الأحد 17 رمضان 1446

الردّ القاضي على الكلام الفاضي

كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

الردّ القاضي على الكلام الفاضي
 ( ج صفحة اليرموك -ص6- السبت 23 نيسان 1994م)
أنيس منصور: الحجاب خيمة.
أمينة سعيد: الحجاب قبيح المنظر وهو والكفن سواء.
نزار قباني: العري أكثر حشمة من التستر.
الزهاوي: الحجاب عيشة الظلمات وضرر على الفتيان والفتيات.
جيهان: البنات المحجبات يخفن بمنظرهن الأطفال.

إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي، له اما بعد:
فإني كمتخصّص في الإعلام الإسلامي ابتليت بالاطلاع ومتابعة الإعلام العلماني والمارق والمهرج والأصفر (الإثارة بجميع أنواعها) والإعلام كما يقول المثل الفرنسي «الّذي لا يتكلّم كي لا يقول شيئا» PARLER POUR NE RIEN DIRE ... ومعرفتنا بهذا الركام الهائف من الإعلام الفاسد والمفسد هو من باب قول حذفية بن اليمان -رضي الله عنه- «كان النّاس يسألون الرّسول -عليه الصلاة والسلام- عن الخير وكنت اسأله عن الشرّ مخافة أن يدركني»
وقول الشّاعر:
عرفت الشرّ لا للشرّ لكن لتوقّيه
ومن لا يعرف الخير من الشرّ يقع فيه
لاسيما أنّ هذا الإعلام قديما وحديثا لا يزال يؤمن بقدرته على التّأثير والإقناع والتغيير مستندا إلى نظرية الحقنة الإعلامية (الجمهور صفحة بيضاء تخط عليها ما تشاء) وعلى فرضية إعداد الخطة AGENDA SETTING HYPOTHESIS  للإعلام قدرة كبيرة على التأثير عندما يركز على قضية معينة
وهذا ما طبّقه الإعلام العربي وهو التّركيز على قضايا معيّنة في المجتمع يغلب عليها الجدل والنّقاش والأخذ والردّ، ومن أهمّها قضايا المرأة، حريّتها، حقوقها، عملها، لباسها، مساواتها مع الرجل، مشاركتها السياسية ... إلى غير ذلك، مع العلم أنّ الإعلام المغرض المسموم عندما يتطرق إلى قضايا المرأة يطرحها بطريقة مشوهة، كاذبة مبالغ فيها بتعتيم العيوب، كالسكوت عن وضعية المرأة الغربية المزرية وبخس مفاهيم الإسلام عن المرأة، وعلى الرغم من أنّهم يدعون التعددية الفكرية وديمقراطية الآراء الّتي تخالفهم بصورة مبتورة  مزورة، مزيفة، تجعل القارئ يكره الدين وأعداء التحرّر من أول وهلة، وهذا دأب المدلسين الذين ينقشون شبهاتهم على النحاس بينما يخطون أفكار أهل الحق على الماء.
وفي مقالي هذا الذي يندرج تحت سلسلة بعنوان الرد القاضي على الكلام الفاضي سأعمل على فضح مخططات أعداء المرأة الذي يدعون إلى تدميرها باسم تحريرها ... وقد قطعوا في ذلك شوطا كبيرا فعاثوا في الأرض فسادا ... ومن معارك هذا الإعلام مع الإسلام، معركة السفور، فمنذ أكثر من قرن حشدوا عملاءهم وأقلامهم لينفثوا سمومهم على صفحات الصحف والمجلات والكتب ويعدها الإعلام المسموع والمرئي لإزالة من الوجود شيئا اسمه حجاب، جلباب، نقاب، ستار ... فبداية من رعافة الطهطاوي في كتابه تخليص الإبريز في وصف باريز الّذي أشاد فيه بالمرأة الباريسية ... وبتحررها من ربقة التقاليد البالية وإعجابه بطريقة رقصها مع صديقها ... إلى أن جاء مرقص فهمي وهو قبطي ودعا سنة ١٨٩٤ في «كتابه المرأة في المشرق» إلى تحقيق أهداف خمسة هي: ١: القضاء على الحجاب، ٢: إباحة الاختلاط بين الجنسين، ٣: تقييد الطلاق، ٤: منع الزواج بأكثر من واحدة، ٥: إباحة الزواج بين المسلمات والأقباط.
وكانت تشد من عضد هذا الأميرة نازلي حفيدة محمد علي باشا، الّتي كانت أول امرأة تقلد الأوروبيين في لباسهم ... انتقل مشعل التحرر إلى قاسم أمين بتأليف كتابين «تحرير المرأة» و«المرأة الجديدة» ودعا فيهما إلى ما دعا مرقص فهمي ما عدا الزواج بين المسلمات والأقباط ... أذاع الإنجليز كتاب قاسم أمين في كلّ مكان وترجموها إلى عدّة لغات ... انضمّ «محرر» آخر اسمه جرجي نقولا باز بكتابين «إكليل غار على رأس المرأة» وكتاب «النسائيات» حطّ فيهما على الإسلام والحجاب بالتحديد ... كان النسائيون يجتمعون