السّبيل الأسمى في فضح التّقليد الأعمى
( ج صحافة اليرموك-ص6- السبت 18 كانون الأول 1993م )
إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي، له أما بعد:
فإنها قوى الشرّ منذ بزوغ شمس الإسلام إلى الوجود وهي تحاول بما تملك من دهاء وكيد لجعل أتباع هذا الدّين العظيم من أذنابهم وببغاوات في اقفاصهم، وقد سعى الغرب في وقتنا الحاضر سعيا حثيثا لإيجاد جيل كامل من أبناء الأمّة الإسلامية الّذين يشيدون ويعظّمون ويقدّسون حضارة الغرب ويدعون الى اقتفاء آثارها والعضّ على مظاهرها بالنّواجد والأضراس، وكان أن فتحوا في بلادنا الإسلامية جامعات لهم كالجامعة الأمريكية في بيروت والقاهرة وإسطنبول، إضافة إلى جامعاتهم في بلدانهم الّتي يؤمّها المسلمون وينهلون من سمومها وقطرانها، حتّى صنعت من بين هؤلاء تلاميذ أوفياء ممسوخين من القيم، عراة من المبادئ الإسلامية، فارغين من ضمير الأمّة، غرباء عن تقاليدها وعاداتها، هدفهم التّرويج لفكر الغرب وحضارته وثقافتها ...
وعلى رأس هؤلاء طه حسين الّذي عجنته فرنسا في جامعة الصربون فطلع علينا بكلام في كتابه "مستقبل الثّقافة في مصر" ينبئك بنجاح الغرب في إيجاد العملاء والمصفّقين المبهورين.
يقول طه حسين "إنّ سبيل النّهضة واضحة بيّنة مستقيمة ليس فيها عوج ولا التواء وهي أن نسير سيرة الأوروبيين ونسلك طريقهم لنكون لهم أندادا ولنكون لهم شركاء في الحضارة خيرها وشرّها، وحلوها ومرّها، وما يُحبّ منها وما يُكره، وما يحمد منها وما يعاب، ومن زعم لنا غير ذلك فهو خادع أو مخدوع.
أرأيتم هذه الانهزامية، والضحالة الفكرية اللامتناهية!؟ والغريب أن يصدر هذا الكلام ممّن يلقّب زورا وبهتانا عميدا للأدب العربي في القرن العشرين!! وفي الواقع تمثّلت هذه الانهزامية بالتّقليد الأرعن والمحاكاة أمّا ما في الباطن فكانت تخفي هزالا في العقيدة وضعفا في الإيمان وتنكّرا للدّين.
نعم نحن لا ننكر أنّ للغرب تكنولوجية وعلوما متطوّرة وتنظيمية، وهذه كلّها ملك مشاع لجميع البشر، وقد ساهمنا نحن المسلمين فيه بقسط وافر ولا يمنع أخذه ممّن يملكه سواء أكان من الشّرق أم الغرب، لكن أن نأخذ خصوصيات النّاس وأفكارهم وأيديولوجياتهم ونظرتهم للحياة، تودع عقيدتنا وشريعتنا في توابيت التّاريخ وعلى رفوف المكتبات الوطنية!! هذا هو المرفوض بعينه والمنبوذ بنفسه.
والمصيبة الّتي قصمت ظهورنا هي اعتقاد البعض من مقلّدي الغرب عندنا أنّ الغرب ما تقدّم إلا حين تخلّى عمّا يربطه بالسّماء من أديان، وانتهج العلمانية سبيلا، لذا علينا أن نفعل مثلهم ونحذو وحذوهم، خاصّة أنّهم أقوياء ونحن ضعفاء، وعلى الضّعيف أن يحاكي القويّ، وصدق العلّامة ابن خلدون في وصف هذه المحنه في مقدّمته "إنّ المغلوب مولع أبدا بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيّه ونحلته وسائر أحواله وعوائده، والسّبب أنّ النّفس تعتقد الكمال في من غلبها وانقادت إليه إمّا لنظرة بالكمال، أو ما تغالط به من أنّ انقيادها ليس لغلب طبيعي، وإنّما هو لكمال الغالب" وهكذا أصبحنا في هذا القرن حقلا للتجارب وضفادع المختبرات تُجرب علينا شيوعية تارة ومرة ينادى في كلّ مكان لا رجعة عن خيار الاشتراكية، وبعدها بسنين ندور إلى أقصى الخلف فنجعل الرأسمالية طريقا رشيدا ... وهكذا دواليك -عفوا- دواريك.
