لثلاثاء 2 محرم 1443

(41) التربية على العبادة : التربية على الحجاب

كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

المبحث الرابع : التربية على الحجاب

    أما هذا المبحث فنخلصه لأمر يهم تربية البنت المسلمة تلك البنت التي أرادها الإسلام جوهرة مصونة ودرة مكنونة، والتي يريدها أهل الفساد ورواد الحضارة الغربية سلعة تباع وتشترى، فدعوها إلى ترك الفضيلة والحياء، وإلى التبرج والتعري بل وإلى الفواحش والخنا، تحت ظل شعارات زائفة، وتُهمٍ حول دين الإسلام كاذبة.
أهمية الاعتناء بالبنات
   إن بناتنا اليوم هم أمهات الغد والاعتناء بهن هو اعتناء بمدرسة المستقبل، وإصلاحهن لا يقل أهمية عن إصلاح المنظومة التربوية، بل هو أولى بكثير، لأنّ مصيرها الطبيعي هو أن تكون النواة الرئيسة للأسرة؛ التي يتكون منها المجتمع، قال النبي صلى الله عليه وسلم:« وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا »متفق عليه. وإن للمرأة رسالة حضارية عظيمة، إذ هي التي تربي الأولاد على العقيدة والفضيلة، وعلى الصدق والأمانة، وتغذيتهم بغذاء الروح قبل غذاء البدن، فهي حاضنة الأجيال ومخرجة الأبطال، وقد صدق الشاعر إذ قال :
الأم مدرسة إذا أعددتها     أعددت شعبا طيب الأعراق.
   ويجب على الآباء أن يعلموا أنَّ من أسباب دخولهم الجنة، ورضا الله عنهم حسن تربية بناتهم، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : « مَنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثُ بَنَاتٍ فَصَبَرَ عَلَيْهِنَّ وَأَطْعَمَهُنَّ وَسَقَاهُنَّ وَكَسَاهُنَّ مِنْ جِدَتِهِ كُنَّ لَهُ حِجَابًا مِنْ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رواه ابن ماجة، وقَالَ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ وَضَمَّ أَصَابِعَهُ» رواه مسلم.
أهم شيء تربية البنت على العفة والحياء
   إن أهم القيم التي ينبغي أن تنشأ عليها بناتنا العفة والحياء، العفة التي ترفع من قدرها وتحفظ بها شرفها وشرف أسرتها، والحياء الذي هو فطري فيها وهو من أعظم خصال الإيمان.
   وإن من أهم يحقّق لها هذه المعاني تربيتها على الستر والحجاب، وإن الله تعالى قد أوجب على النساء الستر عموما، وأن يضعن الحجاب أمام غير محارمهن خصوصا. وقد قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) (الأحزاب:59)
   فأما حجاب المرأة أمام المحارم: فهو ما يستر بدنها سوى مواضع الزينة المعتادة (الرأس والرقبة والقدمين إلى نصف الساق واليدين إلى نصف العضد) ولا يزاد على ذلك شيء، والمحارم هم: ( الآباء والأجداد والأبناء وأبناء الأبناء والإخوة والأعمام والأخوال وأبناء الإخوة وأبناء الأخوات وآباء الأزواج وأبناء الأزواج).
    وأما حجابها أمام غير هؤلاء من الأقارب وغيرهم؛ فهو ستر جميع البدن عدا الوجه والكفين، لقوله تعالى: (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ) (النور:31). إذ الذي ظهر هو ما في الوجه والكفين وهو مستثنى من حديث:« المرأة عورة» رواه الترمذي، ومنه فإن اللباس الذي يكشف القدمين أو شيئا من الساق لا يكون شرعيا، وكذلك يقال فيمن تكشف بعض شعرها أو شيئا من رقبتها فإنها داخلة في قول النبي صلى الله عليه وسلم :"كاسيات عاريات" رواه مسلم المتوعدات بالحرمان من دخول الجنة، والله المستعان.
    فهذا الحجاب قد فرضه الله تعالى في القرآن الكريم، ومسؤولية تربية البنات عليه تقع على الوالدين، وقول بعض الناس:" لا آمر ابنتي بالحجاب حتى تقتنع به" فيه أخطاء كثيرة عظيمة :
   أولا أن الاقتناع بأمر فرضه الله تعالى صريحا في القرآن ليس أمرا اختياريا، بل هو من مقتضيات الإسلام، ورفضه هو رفض للإسلام، وعدم الاقتناع به هو عدم اقتناع بالإسلام، فلا فرق بين من يقول هذا من يقول لا آمر أولادي بالتزام دين الإسلام.
   ثانيا أن هذه الأخلاق يجب تربى عليها البنات قبل أن تكون لها أهلية الاختيار، لأن الأخلاق تكتسب بالإلف والعادة، والولد الذي لم يضبط في صغره تعسرت إقامته إذا ما كبر.
  ثالثا : لا بد أن نعلم علم اليقين أن الستر والحجاب ملازم للعفة والحياء، فهل يقال مثل هذا الكلام فيهما.
