الدرس الثامن: وقوع المسلمين في الشرك
قال النبي صلى الله عليه وسلم:« ولا تقوم الساعةُ حتى تلحقَ طوائفٌ من أمتي بالمشركين، وحتى تُعبدَ الأوثان» -رواه أبو داود وابن ماجة والترمذي وصححه-، وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم فقد تحقّق ما أخبر به فعاد الشرك لينتشرَ في الأمة انتشارَ النار في الهشيم في عصور الانحطاط، وبرزت له مظاهرٌ هي أقبح من مظاهر الشرك عند العرب في الجاهلية، ومن ذلك:
1- أن أهل الجاهلية أشركوا في العبادة، والمنتسبون إلى هذه الأمة تعدّى إشراكهم معاني العبادة إلى الإشراك في معاني الربوبية، كمن يعتقد أن الله أوكل تدبير العالم إلى من يسمونهم أقطابا وأوتادا .
2-أن أهل الجاهلية عبدوا من دون الله أنبياء وملائكة وأناسا صالحين، وفي المسلمين اليوم من يعبد من دون الله أناسا معروفين باستباحة المحرمات وترك الواجبات، وقبورا مجهولة بعضها مدفون فيها حيوانات.
3-أن أهل الجاهلية كانوا يرجعون إلى أصنامهم في حال الرخاء دون حال الشدة، كما قال سبحانه: (وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُوراً ) (الإسراء:67)، وفي المسلمين اليوم من يشرك بالله تعالى في الحالين معا، بل يزدادون شركا على شرك في حال الشدّة.
حكم المسلم إذا وقع في الشرك؟
من وقع من المسلمين في هذه المظاهر الشركية لا يلزمُ أن يكون كافرا مشركا، إذ قد يكون معذورا لخفاء تفاصيل التوحيد ونواقضه عليه، فهو مسلم لا يُزال عنه هذا الاسم إلا بيقين، ومن أصول أهل السنة والجماعة العذرُ بالجهل والتأويل والخطأ والإكراه، وأن كفر النوع لا يستلزم كفر العين، بمعنى أنا إذا قلنا :" من قال إن الله في كل مكان كافر" مثلا ؛ فهذا لا يعنى أن كل من قالها يحكم عليه بالكفر تعيينا، إلا إذا علمنا أنّ الحجة بلغته وأنّ الشبهات قد أزيلت عنه جميعها.
من أدلة العذر بالجهل
1-قوله تعالى : (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً ) [الإسراء 15]، فأخبر عن عدله وأنه سبحانه لا يعذب أحدا عذابا دنيويا أو أخرويا على فعل شيء سواء كان كبيرا أو صغيرا حتى تقوم عليه الحجة بإرسال الرسل. فإن قيل قد انقطعت الرسالة، قيل لم ولن ينقطع حملتها لقول النبي صلى الله عليه وسلم :« لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك » متفق عليه.
2-وقوله تعالى: (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ) [النساء 165].
3-وقوله عز وجل : (كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ. قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ) [الملك 8-9] وجهه أنه لن يدخل أحد النار إلا وقد كذب ما جاء به النذير.
4-حديث أبي هريرة مرفوعا :"كَانَ رَجُلٌ يُسْرِفُ عَلَى نَفْسِهِ فَلَمَّا حَضَرَهُ المَوْتُ قَالَ لِبَنِيهِ: إِذَا أَنَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي، ثُمَّ اطْحَنُونِي، ثُمَّ ذَرُّونِي فِي الرِّيحِ، فَوَاللَّهِ لَئِنْ قَدَرَ عَلَيَّ رَبِّي لَيُعَذِّبَنِّي عَذَابًا مَا عَذَّبَهُ أَحَدًا، فَلَمَّا مَاتَ فُعِلَ بِهِ ذَلِكَ، فَأَمَرَ اللَّهُ الأَرْضَ فَقَالَ: اجْمَعِي مَا فِيكِ مِنْهُ، فَفَعَلَتْ، فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ، فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ قَالَ: يَا رَبِّ خَشْيَتُكَ، فَغَفَرَ لَهُ" (متفق عليه) وجهه أنه شك في قدرة الله تعالى ومع ذلك غفر الله له وذلك لتحصيله أصل الإيمان مع وجود عذر منع من استحقاقه الكفر.
أسباب ذيوع الشرك في وسط المسلمين:
1-الانحراف عن منهج القرآن في تلقي العقيدة؛ الذي أدّى إلى جهل الناس عالمهم ومتعلّمهم بمعنى لا إله إلا الله ولوازمها ونواقضها.
2-قُعودُ من عرف حقيقة التوحيد عن تبليغه اشتغالا بالدنيا، أو خوفا على النفس والمنصب، أو طاعة للسادة والكبراء.