الأحد 29 شوال 1446

الحملة ضد الفنانات التائبات لصالح من؟

كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

الحملة ضد الفنانات التائبات لصالح من؟
يزيد حمزاوي (قصاصة جريدة لم تحدد لكنه كتب في الأردن بين عام 1994 و1995)
     إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، أما بعد: فقبل أربع سنوات كنت مقيماً في مصر حينما شد انتباهي موضوع الفنانات التائبات، وذلك عندما قدم أحد المخرجين السينمائيين في ذلك البلد؛ مشروع برنامج تلفزيوني عن عدة حلقات أسمـاه "فنانات تائبات"، تتحدث كل حلقة عن فنانة معينة، لكن فوجئ هذا المخرج المسكين برفض هذا المشروع من قبل إدارة التلفزيون، بحجة أن الفن ليس إثما أو ذنبا يتاب منه... بعدهـا بشهور قليلة كانت قائمة الفنانات التائبات تزداد طولا، وأضحى تحجب الفنانات والراقصات وأخبار اعتزالهن “العفن“ ظاهرة لفتت أنظار المراقبين والمهتمين بالفن وميدان الأضواء...يوما بعد يوم لاحظ المعجبون وعشاق الشاشة الصغيرة ورواد السينما غياب نجومهم الأنثوية التي طالما كـن يظهرن بجمالهن وأجسـادهن الملتهبة و”دلعهن”  بـأصـوات تطرب آذانهم، ونظرات تخطف أبصارهم، وحركات تـأسر قلوبهم .

      يوماً بعد يوم فقد المخرجون والمنتجون والمنشغلون بصناعة الفيلم وتسويقه “مواد الخام“، التي كانت تدر عليهم الملايين بأدوارهن المغرية للشباب والمثيرة للمراهقين.. إنها نكسة زلزلت عالم الرقص والتمثيل، الذي يسمّی زورا وبهتانا فنا وكان الأولى تسميته عفنا. ومنذ حدوث هذه النكسة وأصحاب المصالح، وما أكثرهم، لم يهدأ لهم بال, لم لا وقد أفلس بعضهم وخسر بعضهم الآخر سلاح فتاكا في إفساد الشباب المؤمن وتقويض أركان المجتمع المسلم ... تحرك أصحاب المصالح من كل جهة، فبدأوا أول ما بدأوا الاتصال بالفنانات التائبات لاقناعهن بأن الفن رسالة ، والفنانة تحمل هذا العطاء النبيل لتقدمه للناس، والرقص والتمثيل هو من أرقى الفنون ولا علاقة للدين بهما إطلاقا، وأوصوا الفنانات غير التائبات اللائي لا يزلن في حملة الرقص والتمثيل بشن حملة على زميلاتهن لعلهن يؤثرن فيهن فنُشرت أقوالهن على أكبر نطاق وأوسع مجال.

       فعندما سئلت الفنانة فاتن حمامة عن التوبة من الفن قالت " إن الفن رسالة سامية جدا جدا, لها هدف وليس هناك أي دليل على حرمته أو بعده عن الدين وتعاليمه  "
       وأفتت الفنانة سميحة أيوب عندما استفتاها الإعلام عن علاقة الفن بالدين ...بقولها " ليس هناك نص واحد في القرآن أو الحديث يحرم الفن .. فالفن وجد مع الإنسان منذ بدء الخليقة والأديان جميعها جاءت وقد ظهر فيها الفن .. وظهرت قيمة الفن, بل العكس فالدين والفن يكمل كل منهما رسالة الآخر , وليس هناك أي تناقض بين الفن والدين".
      وتقول زميلتها الفنانة إلهام شاهين "أنا لا أعتبر الفن حراما, أو مخالفا للدين فهذا كلام المتعصبين, فالفن ليس حراما ولكن رسالة نستطيع أن نخدم الناس بها".

      لم تستطع كل من فاتن حمامة وسميحة أيوب وإلهام شاهين وغيرهن بهذه السفسطة البيزنطية والفلسفة الأبيقورية أن يقنعن زميلاتهن التائبات، مما حدا بأعداء توبة الفنانات الذين لم يرق لهم اعتزال الفن واتهامه بالفساد ووصمه بالعار والحرمة إلى سلاح آخر يأتي ثماره وهو الإغراء بالمال وبالأدوار البطولية وغيرها من المكاسب .
      وتقول الراقصة التائبة هالة الصافي :"عندما أعلنت اعتزالي الرقص بدأت المطاردات, أصحاب الملاهي, أصحاب الفنادق يعرضون علي عشرات أضعاف ما كنت أتقاضاه من أجر من أجل أن أعود إلى الرقص, بل إن أحد المتعهدين عرض علي نصف مليون دولار مقابل أن أرقص نصف ساعة في ليلة رأس السنة في أستراليا".

