الأربعاء 6 ذو القعدة 1431

أحاديث ضعيفة من كتاب الحج وأثرها في الفقه (2)

كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

3-باب الحج كل خمس سنوات

الحديث الخامس :

" يقول الرب تبارك وتعالى:"إِنَّ عَبْدًا أَصْحَحْتُ لَهُ جِسْمَهُ ، وَأَوْسَعْتُ عَلَيْهِ فِي الْمَعِيشَةِ، تمْضِي عَلَيْهِ خَمْسُ أَعْوَامٍ لا يَفِدُ إِلَيَّ لَمَحْرُومٌ".

هذا الحديث رواه العلاء بن المسيب فاضطرب في سنده ومتنه، وقد روي عنه من عدة طرق:

 

أحاديث ضعيفة من كتاب الحج وأثرها في الفقه (2)

 

الأول : خلف بن خليفة عن العلاء بن المسيب عن أبيه عن أبي سعيد مرفوعا.

أخرجه أبو يعلى في مسنده (1031) وابن حبان في صحيحه (3703) وابن عدي في الكامل (3/63) والبيهقي في السنن الكبير (10172) والخطيب في تاريخه (8/318).

الثاني : طريق الثوري عنه ولفظه فقال فيه :" لم يفد إلي في كل أربعة أعوام لمحروم".

وقد اختلف عليه في سنده.

-فرواه عبد الرزاق (8826) عن الثوري عن العلاء بن المسيب عن أبيه أو عن رجل عن أبي سعيد الخدري مرفوعا.

-وروي عن عبد الرزاق عن الثوري عن العلاء بن المسيب عن أبيه عن أبي سعيد الخدري بلا شك عند الطبراني في الأوسط (486)

-ورواه وكيع عن سفيان عن العلاء بن المسيب عن رجل عن أبي سعيد الخدري كما في العلل لعبد الله بن أحمد (1427)

-وأشار الدراقطني في العلل (11/310) إلى وجود من رواه مقطوعا عن الثوري فقال:" وغَيرُهُ (أي عبد الرازق) يَروِيهِ عَنِ الثَّورِيِّ عَنِ العَلاَءِ بنِ المُسَيَّبِ مِن قَولِهِ".

وقال الطبراني :"لم يرفع هذا الحديث عن سفيان إلا عبد الرزاق". ومراده لم يرفعه مسندا متصلا، لأنه قد رفعه عنه وكيع.

الثالث : محمد بن فضيل بن غزوان رواه عن العلاء بن المسيب بلفظ الترجمة واختلف عليه في إسناده أيضا.

-فأخرج روايته الخطيب (8/318) عن العلاء بن المسيب عن يونس بن خباب عن أبي سعيد مرفوعا.

-ومنهم من رواه عنه عن العَلاَءِ عَن يُونُس بنِ خَبابٍ عَن مُجاهِدٍ عَن أَبِي سَعِيد ذكره الدارقطني.

-ومنهم من رواه بالإسناد الأول موقوفا، ولذلك قال أبو حاتم في موضع (869):" العلاء بن المسيب عن يونس بن خباب عن أبي سعيد موقوف مرسل أشبه، قال ابن أبي حاتم : قلت لأبي لم يسمع يونس من أبي سعيد قال لا".

ويونس بن خباب هالك كذبه يحيى بن يعيد وقال البخاري منكر الحديث

الرابع : منهم من رواه عن العلاء بن المسيب عن أبيه عن أبي هريرة موقوفا،

ومنهم من رواه بهذا الإسناد فرفعه كما في علل ابن أبي حاتم (869)

والخلاصة أن هذا حديث مضطرب، كما قال أبو حاتم (869) وكما وضحه الدراقطني بذكر  أوجه روايته عن أبي سعيد ثم قال:" ولا يَصِحُّ مِنها شَيءٌ". وقد ضعفه أيضا العقيلي في الضعفاء (2/206) وابن الجوزي في العلل المتناهية (2/566) والبيهقي في السنن.

العلاء بن المسيب وإن كان ثقة إلا أنه حفظت عنه أوهام، فقال الحاكم له أوهام في الإسناد والمتن، لذلك قال ابن حجر:"ثقة ربما وهم"، ومنه فلا يستغرب اضطرابه في إسناده هذا الحديث ومتنه.

    للحديث طرق أخرى من غير طريق العلاء بن المسيب لكنها معلولة أو واهية واردة من طرق ضعفاء لا يعول عليهم في الشواهد.

الأولى : رواية هو صدقة بن يزيد، عن الوليد بن مسلم عن صدقة بن يزيد عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا.

