الأحد 24 ذو الحجة 1443

4- توحيد الذات مميز

كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)
 توحيد الذات
النوع الأول من أنواع التوحيد يُسمّى توحيد الذات، وهو يتضمّن معنيين: أحدهما وجود الخالق سبحانه وتعالى، والثاني وحدانية الخالق جلّ وعلا، وهذا المعنيان أمران مركوزان في فطرة كلّ إنسان، كما دلّت عليهما دلائل أخرى كثيرة.
أمّا الفطرة فهي أصلُ الخلقة التي خُلقنا عليها، وهي تقود إلى معرفة الله تعالى والإقرار بوحدانيته، بل إلى محبته وعبادته سبحانه، قال الله تعالى : (فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (الروم:30). وقال النبي صلى الله عليه وسلم:« كلّ مولودٍ يولد على الفطرة، فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه» متفق عليه.
من أدلة وجود الخالق جلّ وعلا:
أولا: براهين عقلية، كقوله تعالى: ( أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ. أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ) (الطور:35-36)، والمعنى أن وجود الإنسان دليل على وجود خالقه. وكقوله سبحانه: ( قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) (يونس:101)، والمعنى أن وجود المخلوقات التي حولنا كلها دليل مباشر على وجود خالق لها، وقد أحسن أعرابي التعبير عن هذا المعنى لما قال:« إنّ البعر ليدلُّ على البعير، وإنّ الأثر ليدلُّ على المسير، فسماء ذات أبراج، وأرضٌ ذات فجاج، وبحارٌ ذات أمواج؛ أفلا يدلّ ذلك على اللطيف الخبير؟».
ثانيا: دلائلُ حسّية، ومن ذلك المعجزات التي أظهر الأنبياء عليهم السلام لأقوامهم، فهي برهان قاطع ودليل ساطع على وجود من أرسلهم، إذ المعجزة أمرٌ خارج عن قدرة الإنس والجن، قال تعالى: (فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ ) (الشعراء:63). وقال عن عيسى عليه السلام: (وأحيي الموتى بإذن الله) (آل عمران:49)، وقال سبحانه : ( اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ) (القمر:1).
ومن الدلائل الحسية استجابة الله تعالى للأنبياء وغيرهم ممن يدعوه، قال الله عزّ وجلّ: ( وَنُوحاً إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ ) (الأنبياء:76)، وقال سبحانه: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لكم) (الأنفال:9).
من أدلة وحدانية الخالق سبحانه:
أولا: براهين عقلية، ومنها قوله تعالى: ( مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ) (المؤمنون:91)، وقال سبحانه: ( لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ ) (الأنبياء:22)، فتعدّد الآلهة يؤدّي إلى التنازع، ثم الاختلال، ومنه فإنّ انتظام أمر العالم كلّه وإحكامَه؛ يدلّ على أنّ خالقه ومدبّره ربٌّ واحد.
ثانيا: دلائل حسية، وهي إخبارُ الأنبياء والمرسلين عن وحدانية الخالق جلّ وعلا، وأنّه لا شريك له في الملك ولا في العبادة، قال الله تعالى: (قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً ) (إبراهيم:10) المعنى أفي وجوده وحدانيته واستحقاقه للعبادة دون غيره شك؟
هل وُجد من أنكر وجود الإله أو وحدانيته؟
نعم، وجد المنكرون لوجود الخالق في كل زمان، قال الله سبحانه عن قوم: (وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) (الجاثية:24)، لكن حقيقة أكثرهم قد أخبر عنها ربنا في قوله: (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ) (النمل:14)، وفي عصرنا يوجد من يسمى بالملاحدة من شيوعيين وليبراليين غيرهم، أما المنكرون للوحدانية والقادحون فيها فكثيرون، ومنهم المجوس الثنوية والبوذيون الذين يؤمنون بثلاثة آلهة وقدماء الرومان واليونان والمصريين وغيرهم.
تم قراءة المقال 282 مرة