الأربعاء 26 ذو الحجة 1442

الطريق إلى السعادة مميز

كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

الطريق إلى السعادة
1-تمهيد
   الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أمّا بعد فإنّ من الظواهر المشهودة في واقعنا، والتي ابتلي بها كثير منَ الناس: ظاهرة الملل والسّآمة وفقدان السعادة، حيث ترى في وجوههم الكآبة، وتسمع في كلامهم ما ينبئ عن الضجر، ويُسيطر على قلوبهم انقطاع الأمل، وانسداد الأفق، ويَغمرهم الإحساس بالوحشة والانقباض، فيعيشون في قلق دائم، وتخوف مما يستقبل، ويُفرطون في الحزن على المصائب والتحسّر على ما مضى.
    وإنّ سببَ هذه الظاهرة هو قلّة اليقين، وضَعف الإيمان، والفراغ الروحي؛ الذي يؤدي في كثير من الأحيان لمن طال عليه الأمر -وهو على هذه الحال- أنْ يفرَّ إلى المعاصي والملهيات، وتضييع الأعمار والأوقات؛ فيما يغضب رب الأرض والسماوات، إلى سماع الموسيقى لعلّه يجد الراحة النفسية، إلى مشاهدة الأفلام لعلّه ينسى، إلى الملاعب لعلّه يفرّج عن نفسه، إلى التدخين لعلّه يسكّن من آلامه، وربما إلى ما هو أشر نسأل الله العافية.
   إنّ هذه الظاهرة آفة من أعظم الآفات المهلكة للناس، والمبعدة لهم عن طاعة ربهم، والمغرقة لهم في أنواع المعاصي والآثام، لأجل هذا رأيت أنْ أسجل كلمات فيها تذكير بأسباب السعادة الحقيقية، سعادة الدنيا والآخرة إن شاء الله تعالى، وأوّل ذلك أن نقول: أحسن الظن بالله الرحمن الرحيم، وتوكّل على القادر الحي الذي لا يموت، واستعن بالقوي الذي لا يعجزه شيء، والقريب المجيب، وثق بربك الودود المتصف بجميع صفات الكمال والجمال؛ تكن من السعداء إن شاء الله تعالى.
2- يا طالب السعادة احتقر الدنيا وملذّاتها
   يا طالب السعادة احتقر الدنيا وملذّاتها، وتذكّر أنّك لم تخلق لها وإنّما خُلقت لغيرها، إنّنا نحزن ونفْرط في الحزن، لأنّ الدنيا حازت منزلة عظيمةً في قلوبنا؛ حتى صارت هي الحاكم المسيطر على جميع تصرّفاتنا، فإذا نِلنا من متاعها فرحنا، وإذا حُرمنا شيئا منه جزعنا، لقد صارت لنا مقصدا ومطلبا، وقليلٌ منّا من يعتبرها وَسيلة لغيرها، ومنه فإنّه يتعيّن علينا أن نتذكّر أنّنا لم نخلق لهذه الدنيا؛ ولكن لغيرها، خُلقنا لجنةٍ دائم ظلُّها وأكُلها، ولا يفنى نعيمها، أو نار عظيم عذابها، فنحن في دار الغرور والعبور، والمستقر إن شاء الله تعالى في دار السرور.
    فكنْ أيها المسلم كما أوصانا نبينا صلى الله عليه وسلم:« كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ » (رواه البخاري)، فلا تجزع لفوات متاعها وانقطاع ملذّاتها، واعلم أنّ كلّ عمل حاشا ما أريد به وجهُ الله تعالى باطلٌ، وكلّ ما في هذه الدنيا من نعيم لا محالة زائلٌ، قال ربنا عز وجل : (وَلا تَمُدَّنَ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى ) (طـه:131). وأنت تعلَم أيّها المؤمن أنّ هذه الدنيا دنيئة لا تساوي عند الله تعالى جناح بعوضة، وقد دعا رسولنا وحبيبنا صلى الله عليه وسلم على طلابها الذين ملأت قلوبهم؛ دعا عليهم بالتعاسة وسلْب السعادة؛ فقال: « تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ وَعَبْدُ الْخَمِيصَةِ (اللباس الأنيق) إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ »(رواه البخاري)، فاسألوا الله تعالى طهارةَ القلب من حب الدنيا، والقناعةَ في متاعها، وسلُوه العفاف والتُّقى والغنى؛ تكونوا من السعداء إن شاء الله تعالى.
