نقد حجج النّصارى على عقيدة التّثليث عند الدّكتور يزيد حمزاوي من خلال كتابه "النّصرانيّة وإلغاء العقل"
الدّكتور محمّد لمين إبرّاقن
جامعة أبي بكر بلقايد تلمسان
المقدّمة
تُعتبر عقيدة التّثليث أصل من أصول العقيدة المسيحيّة، بل هي العمدة الّتي ترجع إليها جميع العقائد الأخرى مثل الخطئية الأصليّة، والصّلب والفداء، وألوهيّة المسيح وتجسّده، فلا مسيحيّة إلّا بتثليث، يقول الدّكتور يزيد حمزاوي -رحمه الله-: "التّثليث أهمّ اعتقاد يُؤمن به النّصارى، فلا خلاص ولا غفران ولا دخول للجنّة إلاّ بالإيمان بأنّ الله هو ثلاثة أقانيم"، وبمثله يقول لودويغ أوت: "وقد نظرت المسيحيّة في كلّ وقت إلى عقيدة الثّالوث الأقدس على أنّها أهمّ وأعمق سرّ من أسرار الإيمان" (1)، فنقدها يُعتبر نقدا للمسيحيّة كلّها؛ لذا اهتمّ علماؤهم على مختلف مذاهبهم وعصورهم لتقرير هذا الاعتقاد والاحتجاج له بنصوص العهد القديم والعهد الجديد، ومحاولة تقريبه إلى الأذهان بضرب الأمثال وتقعيد ما رأوه حججا عقليّة عليه.
وقد انبرى لمناقشتهم ومناظرتهم في عصرنا الحاضر علم من أعلام الجزائر، العارف بحججهم وإشكاليّات مقالاتهم، المتبحّر في مصادرهم ومراجعهم، الدّكتور يزيد حمزاوي -رحمه الله ونفع بعلومه-، فألّف في الرّدّ عليهم كتبا ومقالات متنوّعة، من أشهرها كتابه: "النّصرانيّة وإلغاء العقل"، وفيه ناقش عددا من عقائد النّصرانيّة محاولا إبراز مخالفتها للعقل الصّريح والفطر السّليمة، ومن بينها عقيدة التّثليث.
وستحاول هذه المقالة تسليط الضّوء على مسالكه الاستدلاليّة ومناهجه الحواريّة، من خلال عرض ردوده ومناقشاته لحججهم العقليّة والنّصّيّة الّتي يستخدمونها لإثبات أصل أصول دينهم وعقيدتهم، ولن نكتفي بمجرّد عرض ما قررّه الدّكتور يزيد حمزاوي، بل سندعّم ما أشار إليه ولمح له بذكر أدلّته، وما ساقه من أقوالهم من غير مصدر سنوثّقه من مراجعهم وكتبهم.
فالمنهج المتّبع في الدّراسة هو:
- استقراء حججه واستخراجها ثمّ تنظيمها وترتيبها تحت مواضيع وعناوين متّسقة ومفصّلة.
- إضافة الأدلّة الّتي لم يذكرها، مثل: احتجاج النّصارى بنصوص العهد القديم على التّثليث وغير ذلك.
- توثيق أقوال النّصارى من كتبهم إذا أعرض عن ذكرها، كقولهم بأنّ النّاس في العهد القديم لم يكن عقلهم مهيّئا لإمكانية فهم الثّالوث.
وسيكون تركيزنا على حجج النّصارى الّتي يستخدمونها في إثبات عقيدة التّثليث ومناقشة الدّكتور يزيد حمزاوي لها، وليس هدفنا عرض كلّ الأدلّة الّتي أوردها في كتابه لنقض عقيدة التّثليث، مثل حديثه عن مماثلتها لما هو موجود في الأديان القديمة فيحتمل أن تكون مستوردة منها.
وقد قسمنا البحث بعد المقدمة إلى أربع مباحث رئيسة:
الأوّل: نقد مفهوم التّثليث ومصطلح الأقنوم.
الثّاني: نقد حجج النّصارى العقليّة على عقيدة التّثليث.
الثّالث: نقد حجج النّصارى من العهد القديم على عقيدة التّثليث.
الرّابع: نقد حجج النّصارى من العهد الجديد على عقيدة التّثليث.
ثم خاتمة نستعرض فيها منهج الدكتور يزيد حمزاوي وأهم مصادره ومسالك استدلالاته.
المبحث الأوّل: نقد مفهوم التّثليث ومصطلح الأقنوم
تعريف التّثليث ونقده:
يعرّف الدّكتور يزيد حمزاوي التّثليث قائلا: "... الإيمان بأنّ الله هو ثلاثة أقانيم: الأب، الابن، الرّوح القدس، وهؤلاء الثّلاثة – في نظر النّصارى – ليسوا ثلاثة بل هم واحد، فالأب إله تامّ، والابن إله تامّ، و الرّوح القدس إله تامّ، لكنّ هؤلاء الآلهة التّامين ليسوا ثلاثة آلهة بل هم إله واحد تامّ!!"
وتعجّب الدّكتور من هذا القول الّذي يجعل الثّلاثة واحدا والواحد ثلاثة صحيح، فهو قول مخالف لبداهة العقول الّتي تلتزم بمبدأي الهويّة وعدم التّناقض، فالقول بأنّ الآب إله كامل، والابن إله كامل، والرّوح القدس إله كامل، لكنّهم ليسوا ثلاثة آلهة بل إله واحد، فيه خرق لمبدأ الهويّة الّذي يفرّق بين الثّلاثة، وخرق لمبدأ عدم التّناقض في قولهم أنّ الثّلاثة واحد.
