الأربعاء 3 محرم 1443

(42) التربية على العبادة : التربية على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

المبحث الخامس : التربية على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

     إنّ من مضامين التربية الأساسية التي وردت في وصايا لقمان الجامعة؛ التربية على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حيث كان من وصاياه: (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (لقمان:17)، فبعد أن حذر لقمان ابنه من الشرك ودلّه إلى معرفة الله تعالى بصفاته، أمره بأداء حقوقه؛ فبدأ بالصلاة التي هي عمود الدين، وعطف عليها عبادة تعدّ من أعظم العبادات؛ وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وحقيقة المعروف هو كل ما كان فيه صلاح، وكان الله تعالى يحبه ويرضاه، وحقيقة المنكر ما كان فيه فساد، وكان الله تعالى لا يحبه ولا يرضاه، فكأنه قال له مُر بالتوحيد والطاعة والاتباع، وانهَ عن الشرك والمعصية والابتداع، مُر بالعدل والصدق والخير، وانهَ عن الظلم والكذب والشر.
مضامين هذه الوصية
1-إن هذه الوصية تقتضي تعليم الولد ما هو المعروف وما هو المنكر، وتربيته على ذلك، فلابد أن يُربى الولد على أن لله تعالى حدودا لا ينبغي أن تتعدى، وأنّ تصرفات الناس فيها الحلال والحرام، وأنّه ثمةَ شريعة ينبغي تحكيمها في الحياة؛ ما وافقها هو المعروف وما خالفها هو المنكر.
2-وتقتضي هذه الوصية أيضا أن يكون المربي هو أوّل من ينهى عن المنكر ويأمر بالمعروف، حتى لا يخالفَ قولُه عملَه، وقد قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ) (الصف:2-3) وقال النبي صلى الله عليه وسلم متوعدا من كان ذلك حاله وشأنه: «يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُهُ فِي النَّارِ فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِرَحَاهُ فَيَجْتَمِعُ أَهْلُ النَّارِ عَلَيْهِ فَيَقُولُونَ أَيْ فُلَانُ مَا شَأْنُكَ أَلَيْسَ كُنْتَ تَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَانَا عَنْ الْمُنْكَرِ قَالَ كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا آتِيهِ وَأَنْهَاكُمْ عَنْ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ» متفق عليه.
3-ومما تقتضيه هذه الوصية أن يُنهى الولد عن مجالسة أهل المنكر ومخالطتهم، لأنّه إن لم يفعل ذلك لم يكن ناهيا عن المنكر، إذ المخالطة تعتبر سكوتا عن لمنكر، وهي تؤول إلى إقراره والرضا به، فلا يجلس في مجالس اللغو والكذب والغناء والفحش، وقدنهانا عن ذلك ربنا عز وجل فقال : (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً) (النساء:140).
4-ومما تقتضيه الوصية بالأمر بالمعروف أيضا؛ التربية على قول الحق والصدع به وعلى الشجاعة والإقدام وعلى عدم الخوف إلا من الله تعالى، قال ربنا سبحانه لنبيه : (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) (الحجر:94) وقال لنا نبيا صلى الله عليه وسلم :« مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ» رواه مسلم. ومن ذلك أن يُربى الولد على نصرة المظلوم، وأداء الشهادة وعدم كتمها.
5-ومن مضامين هذه الوصية ؛ التربية على علو الهمّة أي علو المقصد، فمثل هذه الكلمات: يا بني افعل كذا، أو كن كذا وكذا، وستكون كذا لها أثرها في نفسية الابن وشخصيته، فكلمة كن داعية إلى الله، كن عالما... كن مجاهدا الخ، كلمات تعطي الولد شعورا بأن له دورا ينتظره في المجتمع فهو ليس فقط لنفسه بل هو لأمته، فلهذه الكلمات أثرها كما أن لكلمة كن فنانا أو كن لاعبا الخ لها أثرها أيضا.
   وإن من سوء التربية مخاطبة الأولاد بالكلمات القاتلة للهمم كقولهم "أنت ضائع" و"أنت لا تصلح لشيء"، ونحوها من الكلمات التي تقال بالعامية.
   وإن من حسن التربية أن تشعر الابن بأنه شخص مهم في هذه الدنيا أو في مجتمعه، فلا بأس أيضا أن يقال له كن طبيبا لا لأجل المال والسمعة، ولكن لأن الله تعالى أخبر بأنه من أحيا نفسا فكأنما أحيا الناس جميعا، وكن إماما لا لأجل السمعة والمال، ولكن من أجل نصح الناس وهدايتهم ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال :« فَوَاللَّهِ لَأَنْ يُهْدَى بِكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ » متفق عليه.
    ومن الكلمات التي رددها أولاد صغار في زمن مضى فأثرت فيهم وأتت أكلها:
يا نشء أنت رجاؤنا       وبك الصباح قد اقترب
كيف نربي أولادنا على هذه العبادة
1-توجيه الطفل إلى دراسة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنها تبين له أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أشرف الوظائف؛ إذ هي وظيفة الأنبياء، وقد قال تعالى في وصف نبيه صلى الله عليه وسلم : (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ) (الأعراف:157).
2-وتوجيهه أيضا إلى دراسة سيرة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وسيرة من سار على دربهم من العلماء والمجاهدين، الذين يصدق فيهم قول المولى عز وجل: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بالله  ) (آل عمران:110).
3-ومما يُربي الولد على هذه العبادة أن نُبيّن له أنها ثمرة الإيمان ومحبة الله ورسوله ودينه، وأنها علامة من علامات الإيمان، قال تعالى : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (التوبة:71)  4-ونربي الولد على هذه العبادة بأن نبيّن له أنّه لا فلاح لأمة الإسلام وأنها لن تعود لسالف عهدها إلا بإحياء هذه الفريضة والقيام عليها، قال الله تعالى : ( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (آل عمران:104). فلا فلاح ونجاح ولا رفعة ولا بقاء للأمة إلا بالدعوة غلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
5-ونربي الولد على هذه العبادة أيضا؛ بتعليمه أن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر موجب لعقوبات فردية وجماعية في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى : (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) (المائدة:78-79) قال تعالى : (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ) (الأعراف:165).
   وعن أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنَّهُ قَالَ:« أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ هَذِهِ الْآيَةَ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمْ اللَّهُ بِعِقَابٍ مِنْهُ » رواه أبو داود وابن ماجة والترمذي وصححه.    وقال النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:« وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنْ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ» رواه الترمذي وحسنه الألباني.

تم قراءة المقال 428 مرة