الاثنين 27 رمضان 1444

من فقه زكاة الفطر

كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

من فقه زكاة الفطر
   من مقاصد الصيام المعروفة الشعور بحاجة الفقراء، وقد ناسب ذلك تشريع مواساتهم أثناء شهر الصيام وفي نهايته، إذ في الناس من يمضى نهاره في رمضان صائما وليله طاويا ويوم العيد لن ينعم بالفرحة لحمله هم قوته، فرغب النبي صلى الله عليه وسلم في إطعام الصائم الفقير وجعل لمن أطعمه مثل أجره، وأوجب زكاة الفطر في نهاية الشهر لتكون طهرة للصائم ولتتم فرحة الفقير بكفايته عن السعي أو السؤال، وليكون يوم العيد يوم عطلة رسمية مضمونة الرزق للجميع، يتفرغون فيها لصلة الأرحام وإدخال السرور على الأهل والأولاد.
   وقد حرص النبي صلى الله عليه وسلم على تكثير هذا الطعام المخرج من خلال : 1-تعميم هذه الزكاة وجعلها غير مختصة بالأغنياء عامة لكل من عنده قوت يومه وزيادة، مقدرة بحسب الرقاب دون نصاب، 2- ثم تقديرها بصاع من طعام مع أن الفرد المسلم يكفيه منه مد أو مدان على أكبر تقدير، وننبه أن تقدير الزكاة بالصاع هو تقدير للواجب المجزئ والزيادة تمنع في التشريع، ولا تمنع في الأداء وهي صدقة واحتياط –خلافا لمالك رحمه الله-..
    واختلاف العلماء في وقت الوجوب هل هو إدراك مغرب ليلة العيد أو الفجر، له ارتباط بتعين الوجوب، وليس تحديد زمن الإخراج –إلا على رأي ضعيف- فكل المذاهب تجيز إخراج الزكاة قبل العيد؛ فمنهم من أجاز إخراجها قبله بيومين، ومنهم من زاد الثالث ومنهم من قال من نصف الشهر، ومنهم من قال من أوله وقيل غيرهذا...وقصة أبي هريرة مع الشيطان في نظري عمدة في فقه هذه المسألة؛ فزكاة الفطر كانت مجموعة قبل أكثر من ثلاثة أيام من العيد وكان أبو هريرة مكلفا بحراستها .. وقد أعطى منها الشيطان لما زعم أنه فقير قبل ثلاثة أيام من العيد على الأقل ثم زاده وزاده...وهذا يؤيد قول من أجاز إعطاءها من أول رمضان لأنه لا مانع من هذا التقديم بعد وجود السبب وهو الصيام، لكن لا ينبغي أن يكون التعجيل عاما في الأمة؛ حتى لا تستهلك وينتقض المقصود الأهم وهو الإغناء يوم العيد.
    وفي قصة أبي هريرة أيضا تشريع جمعها في مكان واحد وتوزيعها منه -في المنطقة الواحدة-، وهذا من شأنه أن يضمن تعميم التوزيع للفقراء مع عدالته، كما أنه يعطي من يسهر على توزيعها سلطة تقديرية في تعجيل تقديمها قبل العيد بأيام -وربما من منتصفه- وذلك حسب الكمية المجموعة والمتوقع جمعها بالنسبة لعدد فقراء المنطقة، بهذا نُحصِّل الإغناء الواجب يوم العيد والمستحب قبله، وقد يصبح الفقير غنيا قبل العيد فيؤدي هو أيضا زكاته ولهذا الصنيع أثره الديني والنفسي والاجتماعي.
    وقد يتهاون بعض الناس أو يغفل عن إخراج زكاته قبل العيد حتى يدركه صباحه وليس له القوت الكافي ولا يجد المكان الذي يشتري منه ..فهل نأمره بقضائها بعد الصلاة، أم نرخص له بإخراجها نقدا ليدرك الوقت، قولان محتملان أظهرهما التأخير والقضاء لظهور معنى التعبد في القوت..ولأن القضاء يشرع في حق من لم يتذكرها إلا بعد الصلاة..وما أبيح للضرورة أو استثناء للحاجة لا يجوز جعله شرعا عاما في كل الأحوال..
   ومن العادات المرتبطة بعيد الفطر في بعض المناطق "الوزيعة" حيث يشترك القادرون حسب الاستطاعة أو اقساط معينة لشراء البقر وذبحها وتوزيع لحمها على جميع سكان القرية فقرائها وأغنيائها من دفع ومن لم يدفع من دفع كثيرا ومن دفع قليلا ، وهذه عادة حسنة تحقق المقصود المشار إليها إلا ان ربطها باللحم يرجع إلى عهد الاستعمار حيث كان الفقر عاما واللحم لا يؤكل إلا الاعياد والمناسبات، وإني أرى تغيير توقيتها إلى ما قبل رمضان لأن حاجة الناس اختلفت، واللحم صار يطلب في رمضان لا في العيد..
   ومن محدثات العصر "فقه رمضان" التي كانت شكلا من أشكال تضامن الدولة وتوزيع المال العام على المحتاجين والفقراء في شهر رمضان، وقد اختاروا أن تكون المساعدة عينية لا نقدية ..لأنهم قدروا المصلحة فيها في هذا الشهر ..ثم لعدم الكفاية أو لإرادة التخلي عن هذا المشروع حول إلى المساجد ليصير شكلا من أشكال التضامن الشعبي ..

تم قراءة المقال 126 مرة