الأحد 1 رجب 1431

شرح الثلاثة أصول (الدرس الأول)

كتبه 
قيم الموضوع
(1 تصويت)

 شرح الثلاثة أصول (مقدمة بين يدي الشرح)

     إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، أما بعد:

    فإن علم التوحيد علم جليل القدر عظيم النفع، جلالته من جلالة متعلقه وهو العلم بالله تعالى وبحقوقه التي هي توحيده في أفعاله وألوهيته، ونفعه أعظم نفع على الإطلاق إذ به تتحقق سعادة الدنيا والآخرة، إذ التوحيد مفتاح النجاة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : "يَا مُعَاذُ هَلْ تَدْرِي حَقَّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَحَقَّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَ مَنْ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا" .

 

شرح الثلاثة أصول (الدرس الأول)

    ومن أخل بالتوحيد وصرف شيئا من حق الله تعالى لغيره فقد وقع في الشرك الذي هو ظلم عظيم قال تعالى : (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) (لقمان:13)، وعن ابن مسعود قَالَ سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ؟ قَالَ أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ (متفق عليه). ومن مات على الشرك لم يغفر له المولى عز وجل قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا) [النساء/48] وحبط كل ما عمله من خير بحيث لا ينفعه يوم القيامة قال الله تعالى : (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (الزمر:65)، ويحرم الله عليه الجنة ويوجب الخلود في النار، ويحرم من الشفاعة التي لا تكون إلا لمن مات على التوحيد سالما من الشرك الأكبر، قال عز وجل: (إِنَّهُ ُمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) [المائدة/72]

    وهذا العلم الجليل العظيم كما هو معلوم هو أول واجب ينبغي على الإنسان تحصيله، كما قال النبي صلى اله عليه وسلم لمعاذ لما أرسله إلى اليمن :" إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ عِبَادَةُ اللَّهِ " (متفق عليه) وفي رواية للبخاري :" فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَى أَنْ يُوَحِّدُوا اللَّهَ تَعَالَى". وكذلك هو أول واجب ينبغي على الداعية أن يدعو إليه وعلى المعلم أن يعلمه لغيره، ولذلك رأيت أن لا أخلي صفحات هذا الموقع من دروس تعنى بمادة التوحيد بطريق مباشر، وخاصة أننا أن الإصلاح إنما يبدأ من إصلاح العقيدة قبل أي إصلاح.

    وقد رأيت أن تكون البداية مع بعض حلقات في شرح رسالة الثلاثة أصول للشيخ ابن عبد الوهاب رحمه الله تعالى، وهي رسالة لطيفة في حجمها عظيمة في نفعها وذلك لما تضمنته من مسائل ضرورية وأساسية في العقيدة الإسلامية في عبارات وجيزة وأسلوب واضح غير معقد وطريقة استدلالية، فعندما ندرس هذه الرسالة نستفيد عدة فوائد منها أننا نعطي للمتعلم أساس العقيدة وفرضها الواجب عليه، بحيث نجد فيها تطرقا إلى جميع أبواب الاعتقاد على سبيل الإجمال، وهذا خير من التوسع في باب على حساب أبواب أخرى وخاصة بالنسبة للمبتدئين، ومنها أننا نلقنه منهج تلقي العقيدة وأنها تبنى على الدليل النقلي من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

   وكما أن الكتاب مختصر فالشرح ينبغي أن يكون كذلك، ومن أراد التطويل فعليه بتدريس أو دراسة المطولات ، وليس من منهج التعليم أو التأليف في شيء أن نأتي إلى الكتب المختصرة التي وضعها مؤلفوها للمبتدئين فتشرحها شرح المنتهين لأننا نكون قد خالفنا مقصد المؤلف وأخللنا بالمنهج التعليمي المبني على التدرج.

     وفي هذه الحصة نتناول بعد هذه المدخل ثلاثة نقط ، أولا : التعريف بالمؤلف رحمه الله ، ثانيا : لماذا الثلاثة أصول ؟ ثالثا : شرح البسملة .

 أولا : ترجمة موجزة للشيخ محمد بن عبد الوهاب

    ولد الشيخ محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي عام (1115هـ الموافق لـ 1703م) في قرية العيينة من قرى نجد في الجزيرة العربية، نشأ بها وتعلم القرآن وحفظه عن ظهر قلب قبل بلوغه سن العاشرة ، وامتاز منذ صغره بحدة الفهم وذكاء القلب وسرعة الحفظ، كما كان معروفا بسرعة الكتابة وجودته أيضا، حيث كان يخط كراسا كاملا في جلسة واحدة بخط واضح.

    قرأ على أبيه مبادئ الفقه الحنبلي من المنتهى والإقناع، ثم أخذ في مطالعة الكتب المطولة كالإنصاف والشرح الكبير لشمس الدين ابن قدامة، فأصبح يذاكر والده في المسائل ، وكثيرا ما كان يتعقب ما هو مدون في تلك المختصرات مما خالف الصحيح من المذهب وما قوي دليله.

الرحلة في طلب العلم وسببها

    كان في ابتداء طلبه العلم وتحصيله في فن الفقه وغيره، لم يتبين له الضلال الذي كان عليه الناس من عبادة غير الله من الأحجار والجن والقبور، ثم إن الله تعالى جعل له نهمة في مطالعة التفسير والحديث، فتبين له من معاني الآيات المحكمات والأحاديث الصحيحة أن هذا الذي وقع فيه الناس، هو الشرك الذي بعث الله تعالى رسله وأنزل كتبه بالنهي عنه. فقرر ابن عبد الوهاب أن يرحل للاستزادة من العلم، لينصر به الحق الذي تبين له، فرحل إلى الحجاز ثم إلى البصرة، وقيل إنه رحل إلى بغداد أيضا، وفتح الله عليه بلقاء الشيوخ وخط الكتب التي لم يكن قد وقف عليها من قبل.

