الأربعاء 17 جمادة الأول 1445

من وحي طوفان الأقصى (5) : الموافقات التاريخية

كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

من وحي طوفان الأقصى (5) : الموافقات التاريخية
   ونحن نتتبع الأحداث المتتابعة التي يمر بها قطاع غزة، ترجع بنا الذاكرة إلى أحداث مماثلة لها في تاريخ جهاد الجزائر المجيد؛ تماثل وتوافق قد يكون ناتجا عن دراسة المقاومة الفلسطينية لتاريخ حركات التحرر الحديثة لتأخذ منها العبر، وقد يكون من ثمار حكمة العقول المدبرة والمخططة لمعركة طوفان الأقصى من غير اعتبار بالغير، ومهما يكن فإنها موافقات إن لم تكن مقصودة فإنها تتضمن موافقات قدرية، وقد اتفقت في الفعل كما اتفقت في الأثر المرجو، وإن المؤمل أن تكون نهاية معركة الطوفان وما يتلوها من معارك هذه الحرب الطويلة هو دحر العدو وإسقاط دولته وإزالتها من الأراضي الفلسطينية كلها كما زال الاحتلال الفرنسي عن الجزائر.
الهجوم الشامل ونتائجه
   إن ذلك الهجوم الكاسح الذي كان فجر يوم السابع من أكتوبر ودام يوما واحدا؛ ثم رجع المجاهدون إلى قواعدهم بعد أن كبدوا العدو خسائر كبيرا في الأرواح والعتاد؛ ليذكر كل عارف بمحطات حرب تحرير الجزائر بهجوم الشمال القسنطيني الذي حدث في يوم واحد وهو يوم 20 أوت 1955م، وإذا كان هجوم المقاومة قد شمل كل مدن وثكنات ما يعرف بغلاف غزة ، فإن هجوم الشمال القسنطيني قد غطى أيضا نحو 26 مدينة وقرية، استهدف فيها كل المنشآت الحيوية الاستعمارية، ومراكز الشرطة والجيش، ومزارع المعمرين، وقد تمكن المجاهدون الجزائريون من احتلال عدة مدن وقرى في هذا اليوم الأغر قبل رجوعهم إلى قواعدهم غانمين.
   وإذا كان الهدف الأساس المعلن على لسان المقاومة الفلسطينية؛ هو فك الحصار المضروب على المسجد الأقصى، فإن من أهداف هجوم الشمال القسنطيني الظاهرة يومها هو فك الحصار العسكري عن منطقة الأوراس التي تقع جنوب الشمال القسنطيني  .
    وكما كان الرد الصهيوني بالوحشية التي رأينا ورأى العالم أجمع في هذه الأيام الخوالي، ولا تزال أعداد ضحاياه في تزايد وقد تعذر ضبطها ضبطا دقيقا، فقد ردّت السلطات الاستعمارية الفرنسية يومها بوحشية منقطعة النظير على تلك الهجمات، فشنت حملة اعتقالات واسعة شملت آلاف المدنيين، ونكلت بأعداد لا تحصى منهم، وأحرقت المزارع وقصفت القرى من الجو والبر، وارتكبت مجازر رهيبة منها مجزرة ملعب سكيكدة الذي حشرت فيه الآلاف من الرجال والنساء والأطفال والشيوخ وأعدمت كثيرا منهم بدم بارد انتقاما لخسائرها الفادحة، وقد قدر عدد ضحايا تلك العمليات الإجرامية ما بين الـ12000 و13000جزائري .
   وكما أن بني صهيون قد قاموا بتسليح المستوطنين في الضفة الغربية للمشاركة في الحملة الانتقامية، فإن فرنسا قد قامت أيضا بتسليح المعمرين الأوربيين، فشكلوا ميليشيات ساندت الجيش في العمليات الانتقامية.
  وكان من الآثار العاجلة المحصلة لطوفان الأقصى تحطيم الأساطير التي نسجت حول جيش الاحتلال المرتب الخامس عالميا، وهذا أول ما حصله هجوم الشمال القسنطيني؛ فقد حطم في نفوس الجزائريين ما غرس فيها من أن جيش فرنسا لا يقهر .