3- يا طالب السعادة اجعل الآخرة مطلبك
    يا طالب السعادة اجعل الآخرة مطلبَك، واجعل الله تعالى مهربَك، ولا تنتظر أن يُقال لك: إن السعادة في المال أو بعضه، بل يُقال لك: إنّ من كان همُّه رضا الله سبحانه وتعالى وطاعةُ الله، ومنْ كان هدفُه الحياة الأخرى الباقية فهو السعيد، وذلك أنّه لن يهتمَّ كثيرا لمصائب الدنيا وأحزانها، ولفوات أموالها وجاهِها، وسوف ينال زيادة على ذلك عونًا من الله تعالى على نفسه ونصرا وتأييدا، واسمع إلى بِشارة نبينا صلى الله عليه وسلم إذْ يقول :« مَنْ كَانَتِ الآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ »، وغنى النفس؛ أو غنى القلب هو عين السعادة، وجمعُ الشمل منْ أعظم أسباب السعادة، ومنْ جاءته الدنيا مذلّلة ومِنحة منْ ربنا أورَثه ذلك فرحةً وسعادةً، ثم اسمع إلى نِذارة الحبيب إذْ يقول : « وَمَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ » (رواه الترمذي وصححه الألباني)، أعَاذنا الله وإياكم من أن نكونَ من أبناء الدنيا، ومِمَّن همّهم الدنيا، فازهد أيها العبد في الدنيا، واجعل الآخرة مطلبك، والله تعالى مَهربك؛ تكنْ من السعداء إن شاء الله تعالى .
4- يا طالب السعادة اعلم أن الدنيا دارُ بلاء وابتلاء
    يا طالب السعادة اعلم أنّ الدنيا دارُ بلاء وابتلاء، دارُ المصائب والأحزان، دارُ التجربة والامتحان، كما قال المولى عز وجل : (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً  (الملك:2) أي ليمتحنكم وينظرَ في أعمالكم، وقال سبحانه: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) (العنكبوت:2) أي وهم لا تصيبهم الهموم والأحزان، والأمراض والمصائب، وصدَّق نبينا صلى الله عليه وسلم كلام ربنا حين قال:« الدُّنْيَا سِجْنُ المؤمنِ وجنَّةُ الكافرِ » (رواه مسلم). فلا مناص لك أيّها المؤمن فإنّك مبتلى، ولا مفرّ من الصبر على البلاء، ومن الصبر على الطاعة، وابشر واسمع إلى حبيبك صلى الله عليه وسلم إذ يقول :« إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ » (رواه الترمذي وابن ماجة)، جعلنا الله وإيّاكم من أهل الرضا، وقال ربنا الرحمن الرحيم : ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ) (البقرة:155)، نعم وبشّر الصابرين بالفرج والنجاة، ونزول الصلوات والرحمات؛ من رب الأرض والسماوات، فصدِّق القول وأحسن الظّن بربك؛ تكنْ من السعداء إن شاء الله تعالى.
