الجمعة 9 ربيع الأول 1443

تحرير الفكر السياسي الإسلامي

كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

تحرير الفكر السياسي الإسلامي
يهتم كثير من المعاصرين بمجال السياسة ثم يقفز إلى كتب التراث الإسلامي دون تأصيل شرعي يمكنه من فهم ما حوته من نصوص واجتهادات، ودون اكتساب للموازين الشرعية التي توزن بها الآراء المختلفة، مكتفيا بما لديه من ثقافة عامة ربما حصلها من كتب التاريخ وتاريخ التشريع الإسلامي، وكل رصيده هو الموازين الغربية الحديثة التي حصلها من دراسته أو محيطه الذي غيبت فيه الشريعة منذ عقود والسياسة الشرعية منذ قرون، فتراه يتصفح مؤلفات الماوردي وأبي يعلى والجويني وابن تيمية وابن القيم باحثا عن نظرية الحق الإلهي والعقد الاجتماعي وعارضا لها على مبدأ السيادة الشعبية والديمقراطية ونحوها، ثم ينقسم هؤلاء الهواة إلى قسمين، قسم يحاكم الشريعة الإسلامية إلى تلك الموازين الغربية والمفاهيم الحادثة، وقسم يحاول تطويع الشريعة حتى توافق تلك المفاهيم ولا تتناقض معها.
فأما القسم الأول فأمره ظاهر إذ هو بطريقة أو أخرى يطعن في السياسة الشرعية وصلاحيتها لزماننا، وربما يقدح حتى في صلاحيتها في زمان تأليف تلك الكتب، ومن يريد منهم تجنب الطعن في الشريعة حفاظا على انتماءه للإسلام؛ أو حتى لا يصدم المسلمين، فيحوّل سهامه إلى العلماء المؤلفين في هذا الباب فيطعن في نياتهم ويجعلهم خداما للسلاطين المستبدين مطوعين للشريعة حسب أهوائهم، وحقيقة الطعن في العلماء جميعا هو الطعن في الدين ذاته؛ إذ الدين لا يحفظ إلا بهم، والعصمة وإن كانت منتفية عن آحادهم؛ فهي ثابتة لمجموعهم؛ حيث قضى الله تعالى أن لا تجتمع الأمة على ضلالة، وكثيرا ما يستر هؤلاء عورتهم بمحاولة إقناع القارئ بثقافته الإسلامية وسابق دراسته لفن من الفنون الشرعية، وقد رأيت من يسرد عناوين الكتب ومؤلفيها ويعطى أحكاما جزافية عليها ليوهمنا أنه مستوعب لها، لكنه يترك في طيات كلامه دلائل عدم فهم مقاصد أصحابها؛ أو عدم الاطلاع عليها؛ إذ كثيرا ما يعتمدون على وسائط لا يصرحون بها. وغاية هذا الصنف أن يلقوا في شعور كل مسلم أنه لا وجود لنظام إسلامي خالص، وأن ما احتواه التراث ليس إلا شرائع وضعية أسست لخدمة أوضاع قائمة لا مزية لها على الأنظمة المعاصرة؛ وأنه لا معنى لزعم وجود سياسة شرعية أو نظام إسلامي مخالف لما توصل إليه العقل الغربي.
وأما القسم الثاني: فأمره قد يلتبس على كثيرين؛ لأنه يزعم استثمار التراث لاستلهام نظريات إسلامية تؤسس لسياسة شرعية معاصرة، لكن تكوينه الذي صنع وعيه الذاتي ودراسته التي صنعته عقله، جعلته يحاول البحث عن شبح الديمقراطية في الشورى وعن وهم السيادة الشعبية في الإجماع وعن نظرية العقد الاجتماعي وغيرها، فتجده يقول هذا الماوردي يوحي إلى كذا وهذا ابن تيمية يشير إلى كذا ، فيتعلقون بالأوهام التي سببها بتر النصوص وسوء الفهم، وكتابات هؤلاء لا تخلوا من تأثر بالقسم الأول حيث يسعى بعضهم إلى دفع اتهاماتهم للشريعة؛ لكنهم يدفعون باطلا بباطل، حيث يسلمون لهم منطلقاتهم، كما قد يسلمون لهم طعنهم في العلماء لكن يخصون الجويني بتهمة شرعنة الاستبداد دون من قبله أو يستثنون ابن تيمية فيجعلونه منقذا للفكر الإسلامي من ورطة التيوقراطية، وأهل هذا القسم أيضا مختلفون فقد تجد بعضهم يرد على بعض فيصفه بعدم الموضوعية وهو واقع في مثل ما عابه، وجميعهم يرهب كلمات القوة والشوكة والغلبة حتى لو ارتبطت بشرط التولية لا بطريقة التولية، وكأن حاكم جمهوريتهم الفاضلة لابد أن يكون بلا "لوبي" يدعمه ولا "مهابة" توجب طاعته، ولا "جند" يفرض بهم النظام.

تم قراءة المقال 380 مرة