الأحد 17 رمضان 1446

الأمّة الإسلامية والاغتصاب الفكري

كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

الأمّة الإسلامية والاغتصاب الفكري

كتبه يزيد حمزاوي رحمه الله
 (ج صحافة اليرموك-ص6- السبت 16 تشرين أول 1993م )
إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيّئات أعمالنا من يهده الله فلا مضلّ له ومن يضلل فلا هادي له أمّا بعد
فإنّ الإعلام المسلم الّذي يعمل جاهدا لإعلاء كلمه لا إله إلّا الله محمد رسول الله والدّفاع عن الكتاب والسنّة ومنهج السّلف الصّالح واقع في بلوى عظيمة جدّا، وهو اضطراره للتّعامل مع الإعلام العالميّ سواء كان غربيا أم عربيا، قراءةً واطلاعا، وذلك حتّى يعرف ما يجري من حوله، ويراقب الأحداث كيف تطبخ في كواليس الصّحافة والإعلام، وبخاصّة إذا علم أنّ أغلب هذا الإعلام بأيد غير أمينة، بل بأيد معادية وأخرى عميلة، هدفها المنشود القضاء على كلّ شيء اسمه الإسلام، وغايتها القصوى ترسيخ خليط من العقائد والأفكار والايديولوجيات المنحرفة والخبيثة.
وكلّما وقفت أمام أجهزة الإعلام أو وضعت بين يدي مجلة أو جريدة عربية! ولن أتحدّث هنا عن الإعلام الغربي فعداوته معلومة لكلّ ذي عقل، أصاب بنوبة من الغثيان والاشمئزاز، فكثير من الصّحف العربية وكذلك المجلات أضحت أبواقا للأفكار المستوردة، ووسيلة دعائية لسخافات ما أنزل الله بها من سلطان، وليس للقارئ الواعي لبعض هذه الصحف إلا أن يستنتج أن هذه الصّحف لغتها عربية ورسالاتها غربية، وذلك دليل ساطع على أنّ أصحاب هذه الصحف والمسؤولين فيها قد اغتصبوا فكريا، بعدما اقتحمت الأفكار الغربية عقولهم بالقوة وجردتها عن مبادئها وضميرها واستبدلتها بقواعد مشبوهة مدمرة.
والاغتصاب الفكري الّذي تعاني منه بعض صحافتنا ومعها كثيرٌ من أبناء الأمّة الإسلامية لم يكن مفروضا علينا قبل أن تُقبل عليه أكثر الأمّة ورضيت به عندما نشزت عن «زوجها» الشّرعي والوحيد، وهو الإسلام إن صحّ التّعبير، ومعنى ذلك أنّ الاغتصاب الفكري حدث ساعة الفراغ الفكري والرّوحي، وبالطّبع الطّبيعة لا تقبل الفراغ فأخذت الأفكار المنحرفة والخبيثة مكان الإسلام وباتت الوريثة له.
وعندما أتحدث عن موضوع الاغتصاب الفكري فلن أعدم أمثلة عن ذلك من صحافتنا الّتي كرّست هذا الاغتصاب، بل أوجدت له الجوّ الملائم.
وسأضرب ثلاثة امثلة وكلّها من صحافاتنا الابيّة! وهي مسابقات نقلتها صحفنا من الغرب وروّجتها عندنا.
أوّلها مسابقة ملكة جمال سراييفو، ففي الوقت الذي دمّرت مدينة سراييفو عن بكرة أبيها، نقلت صحفنا العربيّة وبعض المجلّات مسابقة ملكة جمال سراييفو وفي إحدى الصّحف الّتي بين يدي الآن صورة لمجموعة من المتسابقات المسلمات طبعا! يرتدين لباساً، والله تتورّع إبليسة زوجة الشّيطان عن لبسه، ولو رآها الشّيطان زوجُها لأخذته نخوة الشّرف ولطلّقها ثلاثا من غير رجعة، وقد حملنا لافتة تقول «لا تجعلوهم يقتلوننا» ويقصدن الصربيين، والغريب أنّ القصف المدمّر لسراييفو تلك اللّيلة لم يمنع من حضور جمهور صاخب لهذه المسابقة.!!
وقد قالت احدى المتسابقات «ليس لدي شيء أقاتل به سوى جمالي لهذا فإنّني اعتقد أنّ من المهمّ جدّا أن اشترك في شيء مثل هذا وأستسمح القرّاء لأقول كلمة في السرّ لهذه المجاهدة البطلة!! تبّا على هكذا مقاومة! وتبّا على هكذا وطنية.!!
ثانيها مسابقة أفضل فيلم للأسبوع، وكانت هذه المسابقة تجري في عاصمة الفسق «هوليود» فنقلها ببغوات الصّحافة إلى العواصم الإسلامية ليشغلوا الأمّة عن دينها والعلم النّافع والتّكنولوجيا المتطوّرة.
تعرض صحيفة عربيّة أفضل فيلم عربي هذا الأسبوع بعنوان حبّ في الثلّاجة وقبله بأيام عرض فيلم بعنوان حب؟ في الزنزانة وهكذا أصبح موضوع الجنس والحبّ حديث السّاعة، وهو بقوّة في بلداننا لدرجة أنّه يمارس في الزنازين والثلاجات، فلا تستغرب أخي القارئ إذا فتحت ثلاجتك يوما لتجد عنتر وعبلة أو رميو وجولييت بدل طبق السلطة!!
أليس هذا دليل على تأثّر صحافتنا بنظريات فرويد المهوسة بالجنس الّتي تجعل الإنسان ممارسا للحبّ والجنس في كل وقت ومكان حتى تقول نظرياته السّخيفة أنّ رضاع الطّفل من أمّه عملية جنسية محضة!!
والمسابقة الثالثة هي مسابقة للحلاقين حول تسريحات شعر غربية غريبة وجنونيّة، لكنّها هذه المرّة جرت في دولة إسلامية وأشادت بها مجلة من المحلات العربيّة، فترى تسريحات شعر تشبه النّار المشتعلة، وأخرى كأمواج البحر، وثالثة تشبه المكنسة، وأخرى كمنفضة الغبار ... لكن الّذي يدمي القلب حقاً تسريحة «المارينز» الّتي عشقها الشباب، فكانت الضّربة القاضية ووصول الاغتصاب الفكري ذروة النشوة، ولا يخفى على أحد أن «المارينز» هو ذلك الجندي الأمريكي المتعجرف الّذي دكّ حصون العراق والصومال وليبيا، وصدق رسول الله «عليه السّلام» حين تنبّأ بهذه التّسريحة ونهى عن القزع، وهو حلق بعض الرأس وترك بعضه ولا حول ولا قوة إلا بالله ...
وستبقى الامّة الإسلاميّة تُغتصب فكريا إلى أن ترجع إلي «زوجها» الشّرعي والوحيد، وهو الإسلام، وتكفّ عن نشوزها، وسبحانك اللّهمّ وبحمدك أشهد أن لا إله إلّا أنت أستغفرك وأتوب اليك.

تم قراءة المقال 39 مرة