5- يا طالب السعادة تعلّم الإيمان القدر والرضا بالقضاء
   يا طالب السعادة تعلم الإيمان القدر والرضا بالقضاء، فإنّ من آثار الإيمان بالقدر عدمُ الأسى على المصائب، وتركُ المبالغة في التحسّر على ما فات، قال ربنا عز وجل:  مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ  (الحديد:22) فكلّ شيء عند ربنا بتقدير ومقدار؛ وهو الحكيم الحليم الرحيم، وكن ابن ساعتك ولا تضيّعها في لوم نفسك أو غيرك، واسمع لنصح نبيك صلى الله عليه وسلم الحريص على سعادتك؛ إذ يقول:« احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ واستعن بِاللَّه ولاتعجز وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا وَلَكِنْ قُلْ قَدَّرَ اللَّهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عمل الشَّيْطَان »(رواه مسلم). وقال نبيّنا صلى الله عليه وسلم معلما وناصحا ومربيا:« وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ» (رواه الترمذي وصححه)، فيا طالب السعادة آمن بالقدر، وارضَ بقضاء الله وحكمه؛ تكنْ من السعداء إن شاء الله تعالى .
6-يا طالب السعادة إذا ظلمك الناس فلا تحزن
   يا طالب السعادة إذا ظلمك الناس فلا تحزن، فإنّ أذى الناس لك يضرّهم ولا يضرّك؛ إلا إذا اشتغلت به واهتممت لأمره، وتذكّر أيّها المؤمن أنّ الله تعالى الذي حرّم الظلم على نفسه، وجعله على عباده محرّما حسيب رقيب؛ من روائهم محيط وعليهم قدير، وهو سبحانه حليم يمهل ولا يهمل، وإذا أخذَ الظالم لم يُفلته، واسمع يا من أوذيت وظُلمت فصبرت واتّقيت وما اعتديتَ إلى قول نبيك صلى الله عليه وسلم وهو يخطب:« يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الْإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ لَا تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ فَإِنَّهُ مَنْ يَتَّبِعْ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ يَتَّبِعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ وَمَنْ يَتَّبِعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ » (رواه الترمذي وصححه الألباني)، أي ولو في جوف بيته ومهما استتر، وهذا الجزاء هو الجزاء المعجّل في الدنيا، ويوم القيامة يكون القصاص، وما أدراك ما القصاص؟ يوم يكون الحُكْم للديّان الذي لا يموت، ويكون القضاء بالحسنات والسيئات؛ لأنّه يومها لا درهم ودينار ولا ذهب ولا فضة، يومَها لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، وثِقْ أيها المظلوم بربّك الحيّ القيوم؛ تكنْ من السعداء إن شاء الله تعالى.
7-يا طالب السعادة أكثر من ذكر الله تعالى
    يا طالب السعادة أكثرْ من ذكر الله تعالى، واقرأ القرآن كلام الله سبحانه، أكثرْ مِن ذكر الباقيات الصالحات: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، ولا إله إلا الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، تنزل عليك السكينة والطمأنينة، قال ربنا عز وجل: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) (الرعد:28) ، أيها المؤمن إنّ ضعف الإيمان وفقدان السعادة مِن قسوة القلبِ التي لا نُحسُّ بها، يقول ابن القيم رحمه الله:« إن في القلب قسوة لا يُذيبها إلا ذكر الله»، وذكر الله تعالى ليس من أسباب السعادة فقط، بل هو مَظهر من مَظاهر السعادة، بل هو عَين السعادة، قال مالك بن دينار رحمه الله:« ما تنعّم المتنعّمون بمثل ذكر الله تعالى»، نعم ولا سعِد الناس بشيء بمثلِ ذكره سبحانه، وقال آخر :« مساكين أهل الدنيا خَرجوا منها وما ذاقوا أطيبَ ما فيها، قيل له: ما أطيبُ ما فيها؟ قال: محبّة الله ومعرفته وذكره»، وكلّ من غفل عن الذكر فهو من التّعساء، قال ربنا عز وجل : ( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) (طـه:124)، فيأيها المؤمن أقبل على الذكر، وأكثر منه ولا تعرض عنه؛ تكنْ من السعداء إن شاء الله تعالى. 8- يا طالب السعادة استعنْ بالله عز وجل
   يا طالب السعادة استعنْ بالله عز وجل، وارفع يديْك إليه بالدعاء في الخلوات، وتضرَّع إليه في الصلوات، وكرّر هذا الدعاء الذي علّمه إيّانا نبيّنا صلى الله عليه وسلم لتكون من السعداء؛ حيث قال:« مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلَا حَزَنٌ، فَقَالَ: اللهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، ابْنُ  عَبْدِكَ، ابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي»، يقول نبينا صلى الله عليه وسلم : « إِلَّا أَذْهَبَ اللهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَحًا » (رواه أحمد وصححه ابن حبان)، نعم من توسّل إلى الله تعالى بأسمائه وصفاته لم يُخيِّبه، وأبدله مكانَ التعاسة سعادة.