   ومما أفرزه هجوم الشمال القسنطيني توسع رقعة الثورة حيث انضمت مناطق كثيرة إليها بعد الهجوم، كما ازداد عدد المنخرطين في صفوف جبهة وجيش التحرير الوطني من جميع فئات الشعب وعلى اختلاف انتماءاتهم.
   وهذا ما نتمنى أن يحدث إثر هذا الطوفان على الوجه التام والأكمل وإنه لقريب وليس ذلك على الله تعالى بعزيز.
   ومن آثار هجوم الشمال القسنطيني التشهير بالثورة الجزائرية في العالم ولفت الانتباه إليها، والدفع إلى إدراج ملفها في جلسات الأمم المتحدة، وكان ذلك في دورتها العاشرة سبتمبر – نوفمبر 1955.
   ولقد دفعت الأعمال الاجرامية الانتقامية للعدو الصهيونية -التي أعقبت الطوفان- إلى عودة القضية الفلسطينية إلى أروقة مجلس الأمن والأمم المتحدة، وإن كانت تلك العودة لم تؤت ثمارها؛ فإن الأثر على شعوب العالم كان عظيما جدا، وقد صرفت الأنظار عن كل الأحداث الساخنة وبؤر التوتر في العالم، حتى نسي الناس حرب أوكرانيا وأزمة تايوان ومعارك السودان.
ساعة الصفر
   لقد اختارت المقاومة الفلسطينية صبيحة السابع من أكتوبر الذي يصادف نهاية احتفالات عيد العرش اليهودي، كما اختار المجاهدون في الجزائر انطلاق الحرب التحريرية ليلة 31 أكتوبر إلى 01 نوفمبر المصادف لعيد جميع القديسين عند النصارى الكاثوليك.
إلا أن إخواننا في غزة اختاروا أفضل أوقات الإغارة، وهو بعد الصبح وليس ساعة 00 كما فعل الجزائريون.
   ولقد سمعنا العدو وحلفاءه جميعا يصفون عملية طوفان الأقصى بالعملية الإرهابية رغم أنها عملية مندرجة ضمن حق الدفاع المشروع ضد المحتل وأعماله الإجرامية التي لم تنقطع يوما ، وكذلك أصبحت الجرائد الفرنسية معلنة في صفحاتها الأولى عن حدوث أعمال إرهابية في ربوع الجزائر، وقد لازم ذلك الوصف المجاهدين طوال سنوات الكفاح إلى حين طرد فرنسا من الجزائر.
التحالف الغربي
  وفي سياق ذكر حلفاء الكيان نذكر أنه كما سمعنا مسارعة دول من الحلف الأطلسي وعلى رأيها الولايات المتحدة إلى تأييد الكيان الغاصب في حقه المزعوم في الرد والانتقام تأييدا سياسيا وعسكريا وماليا، فإن دول هذا الحلف قد ساندت فرنسا كذلك منذ نوفمبر 1954 حيث حصلت الأخيرة على دعم بمختلف الأسلحة الجوية والبرية ودعمت بمدربين أمريكيين وبفيالق من ألمانيا الاتحادية وغيرها من دول الحلف، وفي وثائق الثورة ما يدل على مشاركة غير الفرنسيين وقد أطلق (كما هو موثق في جريدة المجاهد عام 1959 م) 2071 أسيرا ألمانيا و439 إسبانيا و447 إيطاليا، ولذلك كثيرا ما نسمع أن الجزائر هزمت فرنسا ومن ورائها الحلف الأطلسي، ونحن نقول اليوم إن جرائم الاحتلال في غزة لا يتحملها الكيان الصهيوني وحده ولكن يتحمل وزرها كل الدول التي أيدتها: الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا، ولن يمحو إثمها ومسؤوليتها تراجعٌ في الموقف، أو تلطف في الخطاب، أو تقديم مساعدات إنسانية مهما عظمت.