  رابعا : إن الحجاب فرض إسلامي مثل جميع الفرائض، ولا فرق بينه وبين فرضية الصلاة والصيام فهل يقال في مثل هذه العبادات مثل هذا الكلام؟
طرق تربية البنات على الحجاب
    وأما عن طرق تربية البنت عليه فأولها القدوة الحسنة؛ بأن ترى في أمها مظاهر الحياء والعفة والستر والتزام الحجاب؛ عند الخروج من البيت وأمام الأجانب، وبهذه الطريقة ورثت أكثر أمهاتنا الحجاب في بلادنا (الحجاب الشرعي الذي يسمى الحايك أو الملايا أو الملحفة وغيرها من التسميات).
    ومن الطرق أيضا تعويد البنات عليه منذ أوان أمرهن بالصلاة (أي سن السابعة)، لأنّ الصلاة لا تؤدى إلا به، ولا شك أن البنت الصغيرة ترغب فيه بدافع فطرتها، ولأنّ وضعها الخمار يزيدها بهاء ونورا وإشراقا.
    ومن الطرق أيضا أن نلقنها حقيقة الحجاب، وذلك يجعلها تتحجب وتعتز بحجابها فالحجاب تكليف رباني، والله تعالى لا يأمرها إلا بما فيه الخير لها ولمجتمعها فهو العليم الخبير الحكيم، فالحجاب في حقيقته طاعة لله ولرسوله، وهو عفة وطهارة، وستر وتقوى، وهو إيمان وحياء وغَيرة.
      ومن الطرق أيضا رواية قصص الصحابيات والتابعيات في مجال العفة والستر، ومن ذلك قصة تلك المرأة التي بشرها النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة، ففي صحيحين أن امرأة أَتَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ إِنِّي أُصْرَعُ وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللَّهَ لِي قَالَ إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ فَقَالَتْ أَصْبِرُ فَقَالَتْ إِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللَّهَ لِي أَنْ لَا أَتَكَشَّفَ فَدَعَا لَهَا متفق عليه. فهان عليها دوام المرض والصرع، ولم يهن عليها أن يبدو شيء من بدنها رضي الله عنها حتى وهي معذورة.
    وكانت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها تقول:« كُنْتُ أَدْخُلُ بَيْتِي الَّذِي دُفِنَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي فَأَضَعُ ثَوْبِي فَأَقُولُ إِنَّمَا هُوَ زَوْجِي وَأَبِي فَلَمَّا دُفِنَ عُمَرُ مَعَهُمْ فَوَاللَّهِ مَا دَخَلْتُ إِلَّا وَأَنَا مَشْدُودَةٌ عَلَيَّ ثِيَابِي حَيَاءً مِنْ عُمَرَ » رواه أحمد، فلم تكتف بالحياء من الأحياء حتى استحيت من الأموات رضي الله عنها.
   وعلينا أن نقول للبنت هكذا كوني أو لا تكوني، كوني كسلفك في الأمس القريب التي صمدت أمام خطط المستعمر الفرنسي الذي أراد فصلها عن دينها وعن قرآنها، وأراد إذهاب عفتها وحيائها فلم ينجح، ونذكر لها هذه القصة الواقعية النموذجية الدالة على أن بنت الإسلام ليس من السهولة أن تتنازل عن دينها وشرع نبيها، حيث قامت السلطة الفرنسية عام 1947 بانتقاء عشر فتيات جزائريات مسلمات فأدخلتهن مدرسة فرنسية، وألبستهن اللباس الفرنسي ولقنتهن الثقافة  الفرنسية، فأصبحن فيما يبدو للناس كالفرنسيات تماما، وبعد أحد عشر عاما من الجهود هيأت لهن حفلة رائعة دعي إليها ممثلو الإدارة الفرنسية ومفكرون وصحفيون، وما كادت الحفلة تنطلق حتى فوجئ الجميع بالفتيات الجزائريات يدخلن بلباسهن الإسلامي، فثارت ثورة الصحف الفرنسية وتساءلت ماذا فعلت فرنسا في الجزائر بعد مرور مائة وثمان وعشرين عاما !؟ فأجاب لاكوست وزير المستعمرات الفرنسية آنذاك:« وماذا أصنع إذا كان القرآن أقوى من فرنسا».
    فهذا ما ينبغي أن تكون عليه المسلمة في هذه الأيام، أن تكون ثابتة معتزة بدينها ولباسها وقرآنها، متحدية وسائل الغزو الثقافية والإعلامية؛ كما تحدت بالأمس وسائله العسكرية.
شروط الحجاب
    قال تعالى: ( يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) (الأعراف:26). فبين سبحانه جعل لذرية آدم ما يسترون به عوراتهم وأمرهم بالتستر، وقد قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) (الأحزاب:59).
   وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم المرأة المسلمة من كشف بعض عورتها، ومخالفة أمر ربها وتوعدها بوعيد شديد ليس بعده وعيد  –الحرمان من الجنة ودخول النار-، فقال  صلى الله عليه وسلم :« صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا … وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ(ظهور الجِمال) لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا» رواه مسلم ، ومن هذا الحديث نعلم أنه ليس كل لباس ارتدته المرأة يكون حجابا شرعيا مؤديا للواجب، حيث وصفهن صلى الله عليه وسلم بأنهن كاسيات عاريات. فيجب علينا أن نتعلم شروط الحجاب الذي يتحقق به الستر الواجب وتسلم به من التبرج (وكل لباس تحققت فيه الشروط فهو حجاب سواء سمي ملحفة أو الملايا)، ويجوز أن يكون قطعة واحدة كما يجوز أن يكون من قطعتين لكن يشترط فيه إضافةً إلى استيعابه جميع البدن إلا الوجه والكفين ما يأتي:
1-أن لا تكون فيه زينة تجلب النظر  
   والدليل عليه تعالى: ( وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ) (النور:31)، فإن المرأة أمرت بستر زينتها بحجاب يحجبها عن الأجانب، فلا يعقل أن يكون هذا الحجاب في نفسه زينة تجلب الأنظار وتمنع من غض البصر، ومنه فالحجاب المزركش بالألوان المختلفة أو النقوش الذهبية والفضية أو الأزرار الملونة لا يكون شرعيا، وكذلك اتخاذ الخمارات ذات ألوان جذابة لافتة للنظر كالوردي والأصفر ونحو ذلك.
2-أن يكون كله ثخينا لا يصف ما تحته  
   قال ابن عبد البر في شرح قوله صلى الله عليه وسلم ( كاسيات عاريات مميلات مائلات ) :«أراد النساء اللواتي يلبسن من الثياب الشيء الخفيف الذي يصف ولا يستر، فهن كاسيات بالاسم عاريات في الحقيقة»، ودَخَلَتْ حَفْصَةُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَلَى عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَعَلَى حَفْصَةَ خِمَارٌ رَقِيقٌ فَشَقَّتْهُ عَائِشَةُ وَكَسَتْهَا خِمَارًا كَثِيفًا رواه مالك في الموطأ، وقالت عائشة رضي الله عنها:« إنما الخمار ما وارى البشرة والشعر» رواه البيهقي.
   ومنه فإنه يجب أن يكون القماش الذي يخاط منه الحجاب ثخينا صفيقا غير رقيق، فإن الرقيق إن لم يكن شفافا كان واصفا لما تحته، وأعطى عمر رضي الله عنه الناس يوما ثيابا رقيقة وقَالَ : لاَ تَدَّرِعْهَا نِسَاؤُكُمْ. فَقَالَ رَجُلٌ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ أَلْبَسْتُهَا امْرَأَتِى فَأَقْبَلَتْ فِى الْبَيْتِ وَأَدْبَرَتْ ، فَلَمْ أَرَهُ يَشِفُّ. فَقَالَ عُمَرُ : إِنْ لَمْ يَكُنْ يَشِفُّ فَإِنَّهُ يَصِفُ» رواه ابن أبي شيبة.
    ومنه يمنع كل حجاب أو جلباب مصنوع من قماش خفيف يجسم أعضاء المرأة بفعل الريح أو  غيره. وكل خمار شفاف يظهر منه الشعر أو بعضه. وليس كل ما عرضه التجار -الذين لا يهمهم إلا الربح العاجل- على أنه حجاب يكون كذلك، ولكن العبرة بالشروط التي دل عليه القرآن والسنة الصحيحة.
3-أن يكون فضفاضا غير ضيق
   إن المقصود بالحجاب هو ستر العورة ورفع أسباب الفتنة ولا يحصل ذلك إلا باللباس الفضفاض الواسع، فإن الضيق وإن ستر لون البشرة فهو يحجم البدن ويصف تقاسيمه، وهذا قد يكون أعظم فتنة من كشف بعض الجسم كبعض الشعر والقدم ونحو ذلك، ولا شك في دخول من ابتليت بمثل هذا في قول النبي صلى الله عليه وسلم :« كاسيات عاريات »، وعن أسامة بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه كسوة قُبْطِيَّةً كَثِيفَةً فكساها امرأته فَقَالَ له صلى الله عليه وسلم مَا لَكَ لَمْ تَلْبَسْ الْقُبْطِيَّةَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَسَوْتُهَا امْرَأَتِي فَقَالَ له رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُرْهَا فَلْتَجْعَلْ تَحْتَهَا غِلَالَةً إِنِّي أَخَافُ أَنْ تَصِفَ حَجْمَ عِظَامِهَا» رواه أحمد، والغلالة الثوب الذي تشدّه المرأَة في وسطها تحت إِزارها.
    ومن هنا نعلم أن ثمة ألبسة كثيرة تحسبها كثير من أخواتنا حجابا تمتثل به أمر ربها، وهي ليست كذلك، كمن ترتدي قميصا مفصلا على حسب أعضائها فيصف مفاتنها، ومن تلبس فوق حجابها مئزرا أو معطفا يحجم أعضاءها.

تم قراءة المقال 364 مرة