الأحد 21 محرم 1443

(50) التربية الأخلاقية : التربية على النظافة

كتبه 
قيم الموضوع
(1 تصويت)

المبحث الثامن : النظافة

    من الأمور المهمة التي ينبغي أن يُربى عليها النشءُ المسلم النظافة والطهارة، وإن ذلك من خصائص الإسلام دين الطهارة الباطنة والظاهرة، وقد قال الله تعالى : (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) (البقرة: 222) فهو سبحانه يحب المتطهرين الطهارة الباطنة المعنوية من أمراض القلوب، ويحب أيضا المتطهرين الطهارة الظاهرة الحسية من القذارة والنجاسة، وقد أُمر المسلم بطهارة بدنه وثيابه ومحيطه، وهذه الطهارة المأمورُ بها منها ما هو تعبد محض كالوضوء والغسل للصلاة، ومنها ما جُمع فيه بين التنظيف والتعبد كغسل الجمعة وسنن الفطرة، ومنها ما فيه معان صحية وقائية، ومنها ما يتعلق بحق النفس ومنها ما يتعلق بحق الناس أجمعين أو رب العالمين.
    وإنه من واجبنا أن نربي أولادنا على الطهارة بجميع أنواعها، وأن نلقّنهم أن المحافظة عليها من الإيمان لقوله صلى الله عليه وسلم :« إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ » رواه مسلم ، وقوله صلى الله عليه وسلم: «الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ » رواه مسلم ، وأهم طريق للتربية على هذا الخلق هو التعويد وتكرار التذكير حتى تصبح النظافة عادة للطفل، ولذلك سأقسم هذا المبحث على خلاف ما سبقه بحسب المعاني الثلاثة المذكورة طهارة البدن وطهارة الثوب وطهارة المحيط، للتنصيص على الأمور التي ينبغي أن يعود عليها الطفل، وليس حسب الطرق المستعملة.
أولا : طهارة البدن
    أول شيء يعلمه الأولاد في هذا المضمار: الاستنجاء عقب قضاء الحاجة، ولا ينبغي التساهل معهم في هذا، فإن عدم الاستنزاه من البول يعد من الكبائر الموجبة لعذاب القبر كما صح في الحديث، ويتلوه تعليمهم وحثّهم على المحافظة على سنن الفطرة، كتقليم أظافر اليدين والرجلين، وكذا نتف الإبط وحلق العانة بالنسبة للبالغين، فعن أنس  قال :« وُقِّتَ لَنَا فِي قَصِّ الشَّارِبِ، وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ، وَنَتْفِ الْإِبِطِ، وَحَلْقِ الْعَانَةِ، أَنْ لَا نَتْرُكَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً» رواه مسلم ، ومعنى هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل لهم حدا أقصى، وإلا فالأولى فعل ذلك أسبوعيا، لأن المدة إذا طالت أصبح تلك المواضع من الجسد مجمعا للأوساخ والأقذار، فضلا عن منظرها القبيح.
    ولا يختلف في أمر قص الأظفار الفتيات عن الفتيان، ولا خصوصية للبنات فيه فليتنبه إلى هذا، ولا يغتر بالعادات الغربية الدخيلة، ويضاف إلى هذه السنن بالنسبة للفتيان قص شعر الرأس كلما طال، وتعهده بالنظافة والترجيل دون إفراط ولا تفريط.
   ومن مظاهر طهارة البدن التي ينبغي أن يعوّد عليها الأولاد الاغتسال أسبوعيا، ففضلا عن غسل الجنابة والحيض للبالغين، يُعوّد الأولاد على الغسل مرة في الأسبوع وليكن يوم الجمعة، وقد قال النبي  :« حَقٌّ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَجَسَدَهُ » متفق عليه، وقال صلى الله عليه وسلم : «الْغُسْلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ»متفق عليه.
    ومن أهم الأمور التي تحفظ صحة العبد اهتمامه بالنظافة قبل الطعام وبعده، وتعويده على ذلك، فقبل البدء بالطعام يتفقد يديه ويغسلهما، فقد تكون في يديه أوساخ تضر به من غبار أو حبر ونحو ذلك، ويداوم على ذلك حتى وإن لم يرى فيها أثرا؛ لأن بعض الأوضار قد لا يظهر أثرها. وأما غسل اليدين بعد الطعام فهو من السنن المستحبة، خاصة إذا أكل شيئا فيه دسم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : «مَنْ نَامَ وَفِي يَدِهِ غَمَرٌ وَلَمْ يَغْسِلْهُ فَأَصَابَهُ شَيْءٌ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ » رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة وصححه الألباني. والغمر ريح اللحم وما يعلق باليد من دسمه، "فأصابه شيء" أي من الهوام أو من الجان، بل إن من السنة أيضا أن يمضمض فمه وينقي أسنانه، فقد ثبت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَكَلَ كَتِفَ شَاةٍ فَمَضْمَضَ وَغَسَلَ يَدَيْهِ وَصَلَّى رواه ابن ماجة وصححه الألباني. وفي معنى هذا استعمال الفرشاة أو السواك الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم :« لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ»متفق عليه، ويعتبر السواك من أهم مظاهر الحفاظ على النظافة المتربطة بالصحة مباشرة، ففضلا عن نظافة الأسنان وصيانتها من التسوس والتساقط فهو يقوي اللثة ويطيب الفم .
   ومن الأمور التي لها تعلّق بالنظافة والأدب عموما تجنّب البصاق والتنخم دون سبب، وإذا تنخم الولد في الطريق فعليه أن يجتنب القِبلة، وليكن ذلك تحت قدمه أو من جهة يساره، أو في منديل خاص لئلا يؤذي بها أحدا.