     ومن الأدعية الجامعة المورّثة للرّاحة والطمأنينة :«اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو فَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ» (رواه أبو داود وصححه ابن حبان) والله تعالى لا يردّ من استعان به وفوّض أمره إليه، وأحسن الظن به وتوكّل عليه، ومن الأدعية المأثورة دعاء صلاة الاستخارة الذي يدفعُ به الإنسان كلّ تحسّر، وكلّ تلوّم أو ندم على ما  يختار من أمور دنياه، ويعلمُ أنّ الخير فيما اختاره الله سبحانه له، فيأيّها المؤمن استعن بالله تكنْ بإذن الله من السعداء.
9- يا طالب السعادة افزعْ إلى الصلاة
   يا طالب السعادة افزعْ إلى الصلاة؛ التي هي دواء القلوب، وشفاء النفوس وغذاء الأرواح، وإنّ نبينا صلى الله عليه وسلم كان إذا أهمّه شيء فزع إلى الصلاة، يفزع إلى الصّلاة لأنّه كان يجد فيها راحته؛ حيث يُناجي فيها ربه سبحانه، وينقطع عن الدنيا وأهلها، ففي الصلاة تسكنُ الجوارح، وتهدأُ النفوس، وتنتقلُ القلوب إلى العالم العلوي؛ فتجد قُوتها وقوّتها، وقد أرشدنا إلى ذلك ربنا عز وجل إذ يقول : ( وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ) (البقرة:45) ففي الصلاة عون للعبد وقوّة، ويقول ربنا عز وجل في الحديث القدسي:« يا ابْنَ آدَمَ تَفْرَّغْ لِعِبَادَتِي أَمْلَأْ صَدْرَكَ غِنًى وَأَسِدَّ فَقْرَكَ وَإِنْ لَا تَفْعَلْ مَلَأْتُ يَدَكَ شُغُلًا وَلَمْ أسُدَّ فقرك » (رواه الترمذي وابن ماجة وصححه ابن حبان) ومن كلام ابن القيم رحمه الله تعالى في الصلاة:" والصلاة مجلبةٌ للرزق، حافظة للصحة، دافعةٌ للأذى، مطردة للأدواء، مقوية للقلب، مُبيضة للوجه، مُفرحة للنفس، مُذهبة للكسل، مُنشطة للجوارح، مُمدّة للقِوى، شارحةٌ للصدر مُغذّية للروح، منوّرة للقلب، حافظةٌ للنعمة، دافعةٌ للنقمة، جالبةٌ للبركة" ثم يقول رحمه الله تعالى:" وسرّ ذلك أنّ الصلاة صلة بالله عز وجل، وعلى قدر صلَة العبد بربه عز وجل؛ تُفتح عليه من الخيرات أبوابها، وتقطعُ عنه من الشرور أسبابها، وتَفيض عليه مَواد التّوفيق من ربه عز وجل. والعافيةُ والصحة، والغنيمة والغنى، والراحةُ والنعيم، والأفراحُ والمسرات كلُّها مُحضرة لديه، ومسارعةٌ إليه"اهـ. فأقم الصلاة وافزع إلى الصلاة؛ تكن من السعداء إن شاء الله تعالى.
