الدرس السادس: توحيد الربوبية
وهو الإقرار بأن الله تعالى هو خالق كل شيء والمتفرّد بملك السموات والأرض وتدبير أمرها فلا يكون في ملكه إلا ما يريد، فهو المتفرّد بالخلق والملك والتدبير ومنه الرّزق والإحياء والإماتة.
أولا: الخلق : إن الله تعالى هو خالق كل شيء موجود في هذا الكون من أعيان وأعمال، قال تعالى: (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) (الأنعام:102)، وقال سبحانه عمّا يعبد من دونه: ( إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ ) (الحج:73).
ثانيا: الملك : إن الله تعالى ملك السموات والأرض ومن فيهن، لا شريك له في ملكه، يؤتي الملك من يشاء وينزعه ممن يشاء، قال الله تعالى: (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (الملك:1)، وقال سبحانه : ( قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (آل عمران:26).
ثالثا: التدبير: إنّ الله تعالى هو المدبّر لأمر الكون كله، وقد أحكمه ولا مضاد لأمره ولا معقب على حكمه، ، قال الله تعالى: ( إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (الأعراف:54)، وقال سبحانه : ( إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ) (يوسف:40)، ويدخل في معنى الأمر-وهو الحكم- الأمر الكوني والأمر الشرعي.
رابعا: الرزق ومن معاني التدبير الرزق؛ فالله تعالى هو الذي يعطي الأرزاق للخلق جميعا، الأرزاق الظاهرة للأبدان والباطنة للقلوب، قال تعالى: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) (هود:6)، وقال سبحانه: (هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (فاطر:3)، قال تعالى : ( واتقوا الله ويعلمكم الله ) (البقرة 282).
خامسا: الإحياء والإماتة: ومن معاني التدبير الإحياء والإماتة، قال تعالى: ( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (الروم:40).
هل كان كفار العرب مقرين بهذا التوحيد؟
الجواب: نعم، كانوا مقرين به في الجملة؛ لذلك يقول المولى عز وجل: (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ) (يوسف:106)، أي يؤمنون بالربوبية ويشركون في الألوهية أو العبادة، ويقول تعالى: (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ ) (يونس:31)، وإنما قلنا إنهم يقرون به في الجملة؛ لما سبق ذكره من إلحادهم في الأسماء والصفات، ولأنهم ضلوا في قضية التشريع أيضا، قال سبحانه: ( سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ)(الأنعام:148).
مظاهر الشرك في الربوبية
1-اعتقاد وجود شركاء لله تعالى في تدبير الكون، كالمجوس الذين يزعمون أن الإله أعطى الكون للشيطان يحكمه ويدبر أمره زمانا، ومثلهم كل من يعتقد أن الله تعالى وكّل تدبير الأرض أو بعض شؤونها إلى موتى يسمونهم أقطابا وأغواثا.
2-إثبات حق التشريع تحليلا وتحريما لغير الله تعالى، كمن يعتقد ذلك في شيوخ الدين أو القبائل، ومثله تحكيم الأعراف والقوانين الوضعية.
3-الزعم بأن الناس يخلقون أفعالهم من دون الله تعالى، وهو قول القدرية الذي وصفوا بأنهم مجوس هذه الأمة.