الأربعاء 13 ذو القعدة 1431

أحاديث ضعيفة من كتاب الحج وأثرها في الفقه (3)

كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

 

4-باب تفسير الاستطاعة

 

    جاء حكم الحج في كتاب الله عز وجل معلقا على الاستطاعة تعليقا مطلقا دون تحديد لها، وجاءت روايات كثيرة مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تفسرها وتحددها بالزاد والراحلة، ولكن هذه الروايات كلها مدخولة ضعيفة لا يصح منها شيء، وقد كان لهذه الروايات أثر كبير في اختلاف الفقهاء، وفيما يأتي بيان عللها، مع بعض المسائل الفقهية المرتبطة بها (اشتراط الراحلة وتخلية الطريق والمحرم للمرأة).

الحديث السادس:

      "عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا يُوجِبُ الْحَجَّ قَالَ الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ ".

 

أحاديث ضعيفة من كتاب الحج وأثرها في الفقه (3)

 

أخرجه الترمذي (813، 2998) وابن ماجة (2896) والشافعي في الأم (2/126-127) وابن أبي شيبة (15703) والعقيلي (3/326) والدارقطني (2/217) والبيهقي (8406،8420) من طريق إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ.

وإبراهيم بن يزيد هو الْخُوزِيِّ الْمَكِّيِّ متروك الحديث ،

وقد تابعه محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير عن محمد بن عباد ، عند ابن أبي حاتم في التفسير (3/713) وكذا الدارقطني (2/217) بزيادة ابن جريج

وكذلك محمد بن الحجاج المضفر نا جرير بن حازم عن محمد بن عباد بن جعفر عند الدارقطني (2/217)

ومحمد بن عبد الله ومحمد بن الحجاج هذان كلاهما ضعيف جدا.

للحديث طريق آخر عن ابن عمر لكنه باطل كما قال في علل ابن أبي حاتم (891) عن علي بن الحسين بن الجنيد.

وقد ضعف هذا الحديث الترمذي والعقيلي والبيهقي وابن عبد البر في التمهيد (9/125).

الحديث السابع:

              عن يونس بن عبيد عن الحسن البصري قال : لما نزلت (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) قيل : يا رسول الله ما السبيل؟ قال: الزاد والراحلة.

 

ورواه عنه هكذا مرسلا:

-هشيم في مراسيل أبي داود (123) وفي مسائله عن أحمد (97) وفي مسائل عبد الله (176)

-بشر بن مفضل عند الطبري (4/23)

-ابن علية عند الطبري (4/23)

-سفيان الثوري كما عند ابن أبي شيبة (15950) والبيهقي(4/327)

-عبد الأعلى بن عبد الأعلى عند ابن أبي شيبة (15951)

وتابع يونس على ذلك:

-قتادة رواه البيهقي (4/330) طريق جعفر بن عون : أنبأ سعيد بن أبي عروبة عنه

-ومنصور رواه الطبري (4/23) عن ابن حميد، قال: ثنا جرير، عنه.

وقد وهم بعض الضعفاء فأسندوه

منهم عتاب بن أعين رواه سفيان الثوري عن يونس بن عبيد عن الحسن عن أمه عن عائشة مرفوعا أخرجه العقيلي في الضعفاء (3/326) والدارقطني (2/216-216) والبيهقي ( 4/330 )

وعتاب قال العقيلي :"في حديثه وهم"

ومنهم علي بن العباس حدثنا علي ابن سعيد بن مسروق نا بن أبي زائدة عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس مرفوعا، أخرجه الدارقطني (2/216) والحاكم (1/441-442)

قال البيهقي (4/330) :"ولا أراه إلا وهما"

ومنهم أبوقتادة الحراني وهو متروك الحديث عن حماد بن سلمة عن قتادة عن أنس مرفوعا، لأخرجه الدارقطني والحاكم أيضا

قد صوب رواية الإرسال البيهقي والمزي وابن عبد الهادي كما في تنقيح التحقيق (2/379) والألباني في الإرواء .

 

الحديث الثامن :

            "عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ يَعْنِي قَوْلَهُ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا".