      وتقول الفنانة التائبة شمس البارودي التي تركت أدوار الإغراء والعري وارتدت الحجاب:" لقد حاول عشرات المنتجين أن يعيدوني إلى التمثيل , وأعطاني بعضهم شيكات على بياض وعرض علي بعضهم أرقاما خيالية ما كنت أحلم بها".
   
   لم يثن هذا السلاح عزم التائبات، بل زادهن إصرارا على التوبة، ولما كان الأمر هكذا بدأت المؤامرات القبيحة والمخططات الخبيثة, فقد أصحاب الذاتية وأعداء الفضيلة أية فرصة للنجاح, بل كللت محاولتهم لاستمالة التائبات بالفشل, فأوحت لهم الشياطين الإنسية والجنية بالانتقام, هذا هو الحل الوحيد, و بدأوا فعلا بذلك, قلبوا أرشيفات الأفلام فما من فيلم لإحدى التائبات؛ ولو مضت عليه قرون من الزمن فيه بروز للتائبات بجسد عار أو لقطة ساقطة، أو قبلة حارة، بالرغم من براءة التائبات من هذه الأفلام, لجأ المنتقمون إلى هذه الأفلام فروجوها في كل مكان وباعوها بأبخس الأثمان وعرضوها على الشباب مرات تلو المرا , حتى أنها صدرت بالمجان إلى بعض الدول العربية والأجنبية وعرضت في أوقات متقاربة وبكثافة غير معتادة حتى يطلع العالم عن عري الفنانات الشيخات انتقاما من توبتهن .

  يالها من حضارة ووقاحة ودونية ما لها من مثيل, تكاثفت فيها جهود تجار الرذيلة ومروجوا العيوب والآثام وغيرهم ليقيموا حربا نفسية كهذه, لكنها جاءت بأكبر فشل لأن التوبة غمرت حق التائبات, ورغم ما قامت بعض التائبات وبالخصوص السيدة الفاضلة الداعية التائبة شمس البارودي التي كانت تسحر بجمالها المشاهدين وتثيرهم أشد الإثارة بأفلامها القديمة الجنسية إذ كان جمالها وشكلها يرشحانها لمثل هذه الأدوار الإغرائية مما دفعها للقول عقب هذه الحرب الشعواء:"ظنوا أنهم بذلك يحاربونني، ولكنني أقول لهم :...إنكم لا تحاربونني أنا شمس البارودي ولكنكم تحاربون الله, نعم تحاربون الله وهو القائل (إن الله يدافع عن الذين امنوا ) فليقولوا عن حجابي ... لا وربي لن أبالي, زينتي دوما حيائي ...واحتشامي رأس مالي. بدأ تجار الرذيلة حربهم المجرمة القذرة, بدأوا يكثفون من طبع شرائط الأفلام التي أديتها وأنا في غفلة من عمري, وقد نشرت أكثر من إعلان بالصحف, أرجوهم أن يحرقوا هذه الأفلام بعد أن رجعت إلى الله سبحانه وتعالى , لكنهم كانوا دائما على العكس يزيدون من حربهم ضدي".
     وقد اتخذت هذه الحرب شكلا هرميا من ناحية استخدام الأسلحة فانتقل أصحاب المصالح والرذيلة من سلاح إلى سلاح أفتك منه، لكن دون جدوى وبلا فائدة فانتهى بهم الأمر إلى أسلوب رخيص جدا، وطريق حقير للغاية, و هو أسلوب الحرب والإشاعة الكاذية واستنجدوا بإعلامهم الأصفر المسموم, فانقلبت الصحف والمجلات التي كانت بالأمس القريب تقدس هؤلاء الفنانات قبل توبتهن وترفعهن عاليا كالنجوم. فاذا بهذا الأعلام ينقلب (رأسا على عقب) فتحول المدح إلى ذم، والإطراء إلى قدح، والتقديس إلى التخديش, اجتهد هذا الإعلام بما يملك من قوة لما يشوه سمعة التائبات وينال منهن، ومن عفتهن وفضيلتهن وإخلاصهن، وراح يشكك في نية كل فنانة معتزلة أو متحجبة, فمر يقولون إن الفنانة فلانة اعتزلت الفن لأنها شاخت، وعجزت فلم يعد للمنتجين بها حاجة فتركوها كالمعلقة فاعتزلت قبل أن تعزل .وأخرى اعتزلت الفن عندما أحست بالمرض وقد كاد أن يوفيها أجلها فتابت خوفا من قرب المنية, وذلك ما قالوه عن الأخت الفاضلة هالة فؤاد .والثالثة تحجبت خوفا عن نفسها من تهديدات الأصوليين والإرهابيين الذين هددوا الفنانات بسكب ماء النار على وجوههن إن لم يتبن وذلك مثلما قالوا عن توبة السيدة شهيرة .
  وراح خيالهم الشيطاني بعيدا يتهم التائبات بأنهن لم يتركن الفن لوجه الله، بل لوجود رجال أثرياء خليجين يدفعون الأثمان الباهضة مقابل التحجب والاعتزال، إما رغبة في الزواج منهن، أو هدايتهن بالمال، وذلك كما قالوا عن شادية وسهير رمزي، وتمنوا الإفلاس لهؤلاء الخلجيين حتى ترجع الفنانات التائبات إلى عادتهن القديمة .

