الأحد 26 محرم 1445

من فتاوى محمد يحيى الولاتي في مظاهر الشرك في الربوبية والألوهية

كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

من فتاوى محمد يحيى الولاتي في مظاهر الشرك في الربوبية والألوهية
أولا : فتوى في شرك الربوبية
قال محمد يحيى الولاتي (ت:1330هـ) رحمه الله :"وأما ما أثبتوه لهم مما ينافيه الشرع العزيز بأن كان خارما لإجماع أو مخالفا لنص قطعي فإنه مردود عليهم، مثل قولهم أي بعض المتصوفة إن الذي يدبر الأمر في كل عصر قطبه أي ذلك العصر، ويقولون هو عماد السماء ولولاه لوقعت على الأرض ، وهذا القول كفر أو قريب من الكفر -أعاذنا الله منه- لما فيه من الشرك واعتقاد الوحدة بين الخالق والمخلوق، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، ويكذبه صريحا قوله تعالى (قُلْ مَنْ يَّرْزُقُكُم مِّنَ اَ۬لسَّمَآءِ وَالَارْضِۖ أَمَّنْ يَّمْلِكُ اُ۬لسَّمْعَ وَالَابْصَٰرَ وَمَنْ يُّخْرِجُ اُ۬لْحَيَّ مِنَ اَ۬لْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ اُ۬لْمَيِّتَ مِنَ اَ۬لْحَيِّ وَمَنْ يُّدَبِّرُ اُ۬لَامْرَۖ فَسَيَقُولُونَ اَ۬للَّهُۖ) (يونس:31) ففي الآية تصريح بأن الذي يدبر أمر العالم كله هو الله تعالى، وأن قول المتصوفة إن القطب هو الذي يدبر الأمر كذب باطل من نزغات الشيطان، سواء قالوا إنه يدبر الأمر بإذن الله أو بغير إذنه ، فإن قالوا بغير إذنه فقد أفردوا القطب بالربوبية والملك، وذلك كفر صريح، وإن قالوا بإذنه قلنا : قد قال عبدة الأصنام هذه القولة قبلكم فقالوا إن أصنامهم هي المدبرة لأمورهم بإذن الله تعالى، ولم يخرجهم عن دائرة الشرك-نعوذ بالله منه- بدليل قوله تعالى ( وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ اَ۬لسَّمَٰوَٰتِ وَالَارْضَ وَسَخَّرَ اَ۬لشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اَ۬للَّهُۖ ) (العنكبوت: 61) وقوله تعالى : (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اَ۬للَّهُۖ فَأَنّ۪ىٰ يُوفَكُونَۖ) (الزخرف:87) وبدليل الآية المتقدمة وهي قوله تعالى : (قُلْ مَنْ يَّرْزُقُكُم مِّنَ اَ۬لسَّمَآءِ وَالَارْضِۖ أَمَّنْ يَّمْلِكُ اُ۬لسَّمْعَ وَالَابْصَٰرَ وَمَنْ يُّخْرِجُ اُ۬لْحَيَّ مِنَ اَ۬لْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ اُ۬لْمَيِّتَ مِنَ اَ۬لْحَيِّ وَمَنْ يُّدَبِّرُ اُ۬لَامْرَۖ فَسَيَقُولُونَ اَ۬للَّهُۖ) (يونس:31) ففي الآيات التصريح بأن المشركين مقرون بأن الله هو الخالق الرازق المسخر المالك المدبر للأمر، ولم ينفعهم ذلك حين أسندوا ذلك مجازا لأصنامهم لما في ذلك من الشرك، فكان من نسب تدبير السماء والأرض وما فيهما إلى القطب، فإنه مشرك ولا ينفعه اعتذاره بأن ذلك بإذن الله تعالى والله أعلم "..الرحلة الحجازية ت محمد حجي ط2- (ص319)
ثانيا : فتوى في شرك الألوهية
وسئلت أيضًا عن الحكم الشرعي فيما يفعله أهل المغرب من الذبح على قبور الصالحين تقربًا بهم في قضاء حوائجهم وندائهم للموتى واستغاثتهم بهم يطلبون منهم حوائجهم، يقولون يا فلان اقض لي حاجتي الفلانية، ومنهم من يقول يا فلان توسلت بك إلى الله تعالى في قضاء حاجتي. فسئلتُ عن الذبح المذكور هل هو بدعة محرمة فقط أو كفر أعاذنا الله منه أو كبيرة فقط؟ وعن طلب الحوائج من الأولياء أصحاب القبور والاستغاثة بهم هل هو بدعة محرمة أم لا؟.
