التسامي على الخلافات
كتبه يزيد حمزاوي (جريدة الحقيقة ، الجزائر ، من 18 الى 24 جانفي 2000)
لا يزال كثير من إخواننا الدعاة بسبب الغفلة أو سطوة أمراض القلب يتجاهلون نصوص الشرع التي تحثهم على الأخوة والتعاون وعدم التفرق، فلست أدري لماذا يصر حماة الشريعة وحملة الهم الاسلامي على مقاطعة بعضهم البعض، وانتقادهم المتبادل انتقادا يتعدى حدود المعقول والمقبول، مع علمهم أن الإسلام لم يكلفهم بالإتحاد والاتفاق على كل الأمور خاصة الاجتهادية. فالوحدة المطلقة غير مطاقة، والاختلاف بين البشر سنة الحياة وعدم الاتفاق على كل شيء؛ من طبيعة الاشياء فما هو إذا مسوغ هذه الجفوة العميقة بين العاملين في حقل الدعوة الاسلامية؛ إلى حد الصراع والتدابر والتخاذل، الذي تبدو مظاهره على الساحة الدعوية اليوم أكثر من أي وقت مضى ؟
أليس من العجيب أن تسمع بأخ يقاطع أخا له في الاسلام فلا يحدثه، ولا يلقي عليه السلام، بل ويستحل غيبته لا لشيء إلا لأن هذا الأخ لا يرى وجوب تحريك الإصبع في الشهادة (لعله التشهد) وسنية القبض بعد الركوع، هل من الدين والعقل أن يهجر داع إلى الله داعيا مثله، ويأمر أتباعه بهجره واستحلال عرضه؛ لكونه تلفظ بكلمة من ألفاظ الصوفية مثلا؛ مع كونه لم يقصد ذلك المعنى السلبي على الإطلاق كما أنه لو قصد لكان من الواجب نصحه لا فضحه.
كم نسرع الى الهجر والتبديع والتكفير، والأحرى أن نكون دعاة لا قضاة، أن نكون كالأمهات شفقة بأولادهن، أي أن نشفق نحن أيضا على المخطئين؛ ونجد لهم الأعذار، وندعو لهم بالهداية ونقيل عثراتهم، فمن لا يرحم لا يرحم . وليتيقن المرء أنه سيقع في أخطاء مثل من سبقه، وحينها سيجد مرارة الهجر والتبديع، هذا إذا أخطأ فعلا، فما بالك لو كان الأمر متروكا لاجتهاد الناس؛ لا نص فيه ألبتة.
ويجادلك المتحمسون لهذه الظاهرة؛ ليفرضوا رأيهم بأن فلانا مبتدع وضال وخارج عن المنهج، وبعيد عن الفرقة الناجية، ومحارب للطائفة المنصورة في نظرهم، طبعا لذا وجب هجره وردعه، وما تساءل أولئك عن الحكمة من الهجر والمصلحة من ذلك في هذا العصر؟
فأعداء الإسلام من جميع الملل والنحل والطوائف والأحزاب يجتمعون اليوم لاجتثاث المسلمين من تربة دينهم، ويضمون كل يوم قطعانا من المسلمين إلى صفوفهم، أما المسلمون فلا يكاد يمر يوم دون أن يظفروا بأخ منهم؛ قد أخطأ الطريق وضل السبيل، أو حتى اجتهد وخالف اجتهاده اجتهادهم؛ فيصبون عليه اللعائن والشتائم حتى إذا افتقدوا يوما فريسة سهلة لجأوا إلى الافتراء وتهويل الصغائر لتصير موبقات، وابتكار أسباب الاختلاف من لا شيء، وما هذه الظاهرة القبيحة التي تدعى "تصنيف الناس" وفهرستهم في فهارس المبتدعة أو الضالين أو المخالفين للمنهج إلا دليل على حضيض التفكير، وقعر المرض القلبي الذي أضحى مخدرا لا يمكن الاستغناء عنه.
تجد بعض الناس يقيمون الدنيا ولا يقعدونها إذا خالفهم آخرون في مسألة اجتهادية أو قضية ليس فيها فصل في الكتاب والسنة، وهي أولا وآخرا إذا ثبتت لا تتجاوز كونها سنة لا يأثم تاركها، أو أنها مكروه لا يعاقب فاعلها، لكن كم من الآثام جرت على المتخاصمين من خصومات، ومقاطعات وغيبة ونميمة وسباب وشتام وأعراض منتهكة، وفشل الدعوة وشماتة الأعداء، واستغلالهم لهذه الحال؛ لنفث سمومهم؛ في ظل الغياب الفاضح للمسلمين المنشغلين بابتكار حلقات لا متناهية من الخلافات !!.
