهم ، ومنهم من يغير المنكر لأن الذي وقع فيه أحد خصومه ومنافسيه، ومثال الثاني حال من ينتمي إلى بعض الجمعيات، فلا يعمل الخير من إغاثة وتصدق ونحو ذلك، إلا إذا كان باسم تلك الجمعية، فيجعل الإشهار لجماعته هو المقصد، فإن كان وإلا لم يعمل الخير فلا شك أن مثل هذا الصنيع من مبطلات الأعمال.

 

5-ومن لوازم الإخلاص أيضا اجتناب العبد التزين بما ليس فيه والابتعاد عن الادعاء الكاذب، وكراهة الحمد بما لم يصنع، قال تعالى : ]لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ[ (آل عمران:188). وقال النبي e :« الْمُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ » ([19]).

 

6-من لوازمه الزهد في ملاذ الدنيا وفيما يتنافس فيه أهلها من مال وجاه، قال إبراهيم بن أدهم:« ما صدق الله عبد أحب الشهرة »، وقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ e مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلَا فِي غَنَمٍ بِأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ الْمَرْءِ عَلَى الْمَالِ وَالشَّرَفِ لِدِينِهِ»([20]).

 

7-ومن لوازمه الصبر والثبات على الطاعة، وعدم قطع الأعمال الصالحة لأجل عرض الدنيا أو عند التعرض للبلاء، لأن من أراد وجه الله تعالى تحمل كل المشاق وضحى بالفاني في سبيل الباقي، قال تعالى : ]وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ[ (العنكبوت:69). والتذبذب والتراجع علامة عدم الإخلاص، قال سبحانه: ]وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ[ (الحج:11) ، وقد قال الإمام مالك :« ما كان لله دام واتصل وما كان لغيره انقطع وانفصل ».

 

 المبحث الثاني : المحبة

 من أهم العبادات القلبية الواجبة على كل مسلم « محبة الله »([21])، عبادة فَقدُها من أصلها يكون خروجا عن الإسلام ، ونقصانها وضعفها سبب الوقوع في المعاصي، وهي كسائر العبادات واجبٌ الإتيان بها، وواجبٌ على كل مسلم أن يفرد بها المولى عز وجل، قال السعدي:« أصل التوحيد وروحه إخلاص المحبة لله وحده، وهي أصل التأله والتعبد له، بل هي حقيقة العبادة، ولا يتم التوحيد حتى تكمل محبة العبد لربه، وتسبق محبته جميع المحاب وتغلبها، ويكون لها الحكم عليها، بحيث تكون سائر محاب العبد تبعا لهذه المحبة التي بها سعادة العبد وفلاحه»([22]).

 المطلب الأول : وجوب إخلاص المحبة لله تعالى

 

 

 

ومن أدلة إيجاب إخلاص المحبة لله تعالى :

 

1-قوله تعالى: } وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ { (البقرة165)، هذا حال المشركين الذين كانوا يحبون الله تعالى ويحبون معه تلك الأصنام التي يعبدون من دون الله تعالى، لم يرتض منهم الرب سبحانه هذا التشريك، وأخبر أن صفة المؤمنين أنهم يحبونه ولا يحبون أحدا مثل محبته، فالله تعالى هو المحبوب الأول عند المؤمنين([23]).

 

2-ومنها قوله سبحانه :] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ [ (المائدة:54) ذكر الله تعالى أخص صفات العباد الذين يحبهم، فكان من أولها أنهم يحبونه، والباقي من فروع محبة الله تعالى كما يأتي بيانه.

 

3-ومنها قوله عز وجل :] قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [ (التوبة:24)، وهذا من أصرح الأدلة على وجوب محبة الله تعالى وعلى محبة الرسول e أيضا، حيث أن الله تعالى ذكر أعظم ما يحبه الناس في هذه الدنيا من المتاع والأقرباء ، ومعنى الآية إن كانت هذه الأشياء أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا أي فانتظروا ماذا يحل بكم من عقابه ونكاله بكم، ولهذا قال حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين ([24]).

 

المطلب الثاني : أسباب تحصيل عبادة المحبة

 

 

 

ولتحصيل المحبة في القلوب وتقويتها وزيادتها عدة أسباب نذكر منها ما يلي:

 

1-تحصل محبة الله تعالى بتعلم أسماء الله تعالى وصفاته الدالة على جماله، وتدبر معانيها كالرحمة (ومظاهرها)، والرأفة وهي أعلى معاني الرحمة، وكالحلم ومنه الصبر على كفر الناس وفسوقهم وعدم تعجيل عقوبتهم، والكرم وهو الإعطاء من غير سؤال، والهداية فالله هو من أرشد عباده إلى جميع المنافع وحذرهم من المضار وعلمهم ووفقهم للخير، والود والمحبة حيث أن الله تعالى هو الودود الذي يحِب عباده المؤمنين الصالحين، وهم يحبونه.

 

وهذا من أعظم الطرق لأن محبة الأشياء تابعة للمعرفة بصفاتها وخصائصها ، فنحن نحب الرجل إذا علمنا أنه مؤمن من المصلين، فإن علمنا أنه من أهل النجدة والإغاثة، ومعروف بالجود والكرم ازددنا محبة له، فإن تبين لنا أنه من العلماء الناصحين ازددنا محبة له، أما الشخص يذكر لك اسمه دون أي شيء من صفاته فلا يمكنك أن تكون محبا له ولا مبغضا، وكذلك الله تعالى –ولله المثل الأعلى-إنما يحبه عباده على قدر معرفتهم بمعاني أسمائه وصفاته سبحانه([25]).

 

2-ومن أسباب محبة الله تعالى تذكر وملاحظة نعم الله الظاهرة والباطنة التي نتقلب فيها، قال تعالى –على لسان هود-:] فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ[ (الأعراف:69) ذلك أن النفوس مجبولة على حب من أحسن إليها، ونحن إنما نحب والدينا أكثر من غيرهم من الناس لأجل هذه الجبلة، والعبد يتقلب في نعم الله تعالى التي لا تعد ولا تحصى كما قال تعالى:] وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ[ (النحل: 18)، والمطلوب من العبد -كي يحصل محبة الله تعالى- أن يتأمل هذه النعم من إيمان وحياة وفراغ وصحة وسلامة حواس وطعام وهواء وغيرها، مع نسبتها إلى الله تعالى والاعتراف بفضله.

 

3-ومنها تذكر ما أعده الله تعالى لعباده المتقين في جنات النعيم ، فإن العبد إذا نظر إلى تقصيره وتقصير الناس وعصيانهم، وقارنه بما يقابلهم به الرب سبحانه من عفو ومغفرة وإحسان ازداد من غير شك محبة لله تعالى، ويكفينا أن نذكر في هذا الموضع بحال آخر الناس دخولا الجنة ، الذي ما تأخر إلا لمعاصيه الغالبة، ومع ذلك فإن الله تعالى يعطيه في الجنة قدر الدنيا وعشر أمثالها. قَالَ النَّبِيُّ e :« إِنِّي لَأَعْلَمُ آخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنْهَا وَآخِرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا رَجُلٌ يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ كَبْوًا فَيَقُولُ اللَّهُ اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجَنَّةَ فَيَأْتِيهَا فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهَا مَلْأَى فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلْأَى فَيَقُولُ اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجَنَّةَ فَيَأْتِيهَا فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهَا مَلْأَى فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلْأَى فَيَقُولُ اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجَنَّةَ فَإِنَّ لَكَ مِثْلَ الدُّنْيَا وَعَشَرَةَ أَمْثَالِهَا أَوْ إِنَّ لَكَ مِثْلَ عَشَرَةِ أَمْثَالِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ تَسْخَرُ مِنِّي أَوْ تَضْحَكُ مِنِّي وَأَنْتَ الْمَلِكُ فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ e ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ وَكَانَ يَقُولُ ذَاكَ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً»([26])

 

4-ومنها الإكثار من الطاعات والمداومة عليها، والبعد عن المعاصي لتحصيل معنى القرب، ولأن من الأمور التي تقوي المحبة الاقتراب من المحبوب ، والاقتراب من الله تعالى إنما يكون بالإكثار من الطاعات والمداومة على ذكره وتلاوة كلامه، ومراقبته سبحانه في الأقوال والأعمال.

 

5-ومن أعظم أسباب تحصيل المحبة دعاء الله تعالى والاستعانة به والتضرع إليه، وكان من دعاء الرسول e : «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَتَرْكَ الْمُنْكَرَاتِ وَحُبَّ الْمَسَاكِينِ وَأَنْ تَغْفِرَ لِي وَتَرْحَمَنِي وَإِذَا أَرَدْتَ فِتْنَةَ قَوْمٍ فَتَوَفَّنِي غَيْرَ مَفْتُونٍ أَسْأَلُكَ حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ وَحُبَّ عَمَلٍ يُقَرِّبُ إِلَى حُبِّكَ»([27]).

 

 

المطلب الثالث : لوازم إخلاص عبادة المحبة

 

 

 

وإذا تحققت المحبة في القلوب كان لذلك عدة علامات على الجوارح، منها:

 

1-الانقياد لله جل جلاله وقبول أحكامه، وإعلان الإسلام والذل والخضوع لشرائعه، ولا يصح إيمان من غير هذا، ولا تقبل الشهادتان إلا بالقبول والانقياد.

 

2-طاعة الله تعالى والمسارعة إلى إرضائه ، فالمحبة من أقوى أسباب الصبر عن مخالفته ومعاصيه، فإن المحب لمن يحب مطيع وكلما قوي سلطان المحبة في القلب كان اقتضاؤه للطاعة وترك المخالفة أقوى وإنما تصدر المعصية والمخالفة من ضعف المحبة وسلطانها ([28])، وقد قال الشاعر: 

تعصي الإله وأنت تزعم حبه    هذا محال في القياس بديع

 

لو كان حبك صادقا لأطعته     إن المحب لمن يحب مطيع

 

3-ومنها تقديم طاعة المحبوب سبحانه وتعالى على طاعة غيره من مخلوقاته، على طاعة الآباء والسلاطين، ومن أطاع أحدا في معصية الله –أو من غير مراعاة أمر الله ونهيه- فقد اتخذ ربا وإلها معبودا من دون الله، قال الله تعالى:]اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ[ (التوبة:31)، وقال النبيe : «السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِمَعْصِيَةٍ فَإِذَا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ»([29])، وقالe :« لَا طَاعَةَ لِبَشَرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ»([30]). ومحبة الوالدين فطرية جبلية وهي داعية إلى طاعتهما، وقد أمر الله تعالى ببرهما والإحسان إليهما ولو كانا كافرين، ولكن إن أمرا بمعصية الله تعالى، فلا طاعة لهما قال تعالى:] وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً[(لقمان:15).

 

4-ومنها محبة النبي e وتقديم محبته على محبة غيره من الناس، لأنه حبيب الله تعالى وخليله e، وهذه المحبة من أصول الإيمان فلا يصح إلا بها، قَالَ e: « لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ»([31]). وقال e: «ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ»([32])، وعلامة هذه المحبة طاعته e وعدم التقديم بين يديه، قال تعالى: ]قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُم[ (آل عمران:31)، وهذه الآية تسمى آية المحبة، وتسمى آية المحنة أيضا بها يمتحن الناس فيتبين الصادق في دعواه محبته للنبي e من الكاذب .

 

5-ومن لوازم محبة الله تعالى محبة أوليائه، من المؤمنين عموما والصالحين من أهل العلم والطاعة خصوصا، قال سبحانه:]إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ[ (المائدة:55)، والموالاة تتضمن المحبة  والنصرة، وقال النبي e :« أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله»([33])، وقال:« مَنْ أَحَبَّ لِلَّهِ وَأَبْغَضَ لِلَّهِ وَأَعْطَى لِلَّهِ وَمَنَعَ لِلَّهِ فَقَدْ اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ»([34])، وفي مقدمة من تجب محبتهم بعد أنبياء الله تعالى أصحاب النبي e، قال تعالى: ]وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ[ (الحشر:10).

 

6-وكذلك بغض أعداء الله تعالى من الكافرين وغيرهم ومعاداتهم وعدم التشبه بهم، قال تعالى:} لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ { (المجادلة22) وقال سبحانه :} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ{ (الممتحنة 1).