وكلّ يوم نعود إلى الخلف فلا نحن أحسنا ما قلدنا ولا عرفنا كيف نعود للّذي تركنا، هذا باختصار في الفكر أمّا في المظاهر الاجتماعية الّتي نراها كلّ يوم فحدث بها ولا حرج -عفوا- وبكلّ حرج، فقد أضحت حياتنا نسخة طبق الأصل لما نراه في وسائل الإعلام الغربية في الأفراح والأقراح في اللّباس والأكل والحياة الأسريّة في التّعامل مع الآخرين ... في اللّباس لم تخرج موضة صباحا في عاصمة من عواصم الرّذيلة إلّا وصلتنا ظهرا وبدون تمييز حتى قيل "والله لو خرجت موضة في باريس أو لندن يضع فيها النّاس أحذيتهم على رؤوسهم لرأينا عندنا من يفعل ذلك".
وسألني أحد الظّرفاء يوما "هل تريد أن ينتشر الحجاب الشرعي في البلاد الإسلامية وبأقصى سرعة؟"
قلت له نعم وبالتّأكيد
فقال يجب أن تظهر موضة لباس الحجاب في الغرب فستصل هذه الموضة عندنا بسرعه البرق!!
فقلت له حيلة جيّدة لو كانت الموضات مستقرّة، لكن ما العمل إذا ظهرت بعدها موضة القصير والضيّق والمكشوف أنلقي بالأحجبة!!؟
وقد سألني قبل أيّام أب جاءته مولودة جديدة ماذا تقترح علي أن أسمّيها؟ فذكرت له عائشة.. فاطمة.. خديجة.. فوالله العظيم في الحال استغرب واستهجن وضحك استخفافا من هذه الأسماء، وبعدها بأيّام سمّى ابنته باسم ما أظنّ أنّ حروفه موجودة في قاموسنا العربي! إنّه التّقليد حتّى في تسمية المولود بيليا.. شيرين.. سوزان وزيزي.. أمّا أسماء صفيّة وعائشة وفاطمة فتفتقد إلى نكهة التحضّر وتفتقر إلى الرنّة الموسيقية! ثمّ من الصّعب جدّا أن يتصوّر هؤلاء شابّة متعلّمة متحضّرة على الطّريقة الأمريكية يُنادى عليها وسط الزّملاء بأعلى صوت يا حفصة ..! فربّما تظاهرت حينئذ أنّها لم تسمع.
وقبل أيّام وقع بيدي إعلان يوزع بالأيدي لأحدى صالونات الكوافير كتب عليه كلمات مستوردة من القاموس الانجليزي ميش ... بدي ويف ... مونيكر ... بدي كير ... بلياج ... ولا أدري إن كانت هذه الكلمات نوع من الفواكه وأدوية جديدة لكن من المتأكّد أنّ جدّاتنا وأمّهاتنا لم يعرفن هذه الكلمات ومع ذلك كنّا جميلات بضفائرهنّ جمالا طبيعيّا وحقيقيّا ولم يكن مزيفات أو مزوّرات بهذه الاكسسورات والديكورات المعارة، كحفيدات اليوم وكالعادة سنتهم أنّنا ضدّ المرأة المسلمة ومتحاملون على المرأة، لكن ماذا نفعل إذا كانت المرأة المسلمة هي أكثر من انبهر بتقليد الغرب وهي أكثر من يراد إفسادها، لأنّ الأعداء يعرفون أنّ صلاحها يعني صلاح المجتمع، ويعني أنهن سيُعدن إلى الوجود أحفادا آخرين لعمر بن الخطاب وأبي عبيدة وأحمد بن حنبل وابن تيمية وصلاح الدّين ...
ويُعد تقليد أعداء الإسلام من الأمم الأخرى حرام شريعتنا ومرفوض في ديننا، والقرآن الكريم زاخر بالآيات الّتي تنهانا عن اتباع الكفار والمشركين لأنّهم لا يريدون لنا الخير بقدر ما يريدون إفسادنا حسدا وحقدا من عند أنفسهم {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} بل إنّ مخالفة الكفار والمشركين، أصل من عقيدتنا وآية على إيماننا، فقد كان نبيّنا -عليه السّلام- يخالف اليهود والجاهلين حتى في أبسط سلوكياته اليومية فضلا عن عقيدتهم وفكرهم.
