الأحد 19 صفر 1443

بطلان نظرية العقد الاجتماعي والديمقراطية الموهومة والسيادة المزعومة

كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

بطلان نظرية العقد الاجتماعي والديمقراطية الموهومة والسيادة المزعومة
يقول ربنا جل جلاله: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ) (البقرة: 213).
    إنه بعد أن أنزل الله تعالى آدم عليه السلام وتكاثرت ذريته كونت مجتمعا واحدا، والأمة مأخوذة من الائتمام هم القوم المجتمعون على الشيء الواحد يقتدي بعضهم ببعض -كما قال القفال-. وتكوين هذا المجتمع أوجبته الفطرة وحمته الضرورة لاستحالة ان يستقل الفرد بأسباب معاشه، قال محمد رشيد رضا في تفسيره (2/ 225):"خلق الله الإنسان أمة واحدة; أي: مرتبطا بعضه ببعض في المعاش لا يسهل على أفراده أن يعيشوا في هذه الحياة الدنيا إلى الأجل الذي قدره الله لهم إلا مجتمعين يعاون بعضهم بعضا، ولا يمكن أن يستغني بعضهم عن بعض، فكل واحد منهم يعيش ويحيا بشيء من عمله، لكن قواه النفسية والبدنية قاصرة عن توفيته جميع ما يحتاج إليه، فلا بد من انضمام قوى الآخرين إلى قوته فيستعين بهم في بعض شأنه، كما يستعينون به في بعض شأنهم، وهذا الذي يعبرون عنه بقولهم: (الإنسان مدني بالطبع) يريدون بذلك أنه لم يوهب من القوى ما يكفي للوصول إلى جميع حاجاته، بل قدر له أن تكون منزلة أفراده من الجماعة منزلة العضو من البدن، لا يقوم البدن إلا بعمل الأعضاء، كما لا تؤدي الأعضاء وظائفها إلا بسلامة البدن".
   وهذا المجتمع المتكون بدافع الجبلة والضرورة معا كان محكوما بقوانين تضبطه ولابد، تبين حقوق الأفراد وواجباتهم ، وتمنع التظالم بينهم، وهذه القوانين كانت ربانية جاءت وحيا من الله تعالى من لدن آدم عليه السلام الذي كان أول الأنبياء والآية تدل على أنهم كانوا أمة واحدة أي مجتمعا متحدا محكوما بالكتاب المنزل على الأنبياء، وهذا الكتاب هو الذي كان يفصل بين الناس فيما اختلفوا فيه، وكما الاجتماع فطري فإن الاختلاف فطري، والخالق العليم الخبير لم يترك عباده سدى وهملا، بل هيأ لهم أسباب انتظام حياتهم خلقا وتدبيرا حتى يحققوا الهدف الأسمى لإيجادهم الذي هو تحقيق عبوديته في الأرض .
قال محمد رشيد رضا أن أفراد الأمة الواحدة :"لا بد لهم أن يعيشوا تحت نظام واحد يكفل لهم ما يحتاجون إليه مدة بقائهم في هذه الحياة الدنيا، ويضمن لهم ما به يسعدون في الحياة الأخرى، ولا يمكنهم في هذه الوحدة ومع تلك الوصلة اللازمة بمقتضى الضرورة أن يتفقوا على تحديد ذلك النظام؛ مع اختلاف الفطر وتفاوت العقول وحرمانهم من الإلهام الهادي لكل منهم إلى ما يجب عليه لصاحبه، لما كانوا كذلك كان من لطف الله ورحمته بهم أن يرسل إليهم الرسل مبشرين ومنذرين، يبشرونهم بالخير والسعادة في الدنيا والآخرة؛ إذا لزم كل واحد منهم ما حدد له واكتفى بما له من الحق، ولم يعتد على حق غيره، وينذرونهم بخيبة الأمل وحبوط العمل وعذاب الآخرة إذا اتبعوا شهواتهم الحاضرة ولم ينظروا في العاقبة".
فالاجتماع سابق على التفرق والاختلاف، والهدى والإيمان سابق على الضلال والكفر، وما وجد تفرق وظلال إلا بأسباب خارجة عن الشرعة الإلهية مرجعها إلى البغي، وهو التعدي بسبب التحاسد "وغالب استعماله في حقوق العباد والاستطالة عليهم" -كما قال ابن القيم- ويؤكده عبارة (بينهم) فهو تعدي أفراد المجتمع الواحد بعضهم على بعض.

تم قراءة المقال 436 مرة