سفارة الأسرى
لقد كان من أهداف طوفان الأقصى المعلنة أسر ما أمكن من الجنود وأخذ عدد من المدنيين كرهائن ليتم فداؤهم بجميع الفلسطينيين الذين يملؤون سجون الاحتلال، وهو ما عبرت عنه المقاومة بتبييض السجون، وما إن بدأت عمليات الإطلاق لدواع إنسانية والتي صحبتها تسجيلات لبعضهم وتلتها عمليات التبادل؛ حتى ظهرت نتيجة أخرى كان وقعها أعظم من عملية التبادل في حد ذاتها، وهي تصريحات اليهود المسرحين المثنية على التعامل الحسن للمقاومين لهم وما قدموه لهم من رعاية وإحسان، ولقد كانت صور التوديع أعظم الشهادات وأبلغ من الكلمات ، الأمر الذي دحض كل الدعاوي والأكاذيب المعادية التي تصف المقاومين بالوحشية ونحوها، وفي الجهة المقابلة فإن عملية إطلاق الأطفال الفلسطينيين الأسرى قد صدم العالم أجمع؛ لأنه أظهر حقيقة مرة كانت خفية، وأما شهادات المسرحين المسموعة والمكتوبة والمصورة والمنقولة بالواسطة؛ فقد كشفت اللثام عن أحق الناس بوصف الإرهاب والوحشية والهمجية.
   وهذا الأمر يذكرنا بما كان يعانيه الجزائريون في سجون الاحتلال من تعذيب وتنكيل، كما يذكرنا أيضا بعملية إطلاق الأسرى الفرنسيين وغيرهم التي قام بها جيش التحرير الوطني ، وهو وإن لم يرق في حدود علمي إلى عملية التبادل، فقد حقق أهدافا إعلامية عظيمة للثورة، حيث كشفت اعترافات وتصريحات الأسرى زيف الدعاية الفرنسية ضد الثوار، حيث أكدوا على أنهم وجدوا من المجاهدين معاملة إنسانية طيبة-وهي المعاملة التي تفرضها الشريعة الإسلامية-، وقد نقلت جريد المجاهد سنة 1959 شيئا من تلك التصريحات نقلا عن غيرها، ومن تلك التصريحات قول أحدهم :"إننا نحب أن نعلن عن المعاملة الطيبة التي لقيناها من الوطنيين الجزائريين فلم نتعرض أبدا للشتم أو الإهانة، ولم يستعمل ضدنا أي ضغط مادي أو معنوي، كنا نتناول طعامنا قبل الجميع، وفي بعض الأحيان كنا نخجل من هؤلاء الرجال الذين يعاملوننا بمنتهى الطيبة والروح الإنسانية في الوقت الذي خربت ديار أكثرهم وقتلت عائلاتهم" وقال أيضا :"وأضاف: “كنا نظن أننا وقعنا بين أيدي عصابة من القتلة، ولكننا اكتشفنا جيشا نظاميا ولقينا رجالا يمتازون بالنظام والحماس والعزيمة القوية، ويكافحون لتحقيق مثل أعلى يؤمنون به".
الموافقات المأمولة  
لعل من الموافقات التي نأمل تحققها أن يأتي يوم تتوحد فيها الفصائل الفلسطينية كلها على مبدأ تحرير كل فلسطين، كما توحدت جل الأحزاب الجزائرية تحت لواء جبهة وجيش التحرير الوطني، وأن تعلن رفض مخطط التقسيم لا أن تترجى تطبيقه كما رفضت جبهة التحرير الوطني مقترح فرنسا بتقسيم الجزائر وفصل شمالها عن جنوبها، لأنه لا يقبل بالتقسيم إلا دعيٌّ لا يؤمن بعدالة قضيته ومطلبه، وأما الصادق المؤمن بقضيته فلا يقبل التنازل عن شبر من أرضه، والذي نتمناه أن يتم التوحد عن قناعة جماعية بوحدة الهدف والمصير، وأن لا يستغرق الوقت الذي استغرقته جبهة التحرير الوطني، وأن لا يدفعوا إلى السير في مسارها الذي كان مكلفا جدا.      

تم قراءة المقال 472 مرة