والأحاديث كثيرة ومتوافرة في النّهي عن تقليد الأمم وأصحاب الأديان الأخرى ومنها قوله -عليه السلام- "خالفوا اليهود والنّصارى"... "خالفوا المشركين" "خالف المجوس ..."
ولست أدري كيف يستكبر عن تقليد ومتابعة هدي النّبي وزوجاته وأصحابه في حياتهم وتصرّفاتهم، ويُرد على السنّة النّبوية متهمين إياها بلسان الحال والمقال بالتخلّف والتزمت والتشدد، وأنّ الدّين يسر والإيمان في القلب، ولا عبرة بالمظاهر ...!
بينما لا يتورّع في تقديس كلّ جديد .. كلّ حرام .. كلّ سخافة .. كلّ مفسد .. كلّ مدمّر.
وصدق رسول الله -عليه السّلام- "لتتبعن سنن من قبلكم شبرا شبرا وذراعا بذراع حتّى إذا دخلوا جحر ضب؟ لدخلتموه ..." وفي رواية "حتّى أذا أتى أحدهم أمّه لفلعتم مثله... "
ويوم القيامة سنندم على تقليدنا لهؤلاء جميعا، لا لا ينفعنا الفرب بحضارته وموضاته، بل يومها يتبرءون هم منا {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ. وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ}
ونختم كلامنا بشهادة أحد علماء النّفس الغربيين ينصح فيها المسلمين وهو الدكتور دون لويس روخاس، يقول: "انحصوا المبهورين بحضارة الغرب أن يعيدوا النّظر فيها احذروا يا عرب، يا مسلمون أن تخلطوا تصوراتكم بالحضارة الأوروبية أنتهم أهل حضارة عريقة، وهي وإن كانت لم تصل من الناحية المادية إلى مستوى الغرب، إلّا أن لها مقومات لا تملكها حضارة بلادنا الأوروبية، إنّ الإنسان حاول أن يؤلّه نفسه بواسطة العلم، والعلم وحده، ولكنه وجدها أحقر وأقل مما كان يعتقد، فلا تتخلوا عن نزعاتكم المكتسبة من تصوراتكم الإسلامية، ولا تتطلعوا إلى الحضارة الغربية تطلع المجد لها، المعظم لشأنها، إنها ستبلى ... إنّ أخطر ما يواجهكم هو الشعور بالنقس تجاه الحضارة الأوروبية والثقة بكل ما يأتي من خارج البلاد".
هذه شهادتهم والفضل ما شهد به الأعداء، وإن كنّا لا نحتاج الى شهاداتهم فالآيات الربانية والأحاديث النبوية تكفينا لمن أراد السبيل الأسمى، وسبحانك اللهمّ وبحمدك، أشهد أل لا إله إلّا أنت، استغفرك وأتوب إليك.
للاتصال المباشر يستعمل رقم الهاتف : 0550660118 ...
عقوبة من يدعو إلى دين غير الإسلام في الجزائر ...
صدر كتابان جديدان في يناير سنة 2020 للدكتور محمد حاج عيسى عن دار الإمام مالك البليدة الجزائر 1-عبادة الشكر..يقع في 70 صفحة من الحجم الصغير 2-الوصول إلى الضروري من علم… ...
قائمة الكتب المطبوعة...1-عقيدة العلامة ابن باديس السلفية وبيان موقفه من العقيدة الأشعرية، ومعه أضواء على حياة عبد القادر الراشدي القسنطيني ط1-2003 2-أصول الدعوة السلفية عند العلامة ابن باديس، ط1-2006 3-عوائق… ...
صدر في جويلية 2022 كتاب منهجية البحث في العلوم الإسلامية يقع في 64 صفحة وقد ضمنته برنامج السنة الأولى الجذع المشترك ...
تم بحمد الله التفرغ لتبييض جميع حلقات تربية الأولاد في الإسلام وتم نشرها كلها خلال الشهر الفارط وسنتفرغ بإذن الله لتبييض حلقات شرح منهج السالكين ونشرها تباعا ...
تطلب مؤلفات أد محمد حاج عيسى من موزرع دار الإمام مالك رقم 0552959576 أو 0561461020 ...
صدر في سنة 2021 كتاب منهج البحث في علم أصول الفقه يقع في مجلدين وهي أطروحة للدكتوراه عن دار البصائر العراقية في استنبول . ...
أنشأنا في الموقع فرعا جديدا تحت ركن الدروس والمحاضرات وسميناه : دروس العقيدة الاسلامية للمبتدئين وهو برنامج ميسر للتدريس في المساجد والمدارس القرآنية ...