الرجوع وإعلان الدعوة

     أعلن الشيخ دعوته أولا بمدينة "حريملا" حيث كان قد أقام والده، وذلك سنة (1151هـ الموافق لـ 1738)، فأوذي ومكر به، فانتقل إلى العيينة سنة (1155هـ) أين وافقه وناصره أميرها عثمان بن معمر، ولكنه سرعان ما تراجع عن مناصرته خوفا من أمراء "الأحساء"، ففر الشيخ منه إلى الدرعية حيث استجاب لدعوته الأمير محمد بن سعود وأخواه ثنيان ومشاري، ففتح الله عليه ووفقه لنشر عقيدة التوحيد، التي بقي أثرها إلى يوم الناس هذا في نجد والحجاز، كما امتدت إلى غيرها من بلاد العالم الإسلامي.

عقيدة ابن عبد الوهاب ودعوته

     قال الشيخ ابن باديس رحمه الله (5/32-الآثار) :"قام الشيخ محمد بن عبد الوهاب بدعوة دينية فتبعه عليها قوم لقبوا بالوهابيين، لم يدع إلى مذهب مستقل في الفقه، فإن أتباعه النجديين كانوا قَبلُ ولا زالوا إلى الآن حنبليين، يدرسون الفقه في كتب الحنابلة، ولم يدع إلى مذهب مستقل في العقائد، فإن أتباعه كانوا ولا زالوا إلى الآن سنيين سلفيين، أهل إثبات وتنزيه، ويؤمنون بالقدر ويثبتون الكسب والاختيار، ويصدقون بالرؤية، ويثبتون الشفاعة، ويترضون على جميع السلف، ولا يكفرون بالكبيرة ويثبتون الكرامة. وإنما كانت غاية ابن عبد الوهاب تطهير الدين من كل ما أحدث فيه المحدثون من البدع في الأقوال والأعمال والعقائد، والرجوع بالمسلمين إلى الصراط السوي من دينهم القويم، بعد انحرافهم وزيغهم المبين. ولم تكن هذه الغاية التي رمى إليها بالقريبة المنال ولا السهلة السبل، فإن البدع والخرافات باضت وفرخت في العقول ، وانتشرت في سائر الطوائف وجميع الطبقات على تعاقب الأجيال في العصور الطوال، يشب عليها الصغير ويشيب عليها الكبير، وأقام لها إبليس من جنده من الجن والإنس أعوانا وأنصارا وحراسا كبارا، من زنادقة منافقين ومُعمَّمِين جامدين ومحرفين، ومتصوفة جاهلين وخطباء وضاعين".

وفاته :  

   وتوفي الشيخ رحمه الله تعالى بالدِّرعية عام (1206هـ الموافق لـ 1792م) ودفن بها .

 

ثانيا : لماذا الثلاثة أصول ؟

    إن الواجبات التي كلفنا بها الله تعالى متفاوتة في الأهمية، وأهم هذه الواجبات هي معرفة هذه الأصول الثلاثة والعمل بهن (معرفة الرب ومعرفة الإسلام ومعرفة الرسول صلى الله عليه وسلم) بدليل أن العبد إذا انتقل إلى أول منازل الآخرة يمتحن فيها ويسأل عنها دون غيرها، فيقال له من ربك ؟ وما دينك ؟ ومن هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ ولن يوفق للإجابة إلا من علم هذه الأصول وعمل بمقتضاها.

  ويمكن أن يقال: إن مرد الأشياء المأمور بها في الشرع إلى هذه الأصول الثلاثة، فقد أمرنا بالتوحيد الذي هو ثمرة معرفة الله تعالى وضده الشرك بالله والكفر به، وأمرنا بالطاعة والاستقامة التي هي ثمرة معرفة شرائع الإسلام، وضدها المعصية والفسوق، وأمرنا باتباع السنة التي هي ثمرة معرفة الرسول صلى الله عليه وسلم وضدها هو الابتداع.

 

ثالثا : شرح البسملة

     ابتدأ المصنف بالبسملة اقتداء بكتاب الله تعالى، وبكتب النبي صلى الله عليه وسلم، وفي هذا الباب حديث ضعيف جدا لا يعول عليه ولفظه:" أيما أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله فهو أقطع".

  ومعنى"بسم الله" ابتدئ هذا الكتاب بعونه وتأييده وتوفيقه وتسديده سبحانه على أن الباء للاستعانة.

 و"الله" لفظ علم على ذات الله تعالى لا يسمى به غيره، ومعناه المألوه أي المعبود بالمحبة والتعظيم، قال الله تعالى: (وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ) (الأنعام:3) أي المعبود.

و"الرحمن" من أسماء الله تعالى ومعناه أنه ذو الرحمة الواسعة ، لأن وزن فعلان في اللغة يدل على السعة والامتلاء، كما يقال رجل غضبان إذا امتلأ غضبا .

 و"الرحيم" من أسماء الله ومعناه كمعنى الرحمن، وأصح ما قيل في الفرق بينه وبين الرحمن أن الرحمن رحمته وسعت الخلق جميعا، والرحيم رحمته خاصة بالمؤمنين، وأن الرحمن صفة ذات لله تعالى لذلك كان خاصا به سبحانه لا يجوز أن يتسمى به أحد غيره، والرحيم صفة فعل متعد إلى الخلق.

 

تم قراءة المقال 4878 مرة