 

7-ومن لوازم محبة الله تعالى الغيرة على دين الله ونصرته والتضحية في سبيله ببذل النفس والنفيس والغالي والرخيص، قال ابن القيم :« وإذا ترحلت هذه الغيرة من القلب ترحلت منه المحبة، بل ترحل منه الدين وإن بقيت فيه آثاره ، وهذه الغيرة هي أصل الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر » ([35])، ولذلك كان من صفة الذين يحبهم الله ويحبونه أنهم :] يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ  [ وقال سبحانه :] النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ[ (الأحزاب:6) قال ابن عباس وعطاء يعني إذا دعاهم  النبي e ودعتهم أنفسهم إلى شيء كانت طاعة النبي e أولى بهم من أنفسهم، وقيل: هو أولى بهم في الحمل على الجهاد وبذل النفس دونه([36]).

 

8-ومنها الإكثار من ذكر الله تعالى بالقلب واللسان، وحمده والثناء عليه بصفات الكمال ونعوت الجلال. قال ابن القيم :« ومنها كثرة ذكر المحبوب واللهج بذكره وحديثه، فمن أحب شيئا أكثر من ذكره بقلبه ولسانه ، ولهذا أمر الله سبحانه عباده بذكره على جميع الأحوال»([37]). قال تعالى:] الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ[ (آل عمران:191).

 

9-من لوازم محبة الله تعالى قراءة القرآن الكريم الذي هو كلام المحبوب عز وجل، وتدبر معانيه ، فإن من هجر كلام رب العالمين كان في ادعائه المحبة من الكاذبين، قال ابن القيم :« ومنها الإقبال على حديثه وإلقاء سمعه كله إليه بحيث يفرغ لحديثه سمعه وقلبه … فإن أعوزه حديثه بنفسه فأحب شيء إليه الحديث عنه، ولا سيما إذا حدث عنه بكلامه، فإنه يقيمه مقام خطابه كما قال القائل:" المحبون لا شيء ألذ لهم ولقلوبهم من سماع كلام محبوبهم، وفيه غاية مطلوبهم"، ولهذا لم يكن شيء ألذ لأهل المحبة من سماع القرآن »([38]).

 

10-من آثار محبة الإله جل جلاله الشوق إلى لقائه سبحانه، قال النَّبِيِّ e :« مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ » ([39])، والمحب يشتاق إلى رؤية محبوبه، ولا يرضيه البعد عنه وكان من دعاء النبي e :« وَأَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ»([40]). وقال بعض المحبين:" مساكين أهل الدنيا خرجوا من الدنيا وما ذاقوا أطيب ما فيها" قالوا: وما أطيب ما فيها؟ قال:« محبة الله والأنس به والشوق إلى لقائه والإقبال عليه والإعراض عما سواه »([41]).

المبحث الثالث : التعظيم

 

من أهم العبادات التي ينبغي أن يفرد بها المولى عز وجل عبادة التعظيم والإجلال، قال ابن القيم : « وروح العبادة هو الإجلال والمحبة، فإذا تخلى أحدهم عن الآخر فسدت »([42]).

 

 

 

المطلب الأول : وجوب إخلاص التعظيم لله تعالى

 

 

 

ومن أدلة وجوب إخلاص عبادة التعظيم والإجلال لله رب العالمين :

 

1-قول الله تعالى على لسان نوح :] مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً [ (نوح:13-14) والوقار التعظيم، فمما كان يدعو إليه نوح عليه السلام تعظيم الإله جل جلاله .

 

2-وقوله سبحانه:] مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ[  (الحج:74) قال ابن كثير:« أي ما عرفوا قدر الله وعظمته حين عبدوا معه غيره من هذه التي لا تقاوم الذباب لضعفها وعجزها، إن الله لقوي عزيز أي هو القوي الذي بقدرته وقوته خلق كل شيء وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه، إن بطش ربك لشديد إنه هو يبدئ ويعيد …، وقوله عزيز أي قد عز كل شيء فقهره وغلبه فلا يمانع ولا يغالب لعظمته وسلطانه وهو الواحد القهار»([43]).

 

3-وقوله جل جلاله :] ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ [ (لقمان:30) قال ابن كثير :« أي إنما يظهر لكم آياته لتستدلوا بها على أنه الحق أي الموجود الحق الإله الحق، وأن كل ما سواه باطل، فإنه الغني عما سواه وكل شيء فقير إليه لأن كل ما في السماوات والأرض الجميع خلقه وعبيده لا يقدر أحد منهم على تحريك ذرة إلا بإذنه ولو اجتمع كل أهل الأرض على أن يخلقوا ذبابا لعجزوا عن ذلك، … وأن الله هو العلي الكبير أي العلي الذي لا أعلى منه الكبير الذي هو أكبر من كل شيء، فكل شيء خاضع حقير بالنسبة إليه»([44]).

 

4-وقال الله عز وجل :] فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ [ (الواقعة:74) أي نزهه عن العيوب وعن النقائص وهذا أمر من الله تعالى واجب امتثاله اعتقادا وقولا وعملا ، قال ابن كثير :» وقوله تعالى فسبح باسم ربك العظيم أي الذي بقدرته خلق هذه الأشياء المختلفة المتضادة الماء الزلال العذب البارد، ولو شاء لجعله ملحا أجاجا كالبحار المغرقة وخلق النار المحرقة، وجعل ذلك مصلحة للعباد وجعل هذه منفعة لهم في معاش دنياهم وزجرا لهم في المعاد « ([45]).

 

5-ولأن العظمة من خصائصه نهانا عن التكبر وأمرنا بالتواضع، قال النبي e : «الْعِزُّ إِزَارُهُ وَالْكِبْرِيَاءُ رِدَاؤُهُ، فَمَنْ يُنَازِعُنِي عَذَّبْتُهُ» ([46]). وفي لفظ قال الله عز وجل: « الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا قَذَفْتُهُ فِي النَّارِ »([47]).

 

 المطلب الثاني : أسباب تحصيل عبادة التعظيم

 

 

 

ومن طرق تحصيل عبادة التعظيم لله تعالى وتقويتها في القلوب:

 

1-معرفة أسماء وصفات الجلال التي يتصف بها الرب سبحانه، فالله هو العظيم المستحق لأوصاف العلو والرفعة والكمال، وهو الكبير الذي يصغر دونه كل جليل لكمال قدرته وعظم ذاته وشأنه، وهو المجيد الرفيع القدر الواسع في عظمته وكرمه، وهو القدوس المنزه عن كل عيب ونقص الموصوف بصفات الكمال ، والمتعالي علو المكان وعلو المكانة وعلو القهر، والعزيز الغالب الذي لا يغلب والمنيع الذي لا يتوصل إليه والقوي المتين، وهو الجبار الذي لا يجري في ملكه غير ما يريد، وهو العليم الذي لا يغيب عن علمه شيء مهما صغر ومهما دق.

 

2-ومنها تذكر مخلوقات الله العظيمة، فهي تدل على أن خالقها أعظم كالسماوات والعرش والكرسي، قال تعالى:] وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ [ (البقرة:255)، قال ابن عباس: الكرسي موضع القدمين والعرش لا يقدر قدره أحد ([48]). وقالe : «أُذِنَ لِي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ مَلَكٍ مِنْ مَلَائِكَةِ اللَّهِ مِنْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ إِنَّ مَا بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ إِلَى عَاتِقِهِ مَسِيرَةُ سَبْعِ مِائَةِ عَامٍ»([49]). وجاء يهودي إلى النبيe فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ وَالْأَرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ وَالْجِبَالَ عَلَى إِصْبَعٍ وَالشَّجَرَ عَلَى إِصْبَعٍ وَالْخَلَائِقَ عَلَى إِصْبَعٍ ثُمَّ يَقُولُ أَنَا الْمَلِكُ فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ e حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ ثُمَّ قَرَأَ :] وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِه[ (الزمر67)»([50]).

 

3-ومن أسباب تعظيم الله جل وعلا النظر في المخلوقات المشهودة العظيمة في جرمها والصغيرة ، وتأمل دقة صنع الله تعالى، والتكامل الذي بين مخلوقاته وفي نظام الكون وتناسقه قال تعالى : ]الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ[ (الملك:3) وقال تعالى: ] وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ[ (الذريات:20-21).

 

4-ومنها النظر والتدقيق في حكم وأسرار التشريع، وما تضمنته المحرمات من مفاسد، وما تضمنته المباحات والمأمورات من مصالح عامة وخاصة([51]).

 

 

 

المطلب الثالث : لوازم حصول عبادة التعظيم

 

 

 

وإذا وجد تعظيم الخالق جل وعلا في النفوس ظهر ذلك في الأقوال والأعمال ومن لوازم ذلك :

 

1-تعظيم كلام الله تعالى تصديقا له وعملا به ، ومخالفة طريق من يحرف كلام الله تعالى أو يبدل أحكامه، فإن ذلك من أعظم مظاهر الجرأة على الله تعالى والاستهانة بكلامه والاستخفاف بأحكامه، وتعظيمه بالإنصات له إذا تلي ، قال تعالى :] وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ[ (الأعراف:204)، ومن تعظيم الله تعالى وتعظيم كلامه تعظيم سنة النبي e ، فإن سنته وحي من الله تعالى، قال عز وجل:] وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى[ (النجم:3-4)،.

 

2-من تعظيم الله تعالى تنزيهه سبحانه عن مماثلة شيء من مخلوقاته الناقصة، مع إثبات صفات الكمال ونعوت الجلال التي وصف بها نفسه أو وصفه بها رسوله، فما عظّم الرب جل جلاله من مثله بشيء من خلقه أو كيَّف صفاته، ولا عرف قدره من عطَّله عما يستحقه من صفات دالة على علوه وعظمته، ولا من خاض في مسائل الجوهر والعرض، وكما قيل الممثل إنما يعبد صنما والمعطل إنما يعبد عدما، ومن سار على عقيدة الإثبات والتنزيه التي خلاصتها في قوله تعالى : ]لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ[ (الشورى11) فهو من المعظمين لله تعالى إن شاء الله.

 

3-ومن تعظيم الله تعالى ألا ننسب إليه الشر، قال النبي e :« والشر ليس إليك»([52])، وقال تعالى :] ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ[ (آل عمران:182)، فإذا أصبنا بمصيبة فالله تعالى هو خالقها وموجدها ولا شك، ولكن تعظيما لله وتنزيها له ننسبها إلى أنفسنا لأننا نحن المتسببون فيها.

 

4-ومن لوازم التعظيم أيضا الرضا بحكم الله الكوني والاستسلام للقضاء والقدر، وعدم السخط عند المصائب والتضجر من الابتلاءات، فإن من قدس الله ونزهه اتهم نفسه، ومن قل تعظيمه لله تعالى تجده دائما يحتج على الله تعالى، وربما نسبه إلى الظلم بلسان الحال أو القال([53]).

 

5-وكذلك من لوازم التعظيم لشأنه ذكره وتمجيده والثناء عليه بأسمائه الحسنى وصفات الجمال والجلال التي اتصف بها، قال :] وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ[ (الأعراف:180)

 

6-ومن لوازم التعظيم اجتناب ذكر الله تعالى بما لا يليق به وعدم الاستهزاء بالله تعالى أو بشيء من شعائر دينه، فإن من فعل ذلك فقد كفر بالله العظيم، قال تعالى: ] قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ[ (التوبة:65-66)، وكذلك من تجرأ على رب العزة سبحانه بالسب له أو لدينه فإن ذلك كما ينافي المحبة وينقضها فهو ينافي التعظيم ويهدمه، ولا يصدر ذلك إلا من مستهين بالله تعالى ومبغض له نسأل الله السلامة والعافية.

 

7-ومنها تعظيم من عظم الله تعالى من عباده كالأنبياء والمرسلين ، وأولهم نبينا e قال تعالى :] لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً[ (الفتح:9) وقال :] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ[ (الحجرات:2)، والصحابة والعلماء([54]) والصالحين، من غير غلو ولا رفع لهم فوق مرتبهم، والتعظيم الكامل والخالص ليس إلا لله تعالى .

 

8-ومنها الاستسلام لحكم الله الشرعي بالامتثال لأوامره والانتهاء عن نواهيه دون طعن فيها أو رفض لها وهذا من الكفر والردة عن الإسلام، فإنه من رفض حكما واحدا من أحكام الإسلام خرج عن الملة، وقال تعالى: ]أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ[ (المائدة 50).

 

9-وتعظيم شعائر الدين الظاهرة كالصلاة والزكاة والحج والصيام والعيدين والأضحية بالمحافظة عليها وإظهارها ومباهاة الأمم بها، قال تعالى :] ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ[ (الحج:32).