في صالون الأميرة نازلي مع بعض الإنجليز الّذين أوقدوا هذه الفتنة من أول يوم وغذوها بكل ما يستطيعون من قوة ... معركة سفور أخرى دارت رحاها على أرض الجزائر بين فرسنا والمرأة الجزائرية ... انهزمت فرنسا شر هزيمة، قال وزير المستعمرات لاكوست عقبها: «ماذا نريد أن نعمل فالقرآن أقوى من فرنسا» فكتب الله النّصر لابن باديس على باريس ... وفي المشرق ثانية ورث سلامة موسى بدعة السفور وتلمذ جيلا من الشباب والشابات عليها ... استمرّ هو وزبانيته على ذلك حتى ١٩١٩ عندما عاد القائد الملهم سعد زغلول من منفاه وعلى ظهر الباخرة على شاطئ الإسكندرية قال لزوجته صفية زغلول «ارفعي الحجاب» ... وهذا هو رجل الوطنية ينزل من الباخرة أمام عشرات الألوف من المستقبلين فيتوجه إلى سرادق النساء دون الرجال فتستقبله النساء المحجبات من بينهن هدى شعراوي فيرفع بيده حجابها فتصفق وتصفق معها النسوة لهذا الإنجاز الدياثي وفعل بذلك ما جعل الرسول -عليه الصلاة والسلام- يوما يجلي اليهود ... بسبب يهودي مد يده لكسف عورة مسلمة ... وهذا سعد بن عبادة -رضي الله عنه- يقول له المصطفى -عليه الصلاة والسلام-: «أتعجبون من غيرة سعد والله لأنا أغير منه والله أغير مني» فشتان بين السعدين فأحدهما تخرّج من مدرسة النبوة والثاني من مدرسة الإنجليز.
أمّا هدى شعراوي، رائدة تحرير المرأة من الدين والخلق والاحتشام والفطرة فكانت ابنة محمد سلطان باشا الذي كان يرافق جيش الاحتلال في زحفه على القاهرة وكان الداعية لاستقبال الفاتحين الإنجليز ... واستمرت القافلة ... لتحيك بإيعاظ الأسياد أحزابا أنثوية وجمعيات نسائية ... كان هدفها المنشود رفع الحجاب من كلّ أنثى ... ظهرت أمينة سعيد وبقوة في الصحافة .. زادت من جرأة مدرستها فرأيها في المرأة المحجبة أنها متخلّفة، وقد كتبت عن هذا الموضوع على هذه الصفحة قبل سنة وقالت في صحيفة أخرى بالحرف الواحد "إنّ هذه الثياب الممجوجة قشرة سطحية لا تكفي وحدها لفتح أبواب الجنّة أو اكتساب رضا الله، فتيات يخرجن إلى الشارع والجامعات بملابس قبيحة المنظر يزعمن أنّها «زيّ شرعي» لم أجد ما يعطيني مبررا منطقيا معقولا لالتجاء فتيات على قدر مذكور من التعلم إلى لف أجسادهن من الرّأس إلى القدمين بزهي هو والكفن سواء ... بعضهم قال إنّه تقليعة جديدة تلجأ إليها الفتيات من أجل لفت الأنظار بعد أن استنفذ الميني جيب أغراضها، والبعض قال إنّها الرغبة في الظهر بمظهر التديّن سعيا وراء الزواج والتحايل على أزمة الزواج".
أما صحيفة أخرى فتنقل لنا قولا عن أنيس منصور معلّقا على الموضات الجديدة « سوف تكون خيوط الموضة هذا الشّتاء محتشمة جدّا وسخيفة جدّا لأنّ الفساتين سوف تكون طويلة وواسعة وسوف تبدو المرأة وكأنّها شعاع تحمل هذه الفساتين وكأنّ ما بينها وبين هذه الفساتين خصام، فلا الفستان يحتضنها برفق على الصدر أو على الخصر أو على الأرداف، ثمّ إن الفساتين تبدو وكأنّها إهانة للمرأة فلا الساقان ظاهرتان ولا النهدان أو الردفان ولا الذراعان ولا العنق، وكأنّها أنواع مختلفة من الخيام، وكأنّ المرأة قد ضربت حولها وأمامها ووراءها الخيام، فلا يراها أحد ... إنّ ملوك الأناقة عوضوا المرأة عن هذه الخيمة بأشكال جميلة ...» نعم الحجاب خيمة وإهانة للمرأة، والتبرّج قمّة الاحترام لها! يا لها من موازين مقلوبه عقبا على رأس، وهذا مصير كلّ من يخلع مبادئه الّتي يؤمن بها ويلبس مبادئ فرضت عليه ترغيبا وترهيبا فلا غرابة حينئذ أن يأتي بهذه الأعاجيب.
وسار على نهج هؤلاء إحسان عبد القدوس ونوال السعداوي وكاتب ياسين ونجيب محفوظ، سلمان رشدي العرب.
وينضم المحسوبون على الشعر إلى  «موضة التحرير» من مدرسة أبي نواس ليسكبوا قصائد مجموعة، لهذا نزار قباني يقول «لو كنت حاكما لأغلقت مؤسسة الزواج وختمت أبوابها بالشمع الأحمر» ويقول مستهزئا  «العري أكثر حشمة من التستّر».