أخرج روايته العقيلي (2/206) وابن عدي (4/78) والبيهقي (10173)   قال البخاري في التاريخ (4/295):" منكر"، وقال ابن عدي (4/78) وهذا عن العلاء منكر كما قاله البخاري، ثم قال: "فلعل صدقة هذا سمع بذكر العلاء فظن أنه العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة وكان هذا الطريق أسهل عليه وإنما هو العلاء بن المسيب عن أبيه عن أبي سعيد.

وقال أبو حاتم وأبو زرعة (869):" هذا عندنا منكر من حديث العلاء بن عبد الرحمن، وهو من حديث العلاء بن المسيب أشبه". وانظر (788) و(851)

الثانية : قال أبو يعلى كما في المطالب العالية (رقم:1140) حدثنا أبو عبيدة بن الفضيل بن عياض ثنا أبو سعيد ثنا المسعودي عن يونس بن خباب عن رجل عن خباب بن الأرت مرفوعا.

قال البوصيري في إتحاف المهرة(3/139):" فيه راوٍ لم يسم ، والراوي عنه ضعيف".

والراوي عنه يونس بن خباب وقد علم أنه يستحق أكثر من التضعيف، وكذا بقية رجال السند كلهم متكلم فيهم ومذكورون بالوهم في الحديث، وأبو سعيد هو عبد الرحمن بن عبد الله مولى بني هاشم.

الثالثة : قال الخطيب في موضح أوهام الجمع والتفريق (1/255) أخبرنا عبدالملك بن محمد بن عبدالله الواعظ أخبرنا أبو علي أحمد بن الفضل بن العباس بن خزيمة حدثنا محمد بن عثمان العبسي حدثنا عون بن سلام حدثنا قيس بن الربيع عن عباد بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا.

وسند غريب طويل مثل هذا لا يلتفت إليه ومع ذلك نقول :

محمد بن عثمان العبسي وهو ابن أبي شيبة وفيه كلام مشهور.

وعباد قال فيه البخاري :" منكر الحديث" وابن المديني:"ليس بشيء" وذلك لقلة حديثه مع نكارته، وقال الساجي:" ثقة إلا أنه روى عن أبيه ما لم يتابع عليه".

وقيس بن الربيع ضعفه ابن المديني والنسائي ويعقوب بن شيبة وابن معين جدا وبين أنه كان يقلب الأسانيد ومنهم من علل ذلك بأن ولده هو من تصرف في كتبه لذلك قال ابن حجر :"صدوق تغير لما كبر وأدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه فحدث به". وغالب الظن أن آفة هذا الإسناد منه والعلم عند الله .

 

فقه الحديث

أولا : وجوب الحج كل خمس سنوات

   ذهب بعضهم إلى وجوب الحج مرة في خمس سنوات ولعلهم استدلوا بهذا الحديث، قفال القرطبي (4/142):"والحديث باطل لا يصح والإجماع صاد في وجوههم"([1]). وكذلك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن ذلك حديث أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ الْحَجَّ فَحُجُّوا فَقَالَ رَجُلٌ أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ ثُمَّ قَالَ ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ([2])

 

ثانيا : تأكيد استحباب الحج كل خمس سنوات

    نقل البيهقي والمنذري عن الحسن بن حي أنه كان يعجبه هذا الحديث، وبه يأخذ، ويحب للرجل الموسر أن لا يترك الحج خمس سنين([3]). وقد قال بهذا القول بعض متأخري المالكية والشافعية للحديث، فقال الحطاب إن الحج يستحب بعد المرة الأولى ويتأكد الاستحباب في كل خمس سنين([4])، وقرر هذا المعنى الدمياطي الشافعي ([5]).

واستحباب تكرار الحج لا خلاف فيه لكن ذلك من غير تحديد.

ومن أدلة استحباب التكرار:

-حديث ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ([6]).

-حديث ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ الْحَجُّ فِي كُلِّ سَنَةٍ أَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً قَالَ بَلْ مَرَّةً وَاحِدَةً فَمَنْ زَادَ فَهُوَ تَطَوُّعٌ([7]).

 



[1] / تفسير القرطبي (4/142)

[2] / رواه مسلم (1337)

[3] / الشعب للبيهقي (3/483) الترغيب للمنذري (2/137)

[4] / الدر الثمين والمورد المعين (2/230)

[5] / في إعانة الطالبين (2/322)

[6] / رواه النسائي (2630) وصححه الألباني وحسنه الشيخ مقبل في الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين (2/341) وله شاهد عن ابن مسعود.

[7] / رواه أبو داود (1721) وأحمد (1/255،290) وصححه الألباني ومقبل بن هادي (2/339).

تم قراءة المقال 3953 مرة