 

10-ومن تعظيم الله تعالى ودينه اجتناب تتبع للرخص والحيل والزلات، قال تعالى: ] وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ [ (الحج 30). قَالَ e :« قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الشُّحُومُ فَجَمَلُوهَا فَبَاعُوهَا»([55]).

 

11-ومن لوازم إخلاص التعظيم لله تعالى عدم الإشراك به في الحلف، فإن الناس إنما يحلفون بما هو معظم عندهم ، وقد حرم النبي e ذلك على الناس سدا لذريعة الشرك في التعظيم، قال النبي e : « أَلَا إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ» ([56])، وفي رواية:« مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ»([57]). ومنه فالحلف بغير الله تعالى يكون من باب الشرك الأصغر، إلا إذا اقترن بالتعظيم القلبي الذي لا ينبغي إلا لله تعالى؛ فيكون حينئذ من الشرك الأكبر، وعلى ذلك دلائل كمن يحلف بالله ولا يبالي أكان صادقا أم كاذبا ، فإن قيل له احلف بسيدي فلان وعلان تلكأ وتلعثم تعظيما وإكبارا للمحلوف به.

 

12-ومنها ألا يستعاذ إلا بالله تعالى، بأن لا يطلب الحماية والعصمة إلا منه سبحانه، فهو العظيم القادر على كل شيء، قال e:« مَنْ نَزَلَ مَنْزِلًا ثُمَّ قَالَ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ»([58]). ومن استعاذ بغير الله فقد أشرك به في التعظيم، قال تعالى:]وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْأِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً[ (الجـن:6) كان من عادة العرب في الجاهلية إذا نزلوا واديا أو مكانا موحشا يعوذون بعظيم ذلك المكان من الجان أن يصيبهم بشيء يسوءهم، كما كان أحدهم يدخل بلاد أعدائه في جوار رجل كبير، فلما رأت الجن أن الإنس يعوذون بهم من خوفهم منهم زادوهم رهقا أي خوفا وإرهابا وذعرا حتى بقوا أشد منهم مخافة وأكثر تعوذا بهم([59]).

 

13-ومن لوازم إفراد الله تعالى بالتعظيم أن لا يسجد لأحد إلا لله تعالى، وأن لا يركع إلا لله وحده، قال تعالى:] لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُون[ (فصلت:37)، فمن سجد لغير الله سجود عبادة وتعظيم فقد أشرك شركا أكبر، بل ولا يجوز ذلك ولو كان انحناء يسيرا على سبيل التحية، لحديث ابْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ:« لَمَّا قَدِمَ مُعَاذٌ مِنْ الشَّامِ سَجَدَ لِلنَّبِيِّ e قَالَ مَا هَذَا يَا مُعَاذُ قَالَ أَتَيْتُ الشَّامَ فَوَافَقْتُهُمْ يَسْجُدُونَ لِأَسَاقِفَتِهِمْ وَبَطَارِقَتِهِمْ فَوَدِدْتُ فِي نَفْسِي أَنْ نَفْعَلَ ذَلِكَ بِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ e فَلَا تَفْعَلُوا، فَإِنِّي لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِغَيْرِ اللَّهِ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا »([60]).

 

 المبحث الرابع : الخوف 

 

ومن العبادات القلبية الواجبة التحصيل والإخلاص فيها عبادة الخوف من الله تعالى، وحقيقة الخوف: الذعر لتوقع الهلاك والضرر([61])، والخوف النافع الذي يدخل في الإيمان الخوف من عذاب الله تعالى في الدنيا والآخرة، لا الخوف منه في الدنيا فحسب ([62]).

 المطلب الأول : وجوب إفراد الله تعالى بالخوف 

ومن أدلة إيجاب الخوف من الله تعالى وتوحيده في ذلك :1- قول المولى عز وجل :] إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ[ (آل عمران:175) فجعل الخوف من شرائط تحقيق الإيمان الواجب الكامل ([63])، قال الشوكاني:« وأمرهم بأن يخافوه سبحانه فقال:"وخافون" فافعلوا ما آمركم به واتركوا ما أنهاكم عنه، لأني الحقيق بالخوف مني والمراقبة لأمري ونهيي لكون الخير والشر بيدي، وقيده بقوله إن كنتم مؤمنين، لأن الإيمان يقتضي ذلك »([64]). 

2-وقوله سبحانه:] وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى [ (النازعات40-41) قال ابن كثير :» أي خاف القيام بين يدي الله عز وجل وخاف حكم الله فيه ونهى نفسه عن هواها وردها إلى طاعة مولاها فإن الجنة هي المأوى ومصيره «([65]). 

3-ومن أدلة الوجوب قوله تعالى:] وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ[ (البقرة:40) والرهبة الخوف المثمر للهرب، قال الشوكاني :« ويتضمن الأمر به معنى التهديد وتقديم معمول الفعل يفيد الاختصاص »([66]). ومعناه هنا أنه لا يستحق الرهبة إلا الله تعالى، كما في قوله تعالى إياك نعبد فهو يفيد أن لا يستحق العبادة إلا الله . 

4-ومنها قوله سبحانه:] وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [ (الأنعام:48) فمهمة الرسل الإنذار وهو الإخبار الذي فيه التخويف.

المطلب الثاني : أسباب تحصيل عبادة الخوف

 

من طرق تحصيل الخوف من الله تعالى وتقويته في القلوب :

1-التعرف على الله عز وجل بأسمائه وصفاته وتدبر آثارها في أفعاله جل جلاله، الأسماء الدالة على قوة الله وعظمته وجبروته، كالقادر والقدير والملك والعظيم والعزيز والقهار والجبار، والأسماء الدالة على الإحاطة بالخلق كالعليم والسميع والبصير والقريب والشهيد والرقيب، والتأمل في أثرها من أفعاله سبحانه وتعالى، قال ابن القيم: « ونقصان الخوف من الله إنما هو لنقصان معرفة العبد به فأعرف الناس أخشاهم لله ومن عرف الله اشتد حياؤه منه وخوفه له وحبه له وكلما ازداد معرفة ازداد حياء وخوفا وحبا»([67]). قال تعالى:] إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ[ (فاطر:28) قال النبي e: « فَوَاللَّهِ لَأَنَا أَعْلَمُهُمْ بِاللَّهِ وَأَشَدُّهُمْ لَهُ خَشْيَةً » ([68])، والخشية هي الخوف الناتج عن معرفة. قال ابن القيم :« فالخوف لعامة المؤمنين والخشية للعلماء العارفين والهيبة للمحبين والإجلال للمقربين، وعلى قدر العلم والمعرفة يكون الخوف والخشية »([69]).

2-ومنها أن يتذكر العبد أن الموت يأتي فجأة ، فإن الإنسان إذا طال أمله أمن واطمأن وإذا قصر أمله خاف، قال تعالى :] بَلْ يُرِيدُ الْأِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ[ (القيامة:6)

3-ومن طرق تحصيله تذكر أحوال الآخرة وأهوال الساعة والبعث والنشور والعرض والحساب، فإن النبي e قال: « مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عُذِّبَ»([70])، وأن يتذكر أن ثمت ميزانا توزن فيه أعماله، قال تعالى: ] فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ[ (الزلزلة:7-8).

4-تذكر عذاب الآخرة ([71])، قال النبي e :« وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ رَأَيْتُمْ مَا رَأَيْتُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا قَالُوا وَمَا رَأَيْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ رَأَيْتُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ »([72]). وقال في حديث آخر:« وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا وَمَا تَلَذَّذْتُمْ بِالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُشِ وَلَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ تَجْأَرُونَ إِلَى اللَّهِ »([73])، ومعنى جأر إلى الله أي تضرع إليه، وأصله في اللغة الصياح.

5-ومنها أن يذكر العبد ذنوبه المكتسبة وعقوبات أهلها في الدنيا والآخرة ، وأن يذكر أسباب العذاب في القبر ويوم القيامة ، ومن ذلك عقوبة الشرك والرياء التي قال فيها تعالى:] وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً[ (الفرقان23) وهي الأعمال التي كانت لغير الله أو على غير أمره وسنة رسوله e . قال ابن القيم: « وبالجملة فمن استقر في قلبه ذكر الدار الآخرة وجزاؤها وذكر المعصية والتوعد عليها وعدم الوثوق بإتيانه بالتوبة النصوح هاج في قلبه من الخوف مالا يملكه ولا يفارقه حتى ينجو » ([74]).

6-ومنها تأمل العقوبات الدنيوية المشهودة في العالم، كالزلازل والفتن والأمراض ومنع القطر والجراد وغيرها ، العقوبات التي قال الله تعالى فيها:] وَمَا نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً[ (الإسراء 59). ومن معنى تأمل هذه العقوبات ربطها بأسبابها المباشرة وهي أعمال العباد.

7-قراءة أخبار الخائفين الخاشعين ، كأبي بكر رضي الله عنه الذي كان يمسك لسانه ويقول هذا الذي أوردني المهالك، وكان يقول يا ليتني كنت شجرة تعضد، وعمر رضي الله عنه الذي قال:« ليتني كنت هذه التبنة يا ليتني لم أكن شيئا مذكورا ، يا ليت أمي لم تلدني»([75])، وكان يقول :« لو نادى مناد من السماء أيها الناس إنكم داخلون الجنة كلكم أجمعون إلا رجلا واحدا لخفت أن أكون هو»([76]). ومن السلف من كان يقرأ الآية فيغشى عليه، ومنهم من كان يقوم الليل كله بآية واحدة لا يقدر على إتمامها.

 

المطلب الثالث : لوازم إخلاص عبادة الخوف

ومن لوازم إخلاص الخوف لله تعالى :

1-تحقيق تقوى الله بفعل الواجبات والإحجام عن المعاصي والمحرمات، قال تعالى: ]قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ [(الأنعام 15)، وقال ابن تيمية:« الخوف المحمود : ما حجزك عن محارم الله »([77])، وذكر الرسول e في السبعة الذين يظلهم الله يوم لا ظل إلا ظله:« ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله» ([78]). قال بعض الزهاد :« إذا سكن الخوف القلوب أحرق مواضع الشهوات منها وطرد الدنيا عنها »، وقال آخر:«صدق الخوف هو الورع عن الآثام ظاهرا وباطنا »([79]).

2-إفراد الله تعال بخوف السر وخوف التذلل وعدم الخوف من الجن أو الأولياء الموتى والأحياء، فإن الخوف من الغائب العاجز شرك صريح، وهو يؤدي إلى الشرك العملي كالذبح لغير الله تعالى والاستعاذة بغير الله كقول بعضهم إذا ذكر الجن أو الأولياء بسوء: "مسلمين مكتفين" خوفا من أن تنزل عليهم صاعقة أو يصيبهم عذاب، قال تعالى :] وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْأِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً[ (الجـن:6).

3-وكذلك من اللوازم عدم تقديم خوف الناس (وهو خوف طبيعي([80])) على خوف الله تعالى فيعصي الله تعالى ويترك الواجبات خوفا من للناس، قال تعالى: ]فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَة[ (النساء:77) ومن فعل هذا فقد وقع في ضرب من ضروب الشرك الأصغر([81]).

4-ومن لازم الخوف من الله عدم الاستهانة بشرعه والتساهل في تطبيق أحكامه، اجتناب تتبع الرخص والحيل وزلات العلماء، قال تعالى:] فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً [(المائدة:44).

5-ومن خاف الله تعالى عظم ذنوبه ولم يحتقرها، فالناس جميعا يعصون مؤمنهم وفاجرهم، ولكن المؤمن إذا أخطأ ازداد خوفه من ربه، قال ابن مسعود:«إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه تحت جبل يخاف أن يقع عليه ، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه فقال هكذا »([82]). قال رسول الله  e قال: «إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ فَإِنَّهُنَّ يَجْتَمِعْنَ عَلَى الرَّجُلِ حَتَّى يُهْلِكْنَهُ » ثم قال ابن مسعود:« وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ eضَرَبَ لَهُنَّ مَثَلًا كَمَثَلِ قَوْمٍ نَزَلُوا أَرْضَ فَلَاةٍ فَحَضَرَ صَنِيعُ الْقَوْمِ فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَنْطَلِقُ فَيَجِيءُ بِالْعُودِ وَالرَّجُلُ يَجِيءُ بِالْعُودِ حَتَّى جَمَعُوا سَوَادًا فَأَجَّجُوا نَارًا وَأَنْضَجُوا مَا قَذَفُوا فِيهَا»([83]).