 

    أخرجه ابن ماجة (2897) والطبراني في الكبير (11/235) والدارقطني (2/218) عن هِشَامُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْقُرَشِيُّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قال أخبرني عمر بن عَطَاءٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عن ابن عباس مرفوعا.

وهشام بن سليمان قال فيه ابن حجر:"مقبول"، وعمر بن عطاء قال فيه البخاري:" منكر الحديث" وقال ابن معين:" ليس بشيء".

وأخرجه الترمذي (3316) قال حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ الثَّوْرِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي حَيَّةَ عَنْ الضَّحَّاكِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مرفوعا.

ثم قال :" رَوَى سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَغَيْرُ وَاحِدٍ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِي جَنَابٍ (هو يَحْيَى بْنِ أَبِي حَيَّةَ) عَنْ الضَّحَّاكِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ وَلَمْ يَرْفَعُوهُ وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ".

وممن رواه عن يحيى بن أبي حية موقوفا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ عند الترمذي، ووكيع عند ابن أبي شيبة (15949) والطبري في تفسيره (4/22)

ويحيى بن أبي حية ضعيف مدلس.

ورواه الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أيضا.

وقد روى الدراقطني (2/218) أيضا الخبر المرفوع بسندين واهيين في الأول منهما يزيد بن مروان الخلال كذبه يحيى بن معين، وفي الثاني: حصين بن مخارق قال الدارقطني يضع الحديث.

 

وفي الباب أسانيد أخرى كلها واهية:

الأول: عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أخرجه الدارقطني (2/215) من طريق محمد بن عبيد الله العرزمي وهو متروك

وأخرجه أيضا من طريق ابن لهيعة عن عمرو وهو مشهور بالضعف والتدليس وفي الطريق إليه أحمد بن أبي نافع، قال أبو يعلى فيه: لم يكن أهلا للحديث.

الثاني : بهلول بن عبيد وهو ضعيف جدا عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم بن علقمة عن ابن مسعود

الثالث : رواه الدارقطني (2/215) من طريق عبد الملك بن زياد النصيبي ثنا محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير عن أبي الزبير أو عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله مرفوعا.

وهذا سند باطل محمد بن عبد الله واه جدا، عبد الملك ذكره بن حبان في الثقات وقال :"مستقيم الحديث يغرب عن مالك"

الرابع : عن علي رواه الدارقطني (2/218) وفي إسناده كذاب.

 

    الخلاصة أن هذا الحديث ضعيف بكل طريقه ولا يقبل التقوية بحال، قال الألباني في الإرواء (4/166):"وخلاصة القول : إن طرق هذا الحديث كلها واهية وبعضها أوهى من بعض وأحسنها طريق الحسن البصري المرسل وليس في شيء من تلك الموصولات ما يمكن أن يجعل شاهدا له لوهائها".

   ومن العلماء الذين لم يثبتوا هذا الحديث الشافعي حيث قال:" وقد روى أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم تدل على أن لا يجب المشى على أحد إلى الحج وإن أطاقه غير أن منها منقطعة ومنها ما يمتنع أهل العلم بالحديث من تثبيته".

  ومنهم ابن المنذر حيث قال كما في الفتح (3/379):"لا يثبت الحديث الذي فيه الزاد والراحلة".

ومنهم عبد الحق الإشبيلى في (الأحكام الكبرى) (96/1) وابن دقيق العيد كما في نصب الراية (3/10) والإرواء (4/167).

 

فقه الأحاديث

   قد بني على هذا الحديث الذي يفسر الاستطاعة بالزاد والراحلة عدة مسائل فقهية نذكر منها ما يأتي:

المسألة الأولى : هل تشترط الراحلة لوجوب الحج أم يكفي في ذلك الزاد؟

من الفقهاء من اشترطها وهم الجمهور([1])، وقد استدلوا على ذلك بما ورد من أخبار وآثار وقد علم ما فيها.

والصحيح أن الاستطاعة مطلقة لا يشترط فيها الراحلة وهو قول مالك وداود واختيار ابن المنذر وابن حزم([2]).

ويدل على ذلك:

-إطلاق الآية الكريمة فكل استطاعة تمكن منها المكلف أوجبت عليه الحج مالية كانت أو بدنية.