فأجبت، والله الموفق للصواب، وإليه المرجع والمآب، بأن الذبح على قبور الأولياء تقربًا إليهم في قضاء الحوائج بمنزلة الذبح على الصنم تقربًا إليه بذلك. فإن قالوا نحن لا نعتقدهم آلهة ولكنا نتقرب إليهم بالذبح ليتوسطوا بيننا وبين الله تعالى في قضاء حوائجنا، قلنا لهم كذلك عبدة الأصنام فإنهم قالوا مثل هذه القولة ولم يخرجهم ذلك عن دائرة الشرك- أعاذنا الله منه- كما حكي الله تعالى ذلك عنهم بقوله (مَا نَعْبُدُهُمُۥٓ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى اَ۬للَّهِ زُلْف۪ىٰٓۖ) (الزمر:3) فلا فرق بين من تقرب إلى الولي بالذبح عند قبره في قضاء حوائجه يعتقد أنه واسطة بينه وبين الله تعالى وبين عابد الصنم في تقربه إليه بالذبح عنده لقضاء حوائجه يعتقد أنه واسطة بينه وبين الله تعالى، لأن الولي مخلوق لا ينفع ولا يضر ولا تأثير له كما أن الصنم كذلك، فقد كان الذبح على الأصنام والذبح على القبور من سنة الجاهلية فحرَّمها الله تعالى على لسان نبيه -صلى الله عليه وسلم- وحرَّم تعالى في كتابه العزيز الذبح على الأصنام تقربًا إليها وجعله كفرًا بقوله تعالى (وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ اِ۬للَّهِ
بِهِۦ) (المائدة:3) وقوله تعالى (وَمَا ذُبِحَ عَلَى اَ۬لنُّصُبِ) (المائدة:3)ولم يقبل منهم اعتذارهم بقولهم (مَا نَعْبُدُهُمُۥٓ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى اَ۬للَّهِ زُلْف۪ىٰٓۖ) وحرم الله تعالى أيضًا على لسان نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- الذبح على القبور بقوله صلى الله عليه وسلم: «لا عقر في الإسلام»، رواه أبو داود في سننه عن أنس. فقد كان من سنة الجاهلية الذبح على القبور وحرمه الله تعالى على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم كما حرم الذبح على النصب أي الأصنام. فمن ذبح على قبور الأولياء تقربًا إليهم فقد أحيا سنة الجاهلية التي أماتها الشرع العزيز قبله.
فإن قالوا نحن نذبح على اسم الله تعالى وعبدة الأصنام يذبحون على اسم الصنم، وهذا فرق بيننا وبينهم.
قلنا لهم هذا لا ينهض فرقًا ولا حجة لأنكم تذبحون على اسم الولي مع اسم الله تعالى فتقولون بسم الله هذه ذبيحتك أيها الشيخ فلان، واعتقادكم في حالة الذبح مع اسم الولي لا مع اسم الله تعالى، لأن الولي هو الذي تطلبون منه قضاء حوائجكم، فهو المقصد الأعظم عندكم. فذكركم لاسم الله تعالى عند الذبيح إنما هو صورة لفظ لا يصحبها قصد، ونظر الله تعالى إنما هو إلى القلوب لا إلى صورة اللفظ. فقد ثبت في الحديث الصحيح أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : " إن الله لا ينظر إلى صوركم وأعمالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم ) قال تعالى : (لَا يُوَ۬اخِذُكُمُ اُ۬للَّهُ بِاللَّغْوِ فِےٓ أَيْمَٰنِكُمْۖ وَلَٰكِنْ يُّوَ۬اخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ اُ۬لَايْمَٰنَۖ) (البقرة:225) ففي الحديث والآية التصريح بأن نظر الله تعالى مَنَاطُهُ نية العبد لا عمله ولا قوله. ومعلومٌ ضرورةً أن الذابحين على قبر الولي مقصودهم الأعظم إنما هو التقرب إلى ذلك الولي لا التقرب إلى الله. وكذلك إذا قلت لأحدهم إن كنت لا تقصد التقرب إلى الله تعالى بذبيحتك على قبر الولي فلان فاذبحها في بيتك على اسم الله فقط وتصدق بلحمها على المساكين فإنه لا يساعدك في ذلك أبدًا، ولا يقبل إلا ذبحها عند القبر.
فإن قالوا: الفرق بين الذبح على قبر الولي والذبح على الصنم أن الصنم جماد والولي صالح من صلحاء الأمة المقربين عند الله؛ فتعظيمه بالذبح ليس كتعظيم الجماد الذي هو الصنم، ونحن لا نقصد إلا تعظيم الولي ولا نقصد تعظيم القبر الذي هو جماد كالصنم.
قلنا لهم: تعظيمكم للولي بذبحكم على قبره بمنزلة تعظيم النصارى- لعنهم الله تعالى- في زعمهم لعيسى -عليه السلام- يذبحهم على صورة الصليب التي هي جماد.
فإن قالوا : لسنا كالنصارى في ذلك فإن النصارى يعتقدون أن الصليب ربهم وأن عيسى ابن الله، تعالى الله عن ذلك كله علوًا كبيرًا، ونحن لا نعتقد في القبر أنه رب ولا أن صاحبه ابن الله تعالى.