وانظر أخي المسلم إلى العالم الاسلامي لتعرف تخطيط أهل الكفر في نشر قيم الإلحاد والعلمنة والإباحية على أكبر نطاق وأوسعه وتقاعس أهل الحق عن حقهم، وهم كل حزب بما لديهم فرحون. ولم يأت على بالهم أن يتساءلوا: لماذا لا نغلّب الجوانب الإيجابية في علاقاتنا الإسلامية على الجوانب السلبية؟ لماذا ننظر دائما إلى الجزء الفارغ من الكأس، ولا ننظر الى الجزء الممتلئ منه؟ لماذا نترك خلافا جزئيا فرعيا في سنة من السنن يحطم الأخوة؟ ومن ثم الدعوة ومن ثم الدين كله!؟
ويعجبني أصحاب العقول الكبيرة من الدعاة والعلماء، الذين يعرفون كيف يتصرفون في هذه المواقف، ويزنون الوقائع بعين الكتاب والسنة مقادين بالبصيرة النافذة، وشتان بينهم وبين الدعاة الشباب ممن يفتقدون إلى الحكمة والبصيرة. فهذا مثلا ابن باديس _رحمه الله_ علامة الجزائر في عصره يقول في مناسبة جمعته ببعض الإخوة المسلمين، الذين كادت تعصف بهم الشحناء والاختلافات، والاستعمار جاثم على صدورهم، فقام خطيبا فيهم قائلا لهم:" لا يجوز أن نترك القليل مما نختلف فيه أن يهدم الكثير مما نتفق عليه " فكانت هذه الكلمة دواء لتلك الشحناء.
وصدق ابن باديس، فنحن تجمعنا أشياء عظيمة، لكن تفرقنا صغار الأمور وحظوظ النفوس، وما عسى ابن باديس يقول لو كان بيننا اليوم !؟
وفي موقف آخر لداعية كبير وهو حسن البنا _رحمه الله_ فقد دخل المسجد مع المسلمين لصلاة التراويح في ليلة رمضانية، فاختلف الإخوة في عدد ركعات التراويح ، فبعضهم رأى أنها عشر ركعات، ورأى آخرون أنها عشرون ركعة، فكثر اللغط والغلط ، والشيطان ينفث الأحقاد ليوقع بينهم العداوة؛ فقاطعهم البنا وأمرهم بالرجوع إلى بيوتهم لصلاة التراويح قائلا:" ارجعوا إلى بيوتكم وكل يصلي كما يريد , فصلاة التراويح سنة أما الأخوة في الله فواجب، ولا يجوز ترك ما هو واجب لما هو سنة". فانصرف المسلمون إلى بيوتهم محتفظين بأخوتهم الإسلامية.
وفي موقف ثالث حضرته بنفسي مع الشيخ العلامة ناصر الدين الالباني _رحمه الله_ وقد سألته عن خلاف نشب بين بعض الاخوة حول تكفير حاكم لا يحكم بما أنزل الله ، فهجر الذين لم يكفروا من كان قد اقتنع بالتكفير, فخرجوا من خلافهم المشؤوم بلاعن وملعون، مرجئة وخوارج. فأجابني الشيخ بحكمته المعتادة قائلا: "هجره المبتدع في عصرنا لم يعد لها مكان، لأن المهجور قد يجد ملايين من أمثاله فلا يتحقق الغرض منها، وثانيا أن الظروف المحيطة اليوم بالمسلمين ليست ظروف التهاجر والتقاطع، وإنما هي ظروف اتحاد وتعاون وتساند"، هذا ما قاله لي بلسانه فعلمت أن العلماء أصحاب العقول الكبيرة هم منارات الأمة؛ إذا كثر أدعياء العلم وحماة المنهج المتحمسون بدون منهج، وكم هو حري أن نقتدي بهم في ظل هذا التكالب من الأعداء ومن شرود أبناء الأمة بأكملها عن أداء حقوق الله في الارض وتحول المجتمعات الاسلامية [كلمة مطموسة] إلى مجتمعات المعصية [والغفلة] عن ذكر الله.
للاتصال المباشر يستعمل رقم الهاتف : 0550660118 ...
عقوبة من يدعو إلى دين غير الإسلام في الجزائر ...
صدر كتابان جديدان في يناير سنة 2020 للدكتور محمد حاج عيسى عن دار الإمام مالك البليدة الجزائر 1-عبادة الشكر..يقع في 70 صفحة من الحجم الصغير 2-الوصول إلى الضروري من علم… ...
قائمة الكتب المطبوعة...1-عقيدة العلامة ابن باديس السلفية وبيان موقفه من العقيدة الأشعرية، ومعه أضواء على حياة عبد القادر الراشدي القسنطيني ط1-2003 2-أصول الدعوة السلفية عند العلامة ابن باديس، ط1-2006 3-عوائق… ...
صدر في جويلية 2022 كتاب منهجية البحث في العلوم الإسلامية يقع في 64 صفحة وقد ضمنته برنامج السنة الأولى الجذع المشترك ...
تم بحمد الله التفرغ لتبييض جميع حلقات تربية الأولاد في الإسلام وتم نشرها كلها خلال الشهر الفارط وسنتفرغ بإذن الله لتبييض حلقات شرح منهج السالكين ونشرها تباعا ...
تطلب مؤلفات أد محمد حاج عيسى من موزرع دار الإمام مالك رقم 0552959576 أو 0561461020 ...
صدر في سنة 2021 كتاب منهج البحث في علم أصول الفقه يقع في مجلدين وهي أطروحة للدكتوراه عن دار البصائر العراقية في استنبول . ...
أنشأنا في الموقع فرعا جديدا تحت ركن الدروس والمحاضرات وسميناه : دروس العقيدة الاسلامية للمبتدئين وهو برنامج ميسر للتدريس في المساجد والمدارس القرآنية ...