وقد عرّف التّثليث بنفس تعريفه كلّ النّصارى، يقول مثلا موريس تاوضروس: "فالله واحد من جهة جوهره الواحد غير المنقسم، وهو ثلاثة من جهة أقانيمه الّتي تتميّز عن بعضها ولكنّها تشترك جميعها من حيث أنّه ليس لها بداية وإنّها أزليّة، وهي غير منفصلة وغير منقسمة، ولها جوهر واحد وعمل واحد." (2).
معظم علماء النّصارى لا يفهمون التّثليث:
بعد تعريف الدّكتور يزيد حمزاوي للتّثليث، يسلّم بأنّ مفهومه غير واضح بالنّسبة له ولعلماء النّصارى، يقول: "لأنّي كسائر علماء اللاّهوت ورجال الدّين والفلاسفة والمفكّرين لم أصل لغاية السّاعة لشرح أو فهم لذلك الكلام."
وما قاله عن علماء اللّاهوت ورجال الدّين المسيحي صحيح، فهذا ج. آي. باركر يعترف بذلك قائلا: "تسعى الصّياغة التّاريخيّة للثّالوث إلى تحديد وحماية هذا السّر (وليس شرحه، فهذا يفوق قدراتنا)..." (3)، ففهم التّثليث وشرحه وإيصال حقيقة معناه إلى الآخرين مستحيل؛ لمناقضته للعقل السّليم، وهو السّبب الّذي يدفهم للقول بأنّه سرّ إلهيّ لا تدركه العقول.
نقد مفهوم الأقنوم:
يقول الدّكتور يزيد حمزاوي في نقده لمصطلح الأقنوم الّذي يطلقه النّصارى على الآب والابن والرّوح القدس بأنّه شخص مستقلّ بذاته بدون انفصال: "نسأل النّصارى هل لكم أن تضربوا لنا مثالاً واحدًا في هذا الكون "غير الثّالوث" يصدق عليه مصطلح الأقنوم،… لن تستطيعوا ذلك لأنّ المعنى 'المفبرك' الذي أضفتموه على مصطلح الأقنوم لا تقبله العقول؛ لذا لا يصدق على أيّ مثال واقعيّ مادّيّ أو معنويّ."
وقد اعترف ميخائيل مينا بأنّ بعض اللّاهوتيّين لا يحبّون استخدام الأقيسة العقليّة للتّدليل على التّثليث ومحاولة فهمه؛ لأنّ ليس له مثال يقال عليه في الواقع، يقول: "بعض اللّاهوتيّين رفضها (أي: الأقيسة المنطقيّة المتخّذة من الخليقة المحسوسة) على أساس أنّه ليس للتّثليث المقدّس نظير في المخلوقات..." (4)، وبهذا يصدق انتقاده لفهوم الأقنوم وجعله أمرا مبتدعا ليس له مثال في الواقع؛ وإنّما هو من إبداع العقل المسيحيّ كي لا يوصف إلههم بأنّه ثلاثة آلهة بدلا من التّوحيد المصرّح به في النّصوص.
المبحث الثّاني: نقد حجج النّصارى العقليّة على عقيدة التّثليث
نقد الاستدلال بضرورة الأقانيم بكون الصّفات تحتاج إلى مفعولات:
من حجج النّصارى للاستدلال على ضرورة تعدّد الأقانيم في الذّات الإلهيّة، القول أنّ صفات الله يجب أن تظهر معها مفعولاتها منذ الأزل، وإلّا كان الله معطّلا عنها، يقول منسي يوحنا مثلا: "... إذا كان الله ذا صفات، فينبغي أن تكون صفاته قائمة لا مُعطّلة، فإذا قُلنا بالوحدة المحضة، فما المعنى أنّ الله مُحبّ وحكيم وقويّ، ومن يُحبّ، ومع من يكون حكيماً، وإلى من يُظهر قوته؟ إنّ الصّفات الأدبيّة بأسمى معناها، لا تُوجد إلّا بين شخصين عاقلين، فلذا وجب أن يكون في الله أقانيم (لا آلهة)." (5)
ويناقش الدّكتور يزيد حمزاوي هذا الاستدلال قائلا: "فهل يمكن أن تشرحوا لنا كيف كان يمارس الله صفة وفعل الخلق مع نفسه أو ابنه أو ثالوثه، هل كان الله يخلق ذاته؟ فإذًا الله مخلوق! هل خلق الله الابن؟!، لكنّ الكتاب المقدّس يقول عن الابن مولود غير مخلوق!، ماذا كان الله يخلق قبل خلق العالم حتّى يقال عنه خالق، وإنّه يملك صفة الخلق العاملة المعطّلة!؟ أرأيتم أنّكم أيّها القساوسة تتورّطون في دفاعات متخبّطة عشوائيّة توقعكم في ورطات لا مخرج منها؟ وهذا مثال واحد عن صفة واحدة ضربته لكم فكيف بعشرات، بل بمئات الصّفات والأفعال التي تُنسب إلى الله؟"
فاستدلالهم هذا كما قال الدّكتور يؤدّي إلى جعل الله إمّا متعدّد الأقانيم لتعدّد صفاته الأزليّة الّتي تستلزم وجود مفعولات في نظرهم، وإمّا إلى تعطيل كلّ الصفات فلا يكون هناك أيّ أقنوم لله، وكلاهما باطل حسب عقيدتهم.
نقد الأمثلة الّتي يستشهد بها النّصارى لتقريب مفهوم التّثليث:
يقول الدّكتور يزيد حمزاوي رادّا على الأمثلة الّتي يستخذمها المسيحيّون لتقريب عقيدة التّثليث: "فقال بعضهم: إنّ الثّالوث كالشّمس متكوّنة من ثلاثة أجزاء: القرص، الحرارة، الشّعاع.
لكن هل القرص هو الشّعاع؟ وهل القرص هو الحرارة؟ و هل الشّعاع هو الحرارة؟ فالمثال لا ينطبق على الثّالوث لأنّ الأب هو الابن، والابن هو ذاته الرّوح القدس، والأب هو عينه روح القدس، وبعضهم يمثّل الثّالوث بالتفّاحة؛ لأنّها متكوّنة من شكل وطعم ورائحة، وهل الرّائحة هي التّفّاحة كاملة؟، وهل الشّكل هو التفّاحة كاملة؟، وهل الطّعم هو التفّاحة كاملة؟ ولا شكّ أنّ هذا المثال يلحق بسابقه."
فمثال الشّمس والتّفّاحة وغيرها مما يطرحونه كلّها عبارة عن شرح لجسم قائم بنفسه، له أعراض متصّلة لا تنفكّ عنه، أو هو شرح لأمر كلي له أجزاء غير منفصلة، يجعلون الأمر الكلي هو الله، والأجزاء المنفصلة عنه هي الأقانيم، وهذا مخالف لحقيقة الثّالوث الّذي يجعل الأقانيم الثّلاثة أمور كليّة متشابهة لا أجزاء وصفات من الإله كما هي في الأمثلة المطروحة.
ثم يستكمل الرّد على ما شابهها من الأمثلة الّتي طرحها القدّيس أغسطين فيقول: "ويضرب سانت أغسطين مثالاً معقّدًا، وهو 'أنّ الثّالوث يشبه الدّماغ، فالدّماغ يعلم بوجود ذاته، وأداة العلم هي الدّماغ نفسه، فالعلم هو الدّماغ، والمعلوم هي الدّماغ، وأداة العلم هي الدّماغ فهي إذن ثلاث صفات لشيء واحد، لكن لا يقال إنّ الدّماغ ثلاثة'.
وهذا المثال لا يستقيم؛ لأنّ الدّماغ المذكور واحد في الحقيقة وتثليثه اعتباريّ ليس حقيقيًّا، في حين أنّ النّصارى يؤمنون في الإله بالتّوحيد الحقيقيّ والتّثليث الحقيقيّ، والدّماغ كعالم ليس كائنًا متميّزًا ولا منفصلاً ولا مستقلاً عن الدّماغ كمعلوم، ولا عن الدّماغ كأداة علم؛ في حين أن أقانيم الثّالوث منفصلة عن بعضها، فالأب كائن متميّز ومستقلّ عن الابن، والابن كائن متميّز ومستقلّ عن الرّوح القدس، وروح القدس كائن متميّز ومستقلّ عن سابقيه."
ودعوى المسيحي الّذي نقل عنه الدّكتور يزيد حمزاوي أنّ "تلك الأمثال مخلوقة يمكن إدراكها بالعقل، أمّا الثّالوث فهو كائن غير مخلوق لذا لا يمكن إدراكه بالعقل، وأيّ تمثيل أو تشبيه هو تمثيل وتشبيه مع الفارق."
هو مماثل لقول ميخائيل مينا: "ومع كلّ هذه الأمثلة القياسيّة، لكن على أيّة حال لا يُشبّه الله بالمادّيات أبدا (إش 40: 18 ومز 89: 6) إلّا أنّ استخدامها لمحاولة تقريب هذا السّر العظيم للأفهام البشريّة." (6)
قلت: نعم، الله لا يمكن إدراكه بالعقل، لكن إلههم الثّالوث يستحيل إثباته بالعقل، وهناك فرق بين عدم الإمكان والاستحالة، فالأوّل جائز عقلا والثّاني مستحيل عقلا.
المبحث الثّالث: نقد حجج النّصارى من العهد القديم على عقيدة التّثليث
العهد القديم خال من ذكر التّثليث:
يقول الدّكتور يزيد حمزاوي: "فأسفار العهد القديم خالية من أيّ تثليث ولم تشر إلى أنّ الله مكوّن من ثلاثة أقانيم أو أجزاء، ولم يُعلم أو يُسمع أنّ الله أخبر نوحًا أو إبراهيم أو موسى أو داود أنّه إله واحد في ثلاثة آلهة... ألم يكن الله قد قرّرّ بعد إخبار البشر بها، أم أنّ البشر لم يكونوا في ذلك الوقت قادرين على استيعابها وإدراكها مثلما لم يستوعبها أحد حتّى الآن !؟"
وهذا القول هو مقرّر علماء النّصارى أنفسهم، فيعترفون بخلوّ العهد القديم من عقيدة التّثليث صراحة، يقول ميخائيل مينا: "لم يصرّح الرّب في العهد القديم بسرّ التّثليث مباشرة، حتّى لا يقع اليهود في عبادة تعدّد الآلهة، ولكنّه أشار إليه بطريقة رمزيّة..." (7)، فاليهود لم يكونوا مستعدّين عقليّا لفهم الثّالوث، ولو أنّ الله قد أنزل عليهم نصوصا بذلك لضلّوا وأشركوا به، ولآمنوا بعقيدة تعدّد الآلهة.
ويقول لودويغ أوت: "لمّا كان وحي العهد القديم ظلّا لوحي العهد الجديد (العبرانيّين 1: 1) وجب ألّا ننتظر في العهد القديم ذكرا صريحا، بل فقط إشارة وتلميحا إلى سرّ الثّالوث الأقدس." (8)
ويقول موريس تاوضروس: "إنّ حقيقة التّثليث العظمى، بل وحقيقة وحدانيّة الله، كشفت على الأخصّ في العهد الجديد... وبسبب هذه الميول الشّريرة للشّعب الإسرائيلي، وعدم نضجه بالدّرجة الّتي تمكّنه من تقبّل سرّ الثّالوث القدّوس، استحسن الله أن تظلّ عقيدة الثّالوث محجوبة حتّى تعد العناية الإلهيّة البشريّة لتقبّل الإعلان الإلهي الكامل عن الثّالوث القدّوس." (9)
العهد القديم مقررّ للوحدانيّة:
ينقل الدّكتور يزيد حمزاوي بعض النّصوص من العهد القديم الدّالة على التّوحيد قائلا: "مئات الآيات في العهد القديم الّتي تصف الله بالوحدانيّة وتقرّر تفرّده بالألوهيّة والرّبوبيّة.
"اسمع يا إسرائيل الربّ إلهنا ربّ واحد" (تثنية 6: 4).
"فاعلم اليوم وردّد في قلبك أنّ الربّ هو الإله في السّماء من فوق وعلى الأرض من أسفل ليس سواه" (تثنية 4: 39).
"انظروا الآن أنا أنا هو وليس إله معي" (تثنية 32: 39).
"أنا الربّ وليس آخر، لا إله سواي" (أشعياء 45: 5).
"أليس أنا الربّ ولا إله آخر غيري، إله بارّ ومخلص ليس سواي التفتوا إلي وأخلصوا يا جميع أقاصي الأرض لأنّي أنا الله وليس آخر" (أشعياء 45: 21 – 22)."
وهذا الأمر واضح معلوم، ومتّفق عليه بين اليهود والنّصارى، يقول لودويغ أوت: "أكثر قوانين الإيمان تُعلّم صريحا وحدانيّة الله... هو تعليم العهدين القديم والجديد يُعلن بأنّه لا يوجد إلّا إله واحد..."
وبما أنّ العهد القديم، بل والعهدين يعلّمان صراحة وحدانيّة الله، فكيف بالعهد القديم نجده يفصّل في أمور أقل أهميّة بكثير من عقيدة التّثليث، فلو كان التّثليث حقّا كما يدّعي النّصارى، فلماذا ليس هناك أيّ نصّ صريح بها في العهد القديم؟ لماذا يُفصّل العهد القديم في الفروع ويُهمل الأصول؟
يقول الدّكتور يزيد حمزاوي: "وإنّ الإنسان ليزداد حيرة وتعجّبًا إذا وقعت عيناه في أسفار العهد القديم المقدّسة على تفاصيل زنى داود بزوجة قائد جيشه، وتفاصيل زنى لوط بابنتيه، وتفاصيل جسد المرأة في نشيد الإنشاد لسليمان، وزنى يهوذا بكنته... وضاق العهد القديم فلم يفسح مجالاً لجملة واحدة عن الثّالوث يقول فيها الله مثلاً: 'أنا ثالوث مكوّن من ثلاثة أقانيم: أب وابن و روح قدس'، أليس هذا غريبًا حقًّا !؟"
ولدفع هذه الغرابة، يدّعي النّصارى أنّ العهد القديم فيه إشارات وإلماحات لعقيدة التّثليث.
احتجاج النّصارى ببعض نصوص العهد القديم على التثليث:
رأي الدّكتور يزيد حمزاوي في أدلّة النّصارى على التّثليث من العهد القديم سلبي؛ لذا أعرض عن ذكرها بالكلّية ويقول عنها: "أمّا ما يذهب إليه بعض رجال الدّين بأنّ العهد القديم لمّح إلى التّثليث في بعض الآيات فهو غير صحيح، وما يفعلونه هو لَيُّ أعناق الآيات لتطابق هواهم، لكن هيهات هيهات."
للتّدليل على ما ذكره، من كون النّصارى يحاولون ليّ النّصوص وتأويلها تأويلا بعيدا لجعلها قائلة بالتّثليث ولو بالإشارة، نذكر شيئا من أدلّتهم، وكيفيّة تأويلهم لها كي يتبيّن لنا صحّة قوله.
من أشهر النّصوص الّتي يستشهدون بها: (11)
(التّكوين 1: 1): "الله (إلوهيم) خلق السّماوات والأرض"، قائلين بأنّ الله تحدّث عن نفسه بصيغة الجمع، وهذا فيه إشارة للأقانيم الثّلاثة، ومثله (التّكوين 1: 26؛ 3: 22؛ 11: 7).
(إشعياء 6: 3) "قدّوس قدّوس قدّوس ربّ الجنود"، يعتبرون تكرار الكلمة ثلاثا دليل على الأقانيم الثّلاثة، ومثله (العدد 6: 23).
ويُجاب عن هذه النّصوص وما يشابهها بالقول بأنّ: "الاستدلال بهذه النّصوص على كون الله متعدّد الأقانيم غير صريح، بل هو من المرتبة الثّالثة من الاستدلال، أي تحتمل المعنى الّذي قالوه وتحتمل غيره، والّذي يرجّح القول أنّ الله واحد غير متعدّد الأقانيم هو كون هذه الفكرة والعقيدة لم يذكرها أيّ من أنبياء بني إسرائيل أو كتّابهم في جميع فترة العهد القديم، فلا أحد منهم فهم من صيغة الجمع هذه أنّ الله واحد في طبيعته متعدّد في أشخاصه، فلا يجوز حمل معنى مستحدث ظهر بعد عصور كثيرة واعتباره هو مقصود صاحب السّفر وهو المعنى الّذي خاطب به النّاس في زمنه.
والقول بوحدانيّة الله في الطّبيعة والأقنوميّة هو عقيدة عامّة أسفار العهد القديم، بل هي أساسها ومرتكزها كما أوضحنا من قبل، فمن أجل هذين الدّليلين يلزم علينا حمل ما تشابه من النّصوص الدّالة على التّعدديّة في الله على النّصوص الصّريحة غير القابلة للاحتمال الدّالة على أنّه واحد، وهذا ما قال به وفعله حاخامات اليهود في تقرير التّوحيد والرّد على تثليث المسيحيّين. ولا دليل يدفعنا إلى ترجيح القول بتعدديّة الأقانيم في الله من خلال هذه النّصوص المتشابهة إلّا الأقوال الّتي ظهرت في القرون الميلاديّة الأولى.
وهذا الوجه في الإجابة ينطبق على جميع استدلالات المسيحيّين بنصوص العهد القديم على التّثليث." (12)
وقد اعترف لودويغ أوت بإخفاق كلّ تلك التّأويلات قائلا: "إنّ المحاولات لاستخلاص الاعتراف بالثّالوث المسيحي من علم اللّاهوت اليهودي المتأخر، أو من التّعليم اليهودي الهلّيني للفيلسوف فيلون عن الكلمة، إنّ هذه المحاولات قد باءت بالإخفاق."
ويضيف الدّكتور يزيد حمزاوي على هذا بالتّدليل بأنّ اليهود كانوا موحدّين لدرجة أنّهم رفضوا تشبيه المسيح نفسه بالله فيقول: "وأكبر دليل على غياب التّثليث في العهد القديم هو موقف اليهود – أصحاب العهد القديم- من المسيح إذ اعتبروا أقوال المسيح الغامضة حول البنوّة والألوهيّة تجديفًا وكفرا ولذلك عارضوه أشدّ المعارضة فصلبوه في زعم الإنجيل."
ومن أشهر أقوالهم ما ورد في (يوحنا 10: 30-33): "«أَنَا وَالآبُ وَاحِدٌ». فَتَنَاوَلَ الْيَهُودُ أَيْضًا حِجَارَةً لِيَرْجُمُوهُ. أَجَابَهُمْ يَسُوعُ: «أَعْمَالًا كَثِيرَةً حَسَنَةً أَرَيْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ أَبِي. بِسَبَبِ أَيِّ عَمَل مِنْهَا تَرْجُمُونَنِي؟» أَجَابَهُ الْيَهُودُ قَائِلِينَ: «لَسْنَا نَرْجُمُكَ لأَجْلِ عَمَل حَسَنٍ، بَلْ لأَجْلِ تَجْدِيفٍ، فَإِنَّكَ وَأَنْتَ إِنْسَانٌ تَجْعَلُ نَفْسَكَ إِلهًا»،" فلم يقبل اليهود المعاصرون للمسيح مساواته لنفسه بالله في حتّى في الهدف، واتّهموه بالتّجديف، فكيف بهم أن يقبلوا بالله المكوّن من ثلاثة أقانيم؟ وهذا فيه دليل على جهلهم بتلك النّصوص الّتي يدّعي النّصارى أنّها تشير إلى التّثليث في العهد القديم.
المبحث الرّابع: نقد حجج النّصارى من العهد الجديد على عقيدة التّثليث
احتجاج النّصارى بنصوص من العهد الجديد على عقيدة التّثليث:
- مناقشة نصّ (1 يوحنا 5: 7)
يقول الدّكتور يزيد حمزاوي عن استشهاد النّصارى بنصوص العهد الجديد: "أمّا في العهد الجديد فالآيات التي ذكرت عن الثّالوث قليلة جدًّا جدًّا خاصّة في الأناجيل الأربعة، ولعلّ أكثر الآيات المصرّحة بالتّثليث، والتي يعتمدها القساوسة كأساس لذلك الاعتقاد هو ما جاء في رسالة يوحنّا الأولى: "فإنّ الذين يشهدون في السّماء هم ثلاثة الأب والكلمة والرّوح القدس، وهؤلاء الثّلاثة هم واحد، والذين يشهدون في الأرض هم ثلاثة الرّوح والماء والدم والثّلاثة هم في الواحد" (يوحنّا الأولى 5: 7 – 8).
إنّ هذه الآية لغز غامض! هل تعلم أيّها القارئ النّصرانيّ أنّ هذه الآية مزيّفة 'مفبركة' ملحقة بالنصّ الإنجيليّ، الأصلي وليست منه، فقد حكم كبار علماء النّصارى على هذه الآية بأنّها إلحاقيّة منهم هورن وجامعو تفسير هنري وسكات وآدم كلارك في تفسيره وغيرهم، والأسباب هي:
- أنّها لا توجد في نسخة من النّسخ اليونانيّة التي كُتبت قبل القرن السّادس عشر للميلاد.
- أنّها لا توجد في أيّ ترجمة من التّراجم القديمة غير اللاّتينيّة.
- أنّها لا توجد في معظم النّسخ القديمة اللاّتينيّة.
- لم يتمسّك بها أحد من القدماء ومؤرّخي الكنيسة.
- إنّ البروتستانت أسقطوا الآية من كتبهم ووضعوا عليها علامة الشكّ.
- إنّ الكاثوليك والأرثودكس بدأوا ينزعونها من الإنجيل شيئًا فشيئًا."
وقد اعترف النّصارى بتحريف هذا النّص من أجل نفس الاستدلالات الّتي استشهد بها الدّكتور، يقول لودويغ أوت بعد أن عرض تلك الأدلّة مضيفا عليها: "وفي عام 1897 م أعلن مجمع التّفتيش أنّه لا مجال لإنكار صحّة هذا النّص، بل ولا الشّك فيها، ولكن لمّا أخذ انتحاله يبدو بوضوح متزايد، أعلن المجمع المقدّس في عام 1927 م أنّه بالإمكان بعد فحص دقيق للأسباب إنكار صحّته" (13)، وهو ما قد وقع بالضّبط، فقد تمّ إنكار هذا النّص واعتباره محرّفا منذ تلك الفترة، فتجد معظم تراجم الكتاب المقدّس تضعه بين قوسين أو تحذفه بالكليّة.
- نصوص أخرى يستشهد بها النّصارى على التّثليث من العهد الجديد لكنّها غير صريحة:
بعد مناقشة الدّكتور يزيد حمزاوي لنصّ (1 يوحنا 5: 7) الصّريح في عقيدة التّثليث وإثباته أنّه محرّف، عرّج على بقيّة حججهم من العهد الجديد بقوله: "وكما نرى فإنّ آيات التّوحيد كثيرة وصريحة الدّلالة وجليّة المعنى، بينما شبهات التّثليث تكاد تكون معدومة، والموجود منها إمّا غير صريح أو أنّه 'مفبرك' لا أصل له."
فحكم على بقيّة أدلّتهم بأنّها إمّا غير صريحة، أو محرّفة، ولنذكر شيئا من أدلّتهم الّتي يراها غير صريحة، يقول لودويغ أوت: "أوضح ما ورد عن سرّ الثّالوث الأقدس هو في توصية يسوع بالعماد:
(متى 28: 19): اذهبوا الآن وتلمذوا كلّ الأمم معمّدين إيّاهم بالآب والابن والرّوح القدس...
هذا وصيغة المفرد كلمة (باسم) تدلّ على وحدة الجوهر في كلّ من الأشخاص الثّلاثة." (14)
يقال في مناقشة هذا النّص بأنّه: "لا يمكن فهم ذلك منه لأنّه غير صريح، فهو لا يجعل الثّلاثة إلها واحدا، ولم يجعل الابن إلها أو الرّوح القدس إلها مساويا للآب في أيّ من نصوص إنجيله، ولا ذكرت عقيدة الثّالوث صراحة في كلّ أسفار العهد الجديد، فلا يمكن أن نستنتج من النّص أنّه يقصد به الثّالوث القدّوس الّذي آمن به المسيحيّون من بعد، ولكن هو نصّ ساهم في تطويرها؛ لذا يعتبره بعض العلماء خطوة حاسمة نحو ظهور هذا الاعتقاد.
ولم يرد التّعميد بصيغة التّثليث في كلّ أسفار العهد الجديد إلّا في هذا النّص، وهناك قراءة أخرى للنّص ذكرها يوسابيوس قد تكون هي الأصل، ليس فيها ذكر للتّعميد بصيغة التّثليث، وإنّما أمرهم يسوع بالتّعميد باسمه فقط، ويرجّح بعض العلماء هذه القراءة القصيرة الّتي فيها التّعميد باسم يسوع فقط؛ لأن إيقاعها متناغم مع النّص، أمّا القراءة الطّويلة فتبدوا كأنّها مقحمة في النّص...
ولا يهمّنا أيّ القراءتين هي الأصحّ، المهم أنّ كليهما لا يدلّ على عقيدة التّثليث كما يؤمن بها المسيحيّون منذ القرن الخامس الميلادي.
وكونه عبّر عن الثّلاثة (الآب والابن والروح القدس) بكلمة "اسم" المفردة ولم يقل: "عمدوهم بأسماء"، لا يعني أنّ هؤلاء الثّلاثة واحد في الجوهر، أي متساوون في الطّبيعة الإلهيّة، وإنّما لها معنى طقسي فقط؛ إذ لا دليل يدفعنا لحمل النّص أكثر ممّا يتحمله..." (15)
فالنّص حقّا كما وصفه الدّكتور يزيد حمزاوي، هو إمّا محرّف، أو غير صريح في دلالته.
نصوص العهد الجديد طافحة بعقيدة التّوحيد الخالصة:
بعد أن أثبت الدّكتور يزيد حمزاوي أنّ العهد الجديد ليس فيه نصّا صريحا على التّثليث، عرض عددا من النّصوص الصّريحة الدّالة على التّوحيد فيقول: "وإذا طالعنا أسفار العهد الجديد نجد عوض التّثليث عدّة آيات صريحة واضحة تقرّر وحدانيّة الله في ذاته وصفاته وأفعاله منها:
"لا تدعوا لكم أبًا على الأرض لأنّ أباكم واحد الّذي في السّماوات" (متّى 23: 9).
"اذهب يا شيطان لأنّه مكتوب للربّ إلهك تسجد وإيّاه وحده تعبد" (متّى 4: 10)، وفي آية تُصرح بدخول المسيح تحت مسمى الرسالة والعبودية قول الكتاب المقدس.
"وهذه هي الحياة الأبديّة أن يعرفوك أنت الإله الحقيقيّ وحدك ويسوع المسيح الّذي أرسلته" (يوحنّا 17: 3)، ومعنى هذه الآية لا إله إلاّ الله والمسيح رسول الله، وورد كذلك:
"نعلم أنّه ليس وثن في العالم وأن ليس إله آخر إلاّ واحد" (كورنثوس الأولى 8: 4).
"لكنّ الله واحد" (غلاطية 3: 20).
"أنت تؤمن أنّ الله واحد حسنًا تفعل" (رسالة يعقوب 2: 19)."
والمسيحيّون معترفون بهذه الأدلّة، ويعتبرونها دليلا على أنّهم لا يقولون بتعدّد الآلهة، بل بإله واحد، وقد اعتبر الدّكتور عدم أخذهم بها على ظاهرها أعظم جناية على أنفسهم فيقول: "لقد جنت الكنيسة على نفسها أعظم جناية عندما آمنت بالثّالوث، فعندما تؤمن الكنيسة بذلك الاعتقاد فإنّها تكفر بكلّ آيات الكتاب المقدّس بعهديه التي ترفض الثّالوث."
ويعتبر هذا الفعل منهم هو الّذي جعلهم مختلفين وضالّين بعيدين عن العقل والنّقل، يقول: "ولمّا لم يسع رجال الدّين العمل بنصوص كتابهم الصّريحة الثّابتة في دخول المسيح في العبوديّة، ووحدانيّة الله بلا أقانيم ولا شريك، عاقبهم الله بالعيِّ والحيرة والتّخبّط، ووصفهم القرآن بالضّالّين؛ لأنّهم يعبدون الله على جهل وفق عقيدة مستحيلة التّصديق، عديمة المعنى، تجعل المؤمن أهوج، فاقد العقل، بليدًا، عديم الوعي، وهذا جزاء من كفر بالعقل السّليم والنّقل الصّحيح وآمن بعقل الشّيطان وردّ وحي الله وقبل بوحي بولس وإبليس."
الخاتمة
بعد عرضنا لمناقشة الدّكتور يزيد حمزاوي لحجج النّصارى على عقيدة التّثليث وتدعيمنا لأقواله من كتبهم، يُمكن أن نستخلص منهجه ومصادره ونبزر شيئا من علومه وثقافته وسعة اطّلاعه فنقول:
أوّلا: استخدامه للأدلّة المنطقيّة الضروريّة الكاشفة لتناقض عقيدة التّثليث ومضامينه، وللرّد على حجج النّصارى القياسيّة التّمثيليّة عليها.
ثانيا: الاحتجاج بما هو حجة عند القوم، وذلك بالرّجوع إلى مصادرهم الأصليّة وكتب علمائهم بمختلف مذاهبهم والاحتجاج بها على المسيحيّين، وعدم الاعتماد على ما لا يعتبرونه حجّة كالأسفار المنحولة، وأقوال الهراطقة وغير ذلك، وفي بعض المواطن نجده يعرض وثائق مصوّرة من الكتب المسيحيّة كي يزداد القارئ المسيحي ثقة بما ينقله من كتبهم، ولا يكتفي بتوثيقها فقط.
ثالثا: يظهر من ردود الدكتور أنّه متقن للغات متعدّدة، منها: اللّغة العربيّة، واللّغة الفرنسيّة، واللّغة الانجليزيّة، وهذا واضح من رجوعه لتراجم الكتاب المقدّس بتلك اللّغات والاستشهاد بها، وهذا ما مكّن له من المقارنة بينها واكتشاف الاختلافات والتّحريفات الّتي فيها، فنجده يرجع إلى ترجمة الفاندياك، والتّرجمة العربيّة المشتركة، وترجمة "Traduction oecumenique de la bible" الفرنسيّة وغيرها.
رابعا: التّركيز على مناقشة أقوى الحجج النّصرانيّة والإعراض عمّا هو ضعيف أو محتمل، ويظهر هذا في إعراضه عن ذكر أدلّتهم على التّثليث من العهد القديم لكونها غير صريحة، وفعل مثل ذلك مع أدلّة العهد الجديد ما عدى نصّ (1 يوحنا 5: 7) الصّريح.
خامسا: اطّلاعه على أقوال النّقّاد في دراساتهم للنّقد النّصي للعهد الجديد، ورجوعه إلى مخطوطات الكتاب المقدّس للكشف عن التّحريف، ودليل ذلك مناقشته التّفصيليّة لنصّ (1 يوحنا 5: 7) ونقله لآخر ما توصّل له علماء النّقد النّصي.
سادسا: معرفته بأقوال آباء الكنيسة وحججهم، فضلا عن أقوال المسيحيّين المتأخّرين، كما هو ظاهر حين نقله لاستدلال القدّيس أغسطين على ضرورة كون الإله ذي أقانيم.
سابعا: معرفته بأقوال المسلمين المتقدّمين واستعانته بها في الرّد على المسيحيّة، ومثاله: استشهاده بقصيده البوصري في الرّد على التّثليث وألوهيّة المسيح وإثبات معارضتهما للعقل الصّريح، يقول ناقلا عنه: "قال البوصيريّ في فضح التّثليث... أإله مركّب!، وما سمعنا ... بإله، لذاته أجزاء، أتراهم لحاجة واضطرار ... خلطوها وما بغى الخلطاء."
ثامنا: استقراؤه لأهمّ حجج النّصارى العقليّة والنّصّية، من علمائهم المتقدّمين والمتأخرّين، ومناقشتها كلّها، ممّا يدلّ على إحاطته الكاملة بالموضوع.
تاسعا: حرصه على إيصال ما يُبطل النّصرانيّة إلى عوامّهم وعدم الاقتصار على مخاطبة المتخصّصين والعلماء، يقول -رحمه الله-: "الهدف من كتابي ليس أن يُصنّف ضمن الدّراسات العلميّة المتقدّمة، فيكون في متناول الباحثين المتخصّصين فقط، وإنّما الغاية منه أن يكون رسالة إعلاميّة سريعة يصل إليها النّصرانيّ العاديّ، ورجل الشّارع، دون أن يثقل كاهله كتابي إضافة إلى مشاغله اليوميّة".
عاشرا: التزامه بالأخلاق الإسلاميّة والآداب الشرعيّة خلال مناقشته للنّصارى، عملا بقوله تعالى: ((ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)) (النّحل: 125)، فتراه يختار الكلمات السّهلة، الحسنة، ويبتعد عن التّجريح والاستهزاء وإساءة الأدب.
فرحم الله الدّكتور يزيد حمزاوي وأكثر من أمثاله وأسكنه فسيح جنّاته ونفع بعلومه الإسلام والمسلمين.
الهوامش
1/ لودويغ أوت، مختصر في علم اللاهوت العقائدي، ترجمة: جرجس المارديني (بيروت: منشورات المطبعة الكاثوليكيّة، 1965)، 1/109.
2/ موريس تاوضروس، علم اللاهوت العقيدي (مصر: مكتبة أسقفيّة الشّباب، 1991)، 2/58.
3/ ج. آي. باركر، موجز علم اللّاهوت: دليل إلى المعتقدات المسيحيّة، ترجمة: أمير سامي (القاهرة: دار النّشر الأسقفيّة، 2018)، 59.
4/ ميخائيل مينا، موسوعة علم اللّاهوت، تعليق: ميخائيل مكسى إسكندر (القاهرة: مكتبة المحبّة، 2002)، 68.
5/ منسي يوحنا، شمس البر (القاهرة: مكتبة المحبة، 1960)، 113.
6/ ميخائيل مينا، موسوعة علم اللّاهوت، 68-69.
7/ ميخائيل مينا، موسوعة علم اللّاهوت، تعليق: ميخائيل مكسى إسكندر (القاهرة: مكتبة المحبّة، 2002)، 65.
8/ لودويغ أوت، مختصر في علم اللاهوت العقائدي، 1/78.
9/ موريس تاوضروس، علم اللاهوت العقيدي (مصر: مكتبة أسقفيّة الشّباب، 1991)، 2/64.
10/ لودويغ أوت، مختصر في علم اللاهوت العقائدي، 1/46.
11/ ينظر: ميخائيل مينا، موسوعة علم اللّاهوت، 65-66؛ لودويغ أوت، مختصر في علم اللاهوت العقائدي، 1/78-80.
12/ محمد لمين إبراقن، التطور العقدي للألوهية في الأديان: الهندوسية والمسيحية أنموذجا، رسالة دكتوراه (قسنطينة: جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية، 2022)، 303.
13/ لودويغ أوت، مختصر في علم اللاهوت العقائدي، 1/82-83.
14/ لودويغ أوت، مختصر في علم اللاهوت العقائدي، 1/81.
15/ محمد لمين إبراقن، التطور العقدي للألوهية في الأديان: الهندوسية والمسيحية أنموذجا، رسالة دكتوراه (قسنطينة: جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية، 2022)، 384-385.
المصادر والمراجع
المصادر
الكتاب المقدس، ترجمة الفانديك.
يزيد حمزاوي، النّصرانيّة وإلغاء العقل. من موقع الأستاذ الدّكتور محمّد حاج عيسى: https://islahway.com/
المراجع
ج. آي. باركر، موجز علم اللّاهوت: دليل إلى المعتقدات المسيحيّة، ترجمة: أمير سامي (القاهرة: دار النّشر الأسقفيّة، 2018).
لودويغ أوت، مختصر في علم اللاهوت العقائدي، ترجمة: جرجس المارديني (بيروت: منشورات المطبعة الكاثوليكيّة، 1965).
محمّد لمين إبرّاقن، التّطور العقدي للألوهيّة في الأديان: الهندوسيّة والمسيحيّة أنموذجا، رسالة دكتوراه (قسنطينة: جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلاميّة، 2022).
منسي يوحنّا، شمس البرّ (القاهرة: مكتبة المحبة، 1960).
موريس تاوضروس، علم اللّاهوت العقيدي (مصر: مكتبة أسقفيّة الشّباب، 1991).
ميخائيل مينا، موسوعة علم اللّاهوت، تعليق: ميخائيل مكسى إسكندر (القاهرة: مكتبة المحبّة، 2002).
للاتصال المباشر يستعمل رقم الهاتف : 0550660118 ...
عقوبة من يدعو إلى دين غير الإسلام في الجزائر ...
صدر كتابان جديدان في يناير سنة 2020 للدكتور محمد حاج عيسى عن دار الإمام مالك البليدة الجزائر 1-عبادة الشكر..يقع في 70 صفحة من الحجم الصغير 2-الوصول إلى الضروري من علم… ...
قائمة الكتب المطبوعة...1-عقيدة العلامة ابن باديس السلفية وبيان موقفه من العقيدة الأشعرية، ومعه أضواء على حياة عبد القادر الراشدي القسنطيني ط1-2003 2-أصول الدعوة السلفية عند العلامة ابن باديس، ط1-2006 3-عوائق… ...
صدر في جويلية 2022 كتاب منهجية البحث في العلوم الإسلامية يقع في 64 صفحة وقد ضمنته برنامج السنة الأولى الجذع المشترك ...
تم بحمد الله التفرغ لتبييض جميع حلقات تربية الأولاد في الإسلام وتم نشرها كلها خلال الشهر الفارط وسنتفرغ بإذن الله لتبييض حلقات شرح منهج السالكين ونشرها تباعا ...
تطلب مؤلفات أد محمد حاج عيسى من موزرع دار الإمام مالك رقم 0552959576 أو 0561461020 ...
صدر في سنة 2021 كتاب منهج البحث في علم أصول الفقه يقع في مجلدين وهي أطروحة للدكتوراه عن دار البصائر العراقية في استنبول . ...
أنشأنا في الموقع فرعا جديدا تحت ركن الدروس والمحاضرات وسميناه : دروس العقيدة الاسلامية للمبتدئين وهو برنامج ميسر للتدريس في المساجد والمدارس القرآنية ...