6-ومنها المسارعة إلى التوبة والإكثار من الطاعات، قال تعالى:] فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ[ (الذاريات:50)، فمن آثار الخوف من الله الخوف من أن يحال بين المرء وبين التوبة .

7-ومن آثار الخوف عدم الأمن من مكر الله تعالى وسؤال المولى عز وجل التثبيت على الدين، قال تعالى :] أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ[ (الأعراف:99) ، والخوف من انقلاب الحال وسوء الخاتمة ، قال e :« فَوَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا » ([84]). وكَانَ رَسُولُ اللَّهِ e يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ آمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا قَالَ نَعَمْ إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ»([85])، وقال بعضهم: «مثل القلب في سرعة تقلبه كريشة ملقاة بأرض فلاة تقلبها الرياح ظهرا لبطن».

8-والطائع يخاف أيضا أن لا يتقبل عمله، قال تعالى:] إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ[ (المؤمنون:57-61) والإشفاق خوف ورِقَّة ورحمة، والوجل خوف مع رجفان القلب ([86])، فقد مدح الله تعالى الطائعين الذي يخافون أن لا يتقبل منهم ، وعن عَائِشَةَ قَالَتْ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ e عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ : أَهُمْ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَيَسْرِقُونَ قَالَ لَا يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ وَلَكِنَّهُمْ الَّذِينَ يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَتَصَدَّقُونَ وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ»([87]).

قال علي t:« كونوا لقبول العمل أشد اهتماماً منكم بالعمل، ألم تسمعوا الله يقول :] إنما يتقبل الله من المتقين [ (المائدة:27)»([88])، وقال فضالة بن عبيد t : «لأن أكون أعلم من الله قد تقبل مني مثقال حبة خردل أحب إلي من الدنيا وما فيها لأن الله تعالى يقول:] إنما يتقبل الله من المتقين [ »([89]).

9- ومن أعظم آثار الخوف من الله تعالى الخشوع لذكر الله تعالى ولسماع كلامه، والبكاء من خشية الله تعالى ، قال تعالى :] أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ [ (الحديد:16) وقال :] وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ [ (المائدة:83)، وقد شهد الله تعالى بالنجاة للخاشعين قال :] قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ[ (المؤمنون:1-2) وبشر النبيe  من ذكر الله تعالى ففاضت عيناه بإظلال الله يوم القيامة ، وقال :« لَا يَلِجُ النَّارَ رَجُلٌ بَكَى مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ حَتَّى يَعُودَ اللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ وَلَا يَجْتَمِعُ غُبَارٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَدُخَانُ جَهَنَّمَ »([90]).

 المبحث الخامس : الرجاء

 

ومن العبادات القلبية الواجب على كل مسلم تحصيلها عبادة الرجاء، وهو الثقة بجود الرب سبحانه والطمع فيما عنده والتعلق برحمته والاستبشار بفضله([91]). ومعنى الرغبة قريب منه فالرجاء طمع والرغبة طلب فهي ثمرة الرجاء فإن من رجا شيئا طلبه ([92]).

 المطلب الأول : وجوب إخلاص الرجاء لله تعالى

 

ويدل على وجوب إخلاص الرجاء لله تعالى أدلة منها :

1-قوله تعالى:] وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ[ (يوسف 87) وقال :] وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ [ (الحجر:56) لأن الرجاء أمل وضده اليأس والقنوط، والمؤمن دائما يرجو فرج الله تعالى والكافر يقنط في الشدائد.

2-وقول النبي e :« لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» ([93]). ومعنى إحسان الظن بالله تعالى أن يظن أن الله تعالى يرحمه ويرجو ذلك بتدبر الآيات والأحاديث الواردة في كرم الله تعالى وعفوه، وما وعد به أهل التوحيد والتوبة من الرحمة يوم القيامة ([94]).

3-ويدل على وجوبه أن الله تعالى مع أمره لنا باتخاذ الأسباب يأمرنا بأن لا نعتمد عليها وأن لا نرجو إلا الله تعالى ، قال الله تعالى لما أنزل الملائكة:]وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ[ (آل عمران:126) وقال:]إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ[ (آل عمران:160) ([95]).

4-ويدل على وجوب إفراد الله تعالى بالرجاء قوله تعالى:] أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ [ (الإسراء57). قال ابن القيم :« أي هؤلاء الذين يعبدونهم من دوني هم عبادي كما أنتم عبادي ويرجون رحمتي ويخافون عذابي فلماذا تعبدونهم من دوني » ([96]).

 

المطلب الثاني: أسباب تحصيل عبادة الرجاء

ومن أسباب تحصيل عبادة الرجاء :

1-تذكر أسماء الله تعالى وصفاته الجميلة وتدبر أثرها في أفعاله جل وعلا، الأسماء الدالة على غناه وسعة ملكه والدالة على عفوه وسعة رحمته، فهو سبحانه الغني والكريم والرزاق والوهاب والتواب والرحيم والغفور، فعلى قدر العلم بها وبمعانيها وآثارها يكون الرجاء متمكنا في القلب، قال تعالى :] أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ [ (الزمر:9).

2-ومنها تذكر النعيم الذي وعد به الله تعالى عباده الصالحين في جنة الخلد، قال تعالى: ] وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً وَعْدَ اللَّهِ حَقّاً وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً[ (النساء:122)، وقد أخبر تعالى عن عباد له صالحين أنهم قالوا :] وَمَا لَنَا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ [ (المائدة :84)، وقَالَ e : «قَالَ اللَّهُ أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ»([97]).

3-ومن أسباب تحصيل الرجاء وتقويته في القلب أن يعلم العبد أن رحمة الرب سبحانه غلبت غضبه، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ e :« لَمَّا قَضَى اللَّهُ الْخَلْقَ كَتَبَ فِي كِتَابِهِ فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ إِنَّ رَحْمَتِي غَلَبَتْ غَضَبِي»([98]).

4-ومنها مطالعة أحاديث الترغيب في صالح الأعمال، وما يذكر فيها من أجر لفاعلها وثناء على أهلها، ومن ذلك قول النبي e:« مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ »([99]).

5-ومنها تعلم الأحاديث الدالة على فضل الرجاء، كقول النبي e :« قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلَا أُبَالِي يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً » ([100]). وحديث أنس رضي الله عنه :« أن النبي e دَخَلَ عَلَى شَابٍّ وَهُوَ فِي الْمَوْتِ فَقَالَ كَيْفَ تَجِدُكَ؟ قَالَ: أَرْجُو اللَّهَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَخَافُ ذُنُوبِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ e :« لَا يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ عَبْدٍ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْطِنِ إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ مَا يَرْجُو وَآمَنَهُ مِمَّا يَخَافُ »([101]).

6-ومنها الأحاديث المبينة عظم مغفرة الله تعالى وسعة رحمته، كقوله e :« لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ مِنْ رَجُلٍ فِي أَرْضٍ دَوِّيَّةٍ مَهْلِكَةٍ مَعَهُ رَاحِلَتُهُ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَنَامَ فَاسْتَيْقَظَ وَقَدْ ذَهَبَتْ فَطَلَبَهَا حَتَّى أَدْرَكَهُ الْعَطَشُ ثُمَّ قَالَ أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِيَ الَّذِي كُنْتُ فِيهِ فَأَنَامُ حَتَّى أَمُوتَ فَوَضَعَ رَأْسَهُ عَلَى سَاعِدِهِ لِيَمُوتَ فَاسْتَيْقَظَ وَعِنْدَهُ رَاحِلَتُهُ وَعَلَيْهَا زَادُهُ وَطَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَاللَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ الْعَبْدِ الْمُؤْمِنِ مِنْ هَذَا بِرَاحِلَتِهِ وَزَادِهِ » ([102]). وقوله e :« إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الرَّحْمَةَ يَوْمَ خَلَقَهَا مِائَةَ رَحْمَةٍ فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً وَأَرْسَلَ فِي خَلْقِهِ كُلِّهِمْ رَحْمَةً وَاحِدَةً فَلَوْ يَعْلَمُ الْكَافِرُ بِكُلِّ الَّذِي عِنْدَ اللَّهِ مِنْ الرَّحْمَةِ لَمْ يَيْئَسْ مِنْ الْجَنَّةِ وَلَوْ يَعْلَمُ الْمُؤْمِنُ بِكُلِّ الَّذِي عِنْدَ اللَّهِ مِنْ الْعَذَابِ لَمْ يَأْمَنْ مِنْ النَّارِ »([103]).

المطلب الثالث : لوازم إخلاص عبادة الرجاء

لتحقق عبادة الرجاء في القلب لوازم عملية كثيرة منها :

1-عدم الطمع إلا فيما عند الله الغني الكريم سبحانه، والزهد فيما أيدي الناس ، وفي الحرام والمكروه ، قال ابن رجب : « فمن حقق اليقين وثق بالله تعالى في أموره كلها ، ورضي بتدبيره له وانقطع عن التعلق بالمخلوقين رجاء وخوفا ، ومنعه ذلك من طلب الدنيا بالأسباب المكروهة » ([104]).

2-ومن آثار صحة عبادة الرجاء إخلاص الدعاء لله تعالى دون غيره ، قال تعالى: ]وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ[ (الأعراف56)، وقال سبحانه عن أنبيائه وخاصة عباده :] إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ [ (الأنبياء 90)، وقال النبي e :« سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ قَالَ وَمَنْ قَالَهَا مِنْ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَمَنْ قَالَهَا مِنْ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ »([105]).

3-ومن لوازمه عدم اليأس والقنوط من رحمة الله، فمهما كانت ذنوب العبد كثيرة وكبيرة، فعليه أن يتوب وأن يثق في عفو الله تعالى وأن يصدق وعده، قال تعالى: ]وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ[ (يوسف:87)، لأنه يعلم أن الله تعالى قد غفر لمن كفر به ولمن حارب أولياءه لما تابوا وآمنوا وحسن إسلامهم، وقال تعالى:]قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ[ (الزمر:53)، وقَالَ النبي e:« لَوْ يَعْلَمُ الْمُؤْمِنُ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنْ الْعُقُوبَةِ مَا طَمِعَ بِجَنَّتِهِ أَحَدٌ وَلَوْ يَعْلَمُ الْكَافِرُ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنْ الرَّحْمَةِ مَا قَنَطَ مِنْ جَنَّتِهِ أَحَدٌ»([106]).

4-ومنها الصبر على محن الدنيا وابتلاءاتها، قَالَ النبيe:« الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ»([107]). وقال تعالى :] وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ [  (النساء:104)

5-ومنها الاجتهاد في الطاعة والثبات عليها، فإن من رجا عمل، ومن عمل خرج من حيز التمني إلى الرجاء الصحيح ، قال تعالى :] إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ[ (البقرة:218) ، فلا يرجو رحمة الله تعالى رجاء صحيحا إلا من آمن وأطاع وصبر على الطاعة . وقال تعالى : ] فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً[ (الكهف:110)، قال ابن القيم: «التمني يكون مع الكسل ولا يسلك بصاحبه طريق الجد والاجتهاد، والرجاء يكون مع بذل الجهد وحسن التوكل، فالأول كحال من يتمنى أن تكون له أرض يبذرها ويأخذ زرعها ، والثاني كحال من يشق أرضه ويفلحها ويبذرها ويرجو طلوع الزرع ، ولهذا أجمع العارفون على أن الرجاء لا يصح إلا مع العمل»([108]).

 

بين الخوف والرجاء

 

قال مكحول الدمشقي : من عبد اللّه تعالى بالخوف وحده فهو حروري، ومن عبده بالرجاء وحده فهو مرجئ، ومن عبده بالمحبة وحده فهو زنديق، ومن عبده بالخوف والرجاء والمحبة فهو موحّد »([109]). والعبادة لا تتم إلا بالخوف والرجاء فبالخوف ينكف عن المناهي وبالرجاء يكثر من الطاعات ([110]).

قال ابن القيم :« القلب في سيره إلى الله تعالى بمنزلة الطائر فالمحبة رأسه والخوف والرجاء جناحاه ، فمتى سلم الرأس والجناحان فالطائر جيد الطيران ومتى قطع الرأس مات الطائر ، ومتى فقد الجناحان فهو عرضة لكل صائد وكاسر ، لكن السلف استحبوا أن يقوي في الصحة جناح الخوف على جناح الرجاء ، وعند الخروج من الدنيا يقوي جناح الرجاء على جناح الخوف »([111]).