قلنا لهم: أما قولكم إنكم لا تعتقدون في صاحب القبر أنه ابن الله فصحيح فإنكم لا تعتقدون ذلك ولا تقولونه بألسنتكم. وأما قولكم إنكم لا تعتقدون أنه رب فكذب، فإنكم وإن لم تقولوا بألسنتكم إنه ربكم فإنكم تعتقدون إثبات صفة الرب له فتعتقدون فيه التأثير بالنفع والضر، واعتقاد التأثير لغير الله تعالى كفر- أعاذنا الله منه-.
فإن قلتم نحن لا نعتقد فيه التأثير أصلًا.
قلنا لهم معيار ذلك أن تذبحوا في بيوتكم وتتصدقوا بلحم الذبيحة وتنووا ثواب الصدقة لأنفسكم أو لوالديكم وتتوسلون إلى الله في قضاء حوائجكم بعملكم الصالح هذا الذي هو الصدقة المذكورة، فإن توسل العبد إلى الله تعالى بعمله الصالح وردت به السنة الصحيحة كما في حديث أصحاب الصخرة الثلاثة الذين أواهم المطر إليه فانطبقت عليهم فتوسلوا إلى الله تعالى بأعمالهم الصالحة فانفرجت عنهم. توسل أحدهم ببره لوالديه، وتوسل الثاني إلى الله تعالى بوفائه لأجيره في أدائه حقه إليه بعد نمائه، وتوسل الثالث بعفافه عن الزنى بمحبوبته بعدما مكنته من نفسها، وحديثهم أخرجه البخاري في صحيحه. فلو كنتم لا تعتقدون التأثير في الولي لما أتعبتم أنفسكم في سوق الذبيحة إلى قبره، فلولا اعتقادكم التأثير فيه ما سقتموها إليه بل ولا خصصتموه بها والله أعلم.
وقد أفتى العلماء قبلنا بتحريم الذبيحة على قبور الأولياء وقالوا إنها كالذبح على الأصنام...فبان لك أيها الناظر أن النذر للقبور والذبح عليها داخل في عموم الشرك- أعاذنا الله منه- لشمول قوله تعالى (وَمَا يُومِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشْرِكُونَۖ) (يوسف:106) له.
ومن علامة أنهم يعتقدون التأثير بالنفع والضر في أصحاب القبور أنهم ينفرون ممن يرشدهم إلى الاستغاثة بالله وحده والذبح له والتصدق بالمذبوح على المساكين، لا سيما إذا قال لهم هذا الولي الذي تذبحون على قبره لا ينفع ولا يضر فينفرون ممن يرشدهم إلى نحو هذا الرشد وتشمئز قلوبهم من كلامه، ويفرحون لمن يقول لهم الولي سيدي فلان لا يذبح أحدٌ على قبره لحاجة إلا قُضيت، ولا مريضٍ إلا برئ، ولا مكروبٍ إلا فرج عنه، فيستبشرون ويهشون لصاحب هذا الكلام الباطل الزائغ عن الحق، فيصدق عليهم قوله تعالى (وَإِذَا ذُكِرَ اَ۬للَّهُ وَحْدَهُ اُ۪شْمَأَزَّتْ قُلُوبُ اُ۬لذِينَ لَا يُومِنُونَ بِالَاخِرَةِۖ وَإِذَا ذُكِرَ اَ۬لذِينَ مِن دُونِهِۦٓ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَۖ) (الزمر:45) أعاذنا الله من حالهم وأرشدنا وإياهم إلى طريق الصواب.
ومنهم من إذا نهيته عن الذبح على القبور والاستغاثة بهم وطلب النفع منهم وتلوت عليه قوله تعالى (إِنَّ اَ۬لذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اِ۬للَّهِ لَنْ يَّخْلُقُواْ ذُبَاباٗ) (الحج:266) الآية، وقوله تعالى (وَالذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اِ۬للَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَئْاٗ وَهُمْ يُخْلَقُونَۖ ٢٠ أَمْوَٰتٌ غَيْرُ أَحْيَآءٖۖ ) (النحل:20-21) وفسّرت له الآية بأنها شاملةٌ لدعاء الأولياء والاستغاثة بهم لأنهم من الذين من دون الله تنكر لك وجهه ويكاد يبطش بك لو قدر فيصدق عليه قوله تعالى (وَإِذَا تُتْل۪ىٰ عَلَيْهِمُۥٓ ءَايَٰتُنَا بَيِّنَٰتٖ تَعْرِفُ فِے وُجُوهِ اِ۬لذِينَ كَفَرُواْ اُ۬لْمُنكَرَ) (الحج:72) ففي هذه الآية والآيتين قبلها النعي على من يدعو الأولياء من دون الله ويتقرب إليهم بالذبح والله أعلم.
الرحلة الحجازية (ص325-330)

تم قراءة المقال 79 مرة