Your Logo Text

حتى الكاريكاتير لم يُقصِّر
ج صحافة اليرموك-ص6 - السبت 06 تشرين الثاني -نوفمبر 1993م
إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له ومن يضلل فلا هادي له، أمّا بعد:
فإنّي بقيت مدّة طويلة متردّدا في كتابة مقال عن الحرب القائمة منذ زمن غير قريب بين الإسلام والإعلام، حيث أنّ المعارك الدّائرة بينهما وخلفياتها والأهداف منها ونتائجها جعلت من العسير حصر هذه الحرب في مقال واحد، ولن تسع لذلك حتّى الكتب الضّخمة، لهذا حاولت أن أكتب عن معركة واحدة تدور روحاها على صفحات الجرائد والمجلات، وهي هجمة ظالمة جائرة على مبادئ الاسلام وعقائد المسلمين تحرّكها أيد خفية تبتغي بذلك الحطّ من الدّين والتّنقيص من قيمته وحتّى السّخرية به والهزء بأصحابه.
وتتمثّل معالم هذه المعركة في حرب "الكاريكاتير" على الدّين، حيث سخّرت بعض الصّحف والمجلات المشبوهة أقلامها مسمومة وعميلة وظيفتها النّيل من الدّين برسومات بذيئة وأخرى ساخرة ولاذعة.
والرّسم الكاريكاتيري فنّ صحفي تحوّل عند البعض إلى عفن سخفي تلقيها قلوب سوداء على صفحات بيضاء لتخرجها سوداء قاتمة كقلوب أصحابها.
وسأذكر نماذج قليلة من هراء الكاريكاتيرات لعلّ القارئ يعي أنّ الصّحافة في بعض الدّول ليست سلطه رابعة، لكنّها سخطة رابعة.
مجلة متحرّرة جدّا من الدّين وتقديمة جدّا على طريق الاباحية والإلحاد، لعبت دورا كبيرا في تطوير هذا الفنّ السّاخر بالإسلام ومبادئه، وقد وضعت لسنوات عديدة صفحة كاملة للكاريكاتيرات تحت عنوان ثابت "الشيخ متلوف"، وتقصد به الشّيخ حسنين مخلوف شيخ الأزهر المخلوع الّذي وقف في وجه الإباحية والانحلال، وكان كلّ أسبوع ينزل رسما ساخرا من فتاوى العلماء، وقد شنت هجوما على الشيخ محمد الغزالي بعد أنّ صرّح هذا الاخير بوجوب تطبيق الشّريعة الإسلامية ورفض القوانين الأوروبية بريشة أحد مهرجيها الرسامين فصوّرت الشّيخ الغزالي يركب حمارا بالمقلوب وقد وقعت عمامته على الأرض بفعل قانون جاذبية نيوتن، وهو يصيح نرفض القوانين الأوروبية ..! والشّيخ لم يقصد رفض القوانين العلمية والكونية، مثل قانون نيوتن، وإنّما كان يقصد القوانين الفكرية والالحادية.
وإضافة إلى هذه الهجمة تلتها سلسلة من الكاريكاتيرات عن هارون الرّشيد مصوّرة إيّاه بالرجل الشهواني الّذي يعيش في البذخ وسط رقص وأغاني الجواري ناقلة قصص ألف ليلة وليلة، الّتي شوّهت مسيرة هذا الخليفة الّذي كان يغزو عاما ويحجّ عاما.
وفي كاريكاتير آخر صورة للاعب كرة قدم يضرب بعمامة أحد العلماء داخل المرمى بدل كرة القدم فهذا هو قدر العلماء ورثة الأنبياء عند قليلي الحياء وعديمي الخلق.
ولم يبق الحال على السّخرية للعلماء، بل تجاوز ذلك إلى مبادئ الإسلام ومفاهيمه الأخرى وقد بلغت الوقاحة في إحدى الكاريكاتيرات في صحيفة شرق أوسطية أن رسمت شابّا وشابّة "بالمايوه" على شاطئ البحر ويقول الشاب للفتاة باللّهجة العامية "ما تيجي ننزل الميه على سنة الله ورسوله" وهذا هزء بالله ورسوله وكفر صريح بالدّين.