10- يا طالب السعادة احذر الذنوب والمعاصي
   يا طالب السعادة احذر الذنوب والمعاصي، ولا تحتقرها، فإنّ الذنوب تؤثّر في القلوب كما يؤثر سمّ الحيات والعقارب في الأبدان، لكنّ سمّ الذنوب القاتل قدْ لا يشعر به المبتلى؛ حتى يستحكم في القلبِ ويستولي عليه؛ فتظهر آثاره المؤلمة وثماره المرّة، وهي عقوبات الذنوب والمعاصي، وفي مقدّمتها حصول الهموم والغموم والشعور بالقلق والملل، ويتلوها حرمانُ الأرزاق ونقصُ البركة في العمر والمال.
    فيا أيها المؤمن أصلح ما بينك وبين الله عز وجل، ولا تحتقر الذنبَ فتأتيه، وجدّد بعد كلّ هفوة العهد مع ربك عز وجل، واذكر دائما قول الله تعالى في الحديث القدسي وهو يناديك:" يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي يَا ابنَ آدمَ إِنَّك لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلَا أُبَالِي يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ لَقِيتَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مغْفرَة ". (رَوَاهُ التِّرْمِذِي وصححه الألباني)، فيا طالب السعادة، أيّها المؤمن احذر الذنوب، وأكثر من الاستغفار؛ تكنْ من السعداء إن شاء الله تعالى.
11- يا طالب السعادة احذر الفراغ
    يا طالب السعادة احذر الفراغ، احذر الفراغ فإنّ النفس إن لم تشغلها بالطاعة؛ شغلها الشيطان بالمعصية وبذكر الناسِ وآفاتهم وبالدنيا ومشاكلها، إنّ الفراغ داء قاتل مورّث للبطالة وللهمّ وقسوة القلب، وإذا أردت السلامة منه؛ فعمِّر وقتك بالطاعات والقربات، ذِكرا وصلاة وتلاوة للقرآن، وتفقّها في الدين ودعوة إلى الله، وأمرا بالمعروف، ونهيا عن المنكر، فعلا للخير وإحسانا إلى الناس، فإنّ ذلك مما يُدخل في قلب العبد السعادة والسرورَ، وإنّ الله تعالى الودود الشكور يجازي العبد على الطاعة المقبولة في الدنيا قبل الآخرة، وأوّل ذلك أن يُدخل على قبله فرحًا بتلك الطاعة؛ لعّله يَثبت عليها ويستزيد منها، واعلم أيّها المؤمن أنّ الدنيا ثلاثُ ساعات، ساعة مضَت، وساعةٌ أنت فيها، وساعةٌ لم تأت بعد، فالغافل التعيس منْ ضيّع ساعته في التحسّر على ما فات، أو الترقّب والحيرة لما آت، والكيّس الفطِن السعيد من اشتغل بساعته التي هو فيها؛ فعمّرها بما ينفعه في الدنيا والآخرة، وبما يُرضي عنه ربه. أيّها المؤمن املأ وقتك بالعمل واحذر الفراغ؛ تكنْ من السعداء إن شاء الله تعالى.