وكذلك من كان عاصيا غارقا في معاصيه لا يفكر في التوبة، لا ينبغي أن  يحدَّث بما يورثه رجاء المغفرة كأحاديث الشفاعة ونحو ذلك، بل ينبغي أن يغلب له جانب الخوف الذي يردعه ويجعله يقلع عما هو فيه ، أما من كان مريدا التوبة لكنه يخاف أن لا يغفر له ، فينبغي أن يشجع على التوبة بتغليب جانب الرجاء ، لأنه ربما قنطه الشيطان من رحمة الله ورده إلى ما كان فيه.

 

المبحث السادس : التوكل

 

من العبادات القلبية الواجب تحصيلها وإخلاصها لله تعالى التوكل([112]) وهو اعتماد القلب على الله والثقة به وإسناد الأمور إليه.

وحقيقة التوكل تنبني على ركنين مهمين الثقة بالله والاعتماد عليه، فإن العبد قد يثق بالواحد من الناس ولا يعتمد عليه في أموره لاستغنائه عنه، وقد يعتمد عليه مع عدم ثقته به لحاجته إليه، ولعدم من يقوم مقامه فيحتاج إلى اعتماده عليه مع أنه غير واثق به ([113]).

 المطلب الأول : وجوب إخلاص التوكل لله تعالى

 

ويدل على وجوب إخلاص التوكل لله وحده أدلة كثيرة منها :

1-قوله سبحانه :] إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ [ (الأنفال:2-4) قال ابن تيمية:« هذا كله واجب فإن التوكل على الله واجب من أعظم الواجبات، كما أن الإخلاص لله واجب وحب الله ورسوله واجب، وقد أمر الله بالتوكل في غير آية أعظم مما أمر بالوضوء والغسل من الجنابة، ونهى عن التوكل على غير الله ، قال تعالى: ] فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ[(هود:123) وقال تعالى:] اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ[ (التغابن:13)، وقال تعالى:] إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ[ (آل عمران:160) …» ([114]).

2-وقوله تعالى :] وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [ (المائدة:23)، قال ابن القيم: « فجعل التوكل شرطا في الإيمان ، فدل على انتفاء الإيمان عند انتفاء التوكل، وفي الآية الأخرى :] وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ[ (يونس:84) فجعل دليل صحة الإسلام التوكل وقال تعالى: ]وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ[ (آل عمران:122) فذكر اسم الإيمان ههنا دون سائر أسمائهم دليل على استدعاء الإيمان للتوكل، وأن قوة التوكل وضعفه بحسب قوة الإيمان وضعفه، وكلما قوي إيمان العبد كان توكله أقوى وإذا ضعف الإيمان ضعف التوكل، وإذا كان التوكل ضعيفا فهو دليل على ضعف الإيمان ولابد » ([115]). وقال سعيد بن جبير: « التوكل على الله جماع الإيمان » ([116]).

3-ومن أدلة وجوبه قوله سبحانه :] رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً [ (المزمل:9) فأمرنا أن نتخذه وكيلا والأمر للوجوب .

4-وقوله :] وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلاً [ (الإسراء:2). وفيه وجوب إخلاص التوكل على الله لأنه نهى عن اتخاذ غيره وكيلا.

 

المطلب الثاني: أسباب تحصيل عبادة التوكل

 

ولتحصيل عبادة التوكل عدة أسباب منها :

1-التعرف على الله تعالى بأسمائه وصفاته الدالة على انتهاء الأمور إلى علمه وصدورها عن مشيئته، فالله تعالى هو الملك الذي لا يكون في ملكه إلا ما يريد، وهو الحي القائم على شؤون أهل السماوات والأرض، وهو القوي الذي لا يستولي عليه عجز والمتين الشديد في قوته والنصير لعباده ، وهو الصمد الذي يقصد في قضاء الحوائج ، وهو نعم المولى ونعم الوكيل .

2-ومنها تصحيح الاعتقاد في ربوبية الله تعالى وحسن الظن به، يقول المولى عز وجل :] أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ [ (الزمر:36)، وقال سبحانه :] وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ [ (الطلاق:3) والله تعالى لا يخلف وعده . وقال نبينا e :« إِنَّكَ لَنْ تَدَعَ شَيْئًا اتِّقَاءَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا أَعْطَاكَ اللَّهُ خَيْرًا مِنْهُ » ([117]).

3-التذكر بأن الهداية والتوفيق بيد الله عز وجل، والنظر فيما مضى من الأيام، لأنه ما من إنسان إلا وقد أنعم الله عليه فنجاه من مآزق وفتح عليه بعد مضايق وشفاه من أمراض، وسخر له في أحوال أسبابا لم تكن في حسبانه، ولا يحصل المطلوب إلا بنسبة الفضل لله تعالى، ، ومن ذلك أن يتأمل الواحد منا كيف كان في بطن أمه ثم صار طفلا رضيعا ثم صبيا صغيرا، صفته الضعف وعدم التمييز لا يمكنه الدفاع عن نفسه ولا طلب رزقه، فسخر الله تعالى له أسبابا خارجة عن طاقته وطاقة البشر، بها حفظه الله تعالى ورزقه، وهذا أمر يشترك فيه جميع العقلاء المكلفين وهم به جميعا من المعترفين .

4-الإيمان بأنه لن يصيب العبد إلا ما كتب له وقدر وأنه لا مفر من قدر الله تعالى، قال تعالى :] قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ[ (التوبة:51). قال النبي e :« احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ » ([118]).

5-تذكر قصص السابقين الوارد في الكتاب والسنة لأنه قصص ما أنزل إلا للعبرة، ولأن أعظم العبر فيه أنه يبين لنا العقيدة صورا واقعية ، تجعل العبد أكثر إيمانا وأقوى يقينا ، ومن ذلك قصة موسى عليه السلام مع أمه وكيف رده الله تعالى إليها لما كانت متوكلة على الله، قال تعالى :] وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ[ (القصص:7) ثم قال تعالى: ]فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ[ (القصص:13)، وكيف أنجاه الله وقومه من فرعون، حيث قال : ] وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ[ (الشعراء:52) ثم قال تعالى :] فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ[ (الشعراء:61-63) ، والمقصود هنا الدلالة إلى الطريق لا شرح هذه المواقف.

ومن ذلك ما قصه النبي e « أن رَجُلًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ سَأَلَ بَعْضَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يُسْلِفَهُ أَلْفَ دِينَارٍ فَقَالَ ائْتِنِي بِالشُّهَدَاءِ أُشْهِدُهُمْ فَقَالَ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا قَالَ فَأْتِنِي بِالْكَفِيلِ قَالَ كَفَى بِاللَّهِ كَفِيلًا قَالَ صَدَقْتَ فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَخَرَجَ فِي الْبَحْرِ فَقَضَى حَاجَتَهُ ثُمَّ الْتَمَسَ مَرْكَبًا يَرْكَبُهَا يَقْدَمُ عَلَيْهِ لِلْأَجَلِ الَّذِي أَجَّلَهُ فَلَمْ يَجِدْ مَرْكَبًا فَأَخَذَ خَشَبَةً فَنَقَرَهَا فَأَدْخَلَ فِيهَا أَلْفَ دِينَارٍ وَصَحِيفَةً مِنْهُ إِلَى صَاحِبِهِ ثُمَّ زَجَّجَ مَوْضِعَهَا ثُمَّ أَتَى بِهَا إِلَى الْبَحْرِ فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ تَسَلَّفْتُ فُلَانًا أَلْفَ دِينَارٍ فَسَأَلَنِي كَفِيلَا فَقُلْتُ كَفَى بِاللَّهِ كَفِيلًا فَرَضِيَ بِكَ وَسَأَلَنِي شَهِيدًا فَقُلْتُ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا فَرَضِيَ بِكَ وَأَنِّي جَهَدْتُ أَنْ أَجِدَ مَرْكَبًا أَبْعَثُ إِلَيْهِ الَّذِي لَهُ فَلَمْ أَقْدِرْ وَإِنِّي أَسْتَوْدِعُكَهَا فَرَمَى بِهَا فِي الْبَحْرِ حَتَّى وَلَجَتْ فِيهِ ثُمَّ انْصَرَفَ وَهُوَ فِي ذَلِكَ يَلْتَمِسُ مَرْكَبًا يَخْرُجُ إِلَى بَلَدِهِ فَخَرَجَ الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ يَنْظُرُ لَعَلَّ مَرْكَبًا قَدْ جَاءَ بِمَالِهِ فَإِذَا بِالْخَشَبَةِ الَّتِي فِيهَا الْمَالُ فَأَخَذَهَا لِأَهْلِهِ حَطَبًا فَلَمَّا نَشَرَهَا وَجَدَ الْمَالَ وَالصَّحِيفَةَ ثُمَّ قَدِمَ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ فَأَتَى بِالْأَلْفِ دِينَارٍ فَقَالَ وَاللَّهِ مَا زِلْتُ جَاهِدًا فِي طَلَبِ مَرْكَبٍ لِآتِيَكَ بِمَالِكَ فَمَا وَجَدْتُ مَرْكَبًا قَبْلَ الَّذِي أَتَيْتُ فِيهِ قَالَ هَلْ كُنْتَ بَعَثْتَ إِلَيَّ بِشَيْءٍ قَالَ أُخْبِرُكَ أَنِّي لَمْ أَجِدْ مَرْكَبًا قَبْلَ الَّذِي جِئْتُ فِيهِ قَالَ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَدَّى عَنْكَ الَّذِي بَعَثْتَ فِي الْخَشَبَةِ فَانْصَرِفْ بِالْأَلْفِ الدِّينَارِ رَاشِدًا »([119]).

6-ومن أسباب تحصيل التوكل المحافظة على ذكر الله تعالى ، لأن الذكر اللساني داع إلى الذكر القلبي ، ومن الأذكار التي فيها التذكير بالتوكل دعاء الخروج من البيت «بِسْمِ اللَّهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ »([120]). ومن هذه الأذكار ما بينه النبي e في قوله:« مَنْ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَمْ تُصِبْهُ فَجْأَةُ بَلَاءٍ حَتَّى يُصْبِحَ وَمَنْ قَالَهَا حِينَ يُصْبِحُ ثَلَاثُ مَرَّاتٍ لَمْ تُصِبْهُ فَجْأَةُ بَلَاءٍ حَتَّى يُمْسِيَ »([121]).

المطلب الثالث : لوازم حصول عبادة التوكل

 

ولصحة التوكل في القلب آثار ولوازم كثيرة منها :

1-اتخاذ الأسباب المشروعة، قال ابن القيم :» قال تعالى: ]وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ [ (الطلاق:2-3) فجعل التوكل بعد التقوى الذي هو قيام الأسباب المأمور بها فحينئذ إن توكل على الله فهو حسبه، وكما قال في موضع آخر:]وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ[ (المائدة:11) فالتوكل والحسب بدون قيام الأسباب المأمور بها عجز محض فإن كان مشوبا بنوع من التوكل فهو توكل عجز، فلا ينبغي للعبد أن يجعل توكله عجزا ولا يجعل عجزه توكلا، بل يجعل توكله من جملة الأسباب المأمور بها التي لا يتم المقصود إلا بها »([122]).

2-ومن لوازم التوكل عدم الركون إلى الأسباب وعدم اليأس أو الحزن عند فقدها، قال الله تعالى:] فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ [ (آل عمران:159) فالمتوكل على الله حقا لا يعلق كل أمله على السبب ، لذلك فإنه إذا زال السبب ، فإن رجاءه لا ينقطع لأنه معتمد بقلبه على خالق الأسباب كلها، وهو قادر على أن يسخر له من الأسباب ما لم يكن في حسبانه.

3-ومن لوازمه الامتناع عن التسوية بين الله تعالى وبين الأسباب في الاعتماد القلبي أو في النطق اللساني، فلا يقال توكلت على الله وعلى فلان أو على فلان وعلى الله، لأن هذا من باب الشرك اللفظي وقد قالe : « لَا تَقُولُوا مَا شَاءَ اللَّهُ وَشَاءَ فُلَانٌ، وَلَكِنْ قُولُوا مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ شَاءَ فُلَانٌ»([123]).فإما أن يقول العبد توكلنا على الله وحده ، أو يقول لوكيله أتوكل عليك وهو يريد توكلا يليق بقدرته وعلمه.