   ثم توالت أخبار شلح الحجاب والرجوع عن الاعتزال، في حملة منظمة مخططة في العديد من العواصم العربية. بل أكثر من ذلك, فبعد طباعة كتاب بعنوان "فنانات تائبات" عرض رئيس تحرير مجلة فنية لبنانية "شيكا" مبلغ خمسة وعشرين ألف جنيه لمؤلف الكتاب؛ مقابل إعادة طبع الكتاب على أن يصور فيها تركن العمل الفني لإصابتهن بعدة أمراض خبيثة تمنعهن من الاستمرار في العمل, والجزء الآخر منهن اعتزل العمل لخروجه من دائرة الضوء، كما طلب منه أن يصور الوسط الفني الحالي بأنه وسط ملتزم تماما وأن الفن حاليا يساعد على الابداع وتفجير طاقات الشباب . ورفض مؤلف الكتاب السيد عماد ناصف العرض المشبوه وقال :" إن الفنانات التائبات تركن العمل الفني ابتغاء مرضات الله كما أن الوسط الفني حاليا مليء بكل الموبقات، وأن ممثليه بعيدون كل البعد عن المنهج الإسلامي".

  وأنا بدوري أتساءل لفائدة من هذه الحملة على الفنانات التائبات؟ لماذا لا تهاجم الراقصات وبطلات الفجور السنمائي؟ بينما تهاجم نسوة عرفن طريق الله, تركن طريق الشيطان والغواية والأضواء والشهرة للتفرغ للعبادة والدعوة إلى الله, لماذا يحاول البعض فضح رجال خليجيين مزعومين يدفعون أموالا للتحجب واعتزال الفن؟ وينسون فضح المنظمات الماسونية والأيدي الخفية التي تدفع الملايير للفنانات الفاجرات و المسلسلات الساقطات مقابل الإفساد الخلقي؟ لم هذا الكيل بمكيالين ؟؟

   أخذت سماعة التلفون -غيرة على أخواتنا التائبات- لأوبخ محرر الصحيفة الفنية في إحدى الصحف التي تولت الهجوم الجائر على الفنانات التائبات، فسألته أن يعطيني الأدلة على فساد التائبات وسوء نيتهن وأن يقدم لي مصادر المعلومات هذه, ولم أفاجأ لما قال:" هي مصادر سرية لا أستطيع تقديمها لك, ثم أنا لا أؤمن بتوبة أي ممثلة", هو يكذب حتما، ولا مجال لتصديقه البتة، فقلت له كلاما لا مجال لذكره هنا ، وطالما المصادر سرية يبطل العجب وصدق من قال:"إذا عرف السبب بطل العجب".

   وتقديرا مني ودفاعا عن الفنانات التائبات قدمت بحثا معمقا في إحدى المحاضرات كشفت فيه تجنبي الصحف عليهن وبينت الهدف الخفي من وراء الحملة عليهن, لخصته فيما يلي :
- التشكيك في توبة الفنانات حتى لا تنتقل العدوى إلى غيرهن .
- تشويه سمعة الفنانات التائبات أمام الرأي العام .
- إقناع الفنانات الأخريات بفساد نية التائبات ودنيوية أغراضهن و غايتهن.
- اتهام الإسلاميين بأنهم ضد الفن وأنهم يهددون الفنانات، ومحاولة ترسيخ ذلك في أذهان العوام ليزداد عداؤهم للإسلاميين .
- حتى لا تتاثر المراهقات المعجبات بتوبة نجومهن المحبوبة فلا تقلد المعجبة الفنانة التائبة .
- بصفة عامة هذا مخطط عام ضد الإسلام وقيمه ومبادئه .

    فتحية تقدير إلى الفنانات التائبات اللاتي ضربن المثل في التضحية والصبر على الأذى بعد ترك كل ما وصلنا إليه و صدق رسول الله صلى الله عليه و سلم:" من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه".

   تحية احترام لشمس البارودي وشاذية وشهيرة وهالة الصافي وهالة فؤاد وسهير رمزي ونسرين و كاملية العربي وعفاف شعيب ...وغيرهن جميعا واستمررن في طرق التوبة ولا تعبأن بالضالين والمضلين فتوبتكن نصر للإسلام واعتزالكن "العفن" هزيمة للمفسدين تجار الرذيلة، فاسمعن لنصيحة الشيخ متولي الشعراوي "اعلم أنكن تواجهن ما لا يستطيع الإنسان أن يتحمله, ولكن طرق الله ورضاه يستحق أكثر من هذا فانتن ذقتن سعادة القرب منه فلا تفرطوا في هذه السعادة".
              وسبحانك اللهم بحمدك أشهد أن لا إله الا أنت استغفرك وأتوب اليك .
 

تم قراءة المقال 54 مرة