     ومثل هذا تحويل الوجه أثناء العطاس عن وجوه الناس، وعن الطعام والشراب لئلا يصيبها رذاذ العطاس، ووضع اليد أو المنديل على الفم، وخفض الصوت بها إذا أمكن. وكل هذا من هدي النبي صلى الله عليه وسلم الذي« كَانَ إِذَا عَطَسَ غَطَّى وَجْهَهُ بِيَدِهِ أَوْ بِثَوْبِهِ وَغَضَّ بِهَا صَوْتَهُ» رواه أبو داود والترمذي وصححه.
ثانيا : طهارة الثياب
   أما طهارة الثوب فقد ورد الأمر بها في قوله تعالى: ( وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) (المدثر:5) والأمر للنبي صلى الله عليه وسلم هو أمر لأمته، وأمرنا بها أيضا أمرا عاما يشملها مع غيرها في قوله تعالى: ( يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ) (الأعراف:31) ففي هذه الآية الكريمة أمر بأخذ الزينة عند الصلاة، وذلك متضمن لستر العورة وما هو أكثر من العورة؛ لأن الرجل إذا اكتفى بستر عورته بالثياب لا يقال إنه تزين، وهو متضمن للأمر بنظافة الثوب الذي نستر به أنفسنا، لأن النظافة تعتبر أساس كل زينة حسنة، ومظهر جميل، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم الحث على مشط الشعر وتنظيف الثياب، فقد روى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرَأَى رَجُلًا شَعِثًا قَدْ تَفَرَّقَ شَعْرُهُ فَقَالَ أَمَا كَانَ يَجِدُ هَذَا مَا يُسَكِّنُ بِهِ شَعْرَهُ وَرَأَى رَجُلًا آخَرَ وَعَلْيِهِ ثِيَابٌ وَسِخَةٌ فَقَالَ أَمَا كَانَ هَذَا يَجِدُ مَاءً يَغْسِلُ بِهِ ثَوْبَهُ» رواه أبو داود وصححه ابن حبان ، وقَالَ رَجُلٌ للنبي صلى الله عليه وسلم إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً أي فهل هذا من الكبر فقَالَ صلى الله عليه وسلم :« إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ » رواه مسلم.
   والتجمّل مطلوب عموما، ويتأكد في مواطن اجتماع الناس وفي أوقات الجمعة والعيدين، وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على جعل ثوب خاص للجمعة غير ثوب المهنة فقال: « مَا عَلَى أَحَدِكُمْ إِنْ وَجَدَ أَنْ يَتَّخِذَ ثَوْبَيْنِ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ سِوَى ثَوْبَيْ مِهْنَتِهِ » رواه أبو داود وابن ماجة وصححه الألباني ، ومقصود ذلك هو التزين والتجمل ليوم الجمعة والحث على نظافة الملابس التي تؤم بها المساجد، لأن الثياب التي تلبس للعمل في الزراعة أو التجارة قد لا تكون لائقة لهذا الاجتماع، وتخصيص اللباس لا يختص بصلاة الجمعة بل يعم المناسبات العامة والزيارات كما ذكرناه أعلاه وقد صح  عمر رضي الله عنه أنه قال:« يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْتَعْ هَذِهِ تَجَمَّلْ بِهَا لِلْعِيدِ وَالْوُفُودِ »متفق عليه.
ثالثا : طهارة المحيط
   من معاني النظافة التي علينا أن نُربي عليها أولادنا الحفاظ على نظافة المحيط، ويدخل فيه نظافة البيوت والحي والمدرسة، والشوارع والأماكن العامة كالحدائق والشواطئ والغابات وغيرها، ولعل أكثرنا لا يغفل عن نظافة البيت، والمعلم أيضا لا يغفل على تربية الولد على المحافظة على نظافة المدرسة ، ولكن أكثرنا يهمل التربية على الحفاظ على نظافة الحي والشوارع والأماكن العامة، ونبينا صلى الله عليه وسلم قد جعل تنظيف الطرقات من الإيمان فقال:«الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الْإِيمَانِ» رواه مسلم ، ومن الأذى الأوساخُ والفضلات التي تشوه جمال الطريق، والأشواك والأحجار والمسامير التي تؤذي المؤمنين، وأخبرنا صلى الله عليه وسلم أن إزالة هذه الأمور المؤذية من طريق المؤمنين يعد من أسباب المغفرة فقال: «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ فَأَخَّرَهُ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ »متفق عليه.
   فعلينا أن نعوِّد الأولاد أن يرموا الأوراق والأغلفة والقارورات في المزابل المخصصة لها، لا في وسط الطريق أو طرفه، ولا في الحدائق أو الشواطئ، فإن لم يجدوا مكانا مخصصا لها؛ فليتركوها في جيوبهم حتى يجدوا المكان المناسب لرميها، وإن مخالفة ذلك إفساد للمحيط وإذاية للناس وخلاف مقتضى الإيمان، وشدة الجرم والإثم تزيد مع شدة القذارة الملقاة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :« اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ قَالُوا وَمَا اللَّعَّانَانِ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ فِي ظِلِّهِمْ» رواه مسلم ، المراد باللاعنين الأمرين الجالبين للعن الناس, ولا أقذر من قضاء الحاجة في طريق الناس أو أماكن جلوسهم.
  ومن معاني الحفاظ على نظافة المحيط النهي عن تلويث موارد الماء، وقد قال صلى الله عليه وسلم : « لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ»متفق عليه، ومثله النهي الوارد عن الانغماس فيها لما يؤدي إلى تلويثها واستقذارها، وكل هذا من محافظة الإسلام على البيئة والنظافة، وصيانة المرافق العامة التي ينتفع بها الناس.

تم قراءة المقال 513 مرة