4-ومنها ترك التطير اعتقادا وقولا وعملا، قال ابن القيم:« المؤمن لا يتطير فإن التطير شرك، ولا يصده ما سمع عن مقصده وحاجته، بل يتوكل على الله ويثق به ويدفع شر التطير عنه بالتوكل، وفي الصحيحين عن ابن مسعود t عن النبي e أنه قال:" الطيرة شرك"([124])»([125])، وقال e :« مَنْ رَدَّتْهُ الطِّيَرَةُ مِنْ حَاجَةٍ فَقَدْ أَشْرَكَ»([126])، قال النبي e: « لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ وَلَا هَامَةَ وَلَا صَفَرَ»([127]). والتطير معناه التشاؤم كمن يتشاءم برؤية بعض الحيوانات أو بعض من لا يحبهم من الناس، أو ببعض الأيام والليالي ، والناس في الجاهلية كانوا يتشاءمون بشهر صفر ويعتبرونه شهر شر وحروب، ويتطيرون بالهامة وهي البومة ويقولون إذا قصدت بيتا مات بعض أهله، وقوله e:"لا عدوى" يعني لا يجوز أن يعتقد بأن المرض ينتقل بنفسه، بل ينتقل بإذن الله تعالى.

5-إذا صح التوكل لم نتخذ من الأسباب ما كان محرما، إذ لا يتصور اجتماع التوكل على الله المبني على الثقة به وبتوفيقه مع عصيانه عن علم، ومن كمال التوكل اجتناب المكروه من الأسباب أيضا.

6-ففي الشفاء، ينبغي التوكل على الله لأن الله تعالى هو الشافي، قال تعالى على لسان إبراهيم:] وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ[ (الشعراء:80)، وكَانَ النبي e إِذَا أَتَى مَرِيضًا أَوْ أُتِيَ بِهِ قَالَ:« أَذْهِبْ الْبَاسَ رَبَّ النَّاسِ اشْفِ وَأَنْتَ الشَّافِي لَا شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا »([128])، فمن التوكل الواجب أن يجتنب التداوي بالحرام، ومن باب أولى أن لا يجوز التداوي بالسحر فإنه كفر بالله تعالى، وأن يجتنب كلّ ما اشتمل على شرك صريح أو غير صريح كتعليق التمائم والحلق وغير ذلك، قَالَ النَّبِيُّ e :« مَنْ تَعَلَّقَ شَيْئًا وُكِلَ إِلَيْهِ »([129]). ويلتحق بهذا كل ما لا يعقل معناه من أسباب التداوي. ومن كمال التوكل أن يجتنب المسلم ما هو مكروه كطلب الرقية الشرعية من الغير، والاكتواء، قال e  :« يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ »، قَالُوا مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ:« هُمْ الَّذِينَ لَا يَسْتَرْقُونَ وَلَا يَتَطَيَّرُونَ وَلَا يَكْتَوُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ»([130]).

7-ويتوكل على الله في الرزق فالله تعالى هو الرزاق، ولا ينال رزقه إلا بما كان مشروعا من الأسباب، قال تعالى:] وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ[ (الطلاق:2-3) من اتخذ سببا محرما فليس من المتقين ولا من المتوكلين، وقالe:« لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرُزِقْتُمْ كَمَا يُرْزَقُ الطَّيْرُ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا» ([131])، وقال e: « أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ فَإِنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ رِزْقَهَا وَإِنْ أَبْطَأَ عَنْهَا فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ خُذُوا مَا حَلَّ وَدَعُوا مَا حَرُمَ»([132]).

8-التوكل على الله تعالى في كل شؤون الحياة وتفويض الأمور إليه، فنتوكل عليه في عباداتنا قال تعالى:]فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ[ (هود:123)، وفي دعوتنا قال تعالى: ]فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ[ (التوبة:129)، وقال تعالى على لسان رسله:] وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا [ (إبراهيم12)، وفي جميع معاملاتنا قال تعالى:] وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ[ (آل عمران:159).

9-ومن آثار التوكل إخلاص الاستعانة بالله تعالى، لأن الاستعانة هي مظهر التوكل وأثره المباشر، قال الله عز وجل :] إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ[ ، وقال e :« إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ »([133]).

قال ابن القيم: «التوكل نصف الدين والنصف الثاني الإنابة ، فإن الدين استعانة وعبادة، فالتوكل هو الاستعانة والإنابة هي العبادة »([134]).

المبحث السابع : الانقياد

 

ومن العبادات القلبية المهمة الانقياد لأمر الله تعالى والخضوع لحكم الله تعالى الديني والكوني، وقد عرف ابن القيم التسليم والانقياد بقوله « هو الخلاص من كل شبهة تعارض الخبر أو شهوة تعارض الأمر، أو إرادة تعارض الإخلاص أو اعتراض يعارض القدر والشرع»([135])، وهذه العبادة من أهم العبادات القلبية وقد عدها العلماء من شروط قبول كلمة التوحيد ، بل هي داخلة في مسمى الإسلام ، لذلك عرف الإسلام بأنه :« الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والبراءة من الشرك وأهله » ([136]).

 

المطلب الأول : وجوب إخلاص الانقياد لله تعالى

 

ومما يدل على وجوب التسليم والانقياد لله تعالى :

1-قوله تعالى:] فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً [ (النساء:65) وهذا إسلام الباطن، قال القرطبي :« ويسلموا لحكمك تسليما لا يدخلون على أنفسهم شكا»([137]).

2-وقوله سبحانه:] بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ[ (البقرة:112)، قال الطبري:«فإنه يعني بإسلام الوجه التذلل لطاعته والإذعان لأمره، وأصل الإسلام الاستسلام لأنه من استسلمت لأمره وهو الخضوع لأمره ، وإنما سمي المسلم مسلما بخضوع جوارحه لطاعة ربه»([138]).

3-وقوله عز وجل:] وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ[ (الأحزاب:36). قال الشوكاني :« ومعنى الآية أنه لا يحل لمن يؤمن بالله إذا قضى الله أمرا، أن يختار من أمر نفسه ما شاء، بل يجب عليه أن يذعن للقضاء ويوقف نفسه تحت ما قضاه الله عليه »([139]).

4-ويدل على وجوب التسليم لحكم لله الكوني قول النبي e :« إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ » ([140]).

 

المطلب الثاني : أسباب تحصيل عبادة الانقياد

 

ومن أسباب تحصيل عبادة التسليم والانقياد وتقويتها في القلب :

1-العلم بأسماء الله تعالى وصفاته التي تدل على كمال علمه وتحقق عدله وحكمته جل جلاله في شرعه وتقديره ، وكذلك الأسماء والصفات الدالة على العظمة والقوة والجبروت.

2-ومن أسباب تحصيل الانقياد أن يتذكر العبد أن الأمر والنهي حق لله تعالى فهو الخالق والمدبر، قال الله تعالى: ]أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ[ (الأعراف:54) وأن كل شيء مطيع لله تعالى، وأن يتذكر أنه عبد لله تعالى مملوك له لا حول له ولا قوة إلا به، وأنه لا مفر منه سبحانه، وأنه جامع الناس ليوم لا ريب فيه.

3-ومنها أن يستحضر العبد عقوبة من تولى عن طاعة الله واستكبر ، وليجعل نصب عينيه أن إبليس إنما استحق اللعنة في الدنيا والآخرة من أجل عدم انقياده لأمر الله تعالى استكبارا .

4-ومنها أن يسيء العبد الظن بنفسه الناقصة الخاطئة وأن يحسن الظن بربه سبحانه وبأحكامه الكونية والشرعية ، وأن يتذكر أن كفر إبليس كان بسبب اعتراض عقلي فاسد، كما قال تعالى :] قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ[ (الأعراف:12) فأساء الظن بأمر الله تعالى وحسن الظن برأي نفسه.

5-ومنها أن يعلم المسلم أن الإيمان قول وعمل، وأن لا نجاة له إلا بالطاعة والاستسلام لحكم الله تعالى، قال تعالى :] وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ[ (الأعراف: 43).

6-ومن أعظمها أن يتأمل في فضائل الطاعة والانقياد والتسليم لحكم لله تعالى، كقول النبي e:« ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا» ([141]). وقولهe :« مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ الْمُؤَذِّنَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ رَضِيتُ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا غُفِرَ لَهُ ذَنْبُهُ » ([142])، قال ابن القيم:« وهذان الحديثان عليهما مدار مقامات الدين وإليهما تنتهي، وقد تضمنا الرضى بربوبيته سبحانه وألوهيته والرضى برسوله والانقياد له والرضى بدينه والتسليم له، ومن اجتمعت له هذه الأربعة فهو الصديق حقا، وسهلت الدعوى باللسان، وهي من أصعب الأمور عند حقيقة الامتحان»([143]).

 

المطلب الثالث : لوازم حصول عبادة الانقياد

 

وللتسليم والانقياد عدة لوازم بها يعرف وجودها من عدمها وقوتها من ضعفها، ومنها :

1-عدم اتهام الأحكام الشرعية وأدلتها، فمن لم يفهم وجه الحكمة في حكم الشرع لم حرم كذا؟ ولم أوجب عليه كذا؟ وجب عليه التسليم وأن يتهم فهمه بالقصور وعقله بعدم الإدراك، وأن يعلم أن الآفة منه والبلية فيه، وكذلك من لم يدرك وجه الدلالة من النص الشرعي على الحكم([144]).

2-ومنها عدم مخالفة الأحكام التي تضمنتها النصوص بباطنه ولا بلسانه، ولا بفعله ولا بحالـه، وأن لا يجد إلى خلافها سبيلا من سبـل التحيـل أو الترخص بتتبع فتاوى المتساهلين أو زلات العلماء الربانيين.

3-ومن لوازمه التحاكم إلى شرع الله تعالى عند الاختلاف والرضا بحكمه، قال الله عز وجل :] فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً[ (النساء:65).

4-ومنها عدم الرضا بالقوانين والشرائع والأعراف الوضعية التي تخالف شريعة رب العالمين، وعدم التحاكم إليها ، قال الله تعالى :] أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ[ (المائدة:50).

5-ومن لوازم الانقياد طاعة الرسول e لأنها من طاعة الله تعالى، قال سبحانه:]مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً[ (النساء:80). ولأن سنته e وحي من الله ، قال تعالى :] وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى[ (النجم:3-4).

6-ومن لوازمه اجتناب الاعتراض على الشرع بالعقل والرأي والاستحسان ، قال عَلِيّ :« لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ لَكَانَ أَسْفَلُ الْخُفِّ أَوْلَى بِالْمَسْحِ مِنْ أَعْلَاهُ وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ e يَمْسَحُ عَلَى ظَاهِرِ خُفَّيْهِ »([145]). ومن الاستحسان استحسان البدع، والله تعالى قد بين بأنه لا حكم لأحد برأيه ولا ذوقه، إنما هو قضاء الله ورسوله والنبي e قد حكم بأن كل بدعة ضلالة([146])، وقال العلماء من استحسن فقد شرع.

ومن أكثر الناس وقوعا في الاعتراض على الشرع علماء الكلام الذين يصرحون بتقديم العقل على الشرع، لذلك تجدهم يعارضون نصوص الوحي بأقيسة عقلية سقيمة يعطلون بها صفات رب العالمين.

7-ومن لوازم الانقياد الحذر من الاعتراض على الشرع بالعاطفة، قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -في قصة الحديبية وقد غلبته العاطفة الدينية -فَأَتَيْتُ نَبِيَّ اللَّهِ e فَقُلْتُ أَلَسْتَ نَبِيَّ اللَّهِ حَقًّا قَالَ بَلَى قُلْتُ أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ وَعَدُوُّنَا عَلَى الْبَاطِلِ قَالَ بَلَى قُلْتُ فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا إِذًا قَالَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ وَلَسْتُ أَعْصِيهِ وَهُوَ نَاصِرِي … قَالَ فَأَتَيْتُ أَبَا بَكْرٍ فَقُلْتُ يَا أَبَا بَكْرٍ أَلَيْسَ هَذَا نَبِيَّ اللَّهِ حَقًّا قَالَ بَلَى قُلْتُ أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ وَعَدُوُّنَا عَلَى الْبَاطِلِ قَالَ بَلَى قُلْتُ فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا إِذًا قَالَ أَيُّهَا الرَّجُلُ إِنَّهُ لَرَسُولُ اللَّهِ e وَلَيْسَ يَعْصِي رَبَّهُ وَهُوَ نَاصِرُهُ فَاسْتَمْسِكْ بِغَرْزِهِ فَوَاللَّهِ إِنَّهُ عَلَى الْحَقِّ([147]).

