الأحد 26 رمضان 1431

شرح الثلاثة أصول (الدرس الثاني عشر والأخير)

كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

الإيمان بالبعث والكفر بالطاغوت

 

قال المصنف:

   "والناس إذا ماتوا يبعثون، والدليل قوله تعالى: (مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى ) (طـه:55)، وقوله تعالى: (وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتاً ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجاً) (نوح:17-18)".
 
الشرح:
 
   هذا استطراد مهم متعلق بالإيمان بالبعث، وقد ذكره هنا لأن من أهم الأمور التي ركز عليها النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته في مكة التذكير بالبعث والحساب إضافة إلى التوحيد وإثبات النبوة، ذلك أن من المشركين من كان ينكره كما قال تعالى: (وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) (الجاثـية:24).

 

شرح الثلاثة أصول (الدرس الثاني عشر والأخير)

 

    ومن أدلة البعث في القرآن أن خلق السماوات والأرض أعظم من البعث ، قال تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (الأحقاف:33). ومن أدلته أن إعادة الإنسان أهون من خلقه، قال تعالى : (وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً) (مريم:66-67).

قال المصنف:

وبعد البعث محاسبون ومجزيون بأعمالهم، والدليل قوله تعالى: (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى) (النجم:31).
 

الشرح:

  وانتقل المصنف إلى أمر تابع للبعث وهو العرض والحساب والجزاء، فإنه يومها يجد الناس أعمالهم كلها حاضرة، قال سبحانه: (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً) (آل عمران:30). ومن الحساب السؤال عن النعيم ، ومن الحساب القصاص والحكم بين الناس. ومن الإيمان بالجزاء الإيمان بالجنة والنار.

قال المصنف:

 "ومن كذب بالبعث كفر، والدليل قوله تعالى: (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) (التغابن:7)".

الشرح:
عاد المصنف ليؤكد على كفر من أنكر البعث وما بعده وهذا أمر ظاهر، ووجه الدلالة من الآية أن الله تعالى وصفهم بالكفر، وسبب إنكار البعث هو إنكار ما بعده من الجزاء والحساب.

قال المصنف:

وأرسل الله جميع الرسل مبشرين ومنذرين، والدليل قوله تعالى: (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) (النساء: 165).
وأولهم نوح عليه السلام، وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم وهو خاتم النبيين، والدليل على أن أولهم نوح قوله تعالى: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِه) (النساء: 163)".

الشرح:

   المقصود أن غاية إرسال الرسل جميعا هو التذكير بعبادة الله وحده، والتبشير للطائعين بالجنة والإنذار من عذاب النار ، وإقامة الحجة على الناس، والدليل الذي ذكر الشيخ نص في المطلوب ، ونبينا صلى الله عليه وسلم آخر الأنبياء وخاتمهم، والاعتقاد بأن النبي محمدا  صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء من الأصول المهمة، إذ من صدق دعوى النبوة بعده كفر، قال تعالى : (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ) (الأحزاب:40)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم :"وإنه لا نبي بعدي" (متفق عليه).
   وبيَّن المصنف أيضا أنَّ أوَّل الرسل هو نوح عليه السلام لقوله تعالى: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِه) (النساء: 163)"، وأصرح منه حديث الشفاعة حيث يجيء الناس إلى نوح ويقولون له:"أنت أوَّل رسول أرسله الله إلى الأرض" (متفق عليه).
   وهذا فيه دليل على خطأ المؤرخين الذين يجعلون إدريس عليه السلام ضمن أجداد نوح عليه السلام، إلا أن يقال إن نوحا عليه السلام هو أول الرسل كما في الحديث، وأن إدريس عليه السلام كان نبيا فقط، وأما أوَّل الأنبياء فهو آدم عليه السلام، والدليل قوله تعالى : (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ) (آل عمران:33).
 

قال المصنف:

وكل أمة بعث الله إليها رسولا من نوح إلى محمد يأمرهم بعبادة الله وحده، وينهاهم عن عبادة الطاغوت، والدليل قوله تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) (النحل: 36) وافترض الله على جميع العباد الكفر بالطاغوت والإيمان بالله، قال ابن القيم-رحمه الله تعالى-:"معنى الطاغوت ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع"، والطواغيت كثيرون، رؤوسهم خمسة: إبليس لعنه الله، ومن عبد وهو راض، ومن دعا الناس إلى عبادة نفسه، ومن ادعى شيئا من علم الغيب، ومن حكم بغير ما أنزل الله، والدليل قوله تعالى: (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (البقرة:256). وهذا هو معنى "لا إله إلا الله ".
 