12- يا طالب السعادة اعرفْ النعمة واشكرها
    يا طالب السعادة اعرفْ النعمة واشكرها، اعرف النّعمة واعترف بها، وما أكثر النّعم التي تتقلّب فيها، فإذا فاتتك نعمة؛ فقلّب النظر فيما أفاض الله عليك ربك من نعمٍ لا تعد ولا تحصى، وصدقَ ربنا عز وجل إذ يقول : (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا ) (النحل:18) وإنّ ذلك التأمّل مما يجعلك ترضى عن حالك، فإنّ من منع لطالما أعطى، وإنّ ما أعطى أكثر مِمَّا منع، وهو الذي من أسمائه البر الكريم الوهاب المعطي، ثم انظر أيّها العبد إلى عظيم ما آتاك الله سبحانه وتعالى، وقارنه بما حُرمته، انظر إلى نعمة الإسلام والهداية، ونعمة العمُر والوقت، ونعمة سلامة الحواس والصحة والعافية، وغير ذلك من النّعم التي هي أصلٌ لغيرها، ومما يجعلُك أيّها العبد ترضى أنْ تقارنَ حالَك بحال من هو دونك، وقد أرشدنا نبيا صلى الله عليه وسلم إلى هذا المعنى فقال :« انْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى من هُوَ قوقكم فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُم» (رواه مسلم) (أي فهو أجدرُ أن لا تحتقروا نعمة الله سبحانه وتعالى عليكم، نعم أيها المريض انظر إلى من هو أشد مرضا منك، ويا من تَرى نفسك محتاجا انظر إلى من هو أشد حاجة منك، ويا مَن يرى نفسه مظلوما محروما انظر إلى من هو أشد حرمانا منك، فأيّها المؤمن اعرف النعمة واشكرها؛ تكن من السعداء إن شاء الله تعالى .
13- يا طالب السعادة صحّح عقيدتك
    يا طالب السعادة صحّح عقيدتك في الله تعالى وتوكلا عليه ورجاءً فيه وحسنَ ظنٍ به، توكّل على الله في أمورك كلها، وثق به وفوض أمرك إليه، واعلم أنّ ذلك من أعظم مفاتيح الفرج، وتذكر قول الله تعالى : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) (الطلاق:2-3)، وأيقن بجود الله تعالى وكرمه، وارجه ولا ترج غيره، واطمع فيما عنده وتعلّق برحمته واستبشر بفضله، وإيّاك ثم إيّاك من تسلّل اليأس إلى قلبك، واسمع إلى قول الله تعالى: ( وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) (يوسف:87). وأحسن الظن بالله، وأعلم أن كل ما يصيبك هو خير لك؛ إنْ كنت مؤمنا مسَلِّما أمرك لله، كما قال نبيا صلى الله عليه وسلم :« عجبا لأمر الْمُؤمن كُله خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ» (رواه مسلم). فيا عبد الله تعلّق برحمة الله وتوكّل عليه وأحسن الظن به؛ تكنْ من السعداء إن شاء الله تعالى.
14- يا طالب السعادة حقِّق الإيمان
   يا طالب السعادة حقّق الإيمان، فإنّ من حقّق الإيمان بالعلم النافع والعمل الصالح ذاقَ حلاوة الإيمان، ودخل جنّة في الدنيا لا يعرفها إلا المؤمنون، وفي وصف هذه الحال يقول شيخ الإسلام ابن تيمية :« إنّ في الدنيا جنّة من لم يدخلها لا يدخل جنّة الآخرة »، وإنّ أعظم ما يرثُه العبد إذا دخلها أن تتغيّر نظرته للأمور، ويختلف شعوره بها؛ فيصبح لا يرى شيئا سلبيا أو قبيحا أو مؤلما، ولعلّ من أحسن التعابير عن هذا المعنى تعبير ابن تيمية رحمه الله، الذي كانت حياته كلّها جهاد وصبر على اضطهاد إذ يقول:« ما يصنع أعدائي بي، أنا جنّتي وبستاني في صدري، أينما رُحت فهي معي لا تفارقني، إنّ حبسي خُلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة »، وهذه الحال هي حال الحياة الطيبة التي منغص فيها، ولا معكر لصفوها، التي وعد بها الله تعالى الذين آمنوا وعملوا الصالحات إذ يقول : ( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النحل:97)، فيا عبد الله حقّق الإيمان فإنّه طريق السعادة والحياة الطيبة في الدنيا قبل الآخرة.

تم قراءة المقال 478 مرة