8-الحذر من الاعتراض على الشرع بما يتوهم من مصالح ومفاسد، فتقدم على الشريعة، وذلك نتيجة للجهل بحكم وأسرار التشريع ولعدم اليقين بها، والواقعون فيه كما ذكر ابن القيم هم الولاة والأمراء الجائرون([148])، ويضاف إليهم كثير من الدعاة في هذا الزمان، إذا تعارضت عندهم الشريعة والسياسة قدموا السياسة ولم يلتفتوا إلى حكم الشريعة، ثم يسمون ذلك بمصلحة الدعوة .

9-من لوازم الانقياد لله تعالى عدم طاعة العلماء والأمراء في معصية الله جل جلاله، قال النبي e :« لَا طَاعَةَ لِبَشَرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ » ([149])، قال ابن عباس:«يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول قال رسول الله e وتقولون قال أبو بكر وعمر »([150]). وعن عدي بن حاتم أنه سمع النبي e يقرأ هذه الآية ]اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ [ (التوبة:31) قال:« أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئا استحلوه وإذا حرموا عليهم شيئا حرموه»([151]).

ومتبعهم في مخالفة الشرع الصريح دائر بين الكفر في حالة عدم الرضا بالشرع، والفسق في حالة المخالفة إرضاء الشهوة، وبين العذر في حال الجهل.

10-ومنها تحريم التقليد على من يقدر على فهم الدليل، قال الإمام أحمد:« عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته يذهبون إلى رأي سفيان ، والله تعالى يقول : ]فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ[ (النور:63)»([152]). ومن هذا الباب تقليد آراء المجتهدين وعدم الالتفات إلى سنة النبي e كما هو حال المنتسبين إلى الفقه المتعصبين لمذاهبهم .

11-ومنها الرضا بالمقدور والصبر على المصائب، قال النبي e :« إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ »([153]). وقال النبي e :« لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الْخُدُودَ وَشَقَّ الْجُيُوبَ وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ »([154]). وقال تعالى على لسان لقمان:] يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [ (لقمان:17)، وقال تعالى :] وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً [ (المزمل:10).

 

التحذير من تحريف معنى التوحيد

 

وفي الختام أحببت أن أصحح مفهوما من المفاهيم المرتبطة بموضوع هذه الرسالة الموجزة، وهو مفهوم التوحيد والعقيدة الذي بدأت معالمه في هذا الزمن تحرف من جديد عند بعض الناس، فإن مما هو مشهور ومعلوم عند الدعاة الإصلاحيين السلفيين أنه لابد من الاعتناء بالعقيدة لأنها هي الأساس، وأنه لا ينبغي أن يقدم شيء على التوحيد لأنه أصل الدين وغاية إرسال الرسل وخلق العالمين، وهذا القدر من الكلام متفق عليه بينهم، إلا أننا عند العمل والتطبيق نجد بعض الاختلاف بل الانحراف، ولسنا الآن بصدد نقد من جعل مادة عقيدته مجموعة من الأقيسة العقلية والآراء الكلامية لأن هؤلاء قد أخذوا حظهم من النقد، وافتضح أمرهم عند أكثر الناس والحمد لله، ولكن حديثنا عن بعض المنتسبين إلى السنة، حيث نجد منهم من يقسم التوحيد إلى ثلاثة أقسام؛ الربوبية والأسماء والصفات والألوهية، ثم إنه إذا تطرق إلى توحيد الربوبية أوجز الكلام وقرر أنه فطري فلا معنى لإكثار الكلام فيه، وإذا جاء إلى توحيد الأسماء والصفات تطرق إلى بعض القواعد المتعلقة بفهم الصفات ثم وسع الكلام في الرد على الفرق المنحرفة، وإذا مثل لم يجد من الصفات ما يمثل به إلا الصفات الذاتية الخبرية كالوجه واليدين ونحوها، وإذا جاء إلى القسم الثالث تجده لا يتعرض إلا للأمور الشركية المنافية لهذا التوحيد ولا يكاد يتعرض إلى غيرها.

إن هذا الأمر لو كان صادرا من هؤلاء دون تخطئة منهم لغيرهم لما كان ثمة وجه للانتقاد، ولكن عندما ينحصر نظر هؤلاء في هذه النقط والمحاور، بحيث يُخرجون كل ما لم يدخل فيها من مسمى العقيدة والتوحيد فهنا الخطأ، بل الضلال الذي لا ينبغي السكوت عنه، وفيما يأتي عرض للتصحيح وبيان لموضع الخلل.

أولا : إن التمسك بكون توحيد الربوبية توحيدا فطريا لعدم التوسع في بيان دلائله ومعانيه ليس دليلا مقبولا، لأن توحيد الألوهية أيضا فطري ([155])،ولأن الفطرة انحرفت وحُرفت، ثم إن الحديث عن إثبات الخالق جل وعلا وتوحيده في ذاته وأفعاله ليس ضلالا، بل هو من مقاصد القرآن ومن عقائد الإسلام، وإنما ضلل العلماء من حصر التوحيد في معاني الربوبية، ومن اتبع في إثباته على ما حسبه دلائل معقولة وهجر دلائل القرآن والسنة.

ثانيا : إن الاقتصار على ضوابط فهم الأسماء والصفات وقواعد الرد على الطوائف لا يؤدى المعنى الكامل للإيمان بأسماء الله تعالى وصفاته، هذا الإيمان الذي لا يحصل إلا بفهم معاني تلك الأسماء والصفات ومعرفة آثارها ولوازمها، ولابد لنا من شرح أهمها وأعظمها أثرا على القلوب والسلوك كالعلم والقدرة والهداية والإرادة والسمع والبصر والرحمة والحياة والغنى والرزق، وإن إخراج هؤلاء المشار إليهم التعرض لشرح هذه الصفات من مسمى التوحيد وتسميتهم لها مواعظ(على سبيل التحقير لها) خطأ جسيم، وإننا-من جهة أخرى- لا نهون من دراسة تلك الضوابط والقواعد ، لأنها بالنسبة للعلم بالأسماء والصفات، كعلم أصول الفقه بالنسبة للفقه ، فإن من درس علم الأصول فحسب لا يستحق أن يسمى فقيها بل لا يستطيع أن يعبد الله تعالى.

ثالثا : وتوحيد الألوهية فيه المعاني الإيجابية الثبوتية وفيه المعاني السلبية المنفية، وحصول الأمور الثبوتية وهي مظاهر التوحيد من العبادات الظاهرة والباطنة، لا يقل أهمية عن ترك الأمور السلبية وهي الشركيات بل هي أهم منها، لذلك ينبغي التعرض لتفاصيل العبادات في الدراسة والتعليم أكثر مما يتعرض لتفاصيل الشركيات، وأعني بالعبادات العبادات القلبية أساسا كالإخلاص والتعظيم والمحبة والخوف والرجاء والإنابة والانقياد والتوكل، وهنا أيضا يقع الخطأ عند هؤلاء المقصرين في الفهم، حيث يجعلون هذه المواضيع التي هي حق الله تعالى على العبيد مجرد مواعظ ورقائق خارجة عن مسمى التوحيد!!

والكلام نفسه يقال عمن يعد الحديث عن جزئيات الإيمان باليوم الآخر بالتفصيل؛ ابتداء من الموت وعذاب القبر إلى البعث والنشور، وأهوال القيامة والحساب والصراط والجنة ونعيمها والنار وسعيرها، يعد الحديث عن ذلك مجرد مواعظ خارجة عن مسمى العقيدة، والمتكلم فيها واعظا وقاصا لا يعتني بالعقيدة، فإن هذا من الجهل والظلم الذي ينبغي المسارعة إلى محوه قبل أن يستحكم، ورحم الله تعالى من عرف قدر نفسه فسأل وتعلم، قبل أن يحكم بل وقبل أن يتكلم، نسأل الله تعالى أن ينفعنا وسائر إخواننا بما قلنا وأن يشرح صدورنا لقبول الحق والله تعالى يقول :  (وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْر ).

الفهرس

مقدمة في مفهوم العبادة                                                                 3

المبحث الأول : الإخلاص                                                              6

المطلب الأول : وجوب الإخلاص                                          6

المطلب الثاني : أسباب تحصيل عبادة الإخلاص                           8

المطلب الثالث : لوازم حصول عبادة الإخلاص                             11

المبحث الثاني : المحبة                                                                14

المطلب الأول : وجوب إخلاص المحبة لله تعالى                           14

المطلب الثاني : أسباب تحصيل عبادة المحبة                             15

المطلب الثالث : لوازم حصول عبادة المحبة                                18

المبحث الثالث :التعظيم                                                                 22

المطلب الأول : وجوب إخلاص التعظيم لله تعالى                            22

المطلب الثاني : أسباب تحصيل عبادة التعظيم                              23

المطلب الثالث : لوازم حصول عبادة التعظيم                                25

المبحث الرابع : الخوف                                                                 29

المطلب الأول : وجوب إخلاص الخوف لله تعالى                            29

المطلب الثاني : أسباب تحصيل عبادة الخوف                              30

المطلب الثالث : لوازم حصول عبادة الخوف                                33

المبحث الخامس : الرجاء                                                                37

المطلب الأول : وجوب إخلاص الرجاء لله تعالى                             37

المطلب الثاني : أسباب تحصيل عبادة الرجاء                               38

المطلب الثالث : لوازم حصول عبادة الرجاء                                 41

المبحث السادس : التوكل                                                                44

المطلب الأول : وجوب إخلاص التوكل لله تعالى                             44

المطلب الثاني : أسباب تحصيل عبادة التوكل                               46

المطلب الثالث : لوازم حصول عبادة التوكل                                 49

المبحث السابع : الانقياد                                                                 53

المطلب الأول : وجوب إخلاص الانقياد لله تعالى                             53

المطلب الثاني : أسباب تحصيل عبادة الانقياد                               54

المطلب الثالث : لوازم حصول عبادة الانقياد                                 56

خاتمة : تحذير من تحريف معنى التوحيد                                               60

 

 

صدر للمؤلف

 

-عقيدة العلامة ابن باديس السلفية وبيان موقفه من العقيدة الأشعرية

-أضواء على حياة عبد القادر الراشدي القسنطيني –مع السابق-

-أصول الدعوة السلفية عند العلامة ابن باديس

-عوائق الاستقامة وموانع التوبة

-تيسير الوصول إلى الضروري من علم الأصول

-فصول مهمة في منهج طلب العلم-مع السابق-

-إمتاع الأسماع بشرح ما نظم البيقوني من الأنواع

-إعلام الراغب بحكم درس الجمعة الراتب

-خطبة العيد خطبة أم خطبتان –مع السابق-

-سلسلة مطويات في طريق الإصلاح (من العدد 1 إلى العدد 45)

 

 

سيصدر قريبا بإذن الله :

 

-منهج الألباني في مسائل التبديع والتعامل مع المخالفين

-حياة الشيخ العربي التبسي وأصول دعوته الإصلاحية

-مقالات في مواجهة التنصير

-السحر : خطره، أسباب انتشاره، وكيفية مواجهته

 

 



[1]/ مجموع الفتاوى لابن تيمية (10/149-150).

[2]/ رواه البخاري (52) ومسلم (1599).

[3]/ مجموع الفتاوى لابن تيمية (7/186).

[4]/ مدارج السالكين لابن القيم (2/91).

[5]/ تفسير ابن كثير (4/46) دار الفكر.

[6]/ تفسير ابن كثير (3/109) دار الفكر .

[7]/ تفسير البغوي (3/109-110).

[8]/ رواه مسلم (1905).

[9]/ الذخيرة للقرافي (1845).

[10]/ رواه أحمد (19109) وصححه الألباني في صحيح الجامع (3730).

[11]/ رواه مسلم (2985).

[12]/ سير أعلام النبلاء للذهبي (7/152).

[13]/ سير أعلام النبلاء للذهبي (11/211).

[14]/ رواه النسائي (1953) وصححه الألباني.

[15]/ رواه البخاري (52) ومسلم (1599).

[16]/ رواه البخاري (6499) ومسلم (2986).

[17]/ هذا لمن أراد الدنيا إرادة محضة ، أما من أراد بعمله القربة وشيئا من الدنيا مما هو مباح كالغنيمة في الجهاد فهذا ينقص الأجر ولا يبطله والله أعلم .