الشرح:

   قبل أن يختم المصنف هذه الرسالة نص على رؤوس الطواغيت التي عبدت من دون الله تعالى، لأنه لا يتم الإيمان بالله تعالى إلا بالكفر بالطاغوت، والطغيان في اللغة مجاوزة الحد، وفي الشرع أحسن تعريف له هو ما ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى:"ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع"، ولا يدخل فيه الصالحون الذين عُبدوا من دون الله تعالى لأنهم لم يتجاوزا حدهم، وقد احترز ابن عبد الوهاب عن ذلك صراحة في رسالة معنى الطاغوت فقال :" كل ما عبد من دون الله ورضي بالعبادة من معبود أو متبوع أو مطاع في غير طاعة الله ورسوله فهو طاغوت"، وهذا التعريف جامع يشمل الأصنام وعلماء السوء المبدلين للشرائع، والمبتدعين والحكام الذين يأمرون بخلاف ما جاءت به الرسل.
  وفيما يأتي توضيح للرؤوس الخمسة المذكورة :
 
1-إبليس عليه لعنة الله تعالى، لأنه أول داع إلى عبادة غير الله تعالى ، قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً) (النساء:76).
 
2-من عُبد من دون الله وهو راض بالعبادة، وفي الحديث :"يجمع الله الناس يوم القيامة فيقول من كان يعبد شيئا فليتبعه فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس، ويتبع من كان يعبد القمر القمر، ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت" (متفق عليه).
 
3-من دعا الناس إلى عبادة نفسه، كفرعون والنمرود وكالدجاجلة المرتزقة المنتسبين إلى الإسلام كشيوخ الطرق وغيرهم، قال تعالى: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي) (القصص:38) وقال تعالى لموسى : (اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى) (النازعـات:17).
 
4-من ادعى شيئا من علم الغيب، وقد قيل في تفسير قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ) (النساء:50) الجبت الشيطان والطاغوت الكاهن، وسئل جابر رضي الله عنه عن الطواغيت فقال هم كهان تنزل عليهم الشياطين (أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره).
 
5-من حكم بغير ما أنزل الله، لقوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً) (النساء60) والكلام في الحكم بغير ما أنزل الله يحتاج إلى شيء من التفصيل:
 
أولا: من يضع القوانين المخالفة للشريعة فعمله هذا كفر بلا خلاف، فهو مدع لمرتبة التشريع وهي من خصائص ربوبية الله تعالى، وكذا من ادعاها لغيره، ولا يتصور في حكمه تفصيل لأنه مستحل، لكن الحكم على المعين بالكفر يحتاج إلى إقامة الحجة وإزالة الشبهة.
 
ثانيا: من يحكم في القضاء أو غيره بغير ما أنزل الله وهذا له أحوال:
 
1-أن يحكم في الواقعة أو الوقائع بخلاف الشرع لأجل رشوة أو محاباة لأناس وظلما لآخرين، فهذه معصية من الكبائر ولا يكفر صاحبها ولو تكرر فعله مرارا، وهذا الذي يقال عنه أنه كفر دون كفر.
 
2-أن يحكم في الواقعة بخلاف الشرع رفضا لحكم الله تعالى، أو اعتقادا منه لجواز مخالفة حكم الله تعالى، أو لأنه يرى ما حكم به أنفع أو أصلح من حكم الله تعالى فهذا كفر أكبر.
 
ثالثا: وأما المَحكومون بالقوانين المخالفة للشريعة من عموم الناس، ففيهم الجاهل الذي لا يدري مخالفتها للشرع، وفيهم المضطر إليها والمكره، وفيهم العاصي الظالم المستغل لها مع علمه لمخالفتها لدين الله، وفيهم المستحل للاحتكام إليها وهذا الذي يكفر -دون غيره- لتحاكمه إلى الطاغوت.
 
وهذا موضع ضلت فيه أفهام وزلَّت فيه أقدام، فلابد من التأني فيه ورده إلى أهل العلم.
 

قال المصنف:

   وفي الحديث:" رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله". والله أعلم وصلى الله على محمد وآله صحبه وسلم.
 

الشرح:

   وختم المصنف الرسالة بهذا الحديث الذي رواه أبو داود وابن ماجة والترمذي وصححه، وفيه تذكير بأهمية معرفة المسائل السابقة، التي هي أصول دين الإسلام، إضافة إلى تعظيم شأن الصلاة،  وأن الجهاد مرتبة عالية لا يتوصل إليها إلا بأنواع من الجهاد والإعداد . وقيل في بيان المناسبة بين هذه الثلاث : يثبت الدين بالشهادتين، ويقوم بالصلاة، ويحفظ بالجهاد. وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.

 

 

تم قراءة المقال 4104 مرة