ولعلّ كذلك من أبرز الكاريكاترات العربية الّتي أساءت للرّسول صلّى الله عليه وسلّم، منقذ البشرية رسم كاريكاتيري لديك يمثّل النّبي عليه السّلام، ووراءه تسع دجاجات، وهنّ أزواج النّبي عليه الصلاة والسّلام، وتعليق تحتّ الصّورة" محمد جمعة وأزواجه التّسعة" متخذة هذا النّبي العظيم أضحوكة لزواجه بتسع نساء.
وفي رسم آخر جاء بعد عملية تفجير في فيينا رسمت صحيفة عربية صورة لإرهابيين وكتبت من الأسفل خديجة مائير  وأحمد ليفي، قاصدا بذلك خديجة أمّ المؤمنين والنّبي عليه الصلاة والسلام.
وما أحسن ما كتب ابن تيمية في كتابه الصّارم المسلول على شاتم الرسول في فضح هؤلاء جميعا وتعريتهم على حقيقتهم.
تسعى هذه الكاريكاتيرات في كثير من الأحيان إلى تشويه الحياة الأسرية الإسلامية برسومات مبالغ فيها فتلجأ مثلا إلى تصوير المرأة الّتي لا تعمل، وتبقى في البيت، امرأة بدينة رثة الثّياب أرهقها الطّبخ والتّنظيف، وتعيش وسط الفوضى بين أولادها الكثيرة لامزة هذه الأسرة بعدم تحديد نسلها، بينما تصوّر المرأة العاملة الّتي تملك عددا محدودا من الأولاد في صورة جميلة وأنيقة تضفي عليها هالة من صفات التحضّر!
أمّا الاستهزاء بالأحكام الشرّعية فهي لا تعدّ ولا تحصى، نذكر منها كاريكاتيرا لجريدة سوداء ولا أقول صفراء كما يسمّيها الإعلاميون، لجأت إلى الحطّ من الحجاب الشّرعي فرسمت صورة تنبز الفنّانات التّائبات وتشكّك في توبتهنّ واعتزالهنّ الفنّ وأُرفق بخبر عن توبة شمس البارودي وسهير رمزي، واشتهرت هذه الجريدة بسخريتها من الدّين وأصحابه، وقد سألت يوما صاحب الجريدة عن هذه المهازل فقال "نحن لا نسخر من الدّين إنّما هي ضحكة ونكتة خفيفة فقط" ويضيف متبجحا "الرّسول صلى الله عليه وسلم كان يحبّ الضّحك والنّكتة"، ونقول لهذا النُكتي "إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم بزعمك يحبّ نكتا دينية فالله تعالى يكرهها واحذر من قوله تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ}
وكاريكاتير آخر في نفس السّخافة والقبح يصوّر رقّاصة تهزّ بطنها ترتدي لباسا شفافا من أعلى الرّأس إلى أخمص القدمين ومغطية وجهها بالثوب الشفاف، ومن تحت الرّسم تعليق "رقاصة شرعية" ويا له من تعليق سخيف لا يصدر إلّا من ذي عقل خفيف!!
ننتقل الآن إلى مجال السّخرية بالعقيدة، وأوّلها سلسلة من رسومات كاريكتيرية تصوّر أحداث يوم القيامة بطريقة ساخرة اهتبلها أحد الرسّامين في مجلة عربية عندما لم يجد من يوقفه عند حدّه، وصدق المثل "خلا لك الجوّ فبيضي وصفّري".
رسم هذا الرسّام صورة الملكين يجرّان رجلا إلى جهنّم ويقول له أحدهما "ما تخاف احنا مركبين مكيف هوائي في جهنّم" وفي رسم آخر وفي نفس السلسلة يقول ملك آخر "شو رأيك يوم القيامة الله يعطينا إجازة؟"
وإذا كان المسلم لا يدخل الإسلام والإيمان إلّا بالتّصديق بيوم القيامة فأصحاب هذه الكاريكاتيرات جعلوا هذا اليوم مرتعا لنوادر جحا، وإلى الله المشتكى.

هذه قطرة من بحر ممّا يتعرض له الإسلام من عفن الكاريكاتير ولا تزال المعركة طويلة وأساليبها أشدّ فتكا من سابقتها، لكن الغريب حقّا أنّ هذه الوسائل تعيش في دول إسلامية! تملك دساتير مكتوب فيها الإسلام دين الدولة، ولها قوانين مطبوعات تمنع نشر أي شيء يمسّ بدّين البلد أو عقيدته أو تقاليده، لكن أين المراقبة والمحاسبة!!؟ وقديما قيل في المثل الشّعبي "غاب القط العب يالفار"، وسبحانك اللهمّ وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك.