الخميس 8 صفر 1445

موقف محمد يحيى الولاتي (ت:1330) من بدع مدعي التصوف المتأخرين

كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

موقف محمد يحيى الولاتي (ت:1330) من بدع مدعي التصوف المتأخرين
سئل الشيخ محمد يحيى الولاتي في طريق رحلته إلى الحج عن جملة من الطقوس التي اشتهر بها مدعو التصوف في الأزمة المتأخرة، ومنها الغناء والرقص والتواجد وادعاء الكشف والاحتجاج به وكذا إلباس الخرقة ، ننقل لكم من موقفه منها من خلال كلامه وتعليقاته على النقول التي كان يعزز بها فتاويه ، على أن بعض تعليقاته لا تخلو من مبالغة أحيانا ولا سيما من جهة الأخذ بلوازم الأقوال ، ولكنها في كل الأحوال تفيد في بيان موقف الولاتي من التصوف البدعي الذي فشا في الأمة في عصور الانحطاط
أولا : حكم التعبد بالغناء والإنشاد
قال رحمه الله (ص 352-353) :" الغناء حرام عند مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد ولو بغير آلة ، والأصل في تحريمه من الكتاب قوله تعالى {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} [لقمان: 6] وقوله تعالى {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ } [الإسراء: 64] قال ابن حجر الهيثمي في كتاب الزواجر بعد ايراده للآيتين ما نصه : "فسر ابن عباس رضي الله عنهما والحسن رضي الله عنه الآية الأولى بالملاهي أي ومنها الغناء، وفسر مجاهد الآية بالغناء والمزامير "انتهى".
وهذا الإطلاق قد قيده بعد ذلك فقال (ص 365) :"فبان لك أيها الناظر أن الغناء قسمان ، مباح بلا خلاف وهو ما كان لمحاولة عمل أو حمل ثقيل أو سفر أو في عيد أو عرس أو في خلوة لدفع الوحشة ، ومختلف فيه والراجح تحريمه وهو ما كان منه بتلحين وتمطيط واجتماع عليه وتحليق، واعتقاد أنه قربة كما يفعله متصوفة هذا الزمان فهذا يحرم هو ويحرم الاستماع إليه".
وقال تعليقا على جملة من الأحاديث المعروفة في الباب(ص359-360) : "وقال :"ففي هذه الأحاديث دلالة واضحة على تحريم الغناء الملحن الذي أحدثه المتصوفة بالاجتماع له وتحريم الاستماع له ولو بغير آلة ، ومما يزيده تحريما اعتقادهم أنه قربه ، وفيها أيضا دلالة واضحة على تحريم الزمارة والطبل والكوبة ونحو ذلك، وتحريم الاستماع لذلك ".
ثانيا حكم الرقص والتواجد
قال رحمه الله :"وأما السؤال عما ابتدعه المتصوفة من الرقص والتصفيق والغشي عند غنائهم وسماعهم فجوابه والله أعلم أنه من البدع المحرمة التي لا يشك في تحريمها ذو دين ، ففي القواعد الكبرى لابن عبد السلام ما نصه أما الرقص والتصفيق فخفة ورعونة مشابهة لرعونة الإناث لا يفعلها إلا أرعن متصنع جاهل ، ويدل على جهالة فعلها أن الشريعة لم ترد بها في كتاب ولا سنة ولا فعل ذلك أحد من الأنبياء ولا معتبر من أتباع الأنبياء، وإنما يفعله الجهلة السفهاء الذين التبست عليهم الحقائق بالأهواء". ص 371.
ثالثا : رأيه في استباحة الرقص واعتقاد عصمة الشيوخ
وقال تعليقا على بعض النصوص المذهبية الشديدة لفقهاء متأخرين (ص 383-384 ):"وإذا كان مستحله -أي الرقص- مختلفا فيه بين الكفر والفسق، فكيف بمن يعتقده قربة وعبادة فهو أولى بأن يكون كافرا؛ لأنه شارك الله تعالى في أحكامه حيث أثبت في الدين فعلا تعبديا بلا دليل من كتاب ولا سنة ولا قياس ولا إجماع؛ بل بمجرد اتباع هواه ، وتقليد شيطانه الذي أضله وأغواه ، وإذا أنكر عليهم أحد من أهل العلم رقصهم وغناءهم بالأدلة الشرعية لم يأتوا بحجة شرعية، وإنما يقولون له شيخنا يفعل هذا الرقص أو نفعله بحضرته ولا ينكر علينا، وهو أعلم منك، فيقابلون الأدلة الشرعية ويردونها بفعل شيخهم له وتقريره لهم عليه، فيقرون على أنفسهم بأنهم ليسوا محكمين للشرع العزيز، وأنه لا عبرة به عندهم إذا خالف فعل شيخهم أو تقريره، وإنما الحكم المعتبر عندهم فعل شيخهم وقوله وتقريره، وهذا كفر أو قريب من الكفر، لأنهم إن اعتقدوا في شيخهم العصمة وأن أفعاله حجة شرعية تقابل بها الآيات والأحاديث كأفعال النبي صلى الله عليه وسلم فهم كفار لا كلام بيننا وبينهم لأنهم ليسوا من أهل الإسلام ، وإن لم يعتقدوا في شيخهم العصمة واعترفوا بأنه يجوز في حقه الخطأ ، قلنا لهم إما أن تظهروا لنا دليلا شرعيا من كتاب أو سنة يدل على إباحة الرقص والغناء، تنفون به الخطأ عن شيخكم وتعارضون به هذه الأدلة الشرعية الدالة على تحريمها ، وإما أن تعترفوا بخطئه وترجعون إلى الحق وتتركون إدخال الرقص والتغني في العبادة ".
رابعا : موقفه من الاحتجاج بالكشف على الأحكام ومعارضة الشرع به
قال الولاتي رحمه الله (ص 262) :"وأما السؤال عن طريق الكشف والإلهام هل هي معتبرة شرعا عند أهل السنة أو لا ؟ فجوابه والله أعلم أنها لا عبرة بها شرعا ولا يثبت بها حكم ولا تقيد حكما شرعيا ولا تخصصه ولا تبينه ".
وقال معلقا على كلام نقله عن ابن حجر في فتح الباري (ص 267-286):"ففي كلام ابن حجر هذا تصريح بالاتفاق على أن القول بأن الالهام حجة يجوز العمل بها ولو خالف نصا أو إجماعا كفر أعاذنا الله منه ، فتحصل من هذا أن طريق الكشف والإلهام لا عبرة بها لا عند الفقهاء ولا عند المحققين من الصوفية، لأنها إن جاءت بما يوافق الشرع فذلك تحصيل حاصل ، وإن جاءت بما يخالفه نبذت وعدت زندقة وفسوقا وكفرا ".
خامسا : حكم إلباس الخرقة والأثواب البالية للمريدين
قال الولاتي رحمه الله (ص 346):"قال وأما السؤال عن إلباسهم لمريديهم الخرق والأسمال في ابتداء أمرهم، ما داموا لم يصلوا في زعمهم إلى مقام التمشيخ، وزعمهم الفاسد أنهم في ذلك مقتدون بعلي بن أبي طالب -كرم الله تعالى وجهه –
فجوابه والله أعلم أن لباس الخرق والأسمال وإظهار التقشف ليس من الرياضة الشرعية ولا من السنة المحمدية ولا من زي أهل الله تعالى، ولا أصل لهم فيه عن علي رضي الله تعالى عنه ولا عن أحد من الصحابة، ولا مستند لهم فيه لا صحيح ولا ضعيف، وإنما هو من سنة الروافض الدائنين بالحلول وإلهية الأئمة –أعاذنا الله من حالهم- ففي مقدمة ابن خلدون ما نصه : "ثم إن هؤلاء المتأخرين من المتصوفة المتكلمين في الكشف وفيما وراء الحس كان سلفهم مخالطين للاسماعلية المتاخرين من الرافضة الدائنين بالحلول والهية الأئمة فأشرب كل واحد من الفريقين مذهب الآخر واختلط كلامهم وتشابهت عقائدهم" إلى أن قال : "حتى إنهم لما أسندوا إلباس خرقة التصوف ليجعلوه أصلا لطريقهم وتخليهم رفعوه إلى علي رضي الله تعالى عنه وهو من هذا المعنى أيضا، أي أنه من سنة الروافض والشيعة ، وإلا فعلي رضي الله عنه لم يختص من بين الصحابة رضي الله عنهم بتخلية ولا طريقة في لباس ولا حال ، بل كان أبو بكر وعمر رضي الل عنهما أزهد الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكثرهم عبادة ، ولم يختص أحد منهم في الدين بشيء يؤثر عنه في الخصوص ، بل كان الصحابة رضوان الله عليهم كلهم أسوة في الدين والزهد والمجاهدة" انتهى".

تم قراءة المقال 162 مرة