ويقول آخر اسمه ولي الدين يكن، في أبيات يدعو المسلمة لإزالة الحجاب والتبرء منه:
أزيلي الحجاب عن الحسن يوما
وقولي مللتك يا حاجبه
فلا أنا منك ولا أنت مني
فرح ذاهبا ها أنا ذاهبه

ورفيقه في الضلال الشاعر العراقي الزهاوي يرى الحجاب أنه ضرر على الفتيات والفتيان
هزأوا بالبنات والأمهات
وأهانوا الزوجات والأخوات
هكذا المسلمون في كل صقع
حجبوا للجهالة المسلمات
سجنوا في البيوت فشلوا
نصف شعب بهم الحركات
منعوهن أن يرين ضياء
فتعودن عيشة الظلمات
إنّ هذا الحجاب في كلّ أرض
ضرر للفتيان والفتيات

ونختمها بسؤال طرحته مجلة فرنسية على الدكتورة جيهان السادات حرج الرئيس الراحل، ما رأيك في انتشار ظاهرة الحجاب بهذه السرعة؟

تجيب «إنني ضد الحجاب، لأنّ البنات المحجبات يخفن الأطفال بمنظرهن الشاذ، وقد قررت بصفتي مدرسة بالجامعة أن أطرد أية طالبة محجبة من محاضرتي، فسوف آخذها من يدها، وأقول لها: مكانك الخارج، وفي نظري فإنّ المسؤولية تقع على عاتق أساتذة الجامعات، فهم سبب في انتشار هذه الظاهرة، فإذا قام أستاذ بطرد فتاة واحدة من محاضراته مرة واثنتين فسوف تقلع الفتيات عن ارتداء الحجاب».
هذا تاريخ السفور الذي دام القرن ونصف القرن واختصه للتعذر في أشخاص قليلين وأحداث محدودة وأبعاد موجزة ...
وحرب السفور والحجاب لم تضع بعد أوزارها وتاريخها الظاهر يكتب في عشرات المجلدات أما ما دار في الكواليس المشبوهة وهو الأكثر فلا يعلمه إلا الله، وقد ارتأيت أن أعرض أقوال أعداء الحجاب بدون أن أكثر من التعقيب أو الرد عليها فيكفي للمسلمة الواعية أن تعرف ما يحاك لها في الظلام وتحذر من مخططات مدبرة بليل، وأنّ الأمر ليس مناداة بحقوق مزعومة، لكن هو ثورة من الداخل لتهوين مفاصل الأمّة ليسهل القضاء عليها في الوقت المناسب، ويبقى أن أقول إنّ النجاح الكبير الذي حققته والذي نراه على الساحة، لن يدوم، والدّليل على ذلك العودة المباركة في جميع الدول الإسلامية إلى الحجاب، حتى في الدول الغربية مما جعلهم يعلنون معركة هنالك أيضا ... ولنقل لهم لقد ولى زمان قاسم أمين وهدى شعراوي فإنكم الآن تسبحون ضد تيار جارف من الغيورين على الإسلام ترعاه رعاية الله، وسيكون فشلكم هذه المرة ساحقا ماحقا، مهما سودتم الكتب والصحف والمجلات، قال الله تعالى: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي}.

وفي الأسبوع القادر -إن شاء الله- سيكون الموضوع عن عمل المرأة.
وسبحانك اللهمّ وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، استغفرك وأتوب إليك.

تم قراءة المقال 49 مرة