-وقد قال تعالى: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) (الحج:27) فأوجبه على المشاة والركبان.

-وآثار الصحابة إن صحت لا تدل على الحصر وهي محمولة على ضرب المثال وذكر فرد من أفراد العموم، إذ القريب يستغني عن الراحلة كما أن من الحجاج من يحتاج إلى سفينة أكثر من احتياجه إلى راحلة.

-وقد أجمعوا على أن الفقير إذا وصل إلى البيت بخدمة الناس أو بالسؤال أو بأي وجه وصل إليه فقد تعين عليه الفرض ووجب عليه الحج وأنه إذا أيسر فلا قضاء عليه، ولو كان الحج لا يجب فرضا إلا على من ملك زادا أو راحلة لما تعين فرضه على الفقير بدخوله مكة كما لا يتعين فرضه على العبد بدخوله مكة([3]).

الثانية : هل تخلية الطريق من شروط الوجوب؟

من الفقهاء من قال إن تخلية الطريق بمعنى كونه آمنا شرط في الأداء أو وجوب السعي وليست شرطا في وجوب الحج([4]). لأن شرط الوجوب هو الاستطاعة مفسرة بالزاد والراحلة، ومنه فإنه يتعين الحج على كل من ملكهما، وإن لم يقدر على السعي في حينه لعدم الأمن فالحج دين عليه.

والصحيح أن تخلية الطريق شرط في وجوب الحج وهي داخلة في مسمى الاستطاعة كالزاد وهو قول مالك والشافعي وأبي حنيفة ورواية عن أحمد([5]).

الثالثة : هل وجود المحرم للمرأة من شروط الوجوب؟

   ذهب كثير من الفقهاء إلى أن وجود المحرم واستعداده للسفر مع المرأة إلى الحج ليس من شرائط الوجوب، ومما استدل به لهم حديث تفسير الاستطاعة بالزاد والراحلة، والمحرم ليس منها فلم يكن شرطا في الوجوب، فمنهم من قال تخرج للحج إذا وجدت رفقة آمنة([6])، ومنهم من قال بل تخرج وحدها إن كان الطريق آمنا([7])، ومنهم من قال المحرم ليس من الاستطاعة ولكنه من شرائط لزوم السعي كتخلية الطريق عندهم([8]).

   والصحيح أن وجود المحرم شرط في الوجوب وداخلة في معنى الاستطاعة بالنسبة للمرأة ، وهو قول أبي حنيفة والحسن بن حي وأحمد في رواية وإسحاق واختيار ابن المنذر وابن تيمية([9]).

لحديث أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ أَنْ تُسَافِرَ ثَلَاثًا إِلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا"([10]).

وإذا كانت المرأة لا تسافر إلا مع ذي محرم منها ولا يمكنها الحج إلا بسفر فهي غير مستطيعه.




[1]/ المغني (3/169) بداية المجتهد (2/623) شرح المهذب (7/68،78) بدائع الصنائع (3/51) تفسير القرطبي (4/147) القوانين الفقهية (127).

[2]/ المغني (3/169) بداية المجتهد (2/623) شرح المهذب (7/78) التمهيد (9/129، 131) المحلى (7/53) تفسير القرطبي (4/148).

[3]/ التمهيد (9/131).

[4]/ المغني (3/163-166) بدائع الصنائع (3/53).

[5]/ الذخيرة (3/179) المغني (3/163-166) شرح المهذب (7/80)قال النووي : » قال أصحابنا يشترط لوجوب الحج أمن الطريق في ثلاثة أشياء النفس والمال والبضع « .

[6]/ المغني (3/190) بداية المجتهد (2/628) التمهيد (21/51) المحلى (7/48) القوانين الفقهية (128) إرشاد السالك لابن فرحون (1/227).

[7]/ المحلى (7/47) شرح المهذب (7/86) هي رواية الكرابيسي عن الشافعي واختيار الشيرازي .

[8]/ المغني (3/190).

[9]/ المغني (3/190) بداية المجتهد (2/628) المحلى (7/47) بدائع الصنائع (3/54) الفتاوى الكبرى (4/465).

[10]/ البخاري (1088) مسلم (1339).

تم قراءة المقال 4000 مرة