[18]/ رواه البخاري (1) ومسلم (1907).

[19]/ رواه البخاري (5219) ومسلم (2129).

[20]/ رواه الترمذي (2376) وصححه .

[21]/ قال ابن القيم في المدارج (3/9):« لا تحد المحبة بحد أوضح منها فالحدود لا تزيدها إلا خفاء وجفاء، فحدها وجودها، ولا توصف المحبة بوصف أظهر من المحبة » وانظر شرح الطحاوية (165).

[22]/ القول السديد للسعدي (117).

[23]/ انظر إغاثة اللهفان لابن القيم (2/196) دار المعرفة بيروت ط-1395.

[24]/ تفسير ابن كثير (2/343).

[25]/ انظر مجموع الفتاوى (10/85) مدارج السالكين (3/17-18) فتح الباري لابن رجب (1/46).

[26]/ رواه البخاري (6576) ومسلم (186).

[27]/ رواه الترمذي (3235) وصححه الألباني .

[28]/ طريق الهجرتين (409).

[29]/ رواه البخاري (7144).

[30]/ رواه أحمد (1/82،94،134) وصححه الألباني في الصحيحة (1/301) وأصله في الصحيحين بلفظ: "إنما الطاعة في المعروف".

[31]/ رواه البخاري (15) ومسلم (44).

[32]/ رواه البخاري (16) ومسلم (43).

[33]/ أخرجه ابن أبي شيبة في الإيمان (45) وأحمد (4/286) والطيالسي (378) والحاكم (2/480) وغيرهم ، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (998).

[34]/ رواه أبو داود (5841) وصححه الألباني .

[35]/ روضة المحبين لابن القيم (297).

[36]/ تفسير البغوي (3/507).

[37]/ روضة المحبين لابن القيم (285).

[38]/ روضة المحبين لابن القيم (288).

[39]/ رواه البخاري (6508) ومسلم (2686).

[40]/ رواه النسائي (1305) وصححه الألباني.

[41]/ مدارج السالكين (1/166).

[42]/ مدارج السالكين لابن القيم (2/464).

[43]/ تفسير ابن كثير (3/236).

[44]/ تفسير ابن كثير (3/453).

[45]/ تفسير ابن كثير (4/298).

[46]/ رواه مسلم (2620).

[47]/ رواه أبو داود (4090) وابن ماجة (4174) وصححه ابن حبان (328) والألباني .

[48]/ السنة لعبد الله بن أحمد (586) وروي مرفوعا ولا يصح، انظر تاريخ بغداد (9/251).

[49]/ رواه أبو داود (4727) وقال ابن حجر في الفتح(8/665) إسناده على شرط الصحيح.

[50]/ رواه البخاري (7414) ومسلم (2786) واللفظ له.

[51]/ ومن أهم المراجع التي فيها تبيين لحكم الله تعالى في خلقه وشرعه مفتاح دار السعادة والتبيان في أقسام القرآن وغيرها من مؤلفات ابن القيم رحمه الله تعالى.

[52]/ رواه مسلم (771).

[53]/ كمن يقول :" يا رب ما صنعت لك حتى تصيبني بهذه المصيبة"، وقول الجاهلين :" الفقير يبكي وربي يزيده ".

[54]/ روى أبو داود (4843) عَنْ أَبِي كِنَانَةَ (وهو مجهول) عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ مرفوعا :« إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ » وحسنه الألباني .

[55]/ رواه البخاري (2223) ومسلم (1582).

[56]/ رواه البخاري (6646) ومسلم (1646).

[57]/ رواه أبو داود (3251) والترمذي (1534)وصححه.

[58]/ رواه مسلم (2708).

[59]/ تفسير ابن كثير (4/429).

[60]/ رواه أحمد (4/381) وابن ماجة (1853) واللفظ له وصححه ابن حبان (4171).

[61]/ انظر شرح الأصول الثلاثة للعثيمين (52).

[62]/ انظر إغاثة اللهفان لابن القيم (1/109).

[63]/ انظر طريق الهجرتين لابن القيم (122-123).

[64]/ فتح القدير للشوكاني (1/400).

[65]/ تفسير ابن كثير (4/470).

[66]/ فتح القدير للشوكاني (1/74).

[67]/ طريق الهجرتين لابن القيم (124) .

[68]/ رواه البخاري (5750) ومسلم (2356) واللفظ له.

[69]/ مدارج السالكين لابن القيم (1/513).

[70]/ رواه البخاري (103) ومسلم (2876).

[71]/ انظر التخويف من النار لابن رجب (15-16).

[72]/ رواه البخاري (6486) ومسلم (426) واللفظ له (من حديث أنس).

[73]/ رواه الترمذي (2312) وابن ماجة (4190) من حديث أبي ذر وحسنه الألباني .

[74]/ طريق الهجرتين لابن القيم (125) .

[75]/ الزهد لابن المبارك (234) ابن أبي شيبة (7/98) شعب الإيمان للبيهقي (1/486).

[76]/ حلية الأولياء لأبي نعيم (1/53).

[77]/ مدارج السالكين لابن القيم (1/513).

[78]/ رواه البخاري (629) ومسلم (1031).

[79]/ مدارج السالكين لابن القيم (1/513-514).

[80]/ تيسير العزيز الحميد (485).

[81]/ الخوف الطبيعي لا يذم صاحبه إلا إذا أوقعه في معصية الله تعالى، أو كان خوفا وهميا أو سببه ضعيفا فيوصف الواقع فيه بالجبن وضعف التوكل على الله ، انظر القول السديد للسعدي (121).

[82]/ رواه البخاري (5949).

[83]/ رواه أحمد (1/402) عن ابن مسعود وله شواهد كثيرة.

[84]/ رواه البخاري (3036) ومسلم (2643) عن ابن مسعود.

[85]/ رواه الترمذي (2140) وابن ماجة (3834) وصححه الألباني.

[86]/ انظر مدارج السالكين لابن القيم (1/512-513).

[87]/ رواه الترمذي (3175) وابن ماجة (4198) وصححه الألباني .

[88]/ رواه ابن أبي الدنيا في الإخلاص (7) وأبو نعيم في الحلية (1/75) بلفظ :«كونوا لقبول العمل أشد اهتماماً منكم بالعمل، فإنه لن يقل عمل مع التقوى وكيف يقل عمل يتقبل ».

[89]/ رواه ابن المبارك في الزهد (1689).

[90]/ رواه النسائي (3108) والترمذي (1633،2311) وصححه.

[91]/ انظر مدارج السالكين لابن القيم (2/36-37).

[92]/ انظر مدارج السالكين لابن القيم (2/58).

[93]/ رواه مسلم (2877).

[94]/ انظر عون المعبود للعظيم آبادي (8/265).

[95]/ انظر مجموع الفتاوى لابن تيمية (10/258).

[96]/ الجواب الكافي لابن القيم (144).

[97]/ رواه البخاري (3244) ومسلم (2824).

[98]/ رواه البخاري (3194) ومسلم (2751).

[99]/ رواه مسلم (2699).

[100]/ رواه الترمذي (3540).

[101]/ رواه الترمذي (983) وابن ماجة (4261) وحسنه المنذري في الترغيب (4/135) وكذا الألباني..

[102]/ رواه مسلم (2744).

[103]/ رواه البخاري (6469) مسلم (2752).

[104]/ جامع العلوم والحكم لابن رجب (2/181).

[105]/ رواه البخاري (6306).

[106]/ رواه مسلم (2755).

[107]/ رواه مسلم (2956).

[108]/ مدارج السالكين لابن القيم (2/35).

[109]/ قوت القلوب لأبي طالب المكي (1/242) وإحياء علوم الدين لأبي حامد الغزالي (4/174).

[110]/ تفسير ابن كثير (3/48).

[111]/ مدارج السالكين لابن القيم (1/517) والتقوية للرجاء لا تعنى إلغاء الخوف، ولذلك فإنه لا تعارض بين ما نقله ابن القيم عن السلف ، وبين حديث أنس السابق الذكر (ص:40).

[112]/ وفي مختار الصحاح (306):« والتوكل إظهار العجز والاعتماد على غيرك، والاسم التكلان واتكل على فلان في أمره إذا اعتمده ».

[113]/ انظر مدارج السالكين لابن القيم (1/75).

[114]/ مجموع الفتاوى لابن تيمية (7/16) .

[115]/ طريق الهجرتين لابن القيم (386).

[116]/ التوكل لابن أبي الدنيا (5).

[117]/ رواه أحمد (5/363) وصححه الألباني في السلسلة الضعيفة (5).

[118]/ رواه الترمذي (2516) وصححه .

[119]/ رواه البخاري في باب الكفالة في القرض والديون معلقا ووصله برقم (2063).

[120]/ رواه أبو داود (5095) والترمذي (3426) وصححه وابن حبان (822).

[121]/ رواه أبو داود (5088) وابن ماجة (3869) والترمذي (3388) وصححه وابن حبان (852).

[122]/ زاد المعاد (2/263-264)ومن أحاديث الباب حديث أنس:« قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْقِلُهَا وَأَتَوَكَّلُ أَوْ أُطْلِقُهَا وَأَتَوَكَّلُ قَالَ اعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ » رواه الترمذي (2517) ونقل عن يحيى القطان أنه حديث منكر، وقواه الألباني في تخريج أحاديث مشكلة الفقر (22).

[123]/ رواه أبو داود (4980) وصححه الألباني في الصحيحة (137).

[124]/ رواه أبو داود (3910) وابن ماجة (3538) والترمذي (1614) وصححه وفي الحديث زيادة:« وما منا إلا ولكن الله يذهبه بالتوكل». وهي من كلام ابن مسعود كما بينه ابن القيم وأشار إليه الترمذي.

[125]/ مدارج السالكين (2/492).

[126]/ رواه أحمد (2/220) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1065).

[127]/ رواه البخاري (5757) ومسلم (2220).

[128]/ رواه البخاري (5675) ومسلم (2191).

[129]/ رواه الترمذي (2072) وصححه الألباني.

[130]/ رواه البخاري (5378) ومسلم (218).

[131]/ رواه الترمذي (2344) وابن ماجة (4164) وصححه الترمذي وابن حبان (730).

[132]/ رواه ابن ماجة (2144) وصححه الألباني.

[133]/ رواه الترمذي (2516) وصححه .

[134]/  مدارج السالكين لابن القيم (2/113).

[135]/ مدارج السالكين لابن القيم (2/147).

[136]/ الأصول الثلاثة مع شرح العثيمين (64).

[137]/ تفسير القرطبي (5/269).

[138]/ تفسير الطبري (1/493).

[139]/ فتح القدير للشوكاني (4/283).

[140]/ رواه الترمذي (2396) وابن ماجة (4031) وصححه الألباني.

[141]/ رواه مسلم (34).

[142]/ رواه مسلم (386).

[143]/ مدارج السالكين لابن القيم (2/171-172).

[144]/ انظر مدارج السالكين لابن القيم (2/334).

[145]/ رواه أبو داود (162) وصححه الألباني في الإرواء (103).

[146]/ رواه مسلم (867).

[147]/ رواه البخاري (2734).

[148]/ انظر مدارج السالكين لابن القيم (2/334-335).

[149]/ رواه أحمد (1/82،94،134) وصححه الألباني في الصحيحة (1/301).

[150]/ انظر زاد المعاد لابن القيم (2/195،206) ومجموع الفتاوى لابن تيمية (20/215،251).

[151]/ رواه الترمذي (3095) وحسنه الألباني وفي رواية للطبراني (17/95) أنه قال :إنا لسنا نعبدهم فقال أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه ويحلون ما حرم الله فتستحلونه قلت بلى قال فتلك عبادتهم».

[152]/ انظر كتاب التوحيد (2/152-153) مع القول المفيد للعثيمين.

[153]/ رواه الترمذي (2396) وابن ماجة (4031) وصححه الألباني.

[154]/ رواه البخاري (1232) ومسلم (103).

[155]/ وفي هذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (2/37-38) :» وكل واحد من وحدانية الربوبية والإلهية وإن كان معلوما بالفطرة الضرورية البديهية ، وبالشرعية النبوية الإلهية ، فهو أيضا معلوم بالأمثال الضرورية ، التي هي المقاييس العقلية ، لكن المتكلمون إنما انتصبوا لإقامة المقاييس العقلية على توحيد الربوبية ، وهذا مما لم ينازع في أصله أحد من بني آدم ، وإنما نازعوا في بعض تفاصيله « .

تم قراءة المقال 20343 مرة